بسم الله الرحمن الرحيم
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
تاريخ النشر : 20130725
النموذج النرويجي
قال رئيس الوزراء المالكي في لقاء جمعه مع عدد من المختصين بالشأن السياسي والاقتصادي يجب أن نفكر ببدائل للنفط . وسأتناول هذه الملاحظة حصرا حيث يعتبر النفط مصدر من مصادر الطاقة المستدامة واكثرها انتشارا . والسؤال الذي يخطر على بال أي عراقي . هل النفط في العراق هو ظاهرة نقمة أم نعمة ؟
في هذا المضمار سوف أنقل لكم تجربة الاستاذ العراقي فاروق القاسم الذي يعمل في شركات النفط النرويجية . واقدم لكم خلاصة كتابة ( النموذج النرويجي ) . وسوف يكون تركيزي في هذه الزاوية حصرا ( ظاهرة نقمة النفط ) . لكي نستفاد من تجارب الدول المتقدمة وكيف نجحت في زيادة الايرادات النفطية والقضاء على البطالة وتحقيق التطور وازالة الفقر والحاجة .
منذ الثمانينات انشغل كثير من الباحثين بالظاهرة المؤسفة التي اطلق عليها اصطلاح ( نقمة النفط ) . فلقد لاحظ كثير من العاملين في المؤسسات التي تساعد الدول النامية ان النفط بدلا من أن يؤدي الى تحسين وضع الدول التي تحظى بوجوده في اراضيها . أدى ويؤدي في الواقع الى ظواهر مؤسفة للبلد المضيف .
1 _ يزداد اعتماد البلد على ايرادات النفط بحيث يصبح الاعتماد كليا على ريع النفط بعد فترة قصيرة من الزمن .
2 _ يتدهور الاقتصاد الوطني غير المرتبط بصناعة النفط تدريجيا مع الزمن . بحيث يكون النمو فيه سلبيا بدلا من أن يتحسن مع زيادة ريع النفط في البلد .
3 _ عند اكتشاف النفط او الغاز في اي بلد . فأن طبيعة البشر تدفع أكثر الناس الى محاولة الاسراع للاستفادة من هذه الثروة الفورية . وهذا يعني أن الاجور العالية في قطاع النفط سوف يؤدي الى ارتفاع مستوى الاجور في القطاعات الاخرى .
وبسبب هذا الارتفاع تخسر الصناعات غير النفطية في البلد اسواقها . وفي هذه الحالة سوف يكون هناك تأثير سلبي بازدياد نسبة البطالة .
4 _ من ناحية اخرى تسبب ايرادات النفط المفاجئة ارتفاعا ملحوظا في قيمة العملة بحيث يخلق رغبة ملحة من قبل المستثمرين على الصعيد الدولي في استثمار أموالهم في البلد . وهذا بدوره يسبب ضغط كبيرعلى العملة المحلية بحيث ترتفع قيمتها مقارنة بالدول المجاورة والدول المنافسة تجاريا وكذلك تزداد قيمة البضائع .
5 _ بسبب اندفاع الكفاءات البارزة في البلد الى الالتحاق بقطاع النفط . ينخفض مستوى الكفاءات المتبقية في الصناعات التقليدية غير النفطية . مما يقلل من جودة البضائع المنتجة مقارنة بمنافسيها في البلدان الاخرى .
وعندما تواجه الحكومة مثل هكذا صعوبات تكون معالجتها بصورة سطحية مثلا عن طريق المنح والتعويضات لبعض الصناعات المهددة . مايزيد البلد على الاعتماد المزيد من الايرادات النفطية بدلا من معالجة العلة جذريا عن طريق منع الارتفاع في تكاليف انتاج السلع غير النفطية .
من الناحية السياسية توفر ايرادات النفط المالية فرصا كثيرة لحكام البلد تمكنهم من تعزيز قبضتهم على السلطة . بإمكانهم مثلا منح المواطنين فوائد فورية التي تجعلهم راضين عن الحكومة من دون ان تكون هذه المنح مشجعة على الانتاج , واحيانا رفع مستوى الرواتب الذي يؤدي الى زيادة الاستهلاك والى زيادة الاستيراد .
وكذلك استعمال ايرادات النفط الى تسليح القوات العسكرية . كذلك تقوية اجهزة المخابرات والشرطة . ولكن هناك نقطة مهمة جدا الا وهي تسرب مليارات الدولارات الى البنوك الاجنبية كأرصدة فردية لحماية المبتزين من احتمال محاسبتهم في المستقبل وهذا مايحدث عندنا في العراق .
لهذا السبب تتسرب ثروة المواطنين من النفط الى حيث لايمكن استعمالها في البلد .
