الاخ العزيز ابو حسين البلداوي ..
امهاتنا واخواتنا البلداويات معروفات و (مجرّبات) بالشجاعة والغيرة على المجاهدين ، وهنّ منذ زمن المقبور (صدام ابن أبيه) ، كان لهنّ العديد من المواقف البطولية ، فأصبحن مفخرة لكل نساء العراق المؤمنات ..
وبما أن الشيء بالشيء يذكر ، اكرر هنا ما دونته سابقاً عن احدى شهيدات بلد ، ألا وهي الشهيدة (طوعة) البلداوي
طوعة البلداوية
الشهيدة السعيدة سكنة علي مهدي حسين الگمراوي
(طوعة) طائعة أهل البيت .. إنها واحدة من عظماء التاريخ على مر العصور...
إنها طوعة زوجة أسيد الحضرمي؛ انها النجمة التي تألقت في سماء الكوفة الملبدة بغيوم سوداء داكنة، واعتلت سلالم المجد ونالت وسام العظمة، بسبب موقفها المتميز في سبيل الهدف المقدس. ولعل نجم طوعة هو أبرز النجوم التي لمعت في سماء الكوفة منذ حط مسلم بن عقيل رحاله فيها في الخامس من شوال سنة ستين للهجرة، وحتى استشهاده في الثامن من ذي الحجة، وذلك مع وجود نجوم لامعة أخرى مثل هاني بن عروة وحبيب بن مظاهر الأسدي وغيرهم، ممن دافع عن الإمام الحسين ورسالته..
إلا ان سطوع نجم طوعة، جاء في وقت شحّت فيه الرجال وانعدمت الغيرة والحمية عند الرجال، كما تميزت بين أقرانهن من النسوة اللاتي أتين مذعورات في الموقف التاريخي أمام قصر الامارة، عندما حشّد الناس وقد حملوا السلاح للإنقضاض على عبيد الله بن زياد، فجاءت الزوجة وسحبت زوجها، والأم إبنها والأخت أخيها، وهي تقول له: (أنصرف فإن الناس يكفونك)! و(ما لنا والدخول بين السلاطين).
التاريخ يحدثنا أن مسلم بن عقيل أصبح وحيداً في الكوفة بعد ان تخلى عنه الناس فيما كان متجهاً الى المسجد، ولما نظر الى نفسه وحيداً، سار نحو باب كندة، وبدأ يبحث في أزقة المدينة وفي طرقاتها، وقد أشتد به العطش وبات يسرع خطاه وهو يتجه في اللامعلوم لأن ليس لديه في الكوفة أنصار أو عشيرة. وبينا هو كذلك، وإذا به يشخص امرأة جالسة على باب دارها، وعينيها تميلان نحو اليمين تارة، ونحو اليسار تارة أخرى، علها تعثر على ولدها الذي استبطأها ذلك اليوم على غير العادة، فدنى منها قليلاً وقال:
- السلام عليك يا أمة الله.
- وعليك السلام.. ماذا تريد!
- هل لي قليلا من الماء؟ ما هي إلا لحظات، حتى مثلت أمامه بيدين تحملان الماء، فشرب قليلاً ثم شكر الله تعالى، ولكنه ظل واقفاً ساكناً لا يبرح مكانه. فبادرته بالسؤال:
- ألم تشرب الماء!
- نعم.
- فما وقوفك على باب داري، إنصرف لإهلك عافاك الله راشداً، فإنه لا يصلح لك الجلوس على باب داري، ولا أحله لك؟!
عند ذلك أحس مسلم وكأن هموم الدنيا قد تكالبت عليه فلم يتمالك نفسه، فطفرت دمعة من عينيه، وهو يجيبها:
- أمة الله مالي في مصركم هذا لا أهل ولا عشيرة.
- من أنت؟
- أنا مسلم بن عقيل، كذبني أهل هذا المصر وغروني.
