ما أهمّيّة مُشارَكتكم في جلسة مجلس الأمن؟


الجعفريّ: بسم الله الرحمن الرحيم


أهميّة بالغة؛ إذ يُشكـِّل منبر الأمم المُتحِدة بهذا الحجم، وفي هذه الظروف الاستثنائيّة منبراً لإظهار الصوت الأممي بكلِّ أطيافه، وبكلِّ مُكوِّناته صوب العراق باعتباره رأس الحربة في مُحارَبة داعش، وهذه المُشارَكة سبقها مُؤتمَران مُؤتمَر جدّة ومُؤتمَر فرنسا، وكلـُّها صبَّت في الاتجاه نفسه، وهو التوعية بخطر داعش، وحقيقة ما يجري على الأرض العراقيّة بالمُحافظات المنكوبة جراء داعش، وما قامت به الحكومة العراقيّة كردِّ فعل على هذه الأمور، وكلـُّها تنتظم في سلسلة اللقاءات التي حصلت في جدّة، وباريس، واليوم في لقاء نيويورك ستتجه بالاتجاه نفسه؛ لذا نعتقد أنَّ هذه فرصة لأن نـُعرِّف الرأي العامَّ العالميَّ خصوصاً من منبر الأمم المُتحِدة بحقيقة ما يجري في العراق، وأنَّ الخطر في العراق ليس خطراً عراقيّاً فقط، نعم.. هو في أرض العراق، لكنـّه يطال الإنسان بكلِّ حجمه في كلِّ القارّات؛ لأنَّ الإرهاب عابر للقارّات، ولا يستثني أحداً، هذه هي حقيقة الثقافة التي ترتكز عليها هيكليّة داعش، وأثبتته الأرض العراقيّة بما حصل بحقِّ الإنسان العراقيِّ خصوصاً أبناء الديانات، والقوميّات، والاتجاهات السياسيّة المُختلِفة.
هذه فرصة بالنسبة لنا لنـُطلِع العالم على الفعل الإرهابيِّ الداعشيّ السيِّئ، وردِّ الفعل الإنسانيِّ الذي قامت به الحكومة العراقيّة.




- في الوقت الذي العالم ينشغل فيه العالم بمُحارَبة الإرهاب في العراق بمُشارَكة الحكومة العراقيّة مازلتم غير مُتفِقين على منصبين رئيسين في الحكومة لهما علاقة بالشأن الأمنيِّ.
هل للأمر بُعد داخليٌّ فقط، ألا يجب على القادة العراقيِّين أن يعوا حجم هذه المُشكِلة؟


الجعفريّ: بُذِلت مُحاوَلات جادّة من قِبَل الحكومة العراقيّة، وتحديداً الأخ رئيس الوزراء الذي أوفى بوعده، وطرح مُرشَّحين إلى البرلمان، لكن هذه هي استحقاقات الانتخابات، وضريبة الديمقراطيّة، وهو إنـَّهم قد يُوافِقون، أو لا يُوافِقون، لكنـَّنا نـُفرِّق بين أن تمتدَّ المُدّة إلى سقف زمنيٍّ غير محدود، وبين أن تأخذ القضيّة وقتاً حتى يتفقوا على أكفأ العناصر من وجه نظر وطنيّة مُجسَّده بالبرلمان لمَن هو أهل لأن يتسنـَّم حقيبة الدفاع، وحقيبة الداخليّة، وبقيّة الحقائب.
نحن لا نعتقد أن هذا يُعطـِّل، أو يُضعِف من جـِدّيّة العراق، وجدّيّة الدول التي تحالفت معنا على المُضيِّ بهذا الطريق، ونأمل أن نتغلـَّب على هذه العقبة في الأيام القليلة المُقبـِلة، وكنا قد وعدنا، والتزمنا بوعدنا بأنـَّه خلال يومين إلى أربعة أيام سيتمُّ تقديم مُرشَّحَين للبرلمان، وقد تمَّ الترشيح، وليس كلُّ ما تـُريده الحكومة يُوافِق عليه البرلمان -وإن كانت الحكومة من البرلمان- ومن الطبيعيِّ أن يقبلوا على بعض، ولا يقبلوا على البعض الآخر.