او استرجاعها في وقت لاحق . وهذا التسرب في الواقع ( للثروة الوطنية ) هو أخطر وابشع الظواهر لنقمة النفط .
وفي هذه الظروف المؤسفة تختفي مفاهيم الحكم الرشيد كضمان لأمان المواطنين أو سيادة القانون مما يؤدي الى كثرة الفساد في اجهزة الدولة وباقي مؤسساتها . وتختفي الكفاءة الحكومية والاهلية بحيث ينتفي دورها كأعمدة ضرورية لنظام الحكم . ولأن النفط يمثل طريقا سريعا للثراء لبعض الفئات والافراد . نجد في اغلب الحالات انه يكون سببا للنزاع بين الافراد أو الاحزاب أو العشائر أو الاقاليم التي تطمع في السيطرة على السلطة في مسائل النفط . لأنها ترى في ذلك وسيلة لتحقيق مصالحها الضيقة . ولكي تبرر هذه الفئات اعمالها الانفصالية تستعمل غالبا فساد الاوضاع القائمة في البلد ذريعة لكسب تأييد المواطنين لهم ضد الحكم القائم .
وفي مثل هذه الظروف تظهر للعيان بوادر أزمات جديدة تجر البلاد والعباد الى منزلق خطير بحيث انك تجد من يبرر الرشوة مثلا بكونها السلاح الوحيد لاسناد العائلة وردع الفقر . أو يستعمل الفصل من الوظيفة أو السجن أو فقدان لقمة العيش عقابا ضد عدم الوفاء او التآمر على جهاز الحكم . فتنتشر الفتنة والاتهامات الباطلة . عندها يصعب ترميم روحية وخلقية كثيرين ممن يقعون ضحايا لهذا التفسخ في القيم والمفاهيم . ولعل هذه الظواهر لنقمة النفط أخطرها في الامد البعيد .
أما أهم الخطوات التي اتخذتها النرويج لتجنب نقمة النفط :
1 _ التأني في منح الامتيازات 2 _ دعم وتشجيع الصناعات الوطنية 3 _ دعم شركات النفط 4 _ دعم الصناعة النرويجية وزيادة تجهيز الخدمات المحلية لعمليات النفط 5 _ اهمية الصناعة النفطية في اقتصاد النرويج 6 _ شرط موافقة البرلمان على خطط التطوير 7 _ توزيع المهام الحكومية المتعلقة بادارة النفط وانشاء صندوق التقاعد الدولي في النرويج .
وتتلخص أهم الخطوات التي ساعدت على تحاشي نقمة النفط في النرويج فيما يلي :
الاجماع السياسي المبكر على ضرورة السيطرة الوطنية على اتجاه وزخم عمليات النفط . دعم وتشجيع الصناعة المحلية على المشاركة في عمليات النفط سواء كان ذلك مباشرة كمستثمر أو بصورة غير مباشرة عن طريق تزويد عمليات النفط بالمعدات والخدمات . التأني في منح التراخيص ريثما يتهيأ البلد اقتصاديا واجتماعيا . الاجماع السياسي المبكر على ضرورة استعمال النفط وسيلة لتنمية صناعات جديدة مستديمة معتمدة على استمرار عمليات النفط في النرويج . اشتراط عرض خطط تطوير الحقول على البرلمان للمصادقة عليها قبل الشروع في التنفيذ . ولقد ساعد هذا كثيرا في دعم مبدا السيطرة الوطنية .
أما بالنسبة الى صندوق التقاعد كانت هناك تعليمات وضعتها وزارة المالية للعمل في الصندوق منها تحقيق أعلى ربح ممكن مع أقل مجازفة . والصندوق مخول باستثمار امواله فقط خارج النرويج . ( يمنع الاستثمار داخل النرويج ) .
على الصندوق تحاشي المشاريع التي تسيء الى حقوق الانسان أو حيث هناك شك بالرشوة او الاساءة الى البيئة . ويمكن تلخيص قرارات صندوق التقاعد كما يلي :
1 _ 1990 تأسيس صندوق النفط بموجب القانون .
2 _ 1996 تحويل الاموال لأول مرة من خزانة الدولة الى الصندوق .
3 _ 1998 السماح بتوظيف اموال الصندوق في أسهم تجارية .
4 _ 2000 السماح بتوظيف اموال الصندوق في خمس أسواق مختلفة .
5 _ 2005 تسمية الصندوق بـ ( صندوق التقاعد ) .
6 _ 2007 تجاوز حجم الصندوق 2008 مليارات كراون نرويجي أي مايعادل 330 مليار أمريكي في نهاية عام 2007 .
سيد احمد العباسي