النتائج 1 إلى 15 من 15
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    V4 العلامة الأديب السيد هانــــــي فحــــــــص في " ذمة الله "



    توفي في بيروت إثر معاناته من مشاكل في الرئة


    العلامة الأديب السيد هاني فحص في " ذمة الله"


    انتقل إلى رحمته تعالى العلامة السيد هاني فحص صباح الاربعاء، بعد صراع مع المرض. والسيد هاني فحص، من مواليد العام 1946 في بلدة جبشيت في جنوب لبنان، وهو أديب وكاتب ومؤلف وناشط في المجتمع المدني.
    وقد رافق السيد هاني فحص ياسر عرفات في منظمة التحرير الفلسطينية، وكان من المتحمسين للثورة الايرانية ضد حكم الشاه، والتقى الامام الخميني اكثر من مرة قبل نجاح الثورة. وقد رافق عرفات على متن اول طائرة تحط في مطار طهران بعد الثورة الايرانية.

    "المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى" نعى السيد فحص

    وقد نعى "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" في لبنان الى المسلمين عموما واللبنانيين خصوصا وفاة عضو الهيئة الشرعية في المجلس السيد هاني فحص عن عمر ناهز 68 عاما قضى معظمه في خدمة الدين الحنيف، ولفت المجلس في بيان له الى ان "السيد فحص كان مثال العالم الفاضل والاديب المتقد والباحث العميق في قضايا الدين والوطن والحوار حيث ترك الاثر الكبير في خدمة قضايا الامة اذ لعب دورا مميزا في خدمة القضايا الاسلامية والعربية التي سكنت في قلبه وعقله".

    واشار البيان الى ان "جثمان الراحل الكبير يوارى الثالثة من بعد ظهر يوم غد في مسقط رأسه جبشيت"، وسأل "المولى ان يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنانه وأن يلهم ذويه ومحبيه وعارفيه الصبر والسلوان".

    كما نعى "لقاء سيدة الجبل" في لبنان السيد هاني فحص، وقال في بيان له إن "لبنان فقد اليوم رجلا مميزا بثقافته وأخلاقه وتعلقه بالتجربة اللبنانية هو الذي كرس حياته من أجلها ومن أجل تثبيت العيش المشترك نموذجا للحياة وأسلوبا فريدا للعلاقات الإنسانية".

    بدورها، نعت "المؤسسة اللبنانية لحماية هوية المشرق" السيد هاني فحص، واكدت "يغيب القلم الرحب العطاء ولا تغيب تمضي المواضي لكنك لن تمضي"، واضافت إن "غيّب الموت جبينك فإنك حاضر معنا في كل حوار ولقاء وفي كل جهد شجاع يكسر الجوامد وحاضر معنا وسوف تكون في لحظات انعتاق لبنان الآتية والاكيدة الى الحرية بعد مشقّات النضال والوجع".



    ترجمة




    السيد هاني فحص (1946 - 2014

    رجل دين مسلم شيعي، من رجال الدين القلائل عند الشيعة الذين انخرطوا في العمل الحزبي العلني، أديب وكاتب ومؤلف وناشط في المجتمع المدني، وداعية حوار بين الأديان، ومن أبرز المنظرين في مجال مقاربة الإسلام لمواضيع الحداثة المطروحة.


    شأته ودراسته


    ولد السيد في بلدة جبشيت (النبطية) عام 1946[1]، وتلقى الدراسة الابتدائية في القرية والمتوسطة في مدينة النبطية. تابع دراسته الثانوية و نال شهادة الدروس الثانوية (الموحدة السورية) كطالب حر. بعدها هاجر إلى إلى النجف (العراق) عام 1963 ودرس في حوزتها الدينية، ونال إجازة (بكالوريوس) في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية الفقه في النجف.
    عاد من النجف عام 1972 ليستقر في بلدته جبشيت، وكان قد تزوّج في سنّ التاسعة عشر من السيدة (نادية علّو) وله خمسة أبناء ذكور وابنتان.



    في السياسة


    انتسب إلى حركة فتح ايام وجودها في لبنان، وهو عضو في المؤتمر الدائم للحوار اللبناني، كذلك فهو عضو في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
    ترشّح للانتخابات الفرعية عام 1974 متحالفا مع كمال جنبلاط، ولكن سرعان ما انسحب من المعركة بسبب اعتراض السيد موسى الصدر آنذاك. عاد وترشح للانتخابات النيابية عام 1992عن محافظة النبطية ولم يحالفه الحظ.


