27/10/2014
/ 3 محرّم 1436هـ



ليس من المهمّ فقط استحضار ما جرى في كربلاء من مأساة أصابت الأمَّة بأكملها، باستشهاد سيّد الشّهداء الإمام الحسين بن عليّ(ع)، وإثارة ذلك من الناحية العاطفية، على أهميّته، بل إنّ من المهمّ أيضاً استحضار هذه الشخصيّة الرساليَّة بكلّ أبعادها، ومسيرة جهادها وتضحياتها، وتبيان المبادئ الأساسيّة الّتي انطلقت منها في ثورتها، لتكون هذه المبادئ هي ما يستوجب أن نمعن النّظر فيه ونعكف عليه، لنتعرّف إلى تأثيرها في حركة واقعنا المعاصر وما يضجّ فيه من أحداث.
أن نعود إلى كربلاء، يعني ذلك أن نعود إلى أحضان الرّسالة، وكلّ حركة النبوّة والإمامة، عبر تاريخها النضاليّ الهادف إلى بناء الذات الفرديّة والجماعيّة في خطّ الله تعالى، والإخلاص له في كلّ قول وفعل وحركة، فالحسين(ع) هو ربيب النبوّة، عاش في كنف جدّه، ونهل من أخلاقه، وبعد استشهاد أبيه وأخيه، حمل أمانة الوحي والرسالة والتبليغ، فجاهد في الله حقّ الجهاد، ولم تأخذه في الله لومة لائم.
وأن تعيش عاشوراء، يعني أن تحمي الواقع من الفساد والمفسدين، وتصدح بكلمة الحقّ، وأن تفعل فعل الحقّ في الحياة، وأن تكون الواعي والمسؤول والمنفتح على الحياة، فتنطلق كي تصلحها من كلّ انحراف يعتورها، كلّ ذلك هو من صميم التّبليغ والدّعوة إلى الله تعالى، من أجل استقرار المجتمع وتوازنه، ومن أجل استمراريّة الحياة بما يليق بها من عزّة وكرامة، وذلك ما انطلق به الإمام الحسين(ع)، من مبادئ جعلها أساساً لثورته المباركة؛ الثورة على الذات المهادنة في الحقّ، والمتهاونة في تغييب الحقّ والتعدّي عليه، الثّورة على كلّ ذي ضمير ميت باع نفسه وأهله ومحيطه للشّيطان وجنوده، الثورة على كلّ ظلم وظالم وجور يلوّن الواقع بالسوداويّة، والثّورة على النّفس التي تخضع للأشخاص والمواقع، مهما كانت، دون أن تعي شرعيّة كلّ ذلك، ودون أن تراعي حدود الله في كلّ ذلك. فكم يوجد من الَّذين يبايعون الشّيطان، ويخضعون لوسوسته في مناحٍ كثيرة، فيتبعون شهواتهم، وينطلقون بلا حدود وراء أهوائهم وحساباتهم، الّتي تصادر كلّ نوع من أنواع حرية الإنسان وكرامته!
فإذا كان الحسين(ع) قد جاهد واستشهد من أجل عدم مصافحة ومبايعة كلّ شيطان إنسيّ أراد تدمير الحياة وتلويثها بالأباطيل، فعلينا أن نكون على نهجه، فلا نقبل بشرعيّة الباطل في كلّ مواقع الحياة، وأن نواجه كلّ باطل يعمل على تشويه الحقيقة وتدنيس الحقّ بالكذب والافتراء والدّعاية والتّضليل. وإذا كان الحسين(ع) قد ثار بكلّ وعي ومسؤوليّة، على قلّة وعي الناس وتأثير الدّنيا فيهم، وتجاهلهم لدورهم ومسؤوليّاتهم، طالباً منهم أن ينفتحوا على آفاق الكون وعلى آفاق الوجود وعلى آفاق الرسالة، بما تحمل من قيمة ترفع من شأنهم، فإنّ الروح الإسلاميّة الأصيلة التي نتغنى بها، لا بدَّ من أن تأخذ من قبسات روح الحسين(ع) العالية في سموّها وآفاق تفكيرها، ولا بدّ من أن نعمل على خلق أجواء تنتج جيلاً حسينيّاً رساليّاً، يشعر بفاعلية حركة الحسين(ع) في كلّ حركته في الحياة، بالشّكل الّذي يدخل كلّ التفاصيل الخاصّة والعامّة، وليس فقط جيلاً يرتبط بالذّكرى بشكل سطحيّ وفارغ لبضعة أيام، وتنتهي القصّة.
فحركة الحسين(ع) ارتفعت لتطاول بحضورها كلّ وجود، وكلّ زمان ومكان، ولتخاطب كلّ صاحب عقل ووجدان وشعور يميّز الحقّ ويعيش في ظلاله.
ولذا، علينا أن نميّز تماماً بين حبّ الحسين(ع)، وبين الالتزام بحبّه، بالتحرّك وفق خطّه ونهجه، فأن نلتزم بحبّه، معنى ذلك، أن نلتزم بكلّ حركة وموقف وكلمة فيها إصلاح لذواتنا ولحيواتنا، حيث الفكر والعاطفة خطّان يتحرّكان جنباً إلى جنب، في عمليّة تأهيل الشخصيّة وانطلاقها.
وأن نستحضر قضيّة الحسين(ع) المقدّسة، فمعنى ذلك، أن نكون مؤهّلين للتفاعل معها، بالشّكل الّذي يخدم كلّ مواقع الحقّ والعدل والعزّة والكرامة، وأن نرفض أيّ شيء يسيء إلى هذه المواقع.
الإمام الحسين(ع) يريد منّا أن نعيش الطهر والصفاء في أفكارنا، فلا نأخذ بالضّلالات والانحرافات، وأن نعيش الطهر في عواطفنا ومشاعرنا، فلا تتحرّك إلا في حبّ المخلصين والملتزمين بالرسالة وأهدافها، عندها، من الممكن أن نكون من أنصاره الحقيقيّين، الَّذين يرفضون الاستغراق في تفاصيل التّاريخ، والغياب عن قضايا واقعهم.
إنَّ صوت الحسين(ع) وحركته الخالدة، تستصرخنا في كلّ زمان ومكان، وتدفعنا إلى أن ننتج جيلاً رساليّاً يرتفع إلى مستوى تضحيات الحسين(ع) وأهداف رسالته الّتي هي في خطّ الله تعالى.
*إن الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنما عن وجهة نظر صاحبها.