في ذكرى استشهاد السيد محمد صادق الصدر دعوة للتوقف عند تحركه الذي استقطب الساحة الأسلامية العراقية في الداخل. وفي الوقت الذي كانت المرجعيات على اختلاف الوانها الا من رحم ربي تعاني من الشيخوخة المزمنة والأنعزال والأنكفاء كانت مرجعية السيد الصدر الثاني تتألق في دعوتها وفي جذبها لجيل الشباب الذي راهن عليه نظام البعث في ان يكون جيلا بعيدا عن قيم الأسلام وتعاليمه. وفي حين فشلت المرجعيات الأخرى المتواجدة على بعد أمتار من محل اقامة السيد الصدر الثاني في تفعيل الواقع الشيعي العراقي وتحريكه نحو انتهاج الأسلام كمنهج للحياة نجح السيد الشهيد الثاني في تحريك مفاصل مهمة من الشارع العراقي المسلم بأتجاه حمل لواء الدين والألتزام به.

الحركة التي تحركها السيد الصدر الثاني كانت وبلا شك تمثل تحرقا واحساسا بالأنسان المسلم"العراقي" الذي ذاق الويلات أكثر من غيره بسبب انتمائه والتزامه بالأسلام والتشيع تاريخا ومكانا ومجتمعا. وتمثل ايضا توافره رحمه الله على عقلية فذة في الأدارة وحسن التنظيم قل مثيلها لدى أقرانه ممن لم يستطيعوا ان ينافسوه لا لسبب الا بسبب تقاعسهم وانعزالهم. العقلية الفذة في الأدارة والتنظيمأدت الى تكوينه تلك الكتلة العظيمة من الملتزمين اسلاميا في المجتمع العراقي والذي كان ما يزال يئن تحت ضربات شديدة تعرضت لها الحركة الأسلامية في صفوفه او مطاردة للنخبة الأسلامية الواعية التي اما ان تكون قد استؤصلت او اعتقلت او اجبرت على مغادرة البلد. وكان الأنطباع السائد لدى المراقبين للوضع الأسلامي العراقي هو هل سيستطيع العراق بعد سنوات الجرف والأستئصال في الثمانينات وحرب الخليج الثانية والأنتفاضة ان يستمر في السير بأتجاه الألتزام والوعي الأسلامي. وهل كان بمستطاع الجيل الذي نشأ تحت تلك المطارق ان يحمل راية الدين ليسلمها لأجيال تليه؟. وكانت المفاجأة التي أصابت الأعداء بالذهول والأصدقاء بالفرح بأن الجماهير العراقية وبالملايين بدأت تقيم صلاة الجمعة في مشهد رائع قل مثيله في تاريخ العراق القديم والحديث. وأن الحجاب الملتزم الواعي قد بدأ ينتشر بين بناتنا واخواتنا في الوطن. وان الأنسان العراقي كان يبدو اكثر التزاما ووعيا من كثيرين غيره يعيشون ظروفا افضل منه بكثير في ايران او الخليج. وفيما كان الألتزام على المستوى الشعبي الجماهيري –الألتزام الديني الذي ينطلق من داخل الأنسان وقناعته بمطلق حريته- ينحسر في ايران وبيئات اخرى كان يزداد الوعي والألتزام عنفوانا في عراق الصدر الثاني.

لاحظ ان السيد محمد صادق الصدر حرك الشارع العراقي بأتجاه الألتزام وهو بذلك نجح نجاحا لا مثيل له في بيئة تسلطت عليها العلمانية بشكل مركز ومطلق ولمدة طويلة من الزمن في مقابل اضمحلال تجربة اخرى امتلكت كل مقومات النجاح من اموال ونظام وهيئات ومؤسسات الا وهي ايران. وفي وقت كان الشارع العراقي يحلو بزي الأيمان والعفاف بفضل مجهود السيد رحمه الله كنا نرى الشارع الأيراني يزداد اقترابا الى الثقافة والمنظومة الفكرية الغربية لبسا وسلوكا وفكرا. وهي مفارقة تدعو بلا شك الى التوقف.
نعود الى السيد الشهيد الثاني الذي تمكن بفضل فكره التنظيمي المتألق ان يسير في المجتمع العراقي بكافة فئاته وخاصة فئة الطبقات المحرومة في المدن والقرى العراقية كافة. وكان لهذا التحرك الأبوي الحنون تجاه شعب يئن من نظام طاغوت ونظام حصار دولي. حيث ان الجماهير العراقية أحبت هذا الأب الحنون الذي أعطاها كل ما استطاع ان يقدمه لها. وبدلا من ان ينشغل في جمع اموال خمس او صرف اموال على بناء عقارات في قم واذربايجان او شراء مولدات كهربائية "للنجف" او التبرع "بدفن شهداء الباخرة الأسترالية" او طباعة صور وبطاقات تهنئة كان يبني للاسلام أساسا في المجتمع العراقي لا يمكن ان يمحى اثره. ورغم كل التسقيط الذي مارسه من هم حسبوا انفسهم على الدين ورغم كل محاولات الهدم لمشروعه الأول "الأنسان العراقي". الا انهم كانوا هم الأخسرين أعمالا. وفي مقابل ان مد الله في حياتهم سنين يملؤها ذل وصغار أعطاه الله في المقابل درجة لن يصل اليها القاعدون ابدأ. انها درجة الشهادة. رحم الله شهيدنا الصدر في ذكراه فقد عاش راغبا ومات شهيدا. وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.