    نشاطاته










    أشرف على مجلة النجف لمدة عام أيام إقامته فيها.
    لدى عودته من النجف مارس عمله الديني إماما لبلدة جبشيت من العام 1972 وحتى العام 1975 ميلادي.
    شارك في تأسيس وتفعيل منتدى ادباء جبل عامل مع عدد من الأدباء والشعراء الجنوبيين.
    شارك في قيادة انتفاضة مزارعي التبغ المطلبية عام 1972.
    تقرّب من قيادات حركة فتح في لبنان ولم يتخلّ -رغم قربه منهم- عن انتقاداته لدورهم بالحرب الأهلية الداخلية اللبنانية.
    عندما بدأت الثورة الإيرانية عمل عام 1978 على إنشاء التواصل بين ياسر عرفات والسيدالخميني، وقد زار السيد الخميني في منفاه الباريسي، ورافق ياسر عرفات على نفس الطائرة التي زارت إيران بعد أيام من انتصار الثورة الإيرانية ضد الشاه.
    في العام 1982 سافر إلى إيران مع عائلته وأقام فيها حتى العام 1985، عمل خلالها مستشاراً في مكتب إعلام الحوزة في قم، ومشرفاً على مجلة (الفجر)، كما أقام علاقات مع بعض المراجع فيها مثل الشيخ منتظري وغيرهم.
    أيام وجوده في إيران سافر في بعثات خارجية مع الإيرانيين إلى الغابون ومدغشقر وكينياوالكاميرون في نشاطات تهدف لتسليط الضوء على القدس.
    عاد من إيران عام 1985 ميلادي، وقد تخلّى بعد التجربة عن أفكاره القومية، وخاض في العام 1992 ميلادي الانتخابات النيابية في لبنان ولم يحالفه الحظ فيها.
    بعد الانتخابات تفرّغ للحوار والكتابة والعمل الفكري والثقافي، فأسس مع سمير فرنجية(المؤتمر الدائم للحوار اللبناني)
    يعتبر من الأعضاء المؤسسين للفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، وكذلك من المؤسسين (للقاء اللبناني للحوار) كما انه عضو في الهيئة الشرعية للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وكان من المقربين للشيخ محمد مهدي شمس الدين.
    كان عضوا في الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين واستقال منه بعد المؤتمر الأول.
    عضو في أكاديمية أهل البيت في عمان في الأردن، وكذلك في منتدى الوسطية في عمان أيضا.
    عضو مجلس إدارة و عضو مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات الخيرية الثقافية.


    مؤلفاته










    له ما يقرب من الثلاثة عشر كتاباً مطبوعاً منها[2]:

    ماضي لا يمضي
    ذكريات ومكونات عراقية
    الإمامان الصدر وشمس الدين ذاكرة لغدنا
    خطاب القلب
    تفاصيل القلب
    أوراق من دفتر الولد العاملي
    مشروعات أسئلة
    في الوحدة والتجزئة
    ملاحظات في المنهج
    المسرح
    كتابات
    الحوار في فضاء التوحيد والوحدة
    الشيعة والدولة في لبنان
    الهوية الثقافية

    الكتب غير المطبوعة


    أما الكتب والمؤلفات الغير مطبوعة:
    مرايا
    ذاكرة الأمكنة
    المعرفة والاختلاف
    لبنانيات سياسية
    في الوحدة
    مقاربات نقدية
    الشيعة في لبنان
    دروس من الحوار.

    وفاته


    توفي في بيروت إثر معاناته من مشاكل في الرئة، وذلك في صباح يوم الخميس 18 سبتمبر من العام 2014.





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

















  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي






  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    1,658

    افتراضي

    الرحمة والمغفرة للفقيد هاني فحص .. العراقي الذي تشعر باصالته منذ اول لحظة تجالسه فيها ..
    رحمك الله يا ابا حسن ، توقف قلبك بعد تعب التجوال بين الهموم المتناثرة بين بيروت ودمشق والقدس وبغداد..
    توقف قلبك ابا حسن وما احوجنا الى نبضه الحاني وانا لله وانا اليه راجعون
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)




  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي








  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي






  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي








  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي






  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي






  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي







  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي






  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي



    رئيس الوزراء الدكتور حيدرالعبادي يعزي بوفاة المفكر هاني فحص

    سبتمبر 21, 2014

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ رحيل العلامة والاديب والمفكر الاسلامي السيد هاني فحص ، الذي كان عنوانا للاعتدال وشخصية فذة مكافحة آمنت بلغة الحوار والتعايش والتقارب بين الاديان والمذاهب . واننا في الوقت الذي نعزي فيه أسرة الفقيد ومحبيه والشعب اللبناني العزيز برحيل السيد فحص فإننا نعزي انفسنا والشعب العراقي الذي كان الفقيد قريبا من همومه وتطلعاته . ان تقديرنا واعتزازنا الكبير بسيرة المفكر الفقيد ومؤلفاته ودوره الثقافي والاجتماعي انما هو تقدير واعتزاز بقيمة العلماء والمفكرين والمصلحين وأثرهم في حياة الشعوب وبناء حاضرها مستقبلها . نجدد التعازي لأسرة الفقيد وللشعبين اللبناني والعراقي وللوسط الثقافي ، داعين الى ان تكون ثقافة الاعتدال والحوار والتلاقي الفكري التي سار عليها الفقيد هي السائدة من أجل تحقيق كل ما تصبو اليه شعوبنا من أمن واستقرار وازدهار





  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    شهـــــــــــــــــــــــــــادات ومذكـــــــــــــــرات
    هاني فحص رسول المسلمين للسلام ورسول السلام للمسلمـين



    بقلم : د. عبد الجبار الرفاعي

    رحم الله العلامة السيد هاني فحص الصديق الصدوق، رسول المسلمين للسلام، ورسول السلام للمسلمين. رسول الإسلام للمسيحية، ورسول المسيحية للإسلام. رسول الشيعة للسنة، ورسول السنة للشيعة..رسول الثورة الاسلامية في ايران الى فلسطين، ورسول فلسطين الى الثورة الاسلامية. رسول لبنان في العراق، ورسول العراق في لبنان. رسول النجف الى العالم، ورسول العالم الى النجف، رسول لبنان في العالم العربي، ورسول العالم العربي في لبنان..كان هاني فحص لي هو لبنان، ولبنان هي هاني فحص.





