ولاية الفقيه في فكر السيد فضل الله

1. نستعرض معكم في هذه السلسلة وبإيجاز الرأي الاجتهادي للسيد فضل الله في قضية ولاية الفقيه، معتمدين على الإجابات والمقابلات التي صدرت عنه لوسائل الإعلام المختلفة، راجين أن نلقي ضوءًا على المسألة.

2. ولاية الفقيه العامة هي أن يثبت للفقيه كل ما ثبت للإمام (ع)، والولاية الخاصة هي ثبوتها في بعض الأمور الحسبية، كالولاية على القصّر والأوقاف، والتصدي للأمور العامة على قاعدة حفظ النظام العام، ونحن لا نرى الولاية العامة للفقيه.

3. المكلّف ملزم برأي مرجعه الجامع للشرائط، فإذا كان مرجعه يرى ولاية الفقيه، فلا بد له من تنفيذ تعليمات الولي الفقيه، علماً أن العلماء يتفقون على أن للفقيه ولايةً، لكنهم مختلفون في حدود تلك الولاية وبعض تفاصيلها.

4. إن نظرية ولاية الفقيه هي نظرية علمية اختلف فيها الفقهاء، ولعل أغلب علماء المسلمين الشيعة لا يقولون بها، فلا يرون للفقيه ولايةً عامة على مستوى ما يقرب من الإمامة والخلافة. وقد كان أستاذنا السيد أبو القاسم الخوئي ينكر شرعية الولاية العامة للفقيه، ونحن نوافقه على ذلك.5. ولاية الفقيه هي جزء من فقه النظام السياسي في الإسلام، والمسلمون بمذاهبهم كافةً أجمعوا على وجوب كون الإسلام هو الحاكم في شتَّى الميادين، وقد تعرَّض الفقه الإسلامي لتفاصيل ذلك النظام، ومن جملتها صفات الحاكم، فكان فيما شرطه الشيعة من شروط فيه، هو أن يكون فقيهاً مجتهداً، فوجد ما صار يعرف بـ "ولاية الفقيه".

6. القول إن ولاية الفقيه من المسائل العقائدية لا يساعد عليه الدليل، بل ولا ما هو المتعارف من مسائل مصطلح العقيدة، وكونها من فروع مسألة الإمامة، لا يجعلها مسألةً عقائديةً بالمعنى المصطلح.

7. ولاية الفقيه تعني أن للمجتهد الولاية والسلطة على إدارة شؤون الناس العامة مما يحتاج فيه إلى ولايته، والشؤون العامة هي ما يرجع إلى النظام العام الذي يتوقف عليه توازن حياة المسلمين وغيرهم، بما يحفظ مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ونحوها، ويقوم به حفظ نظام حياتهم كمجتمع. كذلك.

8. يدخل تحت ولاية الفقيه ما يعرف بالأمور الحسبية، كولايته على الأفراد الذين فقدوا وليّهم، كالقاصرين والمجانين، وكذا على الغائب والممتنع، ونحو ذلك. وحيث إن ولاية الفقيه لم تثبت عندنا بالنصوص الشرعية في الكتاب والسنَّة، فإنها مقتصرة على خصوص ما يتوقف عليه حفظ النظام، فتدور مداره وجوداً وعدماً.

9. كانت ولاية الفقيه موجودة في الأبحاث الفقهية، وهناك بعض الفقهاء الكبار، ومنهم الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، كان يرى ولاية الفقيه، ولكن الإمام الخميني أعطاها حركية وحيوية واستفاد من الظروف المحيطة به لتنفيذ اجتهاده في هذا المجال. وقضية اختلاف الأفكار أمرٌ صحيح، قد يقول بعض الناس أنّه يدلُّ على عافية وليس على مرض.

10. الحاكم الشرعي هو كل مجتهد جامع للشرائط، وقد يكون لهذا المجتهد سلطة فتكون حكومته فعليةً، وقد لا يكون له ذلك، فتكون حكومته عندئذ شأنيةً.11. لا نرى أنَّ للفقيه ولايةً عامةً على المسلمين، إلا إذا توقَّف حفظ النظام العام للمسلمين على ولايته. ومع ذلك، لا بدَّ للفقيه من أن يستشير أهل الخبرة في كلِّ شؤون السلطة وكلِّ شؤون الحياة، لأنّه لا يجوز له أن يحكم من دون علمٍ ومن دون خبرة

12. لم يثبت عندنا ولاية الفقيه العامة نصا،ً ولكن من الممكن الاستدلال على ذلك، عقلاً إذا توقف عليها حفظ النظام العام للمسلمين دون ما إذا لم يتوقف على ذلك، لأن حفظ النظام واجب شرعاً وعقلاً.

13. مسألة ولاية الفقيه من المسائل الفقهية التي لا بد فيها من من اتباع المقلّد في ذلك. أما في ما يتصل بقضايا حفظ النظام فلا بد من الالتزام، لأن حفظ النظام واجب على المسلمين جميعاً، بقطع النظر عن ولاية الفقيه.

14. لا يجوز مخالفة مصلحة الإسلام العليا، أما ما لا يتصل بذلك فالمكلف ملزم برأي مرجعه، والمجتهد له أن يعمل برأيه، ولا يعتبر المخالف فاسقا. أما في الأحكام القضائية فحكم الحاكم الجامع للشرائط نافذ على غيره.

15. نظرية شورى الفقهاء المراجع من الناحية النظرية أمر مستحسن، ولكن الواقع أنه يصعب الأخذ بهذه النظرية، ولكن ذلك لا يمنع - بناء على نظرية ولاية الفقيه - من التشاور مع الفقهاء الآخرين بل مع أهل الخبرة، بل لا بد أن يكون حكمه مبنياً على مشاورة أهل الخبرة لئلا يكون استبدادياً عندئذ.