عندها أحست المرأة التي كان وهج الإيمان يشع من عينيها ويعلو قسمات وجهها، بسرور عظيم ملك فؤادها، فهي تواقة إلى القيام بعمل يرضاه الله ورسوله، وتستبشر به عند الإمام الحسين عليه السلام، استقبلت المطارد المظلوم، وآوته في بيتها، وقامت بدور الحارس له من كيد الاعداء المتربصين، ومع أنها لم تستطع أن تدرء عنه الموت، ولكنها قامت بواجبها تجاهه. لقد كانت طوعة في موقفها ذلك أكبر من رجال الكوفة. كانت أكثرهم شهامة وبطولة ونبلاً، فبالرغم من ثمانية عشر ألفاً بايعوا مسلماً، وكان بعضهم رؤساء قبائل، وبعضهم الآخر فرسان حروب، إلا أن جميعهم نقضوا عهودهم من مسلم بن عقيل، إلا أن طوعة التي بقيت حجة على الرجال والنساء معاً، لقد آوت مسلماً وحرسته، وقدمت له الطعام والشراب، ثم دافعت عنه الاعداء عندما هجموا عليه الدار، ولم يكن مسلم بن عقيل يملك شيئاً يقدمه لها غير الدعاء الذي بقي فخراً لها أبد الدهر، ووعداً بجزاء الله الأبدي لها في يوم الحساب.. وحقاً يقال: إن طوعة، هذه المرأة الكوفية، تُعد مفخرة النساء المؤمنات على مر الدهور، لانها بولائها الصادق والعميق سجلت إسمها ضمن أبطال ملحمة عاشوراء.
وفي مدينة الشهادة بلد ، كانت هناك "طوعة" اخرى ، فتحت بيتها للعديد من الأبطال السائرين على خطى مسلم بن عقيل ، الذين غدر بهم جلاوزة البعث ، انها الشهيدة السعيدة سكنة علي الگمراوي ، هذه المرأة المؤمنة، التي آوت المجاهدين من أبناء بلد ، ورفضت تسليمهم لعصابات البعث ، على الرغم من التهديد والوعيد ، فكانت النتيجة الحتمية المتوقعة من المجرمين ، وهي الايغال بدماء الأبطال ظناً منهم ان بإمكانهم القضاء على صوت الحق ، فقام المجرمون بقصف بيت سكنة "طوعة بلد" واعتقالها واعدامها ، فضلاً عن نفي بقية افراد عائلتها الى صحراء السماوة لمدة أربعة سنوات ونصف .. ، وبذلك بيّضوا وجه اللعين ابن زياد الذي اكتفى باعتقال مسلم ابن عقيل وعدم المساس بـ "طوعة" !
لقد أجاد شاعرنا البصري "مسلم الربيعي" بوصفه الدقيق للعلاقة بين "طوعة الكوفة" و "طوعة بلد" ، إذ قال :
طوعه بکربله ومسلم اسير الگوم*** وما سلمت مسلم للكفر طوعه
تقره بوجها حق وبعد شافت زين *** كتب ثورة حسين اترجم دموعه
وعد طوعة بلد مو فقط مسلم چان*** دين الله سكنة امآويه جموعه
چنها بفرح حنه بيوم طگ الدان*** يعز عرس الشهادة محضره شموعه
الگمراوي اسد مو حرمه فوگ الگاع*** دره ومن صنف ياقوت مصنوعه
تخطت فوك تاج الشرف والاحسان*** صارت للجهاد اليوم ينبوعه
ولدت الشهيدة سكنة الگمراوي عام 1940 في قضاء بلد ، وفيها نشأت وترعرت في أحضان عائلة مؤمنة موالية لأهل البيت عليهم السلام .. اعتقلت عام 1982 ، بتهمة ايوائها عدد من المجاهدين وعلى رأسهم الشهيد السعيد شعلان عبد الصمد المعروف بـ (أبو الذيب) ، واستشهدت رحمها الله بتأريخ 14 / 1 / 1984، فسلام عليها مع الخالدين ، وحشرها الله مع سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وابنتها الحوراء زينب عليهما السلام ، وحسن أولئك رفيقا ..