بسم الله الرحمن الرحيم


فرصة طيِّبة على هامش مُؤتمَر مُواجَهة الإرهاب وداعش في باريس أن نلتقي بهذا الجمع من السيِّدات والسادة.
اليوم كانت فرصة في المُؤتمَر شكـَّلت تظاهُرة رائعة لوقوف المُجتمَع الدوليِّ، ودول عددها ثلاثون دولة إلى جانب العراق، وأشعروا العراق بأنهم يتفاعلون مع المَطالب العراقيّة، ومنسوب الخطر الذي حدَّق بالعراق، واستعدادهم لإسناد العراق على كلِّ المُستويات، وفي الوقت نفسه كانت فرصة طيِّبة من طرفنا أن نُبيِّن عزم الحكومة العراقيّة الوطنيّة على أنـَّها حكومة جادّة في تطبيق الميثاق الذي يُمثـِّل إرادة الفصائل العراقيّة المُختلِفة على تشكيل الحكومة، ولم تكن الحكومة إلا الخطوة الأولى باختيار المواقع الوزاريّة المُختلِفة التي مثـَّلت بمجموعها مجموع أبناء الشعب العراقيِّ.
كان من ثمار هذا اللقاء اليوم أنني أجد أنَّ الجميع من دون استثناء يُقدِّرون، ويشعرون بخطر داعش، نعم.. إنَّ داعش برز على الأرض العراقيّة، لكنه لا يقتصر في خطورته على العراق، وإنما يُهدِّد أمن المنطقة، بل أمن العالم، هو ظاهرة مُعولـَمة يرفدها شخصيّات وعناصر من مُختلِف دول العالم يُمكِن أن تـُمارِس هذه العناصر أعمالاً إرهابيّة في أيِّ بلد من بلدان العالم.
هذه الرسالة كانت واضحة، والمجتمَع الدوليُّ يعرفها؛ لذا فهم مُندفِعون للتعاون مع العراق بناءً على الخطر المُشترَك، ولا يُستثنى منه أحد.
أعلنت هذه الدول استعدادها لإسناد، ودعم العراق، ونحن حدَّدنا الأمور التي نحتاج فيها إلى إسنادهم، ودعمهم، وكانت القضايا العسكريّة على مُستوى تأمين الغطاء الجويِّ لحركة القوات الوطنيّة العراقيّة المُسلـَّحة على الأرض، ومن جانب آخر نحتاج إلى الدعم اللوجستيِّ، والدعم الخدميِّ والإنسانيِّ، ونحتاج المُساعَدة في استرجاع البُنية التحتيّة، ومُعالـَجة التخريب الذي أحدثه داعش على الأرض العراقية في المحافظات التي احتلـَّها سواء احتلَّ محافظة كاملة كالموصل، أم امتداداته في الأنبار وصلاح الدين، وما سبَّب من مشاكل، ونزوح محليٍّ من هذه المحافظات إلى محافظات أخرى فهناك مليون 1.600.000، أو 1.800.000 مُواطِن عراقيّ نزحوا من هذه المحافظات الى محافظات أخرى، نزوح من محافظة الى أخرى، وفي ديالى نزوح محليّ من أجزاء منها إلى أجزاء أخرى، لكنَّ ظاهرة النزوح لم تتحوَّل إلى ظاهرة هجرة، أعني: أنـَّهم ما خرجوا خارج العراق فحتى الآن يتحوَّلون في الإطار العراقيِّ، فاستعدَّت كلُّ هذه الدول لأن تـُمارِس الدعم؛ لغرض التغلـُّب على هذه المُشكِلة.

- هل بالإمكان أن تـُزوِّدنا بتفاصيل تخصُّ هذا الدعم، وما إذا كان هناك دعم عسكريٌّ، وما هي الاقتراحات التي تقدَّم بها.