    هاني فحص مرآة كنت أرى فيها: المثقف، الأديب، الشاعر، الفنان، الناقد، المتمرّد خارج فلسفات العدمية والعبث، القلب الفوّار بعشق الإنسان، الثائر العابر للآيديولوجيات، رجل الدين العابر للأديان، الشيعي العابر للطوائف، المتصوف العابر للأديان، الإمام خارج المسجد، الخطيب خارج المنبر، المؤمن خارج المسجد، القدّيس خارج الصومعة، الراهب خارج الدير، المحاضر خارج الجامعة، المعلم خارج فصول المدرسة، المربي خارج المنزل. يجتمع تحت جبّته؛ محمد وعيسى، وفي قلبه؛ فاطمة الزهراء ومريم العذراء، وفي ضميره؛ الحسين الشهيد والمناضل جيفارا...من دون أن تطرد شخصية أخرى أو تنفيها، ذلك أن رؤيته للعالم على الدوام أرحب من ضيق المعتقدات، وانطواء الآيديولوجيات، وكراهية التعصبات. إنه يتذوق كل ماهو جوهري في الأديان، ويبصر كل ما هو مضئ، ويتلذذ بكل ماهو رؤيوي، ويعشق كل ماهو جميل، من مزايا وخصائص وحالات الإنسان.
    هو مرآتي التي رأيت فيها صورتي المفتقدة منذ مراهقتي حتى اليوم، ولم أكتشفها إلا في نماذج بشرية نادرة.

    صحبته في مؤتمرات وندوات عديدة في لبنان وخارجها، كان يتدفق كالشلال، يفيض دفئا وتراحما وسلاما، وأدبا ومعرفة. يحمل هموم المهمشين، يتفجع لأوجاع المعذبين، يتحدث عن المحرومين وكأنهم أبناؤه، يفاجئ مستمعيه في التحدث عن تدين قلّما عايشوه، ودين قلّما تعرفوا عليه، يحكي عن إسلام قلّما نراه في حياة المسلمين، وعن تسامح في الأديان؛ تتنكر له حروب الأديان والطوائف اليوم وأمس. يدلّل على أن هذا الدين الذي يعتنقه، والايمان المشبعة به روحه، والتدين الذي يعيشه، هو ذاته دين وإيمان وتدين الناس في قريته، وعامة الناس الذين منهم أبواه، ممن يزدريهم بعض المتنطعين من رجال الدين؛ بوصفهم يخطئون في ضبط مخارج حروف الآيات، ويلحنون في تلاوة الأذكار والصلوات.

    ذاكرته تحكي لنا أمثلة لعجائز من الأمهات وشيوخ من الآباء، ممن يعيشون تجاربهم الروحية الفطرية البريئة الحميمية، بعيدا عن ما سممتْ به فضاءَ التدين في مجتمعاتنا داعشُ وأمهاتها. قال لي يوما: انه طالما غمره شعاع النور المنبعث من أفئدة الفلاحات والفلاحين والعاملات والعمال، لكنه كان نادرا ما يكتشف مثل ذلك النور في بيئة رجال الدين. أجبته بما قاله شاعر الفرس الكبير حافظ الشيرازي:

    "در خرابات مغان نور خدا مي بينم"، بمعنى؛ أرى نور الله في حانات الكاهن المجوسي. ابتهج طربا، وهو يشدو بيت شعر حافظ، ثم كتبه على ورقة.

    ظلّ هاني فحص كتابا ناطقا مفتوحا، ترسم حروفَه لوحاتٌ ألوانها مشرقة بالنور، ويجسّد خطواته سلوكٌ غريبٌ على رجال الكهنوت، يعزف قلبُه أنشودةَ الخير، وتشفُّ روحُه عن ترانيم تجربة العاشق الذي يسكره الوصال مع الحق.






    لم يحكم بنجاسة شخص بشري، لم يكفّر أي فرد أو جماعة، كما هي مهنة بعض رجال الدين، ولم يقضِ بمآلات أصحاب المعتقدات المختلفة في اليوم الآخر، أو من يرفضون الأديان والمعتقدات كافة. كان إيمانه يتسع للجميع، إيمانه ينبع من ثقته العميقة برحمة الله، التي كتبها الله على نفسه. وهي رحمة يبخل بها المتحجرون التكفيريون، ممن يزعمون انهم يرتبطون بقرابة خاصة من الله، وهو الذي منحهم تفويضا مقدسا، بإخراج من يشاؤون من خلقه من فيوض رحمته، وتضييق ماهو واسع منها، حين تشحّ نفوسهم فتبخل برحمة الله، التي وسعت كل شئ، وكرمه الدائم الذي لا ينقطع ولا ينضب، الذي لم يختصه بأحد وأتاحه لكل الناس، فيما يزعم هؤلاء ان ذلك الكرم وتلك الرحمة مما استأثرهم الله فيها، وهي خاصتهم لا يشاركهم فيها مخلوق. طبع الله على قلوبهم، فلم تبصر كيف يهبُ الله الرحمة لأؤلئك الذين تساموا في مقامات السير اليه، فتصير طبيعتهم هي الرحمة، أي انهم أصبحوا هم من يمنح الرحمة، بدلا من ترقب ان يفيضها الله عليهم.

