إنَّه أمرٌ يدعو إلى التَّساؤل عن سبب انتشار ظاهرة البحث عن المستقبل في عوالم الغيب والتَّنجيم، وهو ما تبدو مظاهره واضحةً من خلال زيادة أعداد العرّافين والمنجّمين على مساحة القنوات الفضائيّة والإعلاميّة المزدحمة، فترى الصّغار والكبار يقفون أمام برامج قراءة الأبراج ومعرفة المستقبل، يستمعون إلى المنجّمين وهم يقرأون لهم الغيب وكأنَّه حقيقة واقعة لا محالة، وتبدأ مخيّلات المتلقّي تعمل بكلّ طاقتها، وتنسج صوراً وأشكالاً حسب قراءتها لما يذكر حول مستقبلها...
والخطورة عند البعض، أنَّهم يحوِّلون هذه التخيّلات إلى واقعٍ يبنون عليه، فيصبح سلوكهم محكوماً عن قصدٍ أو غير قصدٍ، وحتّى في أدقّ تفاصيل حياتهم، إلى كلّ هذا الجوّ المشحون بالتّحليل من قِبَل المنجّمين، فتحوّلوا بفعل ذلك إلى أن يقعوا فريسة هؤلاء الّذين يجنون الثّروات الكبار ...
إنَّ هذه البرامج تحتلّ المرتبة الأولى في نسبة المشاهدة لدى النّاس، وشعبيّة المنجّمين تنافس شعبيّة أصحاب الفنّ والشّهرة. ويعزو البعض من النّاس سبب تعلّقهم بهذه البرامج إلى أنَّها خطوة استباقيّة لمواجهة المجهول، ومن منطلق التّشويق لمعرفة الأمور قبل حدوثها، إضافةً إلى أنّها تجعلهم أكثر معرفةً بالتَّحليل والتعمّق في الأمور السياسيَّة والاقتصاديّة والأمنيّة، كما أنّها تعرّفهم بأحوال يومهم إذا كان صافياً أو معقَّداً بحسب ما يقوله محلّلو الأبراج...
وتستغرب فئة أخرى، وهي فئة الرّافضين لهذه الظّاهرة، تحوّل اهتمام الفلكيّين والعرّافين من الكلام عن أمور اجتماعيّة، إلى الحديث عن توقّعات ترتبط بمستقبل عوالم السياسة والاقتصاد، رغم عدم صدق ما يتكهّنون به في أغلب الأحيان، وهم يعتقدون أنّ ما يحصل من ترويج في وسائل الإعلام للمنجّمين، لا يعبّر إلا عن عمليّة تجاريّة بالكامل، حيث إنّ الاهتمام الكبير بهذه الظّاهرة يؤمّن لقنوات الإعلام الحصول على صفقات الدّعاية المربحة...
وبين هذا وذاك، تبقى الشخصيّة الإنسانيّة هي الخاسر في كلّ هذا الجوّ، لأنّها تستغرق فيه إلى درجة تفقد حسّ النّقد والموضوعيّة، ما يؤثّر في وعيها بشكل عام، ونظرتها إلى الأمور ككلّ، فالمنجّمون هم بشر عاديّون لا يملكون معطيات الغيب ومفاتيحه، حتى يهندسوا حياة النّاس، والمطلوب من النّاس أن يكونوا على مستوى من الوعي، فلا يتمسّكوا بما يقوله هؤلاء وكأنّها الحقيقة الّتي لا تقبل النّقض عندهم، إنّما هي مجرّد تحليلات وتخمينات لا تعبّر عن حقيقة علميّة ثابتة...
ويرى سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض)، أنّ الأفلاك وحركتها أمر كوني، ولكن استكشاف الغيب من ذلك أمر لا دليل عليه، ولا يعلم الغيب إلا الله، أمّا قراءة الطّالع والفنجان فإنّها من الأمور الّتي لا واقعيّة لها، وهو أمر محرّم مع الاعتقاد بكشفه للغيب، وإلا فلا، والأفضل تجنّبه، وما كان من أعمال السّحر والتّنجيم والإخبار بالغيب والمداواة بما لا يستند إلى علم واقع، هو باطل ولا نعتقد به، والقرآن الكريم كتاب هداية، ولا يجوز استخدامه في تلك الأمور...
ولم يثبت أيّ تأثير لعالم الأبراج وحركة الأفلاك في عالم الإنسان، أو استكشاف أوضاعه وأعماله من خلال الأفلاك، وقد وردت أحاديث في حرمة التّنجيم والنّهي عن تصديقه والعمل به...

[فقه الحياة، العدد:297/ مسائل فكريّة، عدد:554].