النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    1,538

    افتراضي مجتمع القناة القطرية يتأرجح بين "الأخطاء الناجحة" والتحذيرات الأميركية الجادة

    مجتمع القناة القطرية يتأرجح بين "الأخطاء الناجحة" والتحذيرات الأميركية الجادة
    الدوحة (قطر) - حازم الأمين الحياة 2004/07/19

    في نشرة اخبار واحدة بثتها قناة الجزيرة قبل نحو اسبوعين تعاقب خبران في مطلع النشرة. الأول كان عملية انتحارية نفذها مجهول في مجلس للعزاء اقيم في مدينة الخالص شمال بغداد. قالت مذيعة النشرة في حوار لها مع احد الضيوف للتعقيب على الخبر ان الانتحاري فجر نفسه في هدف حكومي. مجلس العزاء في عرف المذيعة يشكل هدفاً حكومياً لأن وزيراً كان غادره قبل نحو ساعة من وقوع التفجير. الخبر الثاني كان عن قصف جوي اميركي لمنزل في الفلوجة اسفر عن مقتل نحو عشرة اشخاص قالت المذيعة ان مراسل الجزيرة في المدينة افاد انهم افراد عائلتين من ابناء المدينة. في الخبر الأول اغفلت هوية القتلى الذين كان من الصعب تحديد الهدف بأنه حكومي من دون اغفال هويتهم, وفي الخبر الثاني كان القول إن قتلى المنزل هم افراد عائلتين من دون ذكر تفاصيل اخرى جزءاً من الإغفال الأول, خصوصاً ان اخبار اليوم الثاني المدققة والموثقة لم تفد عن مقتل افراد عائلتين من مدينة الفلوجة في ذلك النهار, وانما عن قصف لمنزل احدث فجوة وقتلى مجهولي الهوية.


    مشهد من لقاءات ''منتدى الجزيرة العالمي''.
    كانت هذه ملاحظة دونت استعداداً للذهاب الى الدوحة للمشاركة في "منتدى الجزيرة العالمي" الذي نظمته قناة الجزيرة القطرية والذي نوقش فيه دور وسائل الاعلام في تغطية الحروب وفي عملية حوار الحضارات. لكن الوصول الى الدوحة والى "مجتمع الجزيرة" فيها سيجعل من ملاحظات كهذه, على هامش فهم جوهري آخر واكثر تعقيداً لوضع هذه المحطة. هذه الملاحظات ليست الا هامشاً صغيراً من حزمة هوامش يشكل مجموعها متن الخطاب الإعلامي للجزيرة. فالمحطة منطقة تقاطع هشة لهوامش خرجت من مجتمعاتها خروجاً مشابهاً للخروج الذي ادته مجموعات اسلامية الى جبال افغانستان او العراق. فالحديث هنا عن مجتمع "الجزيرة" يصح في اكثر من مكان ووجه, وهؤلاء الصحافيون, يجمعهم ما يتعدى هموم المهنة والزمالة, ويتعدى السياسة والاعتقاد. انه نوع من "الأخوة" الملتبسة والمختلِطة بسيرة المحطة وبهوية تشكلت من اطياف وصور آتية من جبال وصحارى بعيدة. فالكثير من العاملين تربطهم اليوم ببلادهم علاقات غير واضحة, تماماً كما هي غير واضحة علاقة مجاهدي الجبال ببلادهم. بعضهم مصري, ولكن مصريته غامضة, وبعضهم الآخر مغاربي بلهجة مشرقية, وكثيرون منهم اردنيون وفلسطينيون من دون اثر كبير لأردنيتهم او لفلسطينيتهم الى حد تشعر فيه ان ثمة لهجة جديدة هجّنت في هذه البيئة المختلطة. ثم ان ثمة أمراً آخر يجمع هؤلاء الشباب هو تلك اللحى الخفيفة المتوسطة التعبير عن الالتزام. لكن الهوامش التي شكلت متن الجزيرة لم تكن عنصر هذا المتن الوحيد, فالقناة لا تشتغل من تلقائها, ومدينة الدوحة ليست منطقة اعلامية حرة, والشيخ المصري يوسف القرضاوي لم يختر قطر وانما هي اختارته, تماماً كما اختارت وزير الخارجية العراقي السابق ناجي صبري ضيفاً عزيزاً, وكذلك ساجدة صدام حسين وابنتها حلا. لكن قطر ايضاً اختارت استضافة اكبر قاعدة اميركية في الشرق الأوسط, وسبق ان افتتحت مكتباً تمثيلياً اسرائيلياً تقول هي انها اقفلته ويقول خصومها انه قائم الى اليوم. كل هذه العناصر يجب ألا تستبعد في محاولة فهم الجزيرة.