    لم يكن السفرُ الى الله عند سيد هاني رهبنةً وعزلةً وهروبا من العالم، مثلما يهرب بعض المتصوفة والرهبان، ويستغرقون بحالة زهد وأوراد وأذكار، يغيبون معها عن العالم، ويعتزلون الحياة، بل كان السفر الى الله لديه، هو السفر والاستغراق في أوجاع الانسان وأحزانه وشقائه. كان قديسا لا كالقديسين، راهبا لا كالرهبان، مؤمنا لا كالمؤمنين، متدينا لا كالمتدينين، رجل دين لا كالحوزويين، معمما لا كالمعممين. دينه يسمح له بقبول كافة الأديان، إسلامه يسمح له بقبول جميع المسلمين، تشيّعه يسمح له بقبول كل المذاهب والفرق.

    مشكلة هاني فحص خروجه على ثقافة القطيع، ورفضه لنفسية العبيد. كان يفكر وحده، يغرد وحده، يمشي وحده، لكنه لا يخوّن أحدا، لا يتهم أحدا، ولا يحارب أحدا.
    جسور في مواطن يتغيب فيها معظم أهل الرأي في الدين والدنيا. يقول علانية ما يقوله غيره في السر.

    لا يكف عن حكاية آلام المغلوبين في الماضي، وأوجاع البؤساء في الحاضر. لا يكرر صورا تاريخية متخيلة للمعتقدات والجماعات، كما يفعل معظم زملاؤه رجال الدين؛ بل يحرص على البوح بالمسكوت عنه في ذلك التاريخ، فهو لا يني يفضح اضطهاد الرقيق والأماء وغيرهم في التاريخ، ولا يتردد في الحديث عن انتهاكات كرامة الكائن البشري في الماضي والحاضر.لم اره يوما في موقف، ولم أقرأ له نصا، لم أجده فيه منحازا للانسان كإنسان، قبل أي تصنيف أثني أو ديني أو طائفي.


    تخترق بصيرته طبقات التاريخ المتراكمة، فلا ينشغل بتبجيل مسيرة الأديان، ويتجاهل المظالم والمذابح والانتهاكات الممارسة باسمها، مثلما يفعل الكثيرون من أتباع الأديان ورجالها. سمعته في مؤتمر قبل خمس سنوات، في حضور شخصيات دينية من المسلمين؛ شيعة وسنة، والمسيحيين، والصابئة، يقول: ان قتلى حروب الأديان في تاريخ البشرية أكثر من ثمانين بالمائة من ضحايا الحروب التي عرفتها البشرية، مما أثار حنق بعض الحاضرين فرد عليه غاضبا، لكن هاني فحص أجابه بصراحة: لا أستطيع تكذيب ما شهدته الحروب الصليبة من مجازر، والتي تواصلت 200 عاما. كما لا يمكن ان أنسى المذابح الأخرى في حروب الأديان والطوائف، الممارسة باسم الله، بذرايعة احتكار تمثيله، والتكليف الحصري بالدفاع عنه.
    رأيت فيه مالم أره في الكثير من زملائي في حلقات الدرس الحوزوي، أفق ايمانه لا تنهكه الأسوار، ولا تغلقه السجون، بصيرته تمنحه قدرة على قراءة الأسرار المخطوطة على أفئدة العشاق المتيمين في موكب العشق الالهي.

    لا أعرف لماذا حين نكون معا، وتتكشف لي أطياف التدين الرحماني لهاني فحص، تحضر حكايات "مثنوي" مولانا جلال الدين الرومي، وبراعته في تصوير حقيقة الايمان. مثل ما يحكيه عن النبي موسى والراعي، حين كان الراعي يلح على الله أن يقدّم له ما يريده من احتياجات، اذ يتصور الراعي اللهَ بحدود عالمه، ويفكر ان الله يحتاج الى؛ "ذبح شاة وشيها، وتقديمها له مع الأرز، غسل قدميه، تنظيف أذنيه، تخليصه من القمل..". مما دعى موسى أن يستهجن دعوة الراعي الساذجة لربه، لحظة رآه موسى يتحدث مع الله بلهجته العارية وتصوره المحدود الساذج لله، وكأنه صديق قريب جدا، يمتهن معه الرعي أيضا. لكن الله عاتب موسى على موقفه المستهجن لحديث الراعي، ونبّهه الى غبطته بصدقه وعفويته وبراءته؛ وناداه: "ياموسى إن العارفين بالآداب نوع من الناس، والذين تحترق أنفسهم وأرواحهم (بالمحبة) نوع آخر. إن للعشاق احتراقا في كل لحظة...فلو أنه أخطأ في القول، فلا تسمه خاطئا، وإن كان مجللا بالدماء فلا تغسل الشهداء، فالدم أولى بالشهداء من الماء! وخطأ المحب خير من مائة صواب...

    إن ملة العشق قد انفصلت عن كافة الأديان، فمذهب العشاق وملتهم هو الله. ولو لم يكن للياقوتة خاتم فلا ضير في ذلك، والعشق في خضم الأسى ليس مثيرا للأسى...".
    لا يكفّ سيد هاني أبدا عن الانشغال بقضايا الناس ومتاعبهم، تهرع اليه الفتيات والفتيان من مختلف الطوائف، من المؤمنين وغيرهم، لا يفرق بين أحد منهم، يحتفي بهم، يرعاهم، يتفهم آلامهم، يتحسّس جروحهم العنيفة، ونزيف قلوبهم، وعذاب أرواحهم، واشتعال أدمغتهم، ومكابداتهم في بيئآتهم من أهاليهم وشيوخهم، الذين يسخرون من اقتحام تفكيرهم المناطق المحضورة. كان هاني فحص يصغي الى أسئلتهم المشاغبة، ورؤاهم الجسورة، لا تستفزّه أو تزعجه آراؤهم الغاضبة، ومشاكساتهم الحادة. يتوجع لأوجاعهم، يشفق عليهم، وكأنه أم رؤوم، ذلك أنه يرى أن الشفقة على خلق الله أولى من الغيرة على الله، لأن الله غني عن العالمين.