- هل تعتبر أنَّ هناك حاجة الآن لطمأنة المُكوِّن السُنيّ في العراق طالما أنَّ تنظيم داعش له حاضنه شعبيّة في بعض المناطق بالعراق؟


الجعفريّ: من دون شكّ أنَّ هناك بعض الحواضن، لكنّ لا يعني أنـَّها تخلـَّت عن وطنيّتها، وأنـَّها مُتجاوبه مع داعش، إنـَّما هناك أجواء استثنائيّة جعلت البعض يتفاعل مع داعش في الوهلة الأولى، وسرعان ما اكتشف أبناء المحافظات، وأبناء المناطق بأنَّ داعش خُدعة، وليست حقيقة؛ لذا قاوموا داعش، ومنهم أبناء الموصل الذين يُقاومون داعش اليوم على الرغم من الظروف الصعبة التي يمرُّون بها، وكذا بقيّة المناطق، وهذا بعث رسالة إلى القواعد الجماهيريّة في مُختلِف المحافظات خصوصاً السُنـّيّة منها؛ بأنَّ داعش يُحاوِل أن يُتاجـِر بالمشاعر ذات البُعد الطائفيِّ، لكنـَّه لا يـُمثـِّل السُنـّة، بل إنَّ السُنـّة منه براء، كما أنَّ داعش لا يـُمثـِّل الإسلام، ولا يـُريد أن يـُقيم الدولة الإسلاميّة؛ لأنـَّه قتل، وفتك بالمُسلِمين، ولم يـُفرِّق بين السُنيّ والشيعيّ، وامتدَّ إلى أبناء الديانات الأخرى من المسيحيِّين، واليزيديِّين، والصابئة، وعمَّ كلَّ القوميّات عرباً وكرداً وتركماناً، فنحن أمام عدوٍّ للإنسان، وليس قضيّة سُنـّي ضدَّ شيعيّ، أو شيعيّ ضدَّ سُنيّ، وإلا بماذا نـُفسِّر أنَّ المحافظات المنكوبة الثلاث هي محافظات سُنيّة، فأين هذا من الدفاع عن حقوقهم فالشعب العراقيُّ يعي جيِّداً أنَّ هذه ألاعيب لا قيمة لها، داعش يُعادون العراق كلـَّه، والمسؤوليّة تقع على العراقيّين كافة، وعلى المُجتمَع الدوليِّ كظهير، وساند للخط العراقيِّ الوطنيِّ بكامل حجمه.




- كيف يُمكِن ترجمة هذا المنطق الذي تتحدَّث به عمليّاً من خلال الحكومة، ومن خلال الإصلاحات الأمنيّة؟


الجعفريّ: عمليّاً طرحنا مُبادَرة ميثاق وطنيّ تضمَّنت عشرين نقطة تداولت الملفات العراقيّة كلـَّها، تضمَّنت ملفات الحكومة، والبرلمان، والأداء، والسياسات العامّة، والقوانين المطروحة، وتناولتها بشكل كامل، واتفقت عليها كلمة الفرقاء السياسيِّين العراقيِّين جميعاً، وأخذت وقتاً ليس قليلاً قبل تشكيل الحكومة.
الميثاق الوطنيّ وقف بشكل مُباشِر مع كلِّ طرف، وتحسَّس مَطالبهم، وأهدافهم، وطموحاتهم، وأدرج تلك النقاط، والمُلاحَظات في الورقة، فجاءت مُعبِّرة عن الإجماع الوطنيِّ. هذه هي الخطوة الأولى، أمّا الخطوة الثانية، فهي الانتقال من التنظير في ورقة الميثاق إلى ساحة التطبيق، وهو تشكيل الحكومة من كلِّ الطيوف السياسيّة العراقيّة في رئاسة الجمهوريّة سُنـّة وشيعة، وفي البرلمان سُنـّة وشيعة، حتى أبناء الدين الآخر من المسيحيِّين، والأقليّات، وكذا رئاسة الوزراء مُشكـَّلة من طيوف مُتعدِّدة، فحين تنظر إلى التشكيلة الحكوميّة ستجد كلَّ المُكوِّنات العراقيّة تتجسَّد فيها.
ورقة الميثاق ستـُمثـِّل السياسات العامّة، والنمطيّة في التعامُل مع القوى والمُمارَسات السابقة كافة بطريقة جديدة.




- هل تـُؤيِّدون مسألة تشكيل مجلس أعلى للدفاع، أو المجلس الوطنيِّ للدفاع في العراق، وهل ترى أنَّ هناك حاجة لتوزيع الصلاحيّات الأمنيّة، والخروج من حصرها بمنصب رئيس الحكومة، وتوزيعها بحيث تتوزَّع الصلاحيّات والمهامّ على مجلس أعلى؟


الجعفريّ: يُوجَد مجلس الأمن الوطنيِّ يرأسه رئيس الوزراء، ويُشارك فيه وزراء الدفاع، الداخليّة، والخارجيّة، والعدل، ومُدير المُخابَرات، ومُستشار الأمن الوطنيّ يلتقون بشكل دوريٍّ.
الدستور يُحدِّد أنَّ لرئيس الوزراء صفتين: صفة كونه رئيس مجلس الوزراء يتعاطى مع الوزارات من خلال الوزراء، وصفة القائد العامّ للقوات المُسلـَّحة، وهذا المجلس الأمنيّ يرفد رئيس الوزراء، ويُتابـِعه، لكنه يأخذ صفة استشاريّة، وهم معنيُّون بالجانب التنفيذيِّ أيضاً، فعندما تـُقرِّر القيادة العامّة للقوات المُسلـَّحة فهم المعنيِّون، فلا أعتقد أننا نـُعاني من مُشكِلة ازدواج في طريقة التوجيه بين المُكوِّنات في مجلس الأمن الوطنيّ.




