محمد عبدالله فضل الله

١٦/٣/٢٠١٦
/7 جمادى الثانية 1437هـ


يصادف أنَّ الكثيرين لا يعرفون ماهيّة فريضة الخمس، ويحبّون أن يتعرّفوا إليها. ونظراً إلى ما تتَّصف به هذه الفريضة من أحكام كثيرة ومتنوّعة، نحاول الإضاءة قدر الإمكان على وجوب الخمس، ولماذا هو سنويّ. بعض المذاهب الإسلاميّة ذهبت إلى أنَّ الخمس مختصّ فقط بغنائم الحرب، ولكنّ البعض الآخر يقول إنَّ الخمس لا يختصّ بغنيمة الحرب، بل يشمل كلَّ ما يكسبه الإنسان وما يفضل عن مؤونة سنته.
يشير المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض) إلى أنَّ الخمس واجب عند كلّ المذاهب الإسلاميَّة، كما يشير إلى وجه الاختلاف بين الشّيعة وغيرهم، فيقول: "الخمس واجب عند كلِّ المذاهب الإسلاميّة، ولكنَّ الشّيعة اختصّوا بوجوب الخمس في أرباح المكاسب، وقد جاء في الأحاديث الكثيرة عن أهل البيت(ع) عن رسول الله(ص).
ولكن لماذا فسَّر أصحاب المذاهب الأخرى الخمس بالغنائم في الحرب؟ لأنّ الله سبحانه يقول: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ}[الأنفال: 41]، فبعضهم يقول إنَّ هذه مختصّة بغنائم الحرب، وبعضهم يقول لا، لأنَّ كلمة الغنيمة مطلقة، فكلّ كسبٍ يكسبه الإنسان، وكلّ فائدةٍ يستفيدها، هي غنيمة، ما يدلّ على أنها مطلقة...".
[كتاب الندوة، ج 1، ص 722]
.
وفي موضعٍ آخر، يلفت سماحته(رض) إلى أنَّ الخمس فريضة وعبادة في الإسلام، وعلى المكلَّف أن يهتمّ بها كباقي الفرائض والعبادات، ويقول: "الخمس فريضة ماليَّة عباديّة، يدفع المكلّف بسببها خمس المال، أي واحداً من كلّ خمسة، أو ما نسبته (20%)، وذلك على جميع ما يملكه إذا صدق عليه عنوان (فاضل المؤونة)، وتوافرت فيه شروط معيَّنة، ما عدا الميراث، والمهر الَّذي تقبضه المرأة، وعوض الخلع الّذي يأخذه الرّجل مقابل الطّلاق الخلعي.
وكذا، يجب الخمس في غنائم الحرب، والمعدن، والكنز، وما يستخرج بالغوص من البحر، والمال المختلط بالحرام، والأرض الّتي يشتريها الذمّي (غير المسلم).
وأهمّ موارده خمس فاضل المؤونة من أرباح المكلّف الَّتي يجنيها بمختلف أسباب العمل المشروعة على مدار السَّنة، أو يتملَّكها بالهبة ونحوها.
ولذا، فإنَّ على المكلَّف أن يعيِّن يوماً من أيام السّنة، فيجعله وقتاً لاحتساب ما عليه من الخمس، فيرى حين حلول هذا اليوم ما بقي معه من نقد، وما بقي في منزله من بقايا المؤونة، وهي الموادّ الاستهلاكيّة التي تتبدّد وتزول أعيانها بالاستعمال، كالعدس والأرزّ والنّفط والعطور والخبز واللّحوم والأجبان والزّيت وما أشبهها، فيحسب مقداره ويخمّسه... ويدفعها إلى الحاكم الشّرعيّ أو إلى مرجع التّقليد.