    الله في فؤاد سيد هاني هو؛ المحبة لا الكراهية، السلام لا الحرب، الرحمة لا العذاب، الجمال لا القبح، الحياة لا الموت..كان يرى صورة الله في؛ الفقير، الجائع، العريان، المحروم، المعذب، الضحية..رأيته يبكي أكثر من مرة؛ لحظة تستيعد ذاكرته أحد أصدقائة الراحلين، ممن هم "مقيمون في الذاكرة" حسب توصيفه، أصدقاؤه الأحرار المدافعون عن كرامة الانسان.
    في كل مرة نلتقي يكثّف أسئلته عن أم محمد والأولاد، ويشدّد في متابعة ولدي محمد حسين. وهو يحلم بيوم مناقشته، معبّرا عن شعوره الجيّاش وترقبه بشغف لنجاحاته، وحين أخبرته أن محمدا فرغ من كتابة رسالته الماجستير في سنة واحدة قبل زملائه، غير أن بيروقراطية الادارة في الجامعة اللبنانية تمنعه من المناقشة وتسجيل الدكتوراه، انزعج جدا، ومن دون أن أطلب منه؛ راح يهاتف كل من يعرف من المسؤولين في الجامعة، ويلحّ عليهم؛ إن محمدا ولدنا، وهو تلميذ جاد، ولا نريده أن يتأخر في تسجيل الدكتوراه، وبعد أيام قليلة من متابعته الحثيثة، عقدت المناقشة التي تأخرت أشهر عديدة ، وسجل محمد في الدكتوراه.

    عندما يلاحظ خجلي من إحراجه، حين يتابع محمد بحماس، يكرر القول: يا أبامحمد؛ كل أبناء أصدقائي، تتجاوز صداقتي معهم الآباء غالبا. إنهم المستقبل، إنهم رصيدنا للغد، اني أتعلم منهم.

    كنت أراه كما أنا، فقد تعلمت من أبنائي اكثر من آبائي، ومن تلامذتي أكثر من أساتذتي، ومن الشباب أكثر من الشيوخ. تعرفت عبر تلامذتي وأبنائي على شئ من؛ آراء فلاسفة حطّموا أصنام الذهن لم يتنبه لهم المتفلسفون إلا بعد عشرات السنين، ومفاهيم مفكرين مغمورين لم يهتم بهم كثيرون، ومنجز أدباء مجهولين لم تتداول نصوصُهم شِللَ المهرّجين، ورؤيا فنانين منسيين مُدهشين لم يدرك ابداعَهم المعاصرون. قادوني معهم الى قارات؛ عميقة،كثيفة، متنوعة، ثرية،لم أكتشفها من قبل، رغم اني استنزفت عمري بالمطالعة، فمنذ المرحلة الابتدائية لم أبرح الكتاب والورقة والقلم، في حضر أو سفر، في صحة أو مرض، في فراغ أو زحمة أعمال.

    كلانا سيد هاني وأنا درسنا في حوزة النجف، لكنه سبقني بعقدين، اذ انخرط في الحوزة بداية الستينيات من القرن الماضي، وغادر الى لبنان مطلع السبعينيات، فيما التحقت أنا في حوزة النجف عام 1978، كما سبقني في أنه كان أحد رواد حركة تنويرية، تضم الصديق العلامة السيد محمد حسن الأمين وغيره في النجف، مثّلت بؤرة ضوء في الحوزة، واستطاعت أن تتواصل بحيوية من جيل الستينات الأدبي في العراق، والمثقفين العرب في مصر ولبنان، عبر الدوريات الثقافية والأدبية. وهي طيف شعاع تنوير لبناني، انبثق في حوزة النجف قبل مائة عام تقريبا، ووجد نموذجه المتطور مع هذه الجماعة.

    كنت كما سيد هاني مسكوناً بأدبيات لاهوت التحرير والمقاومة وشعارات النضال والثورة، هو انفتح على المقاومة الفلسطينية مبكرا، وأنا انخرطت في الجماعات الاسلامية، كلانا كان ناقدا للحوزة ونظامها التعليمي والمرجعية التقليدية، لكنا معا أدركنا منذ سنوات؛ أن المرجعية الدينية التقليدية ضرورة آنية، تفرضها طبيعة مجتمعاتنا التقليدية. وأنها الضامن الوحيد لضبط إيقاع هذه المجتمعات وتماسكها، لحظة الانهيارات والمنعطفات الخطيرة، التي تتعرض لها مجتمعاتنا، فضلا على أنها تمنح المجتمع حرية أوسع؛ في التفكير والتعبير والحياة، وأن نموذجها في الدولة هو دولة حديثة مدنية، كما أعلنت ذلك أكثر من مرة؛ مرجعية النجف ومشيخة الأزهر، خلافا للإخوان المسلمين ومن نسج على نهجهم من الجماعات الاسلامية، ممن ينشدون دولة دينية، نموذجها التاريخي دولة الخلافة.