- هل ترى أنَّ التجربة في الحكومة السابقة كانت جيِّدة، وهل يُمكِن الحفاظ على النمط نفسه الذي كان أثناء حكومة المالكيّ.


الجعفريّ: كانت بعض العناصر غير مُتوافِرة فيها؛ لظروف مُعيَّنة، وما كان يُوجَد وزير دفاع ووزير داخليّة، فكان الأخ رئيس الوزراء هو القائد العامّ للقوات المُسلـَّحة، وكان يتصدَّى لحقيبتي الداخليّة والدفاع.
النيّة مُتجـِهة الآن بشكل حاسم لتعيين وزيرَي الداخليّة والدفاع؛ حتى ينهضوا بالمهمّات الأمنيّة بشكل جيِّد، ومُباشِر.
أعتقد أنَّ هذه المسألة مُهـِمّة، وجرى التأكيد عليها في ورقة الميثاق من قبل القوى السياسيّة التي تـُشكـِّل الحكومة كلَّها.




- الواقع الميدانيُّ الذي فرضه تنظيم داعش أدَّى في جانب آخر إلى أن يسعى المُكوِّن الكرديُّ في العراق إلى الحصول على سلاح ثقيل مُتطوِّر، هل هذا الأمر يُقلِقكم في بغداد، هل هناك من سبيل لإبقاء التناغـُم على المُستوى التنظيميِّ العسكريِّ مع أربيل؟


الجعفريّ: من الناحية النظريّة، ومن الناحية الدستوريّة إنَّ وزارة الدفاع والقوات المُسلـَّحة وزارة سياديّة مركزيّة، لكنَّ استحقاقات الميدان تفرض علينا أن نتعاطى مع طبيعة الأسلحة التي تـُضاهي، وتـُواجـِه التحدِّي الأمنيَّ في كلِّ محافظة من المحافظات.
إلى الأمس القريب كنا نتغنـَّى بأمن كردستان، والخدمات في كردستان، لكن -للأسف الشديد- امتدَّت يد الإثم إلى كردستان؛ إذن نحن نـُواجـِه تحدِّياً، وفي مُقابـِل هذا التحدِّي يجب أن ننفتح على المُستلزَمات الميدانيّة لمُختلِف أنواع الأسلحة التي تكبح، وتردُّ غائلة الاعتداء، والامتداد الإرهابيِّ الداعشيِّ في هذه المناطق؛ عندئذٍ يجب أن يكون التنسيق على أعلى مُستوى بين الحكومة الاتحاديّة والإقليم؛ لغرض كبح جماح داعش.




- هل ترون طلب الإقليم الكرديِّ سلاحاً مُباشِراً من دول أجنبيّة أمراً طبيعيّاً، أم يُقلِقكم؟


الجعفريّ: أن يطلب، وأن يأتي السلاح فهذه أمور أعدُّها جانبيّة، والأمر الأساسيُّ هو إنـَّه يجب أن لا نترك المحافظات التي تـُواجـِه الخطر، ففي الأمس القريب كانت أربيل على مرمى حجر من داعش، فيجب أن نـُنسِّق، ونـُوفـِّر الأسلحة المطلوبة بكلِّ أنواعها بما يُضاهي هذا الخطر، أمّا التفاصيل فقد عالـَجها الدستور، وأمّا القضايا الميدانيّة، والمُشارَكة فالحكومة تحلـُّها، ولا أعتقد أنـَّها تـُشكـِّل عقبة.




- هل تتخوَّفون في بغداد من أنَّ الواقع الميدانيِّ الجديد يُعمِّق المسافة بين أربيل وبغداد؛ لأنَّ هناك نقاطاً خلافيّة قديمة بينكم وبين أربيل خصوصاً توزيع مصادر النفط، وكركوك.. هل ترى أنَّ هذا الواقع الميدانيَّ عمَّق هذا الخلاف، أو وسَّع المسافة؟