    المؤتمر الذي نظمته المحطة في الدوحة في 11 و12 تموز (يوليو) الجاري يهدف الى احداث انعطافة صغيرة على ما يبدو في الوجهة العامة للمحطة, اذ يبدو ان ذلك التوازن الهش الذي استندت اليه المحطة في ادائها الأخباري والسياسي يتعرض اليوم الى اهتزازات قد تطيح بكثير من الركائز. والقول إن الجزيرة تبحث عن انعطافة صغيرة وليست كبيرة ناجم عن قناعة بأن الانعطافات الكبرى تعوزها تغييرات بنيوية لا يبدو ان القائمين على المحطة يبغون احداثها في هذه الفترة. ربما كانت انحناءة امام عاصفة تؤدي الى تفادي ما هو افدح.

    اولاً لا بد لزائر الدوحة من ان يلمس مستوى الاهتمام العالمي بالجزيرة, هذا العالم الذي ينظر الى القناة نظرة مزدوجة. فمن جهة مثلت له اختراقاً عربياً في مجال العمل التلفزيوني والاعلامي, ومن جهة اخرى مثلت الجزيرة الشاشة التي اختارها "المجاهدون العرب" في افغانستان والعراق منبراً لهم. في الدوحة الجزيرة هي الحدث الوحيد, محطات تلفزيونية عالمية جاءت الى مبنى القناة وشرعت بإعداد افلام وثائقية عن الجزيرة. قاعة التحرير في القناة القطرية مسرح متواصل لكاميرات تلفزيونات غربية جاءت تلتقط صوراً لمطبخ نشرة الأخبار الذي تصل اليه اشرطة "المجاهدين". ماهر عبدالله مقدم برنامج الشريعة والحياة يتولى دائماً الأجابة امام كاميرات التلفزيونات, ويبدو ان الجميع في غرفة الأخبار مدرك انه خبر على قدر ما هو "ناقل" للخبر.

    الاقتراب من الجزيرة, انت القادم الى الدوحة حاملاً قدراً من الأسئلة عن هذه القناة الغامضة, يبدد الكثير من الأسئلة. لماذا هذا القدر من الانحياز الواضح؟ وما هو سر المواظبة على الانخراط في مشاريع غير منسجمة ورجراجة؟ ثم ماذا عن تلك الدهشة الدائمة التي تحدثها الجزيرة في نفوس اصحابها والعاملين فيها؟ وفي البداية ثمة اجوبة عامة من نوع اننا جزء من رأي عام عربي, وان الانحياز الى النظام العراقي السابق مثلاً هو انحياز للشارع العربي اذا ما استثنينا منه بعض النخب وبعض العراقيين! اما حال التذمر من الجزيرة سواء في الغرب او في بعض الدول العربية فهو بحسب مذيع الجزيرة جميل عازر حسد اثاره نجاح القناة في نفوس كارهي العرب ومنافسيهم الحضاريين!

    هذه الأجوبة لا تفسر الجزيرة, كما ان الأسئلة لا تغطي مجمل علامات الاستفهام, ولا بد هنا من حواس اخرى للوصول الى استنتاجات اولية, وفي البداية ستقع على ما يضاعف حيرتك, اذ انك ستجد من يوافقك على اسئلتك من بين اركان مجتمع الجزيرة. ستسمع مثلاً من يقول لك: "ان فضائح الجيش الأميركي في سجن ابو غريب انقذتنا من اخطاء اوقعنا فيها احمد منصور خلال تغطيته احداث الفلوجة", وستجد ايضاً من بين هؤلاء الأركان من هو حائر في كوميديا فيصل القاسم. ولكن لهذه الاعترافات ولهذه الحيرة ما يبددهما في النفوس "الجزيرية". انه نجاح هذه الأخطاء في تعميم الجزيرة, فكيف يمكن التوفيق بين الدقة والانتشار في عالم على هذا القدر من المفارقة ومن التشتت. ثم ان "الأخوة" لا تفسد للود قضية في مساحة تتعدى المهنة والزمالة.