    منذ 1985 غادرت العمل السياسي، وكل يوم جديد أجد نفسي أَشدُّ غرقاً في أحلامي المزمنة؛ في "تحديث التفكير الديني"، والسعي للبحث عن آفاق للتدين تتخطى مأزقنا التاريخي الشنيع، الذي زجّتنا فيه داعش وأمهاتها..لكن سيد هاني مضى مجازفا بشخصيته وهويته وانتمائه ورزقه، مسجّلا حضورا لافتا فاعلا في مواقف سياسية بالغة الحراجة والحساسية، حين أعلن أكثر من مرة عن صوت لا يكرّر صوت الجموع، وعن رأي لا يتطابق مع الرأي العام للجماعة، مما عرّضه للنفي والمقاطعة، واتهامات رخيصة بتهاونه وتضحيته بتشيعه، وأنا الذي سمعته مرارا؛ حتى آخر مؤتمر حضرناه معا قبل أربعة أشهر، صوتا شيعيا جسورا، في مواطن يفتقد الشيعة فيها أي صوت لهم. في غياب سيد هاني من سيكون؛ سفير الشيعة للعالم في زمن الانكفاء، سفير الشيعة للسلام في عصر حروب الطوائف، سفير الشيعة للسنة في عصر التكفير؟!

    لم أرَ سيد هاني يترفع عن الحضور والمساهمة في مختلف أنواع المنتديات والفعاليات والمواقف المجتمعية؛ الدينية والثقافية والأدبية والسياسية، مهما كان نمط ومعتقد جمهورها، شريطة أن تنتمي لهموم الوطن والانسان، مثلما هي همومه على الدوام.

    خسارة عالمنا الشقي لسيد هاني فحص لا تعوض، ذلك أنه؛ المثقف المتنوع، رجل التسامح والحوار، عاشق الإنسان، المتمرد على كهوف الماضي المظلمة، المصباح في ليل الحاضر الطويل، الحالم بإنسان يتخطى أقفاص الهويات وزنزانات الطوائف، في عصر أمسى فيه من يراجع أو ينتقد أخطاء وخطايا طائفته يغامر بفقدان هويته.

    فقدت أخا نبيلا غيورا على الانسان والأوطان والايمان وجوهر الأديان، وسأبقى وفيّا لقيمه وإيمانه وكدحه المتواصل، من أجل؛ الحق، العدل، الخير، الفضيلة، والجمال. وأعاهده؛ ان ماضيه لن يمضي من ذاكرتي وحياتي أبدا.





  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي






  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي


    آخر مقالة على فراش الموت قبل الرحيل ...




    الإسلام والغرب : ضرورة تدوير الزوايا |هاني فحص

    تنشر «السفير» المقالة الأخيرة التي كتبها السيد هاني فحص، وراجعها في أثناء علاجه، قبل دفعها إلى الطبع في مجلة «الفكر التقدمي».
    تاريخ المقال: 02-10-2014

    كانت الثنائيات ولا تزال تستأثر بالمساحة الأوسع والحرارة الأشد في مجمل الحوارات والسجالات الفكرية والأدبية والسياسية في العالم. وإن كانت بعض الأقطار، قد قامت بما يشبه تدوير الزوايا بين طرفي بعض الثنائيات، أو حسمت الجدل لمصلحة طرف ما، فإن ذلك لم يختم الحوار والسجال فيها، وإن خفف من حرارته أحياناً، ما يعني أنها مسألة إشكالية، تتجدد بتجدد الظروف الاجتماعية والمعرفية، ولا تتحمل حلاً نهائياً، وهذا الأمر ربما كان من أهم مصادر الحيوية في تداولها والبحث في حلول ممكنة لتعقيداتها.

    من هذه الإشكاليات المعمرة، إشكالية الاسلام والغرب تفريعاً على ثنائية الغرب والشرق، والتي احتدم النقاش حولها في المشرق العربي والإسلامي، منذ النصف الأول للقرن التاسع عشر الميلادي، مع محمد علي باشا ومشروع بناء الدولة في مصر، عقب حملة نابليون واحتلال مصر من طرف انكلترا العام 1882 في خط احتلالات متعددة، وما طرحته هاتان المحطتان من أسئلة عمقتها البعثات الدراسية المصرية إلى فرنسا، وقراءة رفاعة الطهطاوي لباريس المدينة ولفرنسا بعد الثورة من خلالها، وانتقاله إلى قراءة حالنا واستكشاف أولي للمفاصل التي ينبغي التواصل من خلالها مع الغرب، على أساس ان المنجز الحضاري مهما تكن البيئة التي أنجز فيها، مشاع أو فضاء مشترك للجميع، وعلى أساس أن الجميع قد شاركوا فيه وبشكل ظاهر او خفي، ما يضفي على الحضارة صفة الوحدة من دون إهمال التعدد في تجلياتها المحكومة بخصوصيات وطنية أو إثنية مختلفة.

    كان لا بد للأسئلة الفكرية الحاملة لهموم وموجبات وانتظارات الاجتماع العربي والاسلامي، من ان تستكمل مسارها لتتحول إلى واقع ملموس، وهذا يشترط ان يتحول المنعطف الفكري إلى مشروع سياسي وتنظيمي يجسده، ولعل الثورة الدستورية (1906) التي تواصلت بين اسطنبول وطهران مارة غير عابرة ببغداد والنجف، قد مثلت الفرصة الذهبية التي كانت الأسئلة تنتظرها لتتحول إلى مسارات ووقائع.