الجعفريّ: الخطر المُشترَك عادةً يُقرِّب المسافة بين الأطراف التي تـُواجـِه الإرهاب. الإرهاب لم يُفرِّق بين كردستان وبغداد، لم يُفرِّق بين الكرديِّ والعربيِّ، لم يُفرِّق بين السُنيّ والشيعيّ، لم يُفرِّق بين المُسلِم وغير المُسلِم؛ فمادام هذا الفعل بهذا الحجم وهذه الدرجة فلابدَّ أن تـُضاهي رُدود الفعل هذا الفعل.
هذه الأجواء تـُقرِّب المسافة، وتجعل الأهداف التي اختـُلِف عليها سابقاً تأخذ بُعداً ثانويّاً، وحين يتعرَّض أمننا وأمن كردستان إلى الخطر فلابدَّ أن تتضافر الجهود من أجل درء الخطر عن كردستان التي هي جزء من العراق، لا دولة مُستقِلـّة عن العراق.
المسؤوليّة تقع علينا جميعاً لأن نـُعطي الأولويّة للدفاع، وتوفير مُستلزَمات المُواجَهة، وحلِّ الملفات الأخرى، وكذلك نستطيع أن نـُوظـِّف هذه الأزمة من أجل حماية العراق، وتوفير أفضل الخدمات للمُواطِنين العراقيِّين.




- هل يُمكِن تفسير كلامك بأنـَّه دعوة للأكراد للمُشارَكة في فعاليّات بالحكومة؟


الجعفريّ: هم مُشارِكون، وموجودون الآن في صفِّ الحكومة.




- وحضور الجلسات؟


الجعفريّ: رئيس جمهوريّة العراق الدكتور فؤاد معصوم كرديٌّ، لا يُناقِش فيه أحد، ونائب رئيس البرلمان كرديّ، وهناك شخصيّات أخرى وَرَدَت أسماؤها رُبَّما لأسباب ميدانيّة لم تـُشارِك، فبعضهم أصدقائي، وعرفت أنـَّهم يتواجدون في ساحات المُواجَهة ضدَّ داعش في كردستان، ويُمكِن تقريب وجهات نظرهم بالشكل الذي يُقدِّمون فيه ما عندهم من إمكانات حكوميّة جيِّدة؛ نظراً لتجاربهم السابقة، ويُقدِّموا أفضل ما لديهم بشغل الحقائق الوزاريّة، ويُساهِموا في تقوية الحكومة.
الأخ مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان بادَرَ أول ما أعلِنت الحكومة، وسمَّى الأخ رئيس الوزراء بالاسم، وبارَكَ له، وأعلن عن تفاعُله؛ لذا نحن لسنا قلِقين من هذا الجانب.




- هناك تدفـُّق لآلاف المُقاتِلين، وهناك إمكانيّة لرصد من أين يأتون، ومن أين يحصلون على التمويل، وعبر أيِّ دول يمرُّون إلى العراق وسوريّة أيضاً.. هل ترى أنَّ على تركيا مسؤوليّة رئيسة عن وقف تدفـُّق المُقاتِلين، وهل تـُوجِّه رسالة مُحدَّدة إلى تركيا؟


الجعفريّ: لا يُمكِن التفكيك بين ساحتي المُواجَهة ضدَّ الإرهاب وبين ساحات التمويل، والتدريب، والدعم، والإعلام، وإضفاء الشرعيَّة؛ لذا فكلُّ هذه الدول بشكل أو بآخر تتحمَّل مسؤوليّة ضبط إيقاعها الأمنيِّ، لكنَّ هذا لا يعني اتهام حكوماتها إنـَّما يعني أنَّ مجاميع اخترقت الحدود، ودخلت العراق، وأحدثت ما أحدثت في الموصل يُمكِن أنـَّها دخلت إلى البلدان، وتعاملت مع طابور خامس مُنافِق ينخر مُؤسَّسات هذه الدول، فعند مُواجَهة الإرهاب كمُحصِّلة، ونمطيّة سلوكيّة ستمتدُّ -بالضرورة- إلى جذور الإرهاب، وتمويل الإرهاب، وإعلام الإرهاب، والدول التي تـُتخـَذ جسراً لمدِّ الإرهابيِّين، وإيصالهم من المناطق البعيدة جغرافيّاً إلى المنطقة المُحايدة؛ لذا في الوقت الذي نعمل على توليد علاقات كاستحقاق جغرافيّ جواريّ، ومصالح اقتصاديّة، نعمل معاً؛ لدرء الخطر.




- إلى متى تتمسَّكون بهذه اللغة الدبلوماسيّة الهادئة، والعراق يدفع دماً، وضحايا، وجزء كبير من أرضه مُحتـَلٌّ من مُقاتِلين أجانب، ومعلوم أنَّ هناك مصادر تمويل مُحدَّدة من دول مُجاورة للعراق، كما أنَّ المُقاتِلين الأجانب ينتقلون عبر مطارات هذه الدول، ويعبرون الحدود، ويحصلون على السيّارات رُباعيّة الدفع من دولة مُجاوِرة.. إلى متى تتمسَّكون بهذه اللغة الدبلوماسيّة في ظلِّ هذا الواقع؟