    الجزيرة صنعت اهلها على قدر ما هم صنعوها. صارت جزءاً منهم, ومن الصعب عليهم تحديد مسافة منها. الصورة المفرطة بالمبالغة, والتعبئة الخارجة من شقاء وشقاق صادرت الكثير من الوجوه الهادئة. اصوات فيصل القاسم واحمد منصور ومصطفى بكري حجبت اصوات حافظ الميرازي وسامي كليب وخالد الحروب. وحجاب خديجة بن قنة لم يكن مجرد اختيار وانما جاء في ذروة انحياز المحطة واقترانها بالخروج الى ساحات "الجهاد".

    في اروقة المنتدى الذي نظمته الجزيرة, يمكنك ان تستشف حقائق اخرى وان تحدد ما هو اكثر من الظاهر. الشيخ يوسف القرضاوي لم يكن من بين ضيوف المنتدى, لكن القرضاوي مبثوث في المحطة, وهو ركن على ما يبدو في مجتمع الجزيرة هذا. اسمه يتردد في اكثر من مكان بصفته مرجعاً تحريرياً, والكثير من الوجوه ليست سوى تكرار لوجهه. للشيخ حصته في الموظفين وفي ضيوف البرامج وفي الاختيارات. وفي القناة اليوم ايضاً بعض من إرث العهد السابق فيها, خلفه مدير المحطة السابق محمد الجاسم العلي الذي يتحدث "الجزيريون الجدد" عن اعتماده صحافيين على علاقة بالنظام العراقي السابق, وبين حدي القرضاوي والنظام العراقي السابق يمكن لكثيرين ايجاد مأوى ونافذة, ويمكن مجاهدي قندهار وبيشاور ان يوصلوا اشرطتهم, ومجاهدي الفلوجة ان يعثروا على منبر. ويبدو ان جوهر الجزيرة يراوح بين هذين الحدين, مع استثناءات يشكل مجموعها حداً ثالثاً, ولكنه حد ضعيف ومهيض الجناح. ولا شك ان الكفاية عنصر في هذا التكوين, وهي تتخلل الكثير من الأنجازات, وهؤلاء الشباب تمكنوا من اكتشاف قوة وسيلتهم وحمّلوها رسالة اخرى. كما ان ما سبق لا يعني بالضرورة تورط "ابناء الجزيرة" الذين يعيشون بين حدي القرضاوي والفلوجة في ما يعنيه الانضواء بين هذين الحدين, فهم مجرد بيئة حاضنة لوعي من هذا النوع.

    ولكن هل يمكن الحديث عن ضفة قطرية لهذه "الجزيرة"؟ هل هي قصة مغامرة قطرية؟ من غير المنطقي الاجابة بالنفي على هذا السؤال, ولكن من الممكن القول ان تركيبة المحطة واتساعها وتشعب اهدافها ومقاصدها جعلت من الصعب على هذه الدولة الصغيرة الإحاطة بها, اذ ان قدرة شبكة المراسلين ومطبخ التحرير البالغ التعقيد, اوسع بلا شك من ان تضبط ايقاعه حسابات قطرية. هذا من جهة, ومن جهة اخرى من الواضح ان الامكانات الديبلوماسية والسياسية لقطر موظفة في خدمة اداء القناة, اذ طالما تدخلت وزارة الخارجية القطرية لدى دول وشخصيات لتبديد صعوبات تواجه اداء مراسل, او لتحديد موعد مع مسؤول. اذاً نحن بصدد دولة تؤسس خطابها على ايقاع اداء محطة تلفزيونية.

    تمكنت قطر من توظيف الجزيرة في عدد من توجهاتها, لا بل ان تقلب الجزيرة بين استضافتها لملالي "الجهاد" من الشيشان الى العراق واستضافتها للصحافيين وقادة الرأي في اسرائيل, لم يكن في احد وجوهه الا انعكاساً للسياسة الخارجية القطرية المتقلبة بين استضافة "المجاهدين" من الشيشان وافغانستان والعراق, واستضافة القاعدة العسكرية الأميركية الكبرى في المنطقة, إضافة الى قضية المكتب التجاري الاسرائيلي في الدوحة. لكن هذا التماهي الطبيعي بين القناة التلفزيونية والدولة التي تقف وراءها لا يفسر كل شيء, وما يقوله المسؤولون القطريون لنظرائهم الأميركيين عن عدم مسؤوليتهم عن الكثير من المواد التي تبثها المحطة فيه قدر من الحقيقة, ولكن يبدو ان ذلك ليس من باب افساح المجال لآراء مختلفة فقط, بل لأن الجزيرة صارت اعقد من ان يحيط بها اشراف قطري.