الجعفريّ: الدعم العسكريُّ على رأس أنواع الدعم؛ لأنَّ المُشكِلة التي نُعاني منها في العراق هي خرق أمني مُتمثـِّل بوجود قوى إرهابيّة على الأرض احتلـَّت مُحافـَظة، وهدَّدت بقيّة المحافظات، فبكلِّ تأكيد سيكون الدعم العسكريُّ هو الأساسيَّ، لكن يجب أن نـُفرِّق بين العمل العسكريِّ على الأرض الذي ستقوم به القوات الأمنيّة العراقيّة، والقوات المُسلـَّحة العراقيّة، وقوات الحرس الوطنيِّ، وقوات البيشمركة، وقوات الحشد الجماهيريِّ، وبين حاجتنا للغطاء الجويَّ، أمّا على الصُعُد الأخرى فنحن نحتاج إلى التجهيزات والمُعدّات للقوات العراقيّة المُختلِفة، والدعم الخدميِّ والإنسانيِّ. فنزوح الأهالي من مناطقهم ترتـَّبت عليها آثار إنسانيّة وخيمة، وقد أشرنا إلى الجانب الخدميِّ بصورة عامّة، ثم مسألة إعادة بناء المناطق التي تعرَّضت للتخريب، وكانت هذه محاور المُساعَدات، والدعم التي أشرنا إليها.
هذا التفاصيل لم ندخل بها في هذه الجلسة المُوسَّعة، لكن يكفي أننا واجهنا رُدود فعل إيجابيّة، وإصراراً حقيقيّاً على إعانتا في هذا الجانب.




- كان رئيس الوزراء العراقيِّ السابق نوري المالكيّ قد اشترط أن يكون تسليح قوات البيشمركة عن طريق ببغداد في حين وافق رئيس الوزراء الجديد حيدر العباديّ على إمداد البيشمركة بالسلاح في الأزمة الحالية بصورة مُباشِرة من دون الرجوع إلى بغداد. ما هو رأيكم في ذلك؟


الجعفريّ: هناك شقان في السؤال، الشقُّ الأول: مسألة توفير الأسلحة للمناطق المُتضرِّرة بما يتناسب وتحدِّيات داعش، وتعرفون جيِّداً أنَّ كردستان تعرَّضت لانتهاك، ودخول داعش في منطقة مخمور على أبواب أربيل، وهذا خطر حقيقيٌّ، وقد كنا قبل هذه الحالة نتغنـَّى بالوضع الأمنيِّ، مثلما نتغنـَّى بالوضع الإعماريِّ والخدميِّ في أربيل، وعموم كردستان؛ فكان توفير الأسلحة الكافية ضرورة لمُواجَهة خطر داعش في كردستان، أمّا الشقُّ الثاني في السؤال: عبر الحكومة أو مُباشِراً فبالقدر الذي لا نخرق الدستور، وإلا فالأسلحة يجب أن تصل في أسرع وقت مُمكِن بما يتناسب وحقيقة حاجة كردستان سواء كان مُباشِراً أم غير مُباشِر.
أنا لم أسمع رأي الأخ رئيس الوزراء، لكن إذا كانت من صلاحيّاته فأبارك له، وإذا لم تكن من صلاحيّاته فيجب أن نتعاون فيما بيننا لإيصال الأسلحة بالشكل الذي يُسيطر على الوضع الأمنيّ.






- هناك العديد ممَّن كان لديهم الرغبة في التدخُّل العسكريِّ الذي يُؤدِّي رُبَّما إلى وجود قوات على الأرض، والعراقيّون أنفسهم يتخوَّفون من هكذا تطوُّر ميدانيّ. ما هو رأيكم في هذا الموضوع؟


الجعفريّ: نحن جميعاً نتخوَّف من تدخـُّل عسكريٍّ، وليس سهلاً أن تتدخـَّل دولة في شؤون دولة أخرى خصوصاً من الناحية العسكريّة؛ لأنَّ الظروف التي يمرُّ بها العراق ظروف استثنائيّة؛ ولذا نـُريد الحماية على قدر الضرورة خصوصاً الغطاء الجويَّ الذي لا يتحوَّل إلى حالة بناء قواعد ومنشآت وما شاكـَل ذلك.
هذا لا نـُريده وإنما نـُريد على قدر ما تفرضه الحالة خصوصاً السلاح الجويَّ لتأمين الحاضنة للقوات العراقيّة.
نحن في العراق لا نـُعاني من شحّة الأفراد الوطنيِّين الذي يُقاتِلون في القوات المُسلـَّحة من مُختلِف الأسماء، وأعزُّ شيء، وأخطر شيء هو وجود المُقاتِل الوطنيِّ المُستعِدِّ لأن يُدافِع عن بلده. وهذا مُتوافِر، لكننا نحتاج إلى تكافؤ فرص، وتوفير غطاء جويٍّ عسكريٍّ على مُستوى عالٍ؛ حتى يُعيننا على تحديد الأهداف، وحماية القطعات العسكريّة؛ بهذا القدر لا نعتبر هذا تدخـُّلاً يُشكـِّل خطراً على الأرض.