الجعفريّ: لا أجد تناقـُضاً بين أن تكون دبلوماسيّاً، أو أن تكون صارخاً مُدوِّياً بنفس اللغة الدبلوماسيّة، حين أقول: مُشتبـِه، أو مُعتدٍ، أو مُتورِّط هل هذه الكلمات تـُستفرَغ من دلالاتها لأنـِّي لم أصرخ بصوت عالٍ، وهل القضيّة قضيّة صياح إعلام.
الصراخ أدَّى إلى ما أدَّى؛ بسبب سياسات الصُراخ، والصراعات الظاهريّة، أو الصراعات المُفتعَلة.
بالدبلوماسيّة تستطيع أن تفتح طـُرُقاً قد تعجز عنها الدبّابة، فنحن نتوسَّم بالدبلوماسيّة بأنـَّها تستطيع أن تقتحم ما يعجز عن اقتحامه العسكريُّ والبندقيّة، لكن لا تعني الدبلوماسيّة الهادئة أن نتنازل عن أهدافنا، أو نتناسى الأخطار المُحدِّقة، أو أنـَّنا تخوننا الشجاعة في أن نقول للمُعتدي مُباشَرة بأنـّك مُعتدِي، والمُتورِّط إنك مُتورِّط.
لا نجد تناقـُضاً في أن نكون هادئين، وحين نطلب إنـَّما نطلب بشجاعة، ونتحلـَّى بأخلاقيّة الهدوء، ونملأ آذان الآخرين المعنيِّين بأن لا تتساهلوا، وقد قـُلناها في عام 2004: إنَّ الإرهاب لا دين له، ولا مذهب له، ولا وطن له، وها هي السنوات العشر أثبتت أنَّ طبول الخطر تقرع كلَّ العالم.




- ما الدور الذي تأملون من السعوديّة كدولة في طليعة الدول العربيّة والسُنيّة في المنطقة أن تـُؤدِّيه في دحر هذا الخطر الذي يُهدِّد العراق؟


الجعفريّ: أوصلنا إليهم هذه الرسالة في اجتماع جدّة، وكرَّرناه بصيغة جديدة مُنسجـِمة مع صيغة جدّة في اجتماع باريس، وسنقوله من على منبر الأمم المُتحِدة في نيويورك بأنَّ السعودية دولة مُحاذية للعراق لها موقعها في العالم الإسلاميِّ، والعالم العربيِّ؛ لأنـَّها بلد الحَرَمين الشريفين، وقد أبدت تجاوباً مُمتازاً، وشجبت الإرهاب، واحتضنت مُؤتمَر جدّة، وترأس الطرفَ السعوديَّ وزيرُ الخارجيّة سعود الفيصل، وكان صريحاً في دعمه للعراق، وشجب داعش، واستعدَّ إلى جانب بقيّة الدول الأخرى لأن يُساعِد في مُواجَهة هذا الخطر، وفي الوقت نفسه صرَّح بشكل واضح باستئناف العلاقات السعوديّة - العراقيّة، وفتح السفارة السعوديّة في بغداد.




- هل سيكون لك لقاء بوزير الخارجيّة السعوديّ؟


الجعفريّ: سألتقي السيِّد وزير الخارجيّة، كما ألتقي السادة الوزراء، وبعض رؤساء الحكومات، ووضعت ورقة للقاءات على هامش الأمم المُتحِدة، وسنلتقي سويّة في هذا الاتجاه بالذات.




- هل يُمكِن دحر داعش من دون إيران في المنطقة؟


الجعفريّ: لقد وضعتَ يدك على نقطة ضعف حصلت ما كنا نتمنى أن تحصل، وهو تأييد إيران.
في اللقاءات التي حصلت سواء في جدّة، أم في باريس، وفي الوقت الذي نـُسجِّل حضوراً في العراق أبلغنا وجه نظرنا، وبيَّنا المحذور بعدم دعوة إيران.
هناك عقبات، ومنها: إنَّ البتُّ في لقاءَي جدّة وباريس كان في وقت سريع، وكان الوقت غير كافٍ لتذليل هذه العقبات، وسنـُواصِل جهودنا من أجل جعل الصفِّ العربيِّ، والإسلاميِّ الإنسانيِّ مُتراصّاً، ومُتماسِكاً؛ حتى تـُوجَّه كلُّ الطاقات صوب العدوِّ أينما وُجـِد.
نحن لا نستغني عن أيِّ دولة خصوصاً دولة بحجم إيران؛ فلها 1400 كيلومتر حدود مع العراق.