    مصادر ديبلوماسية في اكثر من دولة اكدت لـ"الحياة" ان الضغوط الأميركية على قطر جادة وان المسؤولين القطريين سمعوا كلاماً يتجاوز العتب بسبب نوع تغطية الجزيرة لأحداث الفلوجة. واكد مسؤول عراقي كبير لـ"الحياة" ان الحكومة العراقية "اعدت ملفاً كاملاً يتضمـــن اشرطــة ومستندات تؤكد تورط الجزيرة في اكثر من الانحياز, وفي بثها اخباراً غير صحيحة", واشار الى ان معظم الموظفين العراقيين في مكتب بغداد يمتون بعلاقات قرابة مباشرة الى قادة "مجاهدي الفلوجة". فهل يعني ذلك ان التغيير في المحطة ممكن, وان شرطه الوحيد توفر النيات القطرية؟

    من المرجح ان نيات التغيير في الجزيرة بدأت بالتبلور وان المنتدى الذي عقد أخيراً جاء في هذا السياق, والصحيح ايضاً ان الصعوبات التي ستواجهها الادارة القطرية لإحداث تغييرات في الجزيرة لن تكون سهلة, فشركاء قطر في النفوذ داخل المحطة كثر, والجزيرة تحولت الى نقطة تتقاطع فيها رغبات ومصالح تتعدى دولة قطر, وصورة هذه الأخيرة اليوم هي مزيج من ارتدادات صور بثتها الجزيرة منها. لن يكون سهلاً على قطر ان تحدث تغييراً بالسهولة التي تحدثها ادارة محطة تلفزيونية اخرى, فالمتجول في الدوحة يدرك ان الجزيرة هوية موازية للقطري الذي تعوزه هوية اخرى حتى تكتمل مواطنيته, واللعب في محتوى القناة وفي هويتها هو لعب في هذا المكان. ثم ان الصعوبات الأخرى لا تقل فداحة, فشبكة المراسلين والمكاتب وغرفة الأخبار هي جزء من توازن داخلي وخارجي يعني الاخلال به ارتداد الخارج الى الداخل والعكس صحيح.

    ادارة القناة اعلنت انها فتحت ورشة للنقاش, وميثاق شرف لعمل صحافييها, وهي تنفي ان يكون ذلك قد حصل بفعل الضغوط. لا شك ان ثمة ما سيحدث, وان يكون ذلك بداية مختلفة, فهو خير لزملاء اخطأوا مراراً واصابوا مراراً, ولكنهم كما نحن, ضحايا دولهم ومجتمعاتهم, وهو خير ايضاً لمشاهد لا يعوزه مزيد من الخطب والحملات بقدر ما تعوزه الحقيقة.


    <h1>"مجتمع القناة القطرية يتأرجح بين "الأخطاء الناجحة" والتحذيرات الأميركية الجادة</h1>
    <h4>الدوحة (قطر) - حازم الأمين الحياة 2004/07/19</h4>
    <p>
    <p>في نشرة اخبار واحدة بثتها قناة الجزيرة قبل نحو اسبوعين تعاقب خبران في مطلع النشرة. الأول كان عملية انتحارية نفذها مجهول في مجلس للعزاء اقيم في مدينة الخالص شمال بغداد. قالت مذيعة النشرة في حوار لها مع احد الضيوف للتعقيب على الخبر ان الانتحاري فجر نفسه في هدف حكومي. مجلس العزاء في عرف المذيعة يشكل هدفاً حكومياً لأن وزيراً كان غادره قبل نحو ساعة من وقوع التفجير. الخبر الثاني كان عن قصف جوي اميركي لمنزل في الفلوجة اسفر عن مقتل نحو عشرة اشخاص قالت المذيعة ان مراسل الجزيرة في المدينة افاد انهم افراد عائلتين من ابناء المدينة. في الخبر الأول اغفلت هوية القتلى الذين كان من الصعب تحديد الهدف بأنه حكومي من دون اغفال هويتهم, وفي الخبر الثاني كان القول إن قتلى المنزل هم افراد عائلتين من دون ذكر تفاصيل اخرى جزءاً من الإغفال الأول, خصوصاً ان اخبار اليوم الثاني المدققة والموثقة لم تفد عن مقتل افراد عائلتين من مدينة الفلوجة في ذلك النهار, وانما عن قصف لمنزل احدث فجوة وقتلى مجهولي الهوية.</p>
    <p>

    <table width="200" cellspacing="0" cellpadding="3" border="0" align="right" class="image">
    <tr>
    <td><img alt="مشهد من لقاءات ''منتدى الجزيرة العالمي''." src="AlJazeeraForum_19.jpg_200_-1.jpg" hspace="0" border="0"></td>
    </tr>
    <tr>
    <td class="caption">مشهد من لقاءات ''منتدى الجزيرة العالمي''.</td>
    </tr>
    </table> كانت هذه ملاحظة دونت استعداداً للذهاب الى الدوحة للمشاركة في "منتدى الجزيرة العالمي" الذي نظمته قناة الجزيرة القطرية والذي نوقش فيه دور وسائل الاعلام في تغطية الحروب وفي عملية حوار الحضارات. لكن الوصول الى الدوحة والى "مجتمع الجزيرة" فيها سيجعل من ملاحظات كهذه, على هامش فهم جوهري آخر واكثر تعقيداً لوضع هذه المحطة. هذه الملاحظات ليست الا هامشاً صغيراً من حزمة هوامش يشكل مجموعها متن الخطاب الإعلامي للجزيرة. فالمحطة منطقة تقاطع هشة لهوامش خرجت من مجتمعاتها خروجاً مشابهاً للخروج الذي ادته مجموعات اسلامية الى جبال افغانستان او العراق. فالحديث هنا عن مجتمع "الجزيرة" يصح في اكثر من مكان ووجه, وهؤلاء الصحافيون, يجمعهم ما يتعدى هموم المهنة والزمالة, ويتعدى السياسة والاعتقاد. انه نوع من "الأخوة" الملتبسة والمختلِطة بسيرة المحطة وبهوية تشكلت من اطياف وصور آتية من جبال وصحارى بعيدة. فالكثير من العاملين تربطهم اليوم ببلادهم علاقات غير واضحة, تماماً كما هي غير واضحة علاقة مجاهدي الجبال ببلادهم. بعضهم مصري, ولكن مصريته غامضة, وبعضهم الآخر مغاربي بلهجة مشرقية, وكثيرون منهم اردنيون وفلسطينيون من دون اثر كبير لأردنيتهم او لفلسطينيتهم الى حد تشعر فيه ان ثمة لهجة جديدة هجّنت في هذه البيئة المختلطة. ثم ان ثمة أمراً آخر يجمع هؤلاء الشباب هو تلك اللحى الخفيفة المتوسطة التعبير عن الالتزام. لكن الهوامش التي شكلت متن الجزيرة لم تكن عنصر هذا المتن الوحيد, فالقناة لا تشتغل من تلقائها, ومدينة الدوحة ليست منطقة اعلامية حرة, والشيخ المصري يوسف القرضاوي لم يختر قطر وانما هي اختارته, تماماً كما اختارت وزير الخارجية العراقي السابق ناجي صبري ضيفاً عزيزاً, وكذلك ساجدة صدام حسين وابنتها حلا. لكن قطر ايضاً اختارت استضافة اكبر قاعدة اميركية في الشرق الأوسط, وسبق ان افتتحت مكتباً تمثيلياً اسرائيلياً تقول هي انها اقفلته ويقول خصومها انه قائم الى اليوم. كل هذه العناصر يجب ألا تستبعد في محاولة فهم الجزيرة.</p>
    <p>المؤتمر الذي نظمته المحطة في الدوحة في 11 و12 تموز (يوليو) الجاري يهدف الى احداث انعطافة صغيرة على ما يبدو في الوجهة العامة للمحطة, اذ يبدو ان ذلك التوازن الهش الذي استندت اليه المحطة في ادائها الأخباري والسياسي يتعرض اليوم الى اهتزازات قد تطيح بكثير من الركائز. والقول إن الجزيرة تبحث عن انعطافة صغيرة وليست كبيرة ناجم عن قناعة بأن الانعطافات الكبرى تعوزها تغييرات بنيوية لا يبدو ان القائمين على المحطة يبغون احداثها في هذه الفترة. ربما كانت انحناءة امام عاصفة تؤدي الى تفادي ما هو افدح.</p>
    <p>اولاً لا بد لزائر الدوحة من ان يلمس مستوى الاهتمام العالمي بالجزيرة, هذا العالم الذي ينظر الى القناة نظرة مزدوجة. فمن جهة مثلت له اختراقاً عربياً في مجال العمل التلفزيوني والاعلامي, ومن جهة اخرى مثلت الجزيرة الشاشة التي اختارها "المجاهدون العرب" في افغانستان والعراق منبراً لهم. في الدوحة الجزيرة هي الحدث الوحيد, محطات تلفزيونية عالمية جاءت الى مبنى القناة وشرعت بإعداد افلام وثائقية عن الجزيرة. قاعة التحرير في القناة القطرية مسرح متواصل لكاميرات تلفزيونات غربية جاءت تلتقط صوراً لمطبخ نشرة الأخبار الذي تصل اليه اشرطة "المجاهدين". ماهر عبدالله مقدم برنامج الشريعة والحياة يتولى دائماً الأجابة امام كاميرات التلفزيونات, ويبدو ان الجميع في غرفة الأخبار مدرك انه خبر على قدر ما هو "ناقل" للخبر.</p>
    <p>الاقتراب من الجزيرة, انت القادم الى الدوحة حاملاً قدراً من الأسئلة عن هذه القناة الغامضة, يبدد الكثير من الأسئلة. لماذا هذا القدر من الانحياز الواضح؟ وما هو سر المواظبة على الانخراط في مشاريع غير منسجمة ورجراجة؟ ثم ماذا عن تلك الدهشة الدائمة التي تحدثها الجزيرة في نفوس اصحابها والعاملين فيها؟ وفي البداية ثمة اجوبة عامة من نوع اننا جزء من رأي عام عربي, وان الانحياز الى النظام العراقي السابق مثلاً هو انحياز للشارع العربي اذا ما استثنينا منه بعض النخب وبعض العراقيين! اما حال التذمر من الجزيرة سواء في الغرب او في بعض الدول العربية فهو بحسب مذيع الجزيرة جميل عازر حسد اثاره نجاح القناة في نفوس كارهي العرب ومنافسيهم الحضاريين!</p>
    <p>هذه الأجوبة لا تفسر الجزيرة, كما ان الأسئلة لا تغطي مجمل علامات الاستفهام, ولا بد هنا من حواس اخرى للوصول الى استنتاجات اولية, وفي البداية ستقع على ما يضاعف حيرتك, اذ انك ستجد من يوافقك على اسئلتك من بين اركان مجتمع الجزيرة. ستسمع مثلاً من يقول لك: "ان فضائح الجيش الأميركي في سجن ابو غريب انقذتنا من اخطاء اوقعنا فيها احمد منصور خلال تغطيته احداث الفلوجة", وستجد ايضاً من بين هؤلاء الأركان من هو حائر في كوميديا فيصل القاسم. ولكن لهذه الاعترافات ولهذه الحيرة ما يبددهما في النفوس "الجزيرية". انه نجاح هذه الأخطاء في تعميم الجزيرة, فكيف يمكن التوفيق بين الدقة والانتشار في عالم على هذا القدر من المفارقة ومن التشتت. ثم ان "الأخوة" لا تفسد للود قضية في مساحة تتعدى المهنة والزمالة.</p>
    <p>الجزيرة صنعت اهلها على قدر ما هم صنعوها. صارت جزءاً منهم, ومن الصعب عليهم تحديد مسافة منها. الصورة المفرطة بالمبالغة, والتعبئة الخارجة من شقاء وشقاق صادرت الكثير من الوجوه الهادئة. اصوات فيصل القاسم واحمد منصور ومصطفى بكري حجبت اصوات حافظ الميرازي وسامي كليب وخالد الحروب. وحجاب خديجة بن قنة لم يكن مجرد اختيار وانما جاء في ذروة انحياز المحطة واقترانها بالخروج الى ساحات "الجهاد".</p>
    <p>في اروقة المنتدى الذي نظمته الجزيرة, يمكنك ان تستشف حقائق اخرى وان تحدد ما هو اكثر من الظاهر. الشيخ يوسف القرضاوي لم يكن من بين ضيوف المنتدى, لكن القرضاوي مبثوث في المحطة, وهو ركن على ما يبدو في مجتمع الجزيرة هذا. اسمه يتردد في اكثر من مكان بصفته مرجعاً تحريرياً, والكثير من الوجوه ليست سوى تكرار لوجهه. للشيخ حصته في الموظفين وفي ضيوف البرامج وفي الاختيارات. وفي القناة اليوم ايضاً بعض من إرث العهد السابق فيها, خلفه مدير المحطة السابق محمد الجاسم العلي الذي يتحدث "الجزيريون الجدد" عن اعتماده صحافيين على علاقة بالنظام العراقي السابق, وبين حدي القرضاوي والنظام العراقي السابق يمكن لكثيرين ايجاد مأوى ونافذة, ويمكن مجاهدي قندهار وبيشاور ان يوصلوا اشرطتهم, ومجاهدي الفلوجة ان يعثروا على منبر. ويبدو ان جوهر الجزيرة يراوح بين هذين الحدين, مع استثناءات يشكل مجموعها حداً ثالثاً, ولكنه حد ضعيف ومهيض الجناح. ولا شك ان الكفاية عنصر في هذا التكوين, وهي تتخلل الكثير من الأنجازات, وهؤلاء الشباب تمكنوا من اكتشاف قوة وسيلتهم وحمّلوها رسالة اخرى. كما ان ما سبق لا يعني بالضرورة تورط "ابناء الجزيرة" الذين يعيشون بين حدي القرضاوي والفلوجة في ما يعنيه الانضواء بين هذين الحدين, فهم مجرد بيئة حاضنة لوعي من هذا النوع.</p>
