وجئْتَ من أقصى المدينة سيّداً تسعى، تحمل في يديك بذور الحبّ والعطاء، تنثرها على أرضنا الجديبة، لتنبت مواسم وعي وفكر وجهاد.. جئْتَ تصدح بالحكمة هدّارةً في كلِّ فضاءاتنا ومساحاتنا الجوفاء، ليرتدَّ الصَّدى قوافل الآيبين من عتمة اليباس، إلى ساحات الخصب ومراتع النّور والشَّمس..
جئْتَ تعرج إلى مدارج الطّهر والإيمان، وتشرّع للإنسانيَّة نوافذ وأبواباً نحو مطارح الحبّ والحياة.. وتسدّ عن قلبك كلَّ منفذ للكره والأحقاد.. ألم تقل، سيِّدي، إنَّ الحياة لا تتحمَّل الحقد.. الحقد موت والمحبَّة حياة؟!..
وأحببتنا جميعاً، ونصبت هامتك الصَّلبة متراساً يردّ عنّا شياطين الخرافة والجهل، تدفع غيَّها عن معاقلنا، وتقتلع لها جذوراً مَدَّتْها عميقةً في الأرض.. وتتحمّل عنّا كلّ أذى الجراح؛ من نصال الخرافيّين والجاهلين والمذهبيّين والحاقدين والمتأسلمين والتّكفيريّين... لأنّك لم تهادن.. ولم ترض أن تجامل كلّ من أخَذَتْهُ العزّة بإثم العصبيَّة والمذهبيَّة الحمقاء...
ولأنَّ أمثالك يقصون الأبالسة نحو صناديق العتم، حبكوا مكائدهم، ونسجوا أكاذيبهم، ومكروا مكرهم، والله خير الماكرين.. ولأنَّك أخذت على نفسك عهد المسامحة والعفو، أشفقْتَ عليهم، وشحْتَ بوجهك عنهم، وقلْتَ سلاماً لا أبتغي الجاهلين..
أرادوا أن يقصونا عنك، فازددنا بك تعلّقاً، وبنهجك احتماءً.. نحن الّذين انتظرناك طويلاً، قبل أن نراك تطلّ من شذى أحلامنا وعبق الأمنيات، قبل أن تنتشلنا من متاهات الارتماء في مجهول الأفكار المتلاطمة.. وقبل أن تصبح عيناك خريطة طريقنا نحو الله..
فيا أيّها السيّد المتوهّج حبّاً في قلوبنا.. نم قرير العين، لا خوف على الفجر الّذي تركته لنا، فنحن على خطاك، نستحثّ الخطو إليه، ونحميه بأهداب العيون...
سوسن غبريس