- هناك ارتياح في الشارع العراقيِّ نتيجة الحراك الدبلوماسيِّ خصوصاً في حصار داعش في مُؤتمَر جدّة وباريس، لكنَّ السؤال الأهمَّ هو: إنَّ هذه الاجتماعات لم يصدر عنها حتى الآن جدولة، ومواعيد مُحدَّدة زمنيّاً على أرض الواقع، وهل بدأت دول الجوار بضبط حدودها، وتكثيف العمليّات العسكريّة، وهل تمَّ تقسيم داعش على قسمين قسم عراقيّ وقسم سوريّ؟


الجعفريّ: ما يتعلق بالسؤال الأول حول جدولة المواعيد، فالتغييرات الميدانيّة واللوجستيّة على الأرض هي التي ستـُقرِّر، وهذه إداريّاً تتولاها القوات المُسلـَّحة العراقيّة بالتنسيق مع قيادات التحالف، فحتى تـُحدَّد طبيعة جدولة التنفيذ، والضربات، وما شاكل ذلك هذا ليس من شأن المُؤتمَر، ولا من اختصاصه، اختصاص المُؤتمَر هو القرار السياسيّ، والمعروف أنَّ قرارات الحرب، أو المُشارَكة، أو الاستجابة للحرب هي قرارات سياسيّة.
جميع أصدقاء العراق مستعِدّون فعلاً لأن يدخلوا، ويُساعِدوا في هذه القضيّة، ثم نترَك التنسيق مع القيادات الميدانيّة في المرحلة اللاحقة القريبة.
أمّا يتعلـَّق بالسؤال الثاني فجلسة اليوم، وسبقتها جلسة في جدّة، وستتبعها جلسات في نيويورك إذا كان التعامُل على أساس المِثل العراقيِّ فنتحدَّث به، لكنَّ طبيعة الأرض، وطبيعة حركة داعش مُتداخِلة بين ما هو خارج الحدود العراقيّة، وبين ما هو داخل العراقيّة، ومن دون شك لا نتوقـَّع لمُمارَسة أنشطة عسكريّة من دول ليست عراقيّة، ولا سورية بعيداً عن الإرادة الداخليّة، والوطنيّة، مثلما نحن اليوم كنا نتحاوَر من أجل أن تستجيب هذه القوات للإرادة الوطنيّة العراقيّة، لكن من الناحية الميدانيّة قد تـُفرَض استحقاقات، ولا تعني أنها تدخـُّل في وضع سورية.
هذا الكلام لم نسمعه من أحد، ولا أحد طلبه، وجرى الحديث عن الملفِّ العراقيِّ حصراً، وحركة قوات التحالف بالتنسيق مع القوات العراقيّة.





- هل أسِفتَ لغياب إيران عن المُؤتمَر في هذا اليوم؟


الجعفريّ: نعم.. أسِفتُ لذلك، وعبَّرت في داخل اللقاء، وحتى في المُؤتمَر الصحفيِّ أننا نعتقد أنَّ كلَّ دول العالم معنيّة بخطر الإرهاب، وإيران دولة جوار جغرافيّ قريبة منا قدَّمت لنا مُساعَدات، فرغبنا أن تكون موجودة، لكننا لسنا الطرف المسؤول عن دعوة الأطراف؛ لذا عبَّرنا عن رأينا في أكثر من مُناسَبة، وكنا نعتقد، ونـُصِرُّ على ضرورة حضورها، وحضور كلِّ دول جوار لها تأثير، ولها موقف جيِّد وإيجابيٌّ، وبنـَّاء من قضيتنا.