    غير أن الحرب العالمية الأولى التي كانت تقترب، هي التي اقتضت أن يكون فشل هذه الحركة إحدى أهم مقدماتها (أي الحرب). هذا والوثائق تفيد بأن السلطان عبد الحميد، برغم كل سلبياته التي لم يحاسب عليها بل حوسب على إيجابياته، كان يستشعر علامات على الحرب القادمة، وما تحمله من طاقة تدميرية للسياقات والمسارات النهضوية المحاصرة أصلاً، ولأسباب تتصل بموقعه وسلطته، فكّر وربما عمل على تفادي الحرب، ما عجَّل، مع أسباب أخرى، في إقصائه، لتتولى «تركيا الفتاة» و«الاتحاد والترقي» مهمة الإسهام في إشعال الحرب والمشاركة فيها.

    هذا في حين كان عبد الحميد، الذي أسقطه الحلفاء، متوجساً من نية أصدقاء تركيا في المحور في إشعال الحرب، وربما كان إقصاؤه نوعاً من المحاسبة على ذلك وغيره من إيجابياته قبل سلبياته. وهكذا، وبدلاً من ان نتحاور ونتثاقف مع الغرب، أصبحت الحرب فرصة لاستلحاقنا وتعطيل آليات النمو الداخلي في حياتنا، بحيث أن الاستقلالات اللاحقة، تكتمل، ولم تكن تعني أكثر من كونها إعادة إنتاج، على حداثة شكلانية، للعلاقة الإذعانية بالغرب، الذي اكتشف ان لدينا ثروات إضافية ونوعية، لا بد من تجديد رهانه عليها، بالتناغم بين إرادته وقصورنا وتقصيرنا، ما أعاد السخونة إلى ثنائية (غرب ـ شرق) خصوصاً بعدما انكشفت أعطال وإعاقات حركة التحرر العربي، سواء في عمارتها الفكرية أو في تجربتها التي أفضت إلى سلوكيات تجرأت على تنظير التبعية، مستفيدة من السيرة الفضائحية للأنظمة (التقدمية؟) في تشنجها اللفظي ضد الغرب، والآخر عموماً، مقدمة لسقوطها الإرادي والذريع في قبضته.

    لقد كان وما زال هناك بيننا تيار او اتجاه عربي وإسلامي عميق وحريص على التوازن، قد اختار الوسطية والاعتدال والتسوية والتنمية، موقعاً ومنهجاً وحلاً لإشكاليات التعارض والتماثل بين أطراف الثنائيات، ومنها ثنائية (شرق ـ غرب) وقد اشتغل ويشتغل على تحرير المساحات المشتركة، وفصّلها على مساحات الاختلاف والخلاف، من موقع نسبي يرى أبعد وأعمق ويتجنب التلفيق، ويعمل على تدبر تسويات تاريخية مفتوحة على التطور، من دون الوقوع في تبسيطية الحل الذي طُرح سابقاً، متمثلاً في التوفيق بين روحانية الشرق ومادية أو تقنية الغرب!

    النقاش لتحديد الزوايا وتدويرها، يجب ان يبدأ دائماً من حيث انتهت العلاقة بين الشرق والغرب، وما انتهت إليه صورة كل منهما عن ذاته في ذاته ولدى الآخر ـ يلاحظ كلام الرئيس أوباما في خطاب القاهرة عن الصور النمطية، هذا حتى لا نكون أسرى للموروث الإشكالي والصراعي الطويل بيننا، وحتى يكون في إمكاننا ان نعالج الراهن من أجل الآتي، بدل أن نبقى أسرى الذاكرة الغابرة، أو القريبة التي تراكمت فيها السلبيات نتيجة انفجار الصراع من جديد، أمام تحديات كانت تفترض الشراكة بدل القطيعة، لولا أن بعض الغرب، وواشنطن (الإدارة تحديداً في أكثر عهودها) ظلت على نظرتها الذكورية الاستيلائية إلى ذاتها والأنثوية الإذعانية إلى ذاتنا، إلى حد أن المحافظين الجدد كظاهرة قد عالجوا مرضهم اليساري بدواء يميني (كورتيزون) أشد فتكاً من المرض...

    إن الإسلام أو المسلمين، وتحت ضغط الظروف الداخلية والخارجية، وبسبب الانسدادات المتعددة والمتراكمة على صعيد الدولة والمجتمع، يعرضون أنفسهم أو يتعرضون لما يمكن تسميته تظهيراً للخلاف أو دفعاً للاختلاف إلى مستوى الخلاف القابل لأن يتحول إلى صراع فتاك بين الجماعات المذهبية وداخل المذهب الواحد، بحيث أصبح الجسم الاسلامي في حالة تموضع مخيف لتنوعاته التي كان من المفترض أن تنتظم على حال من وحدة المتعدد، ما يدعو أهل الاعتدال والرؤية والتقوى والمعرفة، إلى استدراك المخاطر وإعادة التعدد الطبيعي إلى سياق الوحدة.

    قد تمكننا هذه النظرة من تحقيق رغبة مشروعة في رؤية أو جعل العلاقة بين الاسلام والغرب أقرب إلى المنهجية، أو بعيدة عن المعرفة الناقصة والفرضيات الذهنية الصرف، والتي تغري بالقطيعة التامة، وهي مستحيلة كما هو التماهي مستحيل، ولا بد من مسلك وسطي يحدد احتمالات ومواقع الاتصال والانفصال معاً، على أن لا نقع ثانية في التعميم والإطلاق. فالاتصال والانفصال نسبيان وتاريخيان، بمعنى أن هناك مواقع انفصال قد تصبح قابلة للاتصال وكذا العكس، وهذا يلزمنا ويلزم الغرب بتجديد معرفة كل منا بالآخر، وإلا وقعنا في إهمال المتغيرات، ما يشكل اعتداءً على الثوابت، بينما التحدي المعرفي والعملي الحقيقي، هو الحفاظ على الوصلة المتحركة سعة وضيقاً بين الثابت والمتغير حفظاً لكل منهما بالآخر.