- هل يُمكِن هزيمة داعش من خلال جهد عسكريٍّ عراقيٍّ ميدانيٍّ، وغطاء جويٍّ أميركيٍّ، أو دوليّ، وهل تطلبون دعماً عسكريّاً على الأرض لمُساعَدتكم بخاصّة أنَّ الجيش العراقيَّ يحتاج إلى مثل هذا الدعم؟


الجعفريّ: الدعم الجويّ مُهـِمٌّ جدّاً، لكنـّنا لسنا في شحّة من أبناء القوات المُسلـَّحة العراقيّة، والحرس الوطنيِّ، وقوات البيشمركة، وقوات الحشد الجماهيريّ على الإقدام، والاستبسال، والاستعداد للتضحية، وهو شيء رائع، ومُنقطِع النظير.




- نـُلاحِظ من خلال تصريحات المسؤولين في الدول الغربيّة المعنيّة بهذا الأمر أنَّ الإطار الزمنيّ مفتوح لمُحارَبة داعش.
هل ترى ضرورة وجود إطار زمنيٍّ على الأرض؟ فالولايات المتحدة تقصف القاعدة في اليمن منذ سنوات، وكذا الصومال، ودول أخرى، فقد يكون الأمر نفسه في العراق، فيستغرق سنوات؟


الجعفريّ: الزمن المطلوب لحسم المُواجَهة، وهو يختلف عندما يتحدَّث بالأفق العراقيِّ، أمَّا الآفاق الأخرى التي قد يتواجَد فيها داعش، ولا أستطيع أن أتحدَّث بتاريخ الأشهر والأيام، لكن عندما أتحدَّث في زمن المَدَيات القريب والمُتوسِّط والبعيد، فهو يتراوح على الأرض بين زمنين القريب والمُتوسِّط، وعندما نتحدَّث عن هزيمة داعش في كلِّ المناطق التي يتواجَد فيها، فننتقل بين المُتوسِّط والبعيد، أمَّا أن نقول بالسنين، أو بالأشهر، أو بالأيام فلا أتصوَّر أيَّ خبير عسكريٍّ، أو أيَّ سياسيٍّ يحترم كلماته يستطيع أن يُحدِّد التاريخ.
نتمنـَّى، ونسعى أن يكون في أقرب وقت مُمكِن، لكن دعنا نكون واقعيِّين فعندما نتحدَّث عن تاريخ داعش في العراق فهو ليس بعيداً، داعش انتقلت كغـُدَّة سرطانيّة من دول الجوار إلى العراق، وما لم تكن قد استوفت جذورها منذ زمن كثقافة، أو تجذّر في المحافظات فهي ليست بعيدة الأمد خصوصاً عندما نـُؤمِّن للقوات المُسلـَّحة العراقيّة دعماً سياسيّاً، وأمنيّاً، وخدميّاً، وإنسانيّاً حقيقيّاً بعد الدعم اللوجستي العسكريِّ الذي يجعل اليد العراقيّة هي اليد الطولى.




- ما التصوُّر لطمأنة السُنـّة في العراق لنبذ داعش، هناك حالات رفض لداعش في بعض المناطق السُنـّيّة بالعراق، ولكن لم تصل إلى الدرجة الكافية لدحر داعش، أو لسحب ما يدّعيه داعش بأنَّ لها دعماً شعبيّاً. كيف يُمكِن طمأنة السُنـّة، وما هو تصوُّركم؟


الجعفريّ: إذا تحدَّثنا من الناحية السياسيّة فهناك خطوات سياسيّة كمُشارَكتهم في الحكومة، وفتح المجال للأخذ بمُلاحَظاتهم، وكذا على الصعيد التنفيذيِّ، والتشريعيِّ، والقضائيّ، والأمنيّ، وعلى كلِّ الصُعُد، علاوة على حلِّ المشاكل المُهـِمّة، وتعويض الخسائر التي تعرَّضت لها هذه المحافظات.
سيكون على المدى المُتوسِّط، والبعيد تعاون قائم على قدم وساق بيننا وبين إخواننا من مُختلِف المناطق.
الموصل كانت عصيّة دائماً على كلِّ الاحتلالات التي واجهتها منذ زمن الحجّاج بن يوسف الثقفيّ إلى نادر شاه، إلى الذي حصل في ثورة الشوّاف عام 1958، الموصل مدينة عريقة تـُقاوم، وتـُحِسُّ بعربيّتها، وبوطنيّتها، وتـُدافِع، ولكن ألمَّت بها ظروف استثنائيّة أثـَّرت فيها، وسرعان ما اكتشفت أنَّ النكبة التي حصلت بسبب دخول داعش تفوق كلَّ النكبات الأخرى.
الشروع في المظالم الأخرى صمام الأمان الذي يجعل كلَّ محافظة من محافظات العراق عصيَّة على الاحتلال، وعندما نجعل المُقاوَمة مُقاوَمة ذكيّة من داخل أهل الموصل، فهم سيُدافِعون عن الموصل مادمنا فتحنا صفحة جديدة اسمها الحشد الشعبيّ، فليكن الحشد من جماهير الموصل مثلما تـُحشَّد الجماهير في الأنبار من داخل الأنبار، وكذا بقيّة المحافظات.
هذا يمنح المدينة قدرة عالية على المُقاوَمة، والمناعة خصوصاً عندما تكون حرب كحرب داعش بلا دبّابات أو طائرات تـُحارِب إنـَّما في الأعمِّ الأغلب أسلحة خفيفة ومُتوسِّطة، وهذا هو السبب الذي جعل هتلر يتحاشى سويسرا على الرغم من أنـَّها ليس لديها جيش إنـَّما فيها مُقاوَمة شعبيّة من ذات المُدُن، ولو ارتكب حماقة الدخول إليها لأصبحت سويسرا مقبرة للجيش النازيّ.