    <p>ولكن هل يمكن الحديث عن ضفة قطرية لهذه "الجزيرة"؟ هل هي قصة مغامرة قطرية؟ من غير المنطقي الاجابة بالنفي على هذا السؤال, ولكن من الممكن القول ان تركيبة المحطة واتساعها وتشعب اهدافها ومقاصدها جعلت من الصعب على هذه الدولة الصغيرة الإحاطة بها, اذ ان قدرة شبكة المراسلين ومطبخ التحرير البالغ التعقيد, اوسع بلا شك من ان تضبط ايقاعه حسابات قطرية. هذا من جهة, ومن جهة اخرى من الواضح ان الامكانات الديبلوماسية والسياسية لقطر موظفة في خدمة اداء القناة, اذ طالما تدخلت وزارة الخارجية القطرية لدى دول وشخصيات لتبديد صعوبات تواجه اداء مراسل, او لتحديد موعد مع مسؤول. اذاً نحن بصدد دولة تؤسس خطابها على ايقاع اداء محطة تلفزيونية.</p>
    <p>تمكنت قطر من توظيف الجزيرة في عدد من توجهاتها, لا بل ان تقلب الجزيرة بين استضافتها لملالي "الجهاد" من الشيشان الى العراق واستضافتها للصحافيين وقادة الرأي في اسرائيل, لم يكن في احد وجوهه الا انعكاساً للسياسة الخارجية القطرية المتقلبة بين استضافة "المجاهدين" من الشيشان وافغانستان والعراق, واستضافة القاعدة العسكرية الأميركية الكبرى في المنطقة, إضافة الى قضية المكتب التجاري الاسرائيلي في الدوحة. لكن هذا التماهي الطبيعي بين القناة التلفزيونية والدولة التي تقف وراءها لا يفسر كل شيء, وما يقوله المسؤولون القطريون لنظرائهم الأميركيين عن عدم مسؤوليتهم عن الكثير من المواد التي تبثها المحطة فيه قدر من الحقيقة, ولكن يبدو ان ذلك ليس من باب افساح المجال لآراء مختلفة فقط, بل لأن الجزيرة صارت اعقد من ان يحيط بها اشراف قطري.</p>
    <p>مصادر ديبلوماسية في اكثر من دولة اكدت لـ"الحياة" ان الضغوط الأميركية على قطر جادة وان المسؤولين القطريين سمعوا كلاماً يتجاوز العتب بسبب نوع تغطية الجزيرة لأحداث الفلوجة. واكد مسؤول عراقي كبير لـ"الحياة" ان الحكومة العراقية "اعدت ملفاً كاملاً يتضمـــن اشرطــة ومستندات تؤكد تورط الجزيرة في اكثر من الانحياز, وفي بثها اخباراً غير صحيحة", واشار الى ان معظم الموظفين العراقيين في مكتب بغداد يمتون بعلاقات قرابة مباشرة الى قادة "مجاهدي الفلوجة". فهل يعني ذلك ان التغيير في المحطة ممكن, وان شرطه الوحيد توفر النيات القطرية؟</p>
    <p>من المرجح ان نيات التغيير في الجزيرة بدأت بالتبلور وان المنتدى الذي عقد أخيراً جاء في هذا السياق, والصحيح ايضاً ان الصعوبات التي ستواجهها الادارة القطرية لإحداث تغييرات في الجزيرة لن تكون سهلة, فشركاء قطر في النفوذ داخل المحطة كثر, والجزيرة تحولت الى نقطة تتقاطع فيها رغبات ومصالح تتعدى دولة قطر, وصورة هذه الأخيرة اليوم هي مزيج من ارتدادات صور بثتها الجزيرة منها. لن يكون سهلاً على قطر ان تحدث تغييراً بالسهولة التي تحدثها ادارة محطة تلفزيونية اخرى, فالمتجول في الدوحة يدرك ان الجزيرة هوية موازية للقطري الذي تعوزه هوية اخرى حتى تكتمل مواطنيته, واللعب في محتوى القناة وفي هويتها هو لعب في هذا المكان. ثم ان الصعوبات الأخرى لا تقل فداحة, فشبكة المراسلين والمكاتب وغرفة الأخبار هي جزء من توازن داخلي وخارجي يعني الاخلال به ارتداد الخارج الى الداخل والعكس صحيح.</p>
    <p>ادارة القناة اعلنت انها فتحت ورشة للنقاش, وميثاق شرف لعمل صحافييها, وهي تنفي ان يكون ذلك قد حصل بفعل الضغوط. لا شك ان ثمة ما سيحدث, وان يكون ذلك بداية مختلفة, فهو خير لزملاء اخطأوا مراراً واصابوا مراراً, ولكنهم كما نحن, ضحايا دولهم ومجتمعاتهم, وهو خير ايضاً لمشاهد لا يعوزه مزيد من الخطب والحملات بقدر ما تعوزه الحقيقة.</p>
    </p>