- كم هي الفترة التي يستغرقها وصول الدعم حتى تبدأ مرحلة تحرير الموصل؟


الجعفريّ: تحرير الموصل هدف أساسيّ، والجهود ستتكثـَّف من أجل استرجاع هذه المدينة، وتحريرها من التلوُّث الذي أصابها على يد داعش، أمَّا المدة فليس من السهل أن نـُشير إلى تحديدها، لكننا لا نتوقـَّع أن تكون طويلة، فجذور داعش في العراق ليست قديمة، ومدينة الموصل مدينة عصيّة على الاحتلالات عبر التاريخ، أمّا عن قضية الإخوة الكرد في الحكومة فهذه الأمور كلـُّها نـُوقِشت، وتمَّت الإشارة إليها في ورقة الميثاق، وبصراحة أنَّ أساس هذه المُشكِلة لم يكن ذا طابع دستوريٍّ إنما هو قضيّة استثنائيّة صارت بين حكومة كردستان والحكومة المركزيّة، وهي قابلة للحلِّ، ويُوجَد أكثر من وجهة نظر لحلـِّها، وقد أشارت إلى هذه القضيّة ورقة الميثاق، وستـُعالِجها.
أنا أعتقد أنَّ هذه القضيّة مع وجود هذه الأجواء الجديدة الآن، والمُشارَكة، والثقة المُتبادَلة ليست عصيّة على الحلّ.





- الحاجة إلى حلٍّ سياسيٍّ من أجل ضمِّ وشمول الأقليّات السُنيّة قد أشار إليه وزير خارجيّة فرنسا والولايات المتحدة فما التدابير التي تنوون اتخاذها، فقد سمعنا الكثير عن الحرس الوطنيِّ، وعن السلطات المحليّة، وعن نوع وشكل الفدراليّة، ووقف القصف الأخير على الفلوجة قد يؤثر سلباً في هذه الاحتماليّة؟


الجعفريّ: الحالة السياسيّة هي أحد أسباب تدهور الوضع الأمنيُّ، فهي التي أدَّت إلى دخول داعش إلى منطقة الموصل، وقبلها الأنبار؛ لارتباك الأداء السياسيّ السابق.
أعتقد أنَّ اتخاذ إجراءات سياسيّة صحيحة من شأنها أن تـُقوِّي الوضع، وتهيِّئ أرضية مُناسِبة للحيلولة دون دخول داعش، وعزلها، وإخراجها، وليست الحالة السياسيّة هي السبب فقط، إنما هناك الكثير من الأخطاء التي ارتـُكِبت، لكنَّ البيئة التي تواجَدَ فيها سهَّلت عليه أن يدخل بهذه السرعة، وما يتعلق بقضية السُنـّة والشيعة فالعراق بلد فيه سُنـّة وشيعة، وفيه عرب وكُرد، وتركمان، وفيه مُسلِمون وغير مُسلِمين، فمثلما تتنوَّع الجغرافية تتنوَّع الديمغرافية أيضاً، وقد ورثناه عن آبائنا وأجدادنا.
السُنـّة اليوم يُشارِكون في الحكومات كلـِّها، وهم موجودون في رئاسة الجمهوريّة، ورئاسة الوزراء، ورئاسة البرلمان، وكذلك في الحكومة، وهناك جدّية في المُشارَكة بالنسبة لهم، أمَّا مسألة الضربات الجويّة فقد منعها الأخ رئيس الوزراء القائد العامّ للقوات المُسلـَّحة، وهذا أعطى انطباعات إيجابيّة في العراق، وفي المُجتمَع الدوليِّ، وقد عبَّر بعض الإخوة المُشارِكين في مُؤتمَر باريس عن ارتياحهم لهذه الخطوة، ومنع الطيران الجويِّ من استخدام هذه الحالة، ونتمنى أن تكون هذه الخطوات بمجموعها تـُمثـِّل مناخاً جديداً، وبيئة جديدة لبدء صفحة تضع العراق على مَشارف مرحلة بناء العراق، وبناء الثقة بين القوى السياسيّة المُختلِفة، والتكامُل بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة.


تصريحات الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيِّ بمبنى السفارة العراقية في باريس