16. لا غنى للمؤمنين في كل بلد عن النظام الإسلامي، إلا أن يجتمعوا في ظل جمعية أو حزب أو حركة أو أي اسم آخر، وذلك ليتعاونوا على أمورهم بشكل أفضل. ورغم أن ذلك ليس واجباً دائماً، ولا هو واجبٌ في كل أمر، إلاّ أنَّه في غاية الرجحان والأهمية، وبخاصة في الظروف الراهنة.

17. قد يصير تجمع المؤمنين واجباً إذا توقف عليه القيام بالواجب، كالأمر بالمعروف، أو رد العدوّ، أو ما أشبههما، كما لا غنى حينها عن الارتباط بالعالم الديني الواعي الورع العارف بالدين معرفةً معتداً بها، وذلك ليسترشدوا برأيه المرتكز على حسن معرفته بالشريعة في حركتهم العامة، وعلى براعته ورشده في إدارة الشأن العام.

18. لكن لو احتاج أمر الناس إلى مراجعة الحاكم الشرعي في بعض جوانب حركتهم، فإنه يجب عليهم الرجوع إلى المجتهد العدل، فإن توفر في بلدهم كان خيراً، وإلاّ رجعوا إلى أي واحدٍ من الفقهاء المتصدين للشأن السياسي في أيِّ بلد كان بالنحو الممكن، الأرشد منهم فالأرشد، وذلك تبعاً إلى المستجدّ ومدى خطورته.

19. مجال المفتي هو النظر في النصوص وإعمال الأدلَّة لاستخراج الأحكام الشرعية، من حيث هو تخصص علمي له انعكاساته العملية على حركة الفرد والمجتمع في نطاق التكليف الشرعي المتوجه إلى المسلم، بغضِّ النظر عن حركته الميدانية الجزئية في داخل خيارات ذلك التكليف.

20. مجال الوليّ الفقيه هو تحديد الخيار الأفضل للمجتمع في حركته التفصيلية الميدانية في نطاق المباحات الشرعية لتحديد الأولويات، أو قيامه بتحديد موضوعات الأحكام الشرعية مما يحتاج منها إلى دراسة ونظر، كقضايا التحالفات والسلم والحرب وأمور أخرى عديدة.

21. الوليّ الفقيه عندما يحكم من موقعه كوليٍّ يكون حكمه ملزماً لغيره، بمن فيهم المراجع والفقهاء، لأنهم في دائرة الحكم الصادر عنه بهذه الواقعة بخصوصها، ولأنهم غير معنيين بإصدار حكم ولايتي فيها مع تصدي من به الكفاءة لها، بل هم كسائر أفراد الأمة، ينقادون له ما دام ليس مخطئاً قطعاً فيما تصدى له مما تجب طاعته فيه.

22. بسط اليد، هو كناية عن القدرة على الحكم وإدارة الشأن العام جزئياً أو كلياً، ومتى أمكن الفقيه التصدي لذلك، وجب عليه بالمقدار الممكن، وضمن شروط موضوعية عديدة ترجع إلى طبيعة الظروف التي يعيشها المجتمع الإسلامي. وإذا كانت هناك موانع فيعني عدم فعلية سلطته خارج تلك الحدود.

23. لا دليل يمنع من تعدد الفقهاء المتصدّين لتولي شؤون المسلمين العامة في الأقطار الإسلاميـة. نعم، إذا عارض ذلك مصلحة المسلمين العليا وانتظام أمورهم، وجب العمل حينئذ بما يحقق تلك المصلحة.

24. لا تجب الأعلمية في الولي الفقيه، بل يكفي فيه الاجتهاد والعدالة والخبرة في الشأن السياسي والإداري، فهو المسؤول عن التوجُّه السياسي للناس إن كان ممن يملك الخبرة والوعي في ذلك.

25. من لا يعتقد بولاية الفقيه إن كان اعتقاده عن اجتهاد أو تقليد لمن يرى ذلك فلا يوجب ذلك سقوط عدالة الشخص، ولكن مع ذلك، لا يجوز لهؤلاء القيام بما يوجب الإخلال بالنظام القائم على أساس ذلك، ولا ينبغي أن يكون ذلك مثار خلاف بين العوام، ما دام كل شخص يعود في هذا الأمر إلى مقلده ومرجعه.

26. من الأمور الداخلة في صلاحيات الحاكم الشرعي وإشرافه، الأوقاف التي لم ينص الواقف على وليٍّ خاص بها، والتي لا يعلم وجود وليٍّ لها، ولذا، لا بد للمؤمنين من استئذان الحاكم الشرعي حين تصديهم لتدبير أمور هذه الأوقاف ورعايتها، ومع عدم الإمكان، فإن لعدول المؤمنين أن يختاروا ولياً عليها.

27. هناك عافية من ناحية الاختلاف في الحياة السياسية التي تتصارع فيها الاتجاهات والأفكار، بقطع النظر عن الإساءة في التطبيق، ولكنّنا نحن في الشرق، ولا سيما في العالم العربي، لم نتعوّد على حياةٍ سياسية يمكن أن تتنوّع فيها الخطوط والأفكار، لأن في العالم العربي رأياً واحداً.

28- الولي الفقيه سواء كان الإمام الخميني أو من جاء بعده، لم يستعملوا مسألة التفويض المطلق، بل كانوا في كُلّ ما تنتجه الاستفتاءات الشعبية يوافقون عليها دون تحفظ.

___________________________________________

المصدر :
Fadlullah Opinion