- مُستشار الأمن الوطنيِّ فالح الفياض زار الرئيس الأسد مُوفـَداً من قبل الحكومة العراقيّة. هل أوصلتم رسالة مُحدَّدة إلى الرئيس الأسد، وما هي الرسالة التي حملها؟


الجعفريّ: الرسالة التي حملها هي إنَّ العراق يُواجـِه خطر داعش، ويتحمَّل مسؤوليّة الآن، ولسنا نحن فقط، بل كلُّ الدول المُتضرِّرة تتحمَّل مسؤوليّة توحيد الموقف، وينبغي أن نتعامل كلّ بحسبه لمُواجَهة هذا الخطر المُشترَك، وقد أبدى الطرف السوريُّ تفهُّماً لهذا الدور، فلدول التي تتمتـَّع برؤية استراتيجيّة رصينة، ونظرة إنسانيّة حقيقيّة لشعوب المنطقة تتناسى خلافاتها من أجل أن تـُوحِّد الموقف.
في كلِّ سجلات الحروب في العالم وقف المُتنافِرون، والمُتحارِبون معاً عندما واجهوا خطراً مُشترَكاً، وتناسوا خلافاتهم، وهذا الذي جمع ضدَّ هتلر وموسليني كلاً من ولسن تشرشل واستالين وروزفلت وبعده ترومن، وليس هذا تشبيهاً بين الأنظمة إنـَّما التشبيه بالخطر المُشترَك الذي دهمهم، ونحن وجَّهنا رسالة بيد الأخ مُستشار الأمن الوطنيِّ فالح الفيّاض، فتكلـَّم بهذا الشكل الجيِّد، ونحن نعرف أنـَّه تـُوجَد خلافات بين سوريّة وبين أميركا وبعض الدول العربيّة، ولكنـَّنا نبحث عن نقاط الالتقاء من دون أن نـُملي على الآخرين إملاءات قسريّة، إنـَّما نبحث عن نقطة الاشتراك؛ حتى نستطيع أن نـُوظـِّفها، ونـُحوِّلها إلى خط من التعامُل الذي يدرُّ على الجميع بالمنفعة.




- هل تعني أنَّ الرئيس الأسد شريك في هذه الحرب على داعش؟


الجعفريّ: هو من طرفه يُعانِي من داعش أيضاً، ونحن على وفق النِقاط المُشترَكة بيننا وبين الآخرين نبذل جهداً من أجل أن نجعل المنطقة مُحشَّدة ضدَّ داعش.
الظروف منعت سوريّة من المُشارَكة في لقاء جدّة، وباريس، نأمل أن يكون الزمن كفيلاً بإعادة اصطفاف الأمّة العربيّة، والأمّة الإسلاميّة، والحالة الأمميّة من جديد.




- هل تدعو الولايات المُتحِدة للتنسيق مع الحكومة السوريّة في الحرب ضدَّ داعش؟


الجعفريّ: أنا مع تحشيد كلِّ القوى، والإمكانات، والطاقات ضدَّ داعش، أمّا أن يكون تنسيق بين أميركا وسوريّة، أو دول عربيّة أخرى فتختلف، وأتمنـَّى أن يحصل هذا التنسيق، وعندما يُطلـَب منا أن نعمل كوسيط فنحن سنكون على أتمِّ الاستعداد لأن نـُقرِّب بينهم، لكن لا نـُجمِّد معركتنا الآن إلى أن يتتفق الفرقاء السياسيّون الدوليّون والإقليميُّون على هذا، فلرُبَّما يأخذ وقتاً أطول من الوقت الذي نـُريده، ونحن اليوم نتعامل بدبلوماسيّة السرعة التي تتماثل مع سرعة التحدِّي، والجرائم التي تـُرتكـَب، والتفجيرات التي تحصل، والاستحواذ على بعض المحافظات.
هذا نتعامل به، لكنَّ الأولويّة في مثل هذه الظروف إلى أقصى الدرجات هو إيلاء الحالة الأمنيّة أهمّيّة قصوى لمَن هو على الأرض، ومَن يحمل، ويدعم المُقاتِل العراقيَّ على الأرض؛ للتخلـُّص من خطر داعش.