  2. #2

    افتراضي

    كلنا نتذكر الاداء السيء للجزيرة في حرب افغانستان.. فقد بقت هذه المحطة تؤكد على صمود طالبان وقوتها حتى لحظة فرار مذيعها من العاصمة كابول..
    وهذا يدل على تعاطف المحطة مع الاتجاه الوهابي..
    اما في حال العراق، فقد كفت المحطة عن تسمية الرئيس العراقي المخلوع بلقبه، قبل الحرب بفترة، وسموه ب"صدام" فقط، وهو ما يدل على انهم كانوا يشجعون الغزو الامريكي للعراق.. وفي الايام الثلاثة الاولى، كانت مذيعة الجزيرة تسأل ممثلها في بغداد: مراراً وتكراراً: وماذا يقول لكم الامريكان؟ الم يلقوا عليكم اوراقاً؟ ما الذي كتبوه فيها؟
    والكل يعرف ان الاوراق طالبت الشعب العراقي بالاستسلام...وفي هذه اللحظة، صارت الجزيرة تقدم الرؤية الامريكية للمشاهد.. وكانت هذه ايضاً هي الرؤية القطرية للموقف..
    فقط بعد اليوم الثالث، حين تعرضت بغداد لقصف مرعب نقلته المحطة على الهواء، بدأت مشاعر بعض المذيعين تتغير.. واتذكر حينذاك المذيع الذي قال: "بغداد تقصف بسلاح الدمار غير الشامل" وكان تعليقاً ساخراً غير مكتوب.. على الهواء مباشرة.. وقد اختفى ذلك المذيع بعد هذا التعليق، وعاد بعد نهاية الحرب..
    اما الموقف الذي ذكرتموه، ويتعلق بالفلوجة.. فاعتقد ان هذا جزء من تعاطف المحطة مع الفكر الوهابي.. الذي لاحظناه في افغانستان من قبل..
    ودمتم..
    المحجوب.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    1,538

    افتراضي

    مرافق حكومية وبلدية عراقية تسهل لـ (الجزيرة) حملة ترويج الاكاذيب
    الاثنين 19/7/2004 "الرافـــدين" بغداد , كمال محمد- قالت مصادر مطلعة لـ(الرافدين) ان السلطات تحقق في معلومات عن رشوات تقدمها الجزيرة لبعض العاملين في الاجهزة الحساسة وبعض المرافق لتسهل لها الوصول الى المعلومات والتصرف فيها حسبما تريد . وقالت هذه المصادر ان المساءلات شملت مسؤولين في الشرطة ومدراء مستشفيات ومتنفذين في مجالس بلديةوضباط ومسؤولين سابقين بالاضافة الى مسؤولين في الادارات الدينية الحكومية. الى ذلك قال محرر في صحيفة (النهضة ) البغدادية امس انه طرد من اجتماع عقده المجلس البلدي في مدينة سامراء فيما سمح لمراسل (الجزيرة) وطاقمها من المصورين والمحررين من الدخول واجراء لقاءات والحصول على المعلومات. واكد المحرر محمود عثمان الذي سجل وقائع ما يجري في سامراء ان المجلس البلدي عقد اجتماعا لمناقشة الفلتان الامني في المدينة وسيطرة المسلحين على الوضع وقطع الطرق العامة وحرق المنازل والشاحنات وترويع السكان الامنين ، غير ان المجلس اكتفى بتغطية الفضائية القطرية لاجتماعه . "الرافدين"
    www.alrafidayn.com

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني