~ بغداد - بلادي اليوم

قال وزير الخارجية الدكتور إبراهيم الجعفري: إن الدستور ليس كتاباً مُقدَّساً إنما هو كائن يتناسب بنشوئه مع وعي المُجتمَع الذي يُصوِّت عليه، ومَن يُعبِّر عن الشعب هم أعضاء البرلمان، وبعد ذلك يتطوّر بتطوُّر هذه العقليّة، فهو ليس جامداً. وان الجانب الأكثر في الدستور هو المُتحرِّك مع الزمن. واضاف الجعفري خلال لقاء اجراه معه المركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي أن كلّ دساتير العالم تتعرَّض لحالة من التطوير، والنقد، والتبدُّل، والتعديل، مشيرا الى ان أوَّل وأخطر المُلاحَظات على الدستور العراقي هو انه لم يفسح المجال لتطويره، وتبديله، وانه جعل يُمكِن أن يعترض ثلثا أيِّ ثلاث محافظات، ويـُعطـِّل هذا التعديل. وفيما يلي الجزء الثاني من اللقاء:

~اطلعتَ على مشروع المصالحة مشروع أحمد الكبيسي؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا، ولكن سمعتُ به عندما كنتُ مارّاً بالخليج، وكذلك عندما كنتُ في بغداد سمعتُ أنه يُريد أن يُوصِل هذا الشيء، ولكن -عمليّاً- لم يصلني هذا الشيء.
هل تعتقد أنَّ مثل هكذا مُبادَرة من رجل دين محسوب على المذهب السُنـّيّ ستـُساهِم في تقليص الفجوة عُمُوماً، ونحن نحتاج إلى مشروع المصالحة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: المُبادَرات محكومة بنفس المُبادَرة، وما تتضمَّن من تصوُّرات، وأهداف، وآليّات عمل، ومنهجيّة؛ حتى ينفتح عليها الإنسان بعقله، ويتفاعل معها، ومحكومة بالمُبادِر الذي يحمل هذه المُبادَرة؛ لذا على كلِّ مُبادِر أن يُعبِّر أنه سيُنظـَر إليه مرّة من خلال مُبادَرته، وأخرى يُنظـَر إلى المُبادَرة من خلاله، أي: لا يُمكِن أن نتقبَّل مُبادَرة من شخص عليه تحفـُّظ -لا أريد بذلك أن أسجِّل تحفـُّظي- يُوجَد تداخُل بين المُبادَرة، والمُبادِر.
يجب أن يكون تاريخه، وخطابه، وقدرته، وقابليّاته كفوءة، وجيِّدة بحيث يتقبّلها المُتلقي عندما يسمع بها.
هل لديك تحفـُّظات على هذا الرجل؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. لا تـُوجَد لديَّ تحفـُّظات على هذه الرجل، وعندما أسمع بعض كلماته، وخطاباته قد تكون عندي مُلاحَظات جزئيّة بعض الأحيان، ولكن بصورة عامة هو رجل يحاول أن يكون مُتوازناً في التعامُل مع كلِّ أبناء الشعب العراقيِّ.
نحن لا نستطيع أن نتقبَّل خطاباً لتحقيق الوحدة بين أبناء الشعب العراقيِّ، والحفاظ على هذه الوحدة لمُجرَّد خطاب الوحدة، بل لابدَّ أن يكون خطيب الوحدة أمامنا.
لذا يجب على كلِّ شخص يُريد لمُبادَرته النجاح والتوفيق أن يتحلـَّى بأخلاقيّة الوحدة قبل أن تـُكتـَب مُفرَدات الوحدة من الناحية النظريّة.
الرجل من خلال ما رأيته منه في أكثر من مُناسَبة لم أجد فيه نفـَساً طائفيّاً. قد تكون عندي مُلاحَظات جزئيّة هنا وهناك على بعض مُفرَدات خطابه، ولكن لا أصنـِّفه بأنه إنسان طائفيّ مُتمحِّض بالطائفيّة.
دائماً يُرمى اللوم في عُيُوب العمليّة السياسيّة على عمليّة التأسيس.. ما يتعلق بصيانة الدستور، وبعض القرارات التي صدرت بعد عام 2003. والدكتور الجعفريّ أحد أقطاب العمليّة السياسيّة. ما رأيك بعمليّة التأسيس هذه؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عليها مُلاحَظات، ولديَّ مُلاحَظات منذ عمليّة التأسيس؛ وحتى التي لا يُوجَد عليها مُلاحَظات قد تستجدُّ بتقادُم الزمن مُلاحَظات عليها. الدستور ليس كتاباً مُقدَّساً إنما هو كائن يتناسب بنشوئه مع وعي المُجتمَع الذي يُصوِّت عليه، ومَن يُعبِّر عن الشعب هم أعضاء البرلمان، وبعد ذلك يتطوّر بتطوُّر هذه العقليّة، فهو ليس جامداً. الجانب الأكثر في الدستور هو المُتحرِّك مع الزمن.
ما رأيك الآن بالدستور؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أعتقد أنَّ عليه مُلاحَظات، وكلُّ دساتير العالم تتعرَّض لحالة من التطوير، والنقد، والتبدُّل، والتعديل.
أوَّل، وأخطر هذه المُلاحَظات على الدستور هو انه لم يفسح المجال لتطويره، وتبديله. هذه واحدة من المُلاحَظات، وإنه جعل يُمكِن أن يعترض ثلثا أيِّ ثلاث محافظات، ويـُعطـِّل هذا التعديل.
لماذا لا يكون مُتطوِّراً، ويفتح باب التعديلات؟ أعتقد أنَّ الكثير من الأشياء يجب أن تـُعدَّل في الدستور.
هل تعتقد أنَّ التحالف الوطنيَّ، وأقطاب الشيعة استطاعوا أن يُطمئِنوا الآخر بأنهم يمدّون يد المُصالَحة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل تقصد المُصالـَحة مع البعثيِّين؟
لا.. عُمُوماً.. محمود المشهدانيّ حتى مع داعش يتصالح إذا قرأتها مع كلِّ شخص أجرم، أو قتل بعد 10/ حزيران، وتاب، ويُريد أن يرجع إلى العمليّة السياسيّة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الذي يتوب عن أيّ جريمة جميل أن يبدأ بذهنيّة جديدة في التفكير، ولكن يجب أن تتبدَّل أحاسيسه، وإرادته؛ ممّا يُشير إليه بالندم، ثم ينتهي على شكل نمطيّة بالسلوك؛ إذن هي حركة عقل، وقلب، وسلوك، ولا يكفي أن نقول: نبدأ صفحة جديدة، وليس بالضرورة أن ينتقل من صفِّ العدوان الأوَّل إلى صفِّ المسؤوليّة الأوَّل في الدولة، وعليه أن يقبل التراتبيّة، ويأخذ الوقت الكافي؛ حتى يتدرَّج، ويُثبت كفاءته. لا يجوز أن يكون الأوَّل بالعداء، والقتل، والتعذيب أوَّل بقيادة الدولة هذا في كلِّ دول العالم، وفي كلِّ المعايير، وفي كلِّ الديانات، وفي كلِّ الأنظمة الاجتماعيّة، نعم.. يأخذ وقته؛ حتى تأخذ نفسه، وعقليّته، والجوّ الاجتماعيّ العامّ يأخذ حِصّة من الوقت حتى يطمئنَّ الناس أنه بدأ بسيرة جديدة؛ نحن ننفتح على كلِّ قادم لنا، وكلِّ عائد من الصفِّ المُعادي إلى الصفِّ الصديق، وعليه أن يُبرهِن أنه اليوم وليد جديد ولادة وطنيّة بدأ رحلة جديدة لم يكُن كما كان سابقاً.
هل سيتحوَّل الحشد الشعبيّ مُستقبَلاً إلى مُؤسَّسة أمنيّة داعمة للمُؤسَّسات الأمنيّة الموجودة الآن، أم تنتهي قضيّته مع انتهاء داعش؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هو الآن يحاول أن يتمأسس، ويحاول أن يُظهـِر نفسه على شكل مُؤسَّسة. ماذا نقصد بالمُؤسَّسة؟ التراتبيّة في المسؤوليّة، وتوزيع الأدوار في داخل هذه الهيكلة، والأهداف المُحدَّدة، والانضباط مع بقيّة مُكوِّنات القوات المُسلـَّحة العراقيّة. وعلى الرغم من قِصَر المُدّة التي ظهر فيها إلا أنه يقترب من طبع المُؤسَّسة. لا أقول إنه وصل إلى مُستوى النموذجيّة؛ لأنَّ هذه يُراد لها وقت، ولكنه -بكلِّ تأكيد- بدأ يندمج مع الدولة، ويحتكم إليها، ويخضع لضوابطها.
أرى وزارة الخارجيّة من أفضل الوزارات إعلاميّاً، وأكثر شفافيّة, وهذا الجهد يعود إليك. الذي حدث في الوزارة هناك تغيُّرات كثيرة في عمليّة التطوُّر الدبلوماسيِّ في العراق. هل تمكَّن سفراء العراق من إيصال الرسالة العراقيّة إلى دول العالم؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: السفراء يخضعون لسياسة وزارة الخارجيّة التي بدورها تـُمثـِّل سياسة الدولة، وهي التي تقوم بعمليّة توجيههم، وإعطائهم السياسات العامّة، وفي الوقت نفسه السياسة الخاصّة في كلِّ دولة من الدول التي يتواجد فيها هناك مُشترَكات دبلوماسيّة معها، وهناك عناصر خاصّة في هذه الدولة دون غيرها، ولكن تـُوجَد مُشترَكات بينها كلـِّها، ونحن عقدنا مُؤتمَراً للسفراء، وأبلغنا بنظريّتنا الجديدة في التعامُل مع دول العالم؛ ومن خلال اللقاءات والتخاطبات بيننا وبين البعثات الدبلوماسيّة يأخذ السفراء توجيهاً كافياً عن سياستنا مع هذه الدول سواء ما كان مُتعلـِّقاً بنا، أم بالدولة التي نتعامل معها، أي: يُوجَد نسقان: من العراق إلى تلك الدولة، ومن تلك الدولة إلى العراق.
أمّا أن تسألني عن مُستوى الطموح، فلا ليس بمُستوى الطموح. عمل الدبلوماسيّ فنّ مُعقـَّد، ليس سهلاً يُراد له ثقافة، وتخصُّص، وشهادة علميّة مُعيَّنة، وأداء، ويُراد له مُمارَسة؛ فكلما زادت مُمارَسة السادة السفراء زادت قدرتهم على أداء الدبلوماسيّة.
الدبلوماسيّة فنّ، والفنّ ينمو بالتجربة، وتغذية التجربة، وبتقويتها؛ حتى تـُعطيك أداءً دبلوماسيّاً جديداً.
وإذا سألتني هل يُوجد فرق بين ما نحن عليه الآن عمّا كنا عليه في الشهر الثامن بعد الوزارة الحديثة فبالتأكيد يُوجَد فرق واضح، ولكننا الآن على سفح الصعود، ولسنا في الوادي.
هناك مَن يتحدَّث عن موضوع عدم التوازن في السفارات العراقيّة خارج البلاد، وهي مطبوعة بطابع قوميّ مُعيَّن، ولا نعرف كصحفيِّين هل هذا الكلام صحيح؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا الكلام موجود سواء كان في التوازن القوميِّ، أم المذهبيّ. أنا أتناول هذه التكوينات كلها من زاوية التوازن الوطنيّ، ولا يهمُّني كم النسبة، ولا أستطيع أن أُخضِع هذه التوازنات إلى عقليّة حسابيّة رياضيّة؛ لأني أعتقد أنَّ هذا يُبضِّع البلد، ويُعطي انعكاساً سلبيّاً عن الدبلوماسيّة، وفي الوقت نفسه هذه قضيّة سبقتني عندما جئتُ إلى الخارجيّة.
معايير التقييم مطروحة الآن بدقة في السُلـَّم الدبلوماسيِّ، وتقوم على أساس الأداء الوطنيِّ. مَن يتمتع بقدرة عالية من الدبلوماسيّة، والكفاءة في الإدارة، والخدمة الحقيقيّة، والانضباط بالقانون، والابتعاد عن أيِّ نوع من أنواع الفساد، والمُبادَرة بتلك الدولة التي يتواجد فيها سيرتقي على سُلَّم التقييم.
ما الذي أقصده بالتوازن الوطنيّ؟
نحن نـُريد حالة وطنيّة حاكمة حقيقيّة على هيكلة وزارة الخارجيّة، أمّا عندما يكون الأكفأ كرديّاً، أو سُنـّيّاً، أو شيعيّاً فنحن نقبله باعتباره الأكفأ وليكن من أيِّ خلفيّة، ولكن أن نـُعطي حِصّة للكرديِّ، وحِصّة للسُنـّيّ، وحِصّة للشيعيّ فهذا حلم لا يتحقـَّق، ودعاء لا يُستجاب، ولا أقبله أبداً.
أنا أقبل الأكفأ وإن كان كرديّاً، أو سُنـّيّاً، أو شيعيّاً، أو مسيحيّاً. هؤلاء أبناء العراق، فتنعكس إفرازات البنية الاجتماعيّة العراقيّة من الغدّة الاجتماعيّة على كلِّ الوزارات، وواحدة منها وزارة الخارجيّة.
أجمل شيء اليوم أنه عندما يأتي أحد إلى السفارة، والبعثة الدبلوماسيّة يجد الكرديَّ، والسُنـّيَّ، والشيعيَّ، والمرأة، والرجل، والمسيحيَّ، والمُسلِم يخدمون العراق، وبصمتهم الحقيقيّة تقدُّم الوطنيّة العراقيّة مثلما يتقدَّم العلم العراقيّ، والدستور العراقيّ على كلِّ الاعتبارات، ولكنَّ هذا لا يعني أن نتنكَّر لانتماءاتهم الثانية القوميّة، والدينيّة، والمذهبيّة، لكنهم يُمثـِّلون العراق، ولا ينبغي أن يُختزَلوا بأقلّ من حجم العراق.
الظاهر تـُوجَد مُشكِلة عميقة في التحالف الوطنيِّ بين حزب الدعوة والمجلس الأعلى على رئاسة التحالف، وأصبح الأمر الواقع هو إنَّ الدكتور الجعفريَّ هو رئيس التحالف عمليّاً. هل هناك رغبة في تسمية رئيس التحالف الوطنيّ؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هو ليس مُشكِلة بقدر ما يُوجَد عُرف في التحالف الوطنيِّ أنه بعد أن تنتهي مُدّة عمل رئيس التحالف، وعندما يُتفـَق على رئيس تحالف جديد يتسلـَّم مسؤوليّته من السابق، أي: تنتهي مُدّة عمل رئيس التحالف الوطنيّ بعد أن يأتي شخص جديد، ونحن لم نـُغلِق هذا على أحد باعتبار أنَّ لديَّ التزاماً في الخارجيّة العراقيّة. يُوجَد كلام من أكثر من جهة تتحدَّث معي بأنه لماذا لم يكُن هناك جمع بين وزارة الخارجيّة وبين رئاسة التحالف الوطنيّ.
الأفضل أن نتخصَّص بأن يكون هناك رئيس تحالف، وهناك وزير خارجيّة، وهناك رئيس وزراء، وهناك وزير دفاع. هذا في الظروف الاعتياديّة.
بالنسبة لنا ليس لدينا عُقدة تمسُّك برئاسة التحالف؛ لأننا زهدنا بالأكبر منها، ولكن لا أحد يفكر أن نترك رئاسة التحالف في فراغ، وندفعها في دهاليز، ونحن غير مُتعَبين منها، ولا خائفين منها، ولا وجلين منها ما لم تأتِ اليد الكفوءة، وسنبقى نتواصل في الاجتماعات.
هل تبدَّد حلمك بتحويل التحالف الوطنيِّ إلى مُؤسَّسة سياسيّة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. لم يتبدَّد حلمي. كلُّ شيء لا يتحوَّل إلى مُؤسَّسة، ولا تـُنوَّع فيه الأدوار، ولا يُعطي فرصاً مُتكافِئة لكلِّ المُنتسِبين آيل للزوال بما فيه الأسرة. الأسرة أنا أفهمها على أنها مُؤسَّسة. الأب يجب أن يعرف دوره، والأم تعرف دورها، وكذا الأولاد والبنات فكيف بمُؤسَّسة التحالف الوطنيِّ اليوم؛ العالم عالم مُؤسَّسات، وتعبير عن احترام الكفاءات، وتعبير عن وجود مُناخ لتربية، ونشوء القابليّات؛ فالعراق يجب أن يشهد في المرحلة الحاضرة بصمة العمل المُؤسَّسيِّ في كلِّ مرافِقه.
هناك سفرة لكم إلى عمّان هذه الأيّام كيف سيكون الطرح هناك؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن نستفيد من كلِّ منبر من المنابر، ومن كلِّ دولة من الدول؛ لإسماع صوت العراق، وما يحصل فيه، ونـُجيب عن كلِّ الأسئلة، والاستفهامات؛ لأنَّ هناك عدم تكافؤ في الإعلام، وهناك من يُحاول أن يُشوِّه حقيقة ما يجري في العراق، وما التقيتُ بأحد إلا وقال أنا لم أكن أعرف هذه القضايا، وما زارني أحد إلى بغداد إلا واستمعتُ إلى نفس الكلمة بأننا جئنا إلى العراق، ووجدنا غير الذي كنا نسمعه؛ لذا صدق مَن قال: ليس مَن رأى كمَن سمِع.
فرصة طيِّبة أن نـُعرِّف العالم بحقيقة ما يجري في العراق، ونحن -الحمد لله- بكلِّ شجاعة إذا كان لدينا نقاط ضعف نقولها، وليست مُشكِلتنا أنَّ عندنا نقاط ضعف إنما مُشكِلتنا أن يُتهَم العراق باتهامات باطلة، أمّا مَن يتكلم على نقاط ضعفنا كما هي فهو بالنسبة إلينا كالطبيب الناجح الذي يُشير إلى الخلل الموجود في جسمك.
أعتقد أنَّ الزيارة إلى الأردن سوف تتناول ضرورة مُشارَكة الأردن في الحرب ضدَّ داعش؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كلُّ دول العالم عليها أن تشترك إلى جانب العراق سواء كان من خلال دعمها السياسيِّ، أم الإعلاميِّ، أم الخدميِّ والإنسانيّ، أم حتى دعمها اللوجستيّ، ودعمها العسكريّ من دون أن تدخل إلى أرض العراق، وتتواجد كقطعات عسكريّة تـُذكِّر بالقواعد العسكريّة السابقة.
بعيداً عن كونك وزيراً، ورئيس تحالف، وسياسيّاً، بل كمُفكِّر، وكاتب.. هل تعتقد أنَّ داعش جزء من المذهب السُنـّيّ، أم إنه جزء مُنفصِل عن مذهبه؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: من التجنـِّي أن نحكم على المذهب السُنـّيّ من خلال داعش، أو نحكم على الإخوة السُنـَّة في العراق من خلال حزب البعث.
المذاهب السُنـّيّة الأصيلة ذات التاريخ المعروف عبَّرت عن مراحل تاريخيّة الشيخ الأعظم الشيخ النعمان، وبعده جاء مُباشَرةً الشيخ مالك بن أنس، وبعده الشيخ الشافعيّ، وبعده أحمد بن حنبل. هذه مراحل مرّت بها مذاهب فقهيّة اجتهدت لها ما أصابت، وعليها ما أخطأت؛ بالنتيجة هي موجودة على الأرض، ونحن نحترم الفكر، وقد نختلف، وقد نتحاور؛ نحن أبناء الدليل والبرهان، ولكننا لا نسمح لأنفسنا بأن نحكم على هذه المذاهب من خلال بعض الذين لا أصول لهم لا في التاريخ، ولا في الحاضر، والذين يستبيحون الدم.
أيٌّ من هذه المذاهب الأربعة إلى جانب المذهب الجعفريّ يستبيح الدم، والعرض، والمال؟
مُستحيل هذا. لا أحد يقول به. نحن الآن أمام حالات جديدة ليست فقط تستبيح، بل تتفنـَّن بالاستباحة، وتحرق الإنسان الحيَّ.
ظاهرة داعش تختلف تماماً عمّا سبقها؛ إذن لماذا نـَمَت في هذه المناطق؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذه الحركات تأتي إلى المُجتمَعات ذات التكوين الثنائيِّ، وتـُحدِث الفرقة بينها، وهي ليست حديثة. ففي التاريخ دخلوا إلى ألمانيا في القرن السابع عشر 1618 إلى 1648 يُسمِّونها حرب الثلاثين عاماً بين ثنائيّة الكاثوليك والبروتستانت، وانتقلت من داخل ألمانيا إلى خارجها؛ فكانت ألمانيّة-ألمانيّة، ثم تحوَّلت إلى ألمانية-أوروبيّة كما حدث بين الدنمارك والسويد.
هؤلاء يأتون إلى مكان ثنائيّ، ويطرحون فكراً يُحوِّل الانتماء الثنائيَّ المُتكامِل إلى النعرة ثنائيّة مُتقاتِلة، ومُتحارِبة، ويستفيدون منها سواء كانت قوميّة، أم دينيّة، أم مذهبيّة، وبعض الأحيان جنسيّة (ذكوريّة-أنثويّة). إنـَّهم يُحاولون العبث بأيِّ ثنائيّة مُتعايشة، ومُتكامِلة، ويُحوِّلونها إلى ثنائيّة مُتقاتِلة.
الكثير من المُراقِبين يتوقـَّعون من الدكتور الجعفريّ بعد أحداث الأعظميّة الأخيرة في زيارة الإمام الكاظم أن يزور المجمع الفقهيَّ، أو يزور الإمام الأعظم؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا يمنعني أن أزور، أو أستقبل مَن يزور أبداً إلا التزاماتي.
- كم سفرة لحدِّ الآن. يُمكِن 300 سفرة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا أعرف، ولم أحسبها، لكنـّها سفرات كثيرة، وأحاول أن لا أنقطع عن العراق.
ما رأيك في أداء الحكومة الآن بعيداً عن كونك وزير خارجيّة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ليس سهلاً أن أعمل، وأتصدَّى لحقيبة وزارة الخارجيّة في الحكومة، وأجيبك بمعزل عن هذه المسؤوليّة، أي: لا تخلو من صعوبة، ولكن مع ذلك أجيبك: الحكومة تصدّت والعراق في وضع استثنائيّ، والاستثنائيّات كثيرة، فالمُدُن كلـُّها مُهدَّدة، وسقطت مدينة الموصل، وجزء من الأنبار، وصلاح الدين، وكانت طبول الخطر تـُقرَع في ديالى، ومنطقة حمرين، ومناطق أخرى، والتحدِّي الثاني هو التحدِّي الاقتصاديّ لأسباب ليست بيدنا إنما بيد موازين دوليّة انخفضت أسعار النفط من 100 دولار للبرميل الواحد إلى أقلَّ من 30 ومُوازَنة العراق تعتمد بنسبة 90 % أو أكثر على النفط؛ وهذا ليس شيئاً سهلاً. هذه حقيقة لا نستطيع أن نـُنكِرها، والاستثناء الثالث أنَّ بعض الأطراف تجتهد -ولها أن تجتهد- وتتحفـَّظ على التعامُل، أو إنها لا تـُجيد فنَّ التعامُل مع الحكومة عندما تختلف معها؛ وهذه يُراد لها مِراس، ومُرُونة، وترويض للنفس؛ لذا كثـَّفنا الجُهُود باتجاه أن نجعل الإخوة الفرقاء في الأمس يجلسون معاً، ويتعاملون معاً. وأنا أعتبرها نقطة مُضيئة في التجربة الجديدة، وهي ليست حكومة ملائكة، ولكنها حكومة ملائكيّة. حكومة الملائكة تعني كلّ واحد منهم مَلاك، ونحن لا نـُعطي هكذا شهادة، ولكن حكومة ملائكيّة أنَّ المُتخاصِمين في الأمس جلسوا معاً في رئاسة الجمهوريّة الذين يُعبَّر عنهم أنهم صُقـُور الاختلاف، وهم نواب رئيس الجمهوريّة، ويجلسون مع رئيس الجمهوريّة. أنا أعتبره شيئاً جيِّداً، وأنا قلتُ في النادي الأوروبي في دافوس: تعلـَّموا منا.
ما رأيك بالعلاقات بين بغداد وأربيل الآن خُصُوصاً أنَّ أربيل ترفع سقف المطالب دائماً؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: اليوم عندما يشعر الجميع أنهم أبناء العراق لا يُوجَد أحد يسمح لنفسه أن يُصعِّد من سقف مطالبه على حساب إخوانه وأشقائه. هو تدوير من جيب إلى جيب على مُستوى المكاسب، وتهديد من مكان خطر إلى مكان خطر آخر على مُستوى المخاطر الموجودة. داعش عندما جاءت لم تـُفرِّق بين كرديٍّ وعربيٍّ، وعندما انخفض سعر النفط لم يُصِب قوميّة دون قوميّة، أو مذهباً دون مذهب.
داعش فرَّقت بين السُنـّة والشيعة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. أنا أبرئ السُنـّة كسُنـّة، حاولت داعش أن تستغلَّ، وعندما جاءوا رفعوا شعار الدفاع عن السُنـّة.
محافظة الموصل المسلوبة الآن هي محافظة سُنـّيّة، وكذلك صلاح الدين غالبيّتها من الإخوة السُنـّة، وكذا الأنبار، وحتى المناطق الأخرى التي يتواجد فيها السُنـّة والشيعة وهي ديالى وبغداد هذا جانب، ومن خلال التضحية والمُضحِّين تفهم مَن المُعتدي يُوجَد عندك طرف مُنتهَك، وطرف مُعتدٍ، وعندك في الوقت نفسه الضحيّة؛ ومن خلال الضحيّة تستطيع أن تكتشف هُويّة الجاني.
التضحيات الآن، والمُضحّون، والمجنيّ عليهم هم الإخوة السُنـَّة مثلما هم الشيعة، والعراقيّون جميعاً في كلِّ محافظة.
أنا أعتقد أنَّ هذه الظاهرة تتعامل بالمُفرَدات السُنـّيّة، وتنتحلها، ولكنها بعيداً عن الأداء المذهبيِّ، وإنما تحاول أن تـُكرِّس الحالة الطائفيّة.



http://beladitoday.com/index.php?aa=...22=43459&lang=