- هل حمل السيِّد الفيَّاض معه رسالة من الرئيس الأسد، وما الذي حصل عليه؟


الجعفريّ: كان يُؤيِّد هذه السياسة، إنـَّنا نشعر خطر داعش على الجميع؛ لذا نستثمر كلَّ المنابر، وكلَّ الدول التي تـُريد أن تمدَّ يد المُساعَدة لنا؛ لأنَّ مُحارَبة داعش مسألة مُهـِمّة بشرط أن لا نتدخـَّل في شؤون هذه الدولة، وتلك الدولة، لكنَّ طبيعة المُركـَّب الإرهابيِّ أنـَّه مُتعدِّد العناصر، وميدانيّاً على الأرض لا تستطيع أن تفصل بين أرض المُمارَسة الإجراميّة، وبين الأرض التي تدعم داعش سواء كانت تدعمه بالمال، أم بالاحتضان، أم بالتدريب، أم بالآليات، أم بالإعلام.
الآن يُوجَد فكر جديد مُنحرِف، وهو فقه الإرهاب، ولا يمتُّ إلى الإسلام، فداعش يُسمِّي نفسها الدولة الإسلاميّة، والإسلام منه براء، الإسلام أخِذ من السِلم، فكيف يلتقي مَن يُهدِّد، ويُروِّع الأطفال والنساء، ويدَّعي أنـَّه يُقيم دولة إسلاميّة.
الدولة الإسلاميّة تـُقام على قاعدة السِلم، لا قاعدة الرُعب، وإزهاق الأرواح، وهتك الحُرُمات.
داعش صورة مُناقِضة للإسلام، وثقافة دخيلة على الإسلام، وعلى المسيحيِّين؛ لذا فالإسلام بريء من هذه التصرُّفات.




- إلى أيِّ حدٍّ من المُهـِمِّ أن تـُشارِك الدول العربيّة في هذه الحملة العسكريّة على داعش، وهل ستسمحون لأيِّ طائرات إماراتيّة، أو سعوديّة مثلاً في هذه الحملة؟


الجعفريّ: التعاون مطلوب، وسيُترَك للقيادات العسكريّة التنسيق في هذا الأمر؛ وهو عنصر أساسيّ.




- إذن القرار ليس سياديّاً إنـَّما هو عسكريّ؟


الجعفريّ: السيادة العراقيّة محفوظة، والسيادة للقوات العراقيّة المُسلـَّحة والقائد العامّ للقوات المُسلـَّحة مكفولة في الدستور العراقيّ.
وزارتا الدفاع، والداخليّة، وبقيّة الفصائل تعمل ضمن القيادة العامّة للقوات المُسلـَّحة، ونحن نـُركـِّز على أن يكون الدعم لوجستيّاً، وتمويلاً بالأسلحة، وخدميّاً، وإنسانيّاً، وإعادة إعمار وبناء المناطق المنكوبة، والدعم الجويّ بشرط أن لا تطال أهدافاً مدنيّة، ومناطق آهلة بالسكان، وأن لا تمسَّ السيادة العراقية، وأن يكون هذا الدعم بالتنسيق والتعاون مع القوات العسكريّة العراقيّة.




- ما الرسالة التي ستـُوجِّهونها في كلمتكم بجلسة مجلس الأمن؟


الجعفريّ: ألخـِّصُها في نقاط؛ للتعريف بما يجري على الأرض العراقيّة، فليس مَن رأى كمَن سمع، فهناك أخبار مُؤدلـَجة، ومُسيَّسة.
أنا أتحدَّث من موقع المُشاهَدة مُباشَرة.
سأتحدَّث عمّا يجري في العراق بقدر ما يسمح به الوقت، وسأتحدَّث عمَّا أقدمت عليه الحكومة العراقيّة من خطوات عمليّة لمُواجَهة هذا المُعضِل، وهذه المُشكِلة الحقيقيّة، وفي الوقت نفسه سأوجِّه كلاماً بأنَّ خطر داعش غداً أو بعد غد سيقرع طبوله في مناطقكم؛ لأنَّ مُواطِنيكم يأتون إلى العراق، ولا شيء يمنع هؤلاء من أن يرتكبوا نفس الجريمة -ولا نتمنّى ذلك- ونتعاون معكم لدرء الخطر عن بلدانكم، كما تتعاونون معنا في درء الخطر عن بلادنا؛ لذا فالمعركة على الأرض العراقيّة هي - بالأساس- معركة لإسناد الشعب العراقيِّ، ومعركة بالوكالة عن شعوبكم، وسيادتكم، وعن بلدانكم.


لقاء قناة الحُرّة بالدكتور إبراهيم الجعفريِّ وزير الخارجيّة العراقيّ 20/9/2014