ليس من النادر في كثير من البلدان ان يتعلم الاطفال لغتين او اكثر في وقت واحد. في سورية مثلا يتعلم بعض الاطفال اللغتين العربية والسريانية او العربية والارمنية او العربية والكردية. وفي بلاد مثل المغرب يتعلم الاطفال اللغتين العربية والامازيغية او العربية والفرنسية. ويتحدثون بهما بطلاقة. في الولايات المتحدة تعتبر اللغة الانكليزية هي اللغة الرسمية اي هي لغة الحكومة والمدارس العامة والمجتمع. ولكن تفيد الاحصاءات انه في الولايات المتحدة حوالي ثلاثمئة وست وثلاثين لغة مختلفة يتحدث بها الامريكيون المنحدرون من ثقافات مختلفة. وفي بعض الولايات الامريكية هناك لغتان رسميتان: اللغة الانكليزية واللغة الفرنسية كما في ولاية لويزيانا او اللغة الانكليزية واللغة الاسبانية كما في ولاية نيومكسيكو. لذلك يتعين على كثير من الاطفال في هذه الولايات ان يتعلموا الانكليزية ولغة ثانية. وهذا ليس بالامر الجديد.

تفيد بعض الدراسات ان تعلم اكثر من لغة يفتح امام الاطفال مجالات واسعة من الابداع وفرصا لتنمية مهارات ذهنية متنوعة. والطفل الثنائي اللغة - بالتعريف - هو القادر على ان يفهم وان يعبر عن نفسه بلغتين. وتوصلت دراسات الى ان تعلم لغتين حتى في السنة الاولى من حياة الطفل يزيد من قدرات الطفل على تحسين امكاناته التعليمية بشكل عام وخاصة في مجال تعلم اللغات الاجنبية في المستقبل. ويمكن مساعدة الطفل على اكتساب لغتين في وقت واحد بتعريضه للغتين في مجالات مختلفة وفي اوضاع مختلفة: في البيت والشارع والمدرسة والملعب وبرامج التلفزيون والانترنت. الخ. ويمكن المساعدة في تعلم لغتين باستعمال العاب الفيديو وقراءة الكتب ثنائية اللغة. وطبعا يمكن الاستفادة من الانترنت التي تتحدث بلغات كثيرة. ويمكن ايضا استعمال الاغاني المخصصة للاطفال بلغات متعددة. ويرسل بعض الاهالي اطفالهم الى مدارس مخصصة لتعليم اللغات فيحصل الاطفال على دراسة ممنهجة للغة المرغوب في تعلمها. يضاف الى ذلك اقامة صداقات مع اطفال اخرين يتكلمون اللغة المراد تعليمها للطفل كلغة ثانية.

ولكن هل تعلم لغة ثانية بضعف ما يربط الطفل باللغة الاولى وثقافتها؟ يؤكد بعض المتخصصين ان الروابط الثقافية التي تشد الطفل الى ثقافة ابيه وامه تضعف الى حد ما بتعلم لغة ثانية فيصيب شعوره بالانتماء شيء من الفتور ويصيب هويته الثقافية احساس بالازدواجية. ولكن تعدد الثقافات في البلد الواحد اصبح شيئا مألوفا في معظم بلاد العالم. واصبح من المألوف ان ينتمي الواحد منا الى ثقافة انسانية متعددة الوجوه والالوان. وهذه الثقافة الانسانية تزداد انتشارا بفضل ادوات الاتصال الجماهيرية. وهي بلا شك تزداد قوة على حساب الثقافات الاصلية المحدودة.

يخشى الاهالي - بصفة عامة - ان يكون تعلم اطفالهم لغة ثانية او ثالثة على حساب لغتهم الاولى التي يعتبرها الاهل لغة الاباء والاجداد ويتمسكون بها لاسباب عاطفية وثقافية كثيرة. ولكن الحقيقة هي ان الاطفال العرب مثلا في بلاد مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وغيرها يتعلمون اللغة العربية في البيت وفي وسائل الاتصال العربية التي وصلت الى كل بيت في العالم وذلك قبل ان يتوجهوا الى المدارس لتعلم اللغة الثانية. ويتعلمون بعد ذلك اللغة الثانية بسرعة كبيرة.

بقي ان نقول ان بعض الاطفال في بلاد الاغتراب لا يشعرون بحماسة شديدة لاستعمال لغة الاهل لان الاطفال بشكل عام لا يرغبون في ان يكونوا مختلفين عن رفاقهم في المدرسة. فاذا كان الرفاق يتكلمون الانكليزية مثلا فان الطفل العربي يرغب في مجاراتهم باستعمال اللغة الانكليزية. ومهما يكن فان الاهل الذين يرغبون في ان يتكلم اطفالهم لغتين يتعين عليهم ان يواصلوا استعمال اللغة الاولى في البيت في مختلفة شؤون الحديث والتواصل مهما كان موقف الاطفال ودرجة مقاومتهم للغة الاهل.

[email protected]