وهذا يعني أنَّ جميع ما يصرفه المكلَّف من أمواله خلال السّنة في مختلف حاجاته المحلّلة وشؤونه المشروعة من هبات وصدقات وعبادات ونفقات طعام وشراب وثياب وزينة وهدايا ونزهات وضرائب، ونفقات التعليم والتزويج وبناء مسكن، وأيضاً ما يصرفه في قضاء ديون عليه من سنته الحالية أو السابقة، جميع ذلك لا يطالب الإنسان حياله بشيء ما دام قد صرفه في سبيل حاجاته.. وإذا خمّس المكلَّف ماله في سنته، فليس عليه تخميسه مرّة أخرى مهما بقي عنده ذلك المال المخمَّس، ولا بدَّ من دفع الخمس لمرجع التّقليد مباشرةً أو لوكيله، حيث لا يصحّ للمكلَّف أن يتصرّف بالخمس من نفسه.
ويقسَّم الخمس إلى نصفين: نصف لفقراء السَّادة من بني هاشم وذرّية النبي(ص) وأيتامهم وأبناء سبيلهم، ويُقال له (سهم السّادة)، والنّصف الآخر يصرف في شتّى الشّؤون المهمّة للأمَّة، كقضايا الدّفاع وترويج العقيدة الحقَّة وطلبة العلوم الدّينيّة وعامّة الفقراء والمساكين، ويُقال له (سهم الإمام)".
[المسائل الفقهيّة، العبادات، ص 449، 450]
.
وقد يسأل سائل: ما هو الدَّليل على أنَّ الخمس سنوي؟ فيجيب سماحته(رض): "هناك بعض الأحاديث التي تتحدّث بخصوص سنويّة الخمس، وهناك حديث يقول: "الخمس بعد المؤنة"، ويستفيدون من المؤنة عادةً مؤنة سنة".
[كتاب الندوة، ج 1، ص 723]
.
وهل كان الخمس عند الشيعة معروفاً؟ وفي أيّ زمن؟ وللإجابة، يقول العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(قده) في كتابه "أصل الشّيعة وأصولها": "حكم الخمس عند الإماميَّة من زمن النّبيّ إلى اليوم، ولكنَّ القوم بعد رسول الله(ص) منعوا الخمس عن بني هاشم، وأضافوه إلى بيت المال، وبقي بنو هاشم لا خمس لهم ولا زكاة".
[أصل الشّيعة وأصولها، ص 122]
.
وقال الطّبرسي في "مجمع البيان": "إنَّ الغنيمة في العرف اللّغوي تطلق على الأرباح والمنافع، ما يعني أنها تشمل كلَّ مجالات الخمس وموارده".. وعن المحقّق الحلّي(قده): "إنّ الغنيمة هي الفائدة المكتسبة، سواء اكتسبت برأس المال كأرباح التّجارات، أو بغيره مما يؤخذ من دار الحرب كما ورد في القرآن الكريم: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً}[الأنفال: 69]، و{إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا}[الفتح: 15]، و{فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ}[النساء: 94]، و{وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً}[الفتح: 20]، واختصاصه بالمعنى الأخصّ عندهم، إنما هو من جهة تسرّب المعنى الفقهي والتحدّيات الفقهيّة إلى المعجمات اللّغويّة، فما جاء عن لسان أهل اللّغة من أنَّ معنى الغنيمة مختصّ بغنائم دار الحرب غير صحيح".
قال القرطبي: "اعلم أنَّ الاتفاق بين فقهاء المدارس الأربع حاصل على أنَّ المراد بقوله تعالى: {أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ}، هو مال الكفّار إذا طفر به المسلمون على وجه القهر والغلبة".
هذا وأمر رسول الله(ص) بإخراج الخمس من غنائم الحرب ومن غير غنائم الحرب، مثل الركاز (وهو الذهب والفضة من الأرض يوم خلقها الله تعالى)، كما روى ذلك ابن عباس، وجابر، وأنس بن مالك، وعبادة بن الصّامت وغيرهم.
في مسند أحمد وسنن ابن ماجه، عن ابن عبّاس، قال: "قضى رسول الله(ص) في الركاز الخمس"، وفي مسند أحمد عن أنس بن مالك قال: "خرجنا مع رسول الله(ص) إلى خيبر، فدخل صاحبٌ لنا خربةً، فتناول لبنة ليستطيب بها، فانهارت عليه تبراً، فأخذها فأتى بها النبيّ(ص) فأخبره بذلك، قال: زِنْها، فوزنها، فإذا مائتا درهم، فقال النبيّ(ص): هذا ركاز وفيه الخمس".