    ولعل المستوى التركيبي والتعددي في شخصية الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي هو من أصل كيني والمسيحي من أصل إسلامي والأسود الفاتح قليلاً، هو ما جعله يقدم في القاهرة أكثر وأبعد من خطاب، فاقترب من أن يكون خطابه مشروع رؤية قابلة للتموضع في تاريخنا الحديث أو مستقبلنا، منسجمة مع علامات نهوض تظهر بشكل غامض مرة وواضح مرة وإشكالي معقد دائماً، في حركة «الربيع العربي» وتمدده إلى كل الأنظمة السياسية وأنظمة المعرفة أو نظام المعرفة العربي أو الاسلامي الذي يشهد انفجاراً ضخماً في بركان الأسئلة المكبوتة.. إلى أنظمة الاجتماع الذي أصبح ملزماً وبشكل نهائي بين اختيار التعدد على أساس الديموقراطية والمواطنة سبيلاً إلى وحدته، وبين اختيار التخلي عن إدارة التعدد إلى إدارة الفصال والانفصال المهدد بالتشظي الدائم وتحول الجزء إلى جزئي.

    هذه الرؤية «الباراكية» التي أنتجتها الثقافة المجتمعية الأميركية التعددية أحبطتها الإدارة الأميركية التي أعادت أوباما إلى السياق المألوف من إلزامه باختيار إسرائيل ضد العرب بدل أن يسعى الجميع إلى أطروحة أو مشروع مركّب من العرب واليهود على طرف الدولتين أو الدولة الواحدة بكل ما تقتضي من عهود ودساتير تحفظ الأرجحية اليهودية على العربية طمأنةً لليهود وللغرب الذي عوّدنا أن يحل المشكلة الأوروبية بمأساة يهودية والمأساة اليهودية بمأساة عربية حتى وصلنا إلى وضع مأساوي للجميع عرباً ويهوداً.

    إننا لا نستطيع أن ننكر أن هناك تداخلات عميقة، شكلت مفاصل حضارية مشتركة بيننا وبين الغرب، بصرف النظر عن ظروفها بداية ونهاية، ولعل تجربتنا في الأندلس أحد تجلياتها العظمى، وقد كانت تكفيراً حضارياً حقيقياً عن خطيئة الفتح الذي لم يكن يشكل ضرورة إسلامية بقدر ما كان استجابة لرغبات سلطوية، والذي لا يقع في سياق الرؤية النبوية والحضارية للدعوة الإسلامية بل أملته مطامع وطموحات كان من الصعب على العلماء المسلمين الموضوعيين الذين لا يفكرون بناءً على طلب السلطات فقط قبولها أو الرضى بنتائجها المدمرة للإسلام والمسلمين والآخرين، وقد كانت هذه التجربة الرائدة ثمرة اختيار المسلمين للإيمان الكبير والتوحيد الإبراهيمي جامعاً، في ورشة علمية واجتماعية وعمرانية معروفة. ولم نعدم التنعم المحدود بمثل هذه الثمرة على مرارتها في الحروب الصليبية التي مهدت من خلال تأثيرات المسلمين على الغربيين، لعصر الأنوار في أوروبا، وانفجار إشكاليات الكنيسة والمجتمع والدولة... وحتى العهود الاستعمارية المباشرة خصوصا منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وغير المباشرة في أعقاب الاستقلالات التي كانت بحاجة إلى استكمال. وبرغم السلبيات العظمى والفادحة، لم تخلُ من بعض التأثيرات الإيجابية لفكرة بناء الدولة والمؤسسات والقانون وفصل السلطات.

    ومن المؤسف أن قلة منا توفرت على قراءة هذه المشاهد والوقائع قراءة هادئة وهادفة، بينما تكررت قراءتها الصحيحة والسقيمة في الغرب، بغاية الإفادة منها في اتجاهين متعاكسين، اتجاه اعتبرها دالة على إمكانية بناء علاقة شراكة عادلة ولو نسبياً، وعلى أساس حقوق الإنسان، واتجاه اعتبرها دالة على ضرورة القطيعة تمهيداً للاستحواذ والهيمنة علينا، وقد يعني ذلك كله أننا مضطرون إلى الميل إلى الشراكة الثقافية أو الحضارية، بشروط منصفة أهمها شرط التأهل الذاتي لدينا، على أن هذه الشراكة الممكنة او الواجبة يمكن ان تكون من أهم الشروط والمؤهلات التي تساعدنا على الخلاص من سلبيات التغريب او التغرب، بالمعنى الالتحاقي او الاستلحاقي، أي الاستعماري المتجدد علينا وعلى قابلية فينا ورغبة من المستعمر.

    فهل في إمكاننا ان نتوقع ونعمل لنشهد حالة من التفاعل والتواصل بين العالم الإسلامي والغرب مع أن الظروف الراهنة لا تشير بوضوح إلى ذلك برغم الخطاب اليومي الذي نسمعه في تأييد حركات الشعوب ضد أنظمتها الاستبداية التي بقيت وتبقى مقبولة ومحمية من الغرب إلى أن يبلغ ضعفها وجورها وتخلفها مداه وتنهض الشعوب ضدها ولا يبقى بإمكان أحد أن يحافظ على استمراريتها؟







ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني