بقلم / سليم عزوز :

أقلع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من السعودية ليهبط في الإمارات، وقبل أن يقلع من مطار أبو ظبي تلقى دعوة من عبد الفتاح السيسي لزيارة القاهرة، لكن مكتب الصدر، أعلن أنه لم يقرّر بعد متى سيلبي الدعوة!

ولم يتبق للزعيم مقتدى الصدر، إلا أن يزور المنامة، ليكون قد زار دول الحصار، التي طالبت قطر بقطع علاقتها مع إيران، مع أن من الواضح أن هذه الزيارات المكوكية، تستهدف التقارب السعودي - الإيراني، فقد أعلن وزير الداخلية العراقي، أن المملكة العربية السعودية - وعلى وجه التحديد محمد بن سلمان- طلبت وساطة حكومة بلاده، من أجل المُصالحة مع إيران، ليكشف الستر عن هذا الطلب، من دولة قضت سنوات طويلة تجعل من العداء مع طهران، هو موضوعها، ووظّفت التيارات الدينية الموالية لها، في النفخ في الخلاف بين الشيعة والسنّة، حتى أصبح هذا هو مشروعها القومي!.

لا شك أن ولي العهد السعودي في طلبه للوساطة العراقية، إنما يطلب النجدة، فقد دفع ببلاده إلى «الوحل اليمني»، فليس له دراية بالتاريخ ودروسه، وهناك من هو أكثر منه عزماً، وأشد بأساً، قد تصوّر أن الدفع بجيشه إلى اليمن قد يمثّل نزهة له، فإذا بهزيمة قواته تكون درساً لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وقد اضطر في النهاية أن يخرج من اليمن، وكان طبيعياً وقد أنهك جيشه في هذا الوحل، أن يتلقى هزيمة في شهر يونيو 1967.

لقد تم تصوير الحوثيين على أنهم مجموعة من الشبيحة، لا يتجاوز عددهم ألف مواطن يمني من الرعاة، الحفاة، فكانت «عاصمة الحسم»، التي حسمت المعركة لصالح إيران، وأصبحت الحدود السعودية ليست آمنة، بعد عملية اجتياح من قبل الحوثيين، عجزت القوات السعودية، عن التصدي لها، أو تحريرها!


وفي غضون ذلك، عُقد مؤتمر الرياض، وإذا بالهجوم الضاري ضد إيران، فإذا كان المؤتمر احتشد ضد الإرهاب، فقد كانت إيران هي المقصودة باعتبارها الدولة الإرهابية الأولى في هذا العالم، وابتهج القوم والرئيس الأمريكي المرتشي يكرّر على أسماعهم إدانة إيران، التي هي في عداء قديم مع واشنطن، دون أن ترفع «الراية البيضاء» مستسلمة، بل خاضت لها الولايات المتحدة الأمريكية، معركتها مع العدو العراقي، وأعدمت لها صدام حسين، وقد تسلّم رجالها في بغداد الدولة العراقية، برمية بغير رام!.

وإذا كانت بعض التشنّجات العصبية يحتاج وقفها إلى العلاج بالصدمات الكهربائية، فقد كانت هذه الصدمة ممثلة في الاجتياح الحوثي للحدود السعودية بدون صد أو رد، عندئذ وقف ولي العهد الشاب، على أن الخطر قادم، وإذا كان قد نجح في تمرير صعوده السياسي، حتى صار قاب قوسين أو أدنى من العرش السعودي، فإنه سيرث عرشاً مهتزاً، فكان طلب النجدة، والسعي للتصالح مع إيران!.

وقد فهم «محمد بن سلمان»، بعد خراب «مالطة»، أنه عندما استند على «ترامب»، فأغدق عليه بالمال السعودي، كان يستند على جدار مطاطي مائل!.

لقد وجد نفسه في معركة لم يحسب حسابها، فكان طلب النجدة من الحكومة العراقية، وفي سلوكه المتهور، لم يعرف أنه كان من الأفضل له أن يطلب وساطة سلطنة عمان، ليس فقط استغلالاً لعلاقاتها التاريخية بالنظام الإيراني، ولكن لأنه كان بالإضافة إلى هذا سيتعامل مع حكماء، لن يخرجوا سرّه للرأي العام، كما فعل العراقيون، وفي ظني أن ما فعله وزير الداخلية العراقي، كان رسالة مقصودة، لفضح السياسة الارتجالية للفتى، والارتجال كان وراء قرار فرض الحصار على قطر، بدون مبرّر موضوعي، إلا أن محمد بن زايد قد اختطفه ذهنياً!.

وقد أراد صاحبنا أن يُمارس التقارب مستفيداً من مبدأ التقية، «فلا من شاف ولا من سمع»، وقد فاته أن القطيعة مع طهران هي قرار أمريكي، فهل لديه القدرة على الدخول في تحد الآن، وقد صار اللعب على المكشوف!.

هذه القصة رويتها قبل ذلك، لكني أعيد ذكرها لأن الشيء بالشيء يُذكر، فقد روى لي رئيس حزب الأحرار الراحل مصطفى كامل مراد، أنه اقترح على مبارك قيام وفد من أحزاب المعارضة بزيارة طهران، والذي اعترض على ذلك، معلناً أن هذا سيُغضب الأمريكان، وعندما قال له مراد: قل لهم إن الوفد من أحزاب المُعارضة وليس له أن يمنعهم. كان رد مبارك إن الأمريكيين يعرفون «الفولة» ولن يصدقوا أن هذا الوفد سافر بدون موافقته، أو بالطلب منه شخصياً!.

والمدهش، أن دول الحصار طلبت من قطر ضمن شروطها الثلاثة عشر، قطع علاقتها مع إيران، وهو الطلب الذي كانت تدغدغ به المشاعر الأمريكية الجيّاشة، والأكثر دهشة أن من السلفيين من صفّقوا لهذا الطلب واعتبروا وجود علاقة مع طهران مما يجرح الاستقامة السنية، قبل أن يستيقظوا على هذه الفضيحة التي فجّرها وزير الداخلية العراقي!.

واللافت، أنه بعد كشف المستور، لم يتململ سلفي واحد، من التيار السلفي الحكومي، ومن قبل وعندما طالبنا باستقبال السيّاح الإيرانيين في مصر إبان حكم الرئيس محمد مرسي، أوشك السلفيون هؤلاء أن يكفروننا، فقد صوّروا أن مرور سائح شيعي بجانب المرء كفيل بنقل عدوى التشيّع إليه، وكنا نعلم أنه ليس منزلاً أنزلهم الله إياه، ولكنه الرأي والحرب والمكيدة، وكانوا بذلك يعملون لحساب السعودية ولحساب الأجهزة الأمنية، بهدف تضييق الخناق الاقتصادي على مصر، والتي تكون قد ألقت بنفسها في الأحضان السعودية، وفي النهاية يسهل هزيمتها وقد كان!.

وها هم الآن يُشاهدون مقتدى الصدر، من السعودية إلى الإمارات، ويتلقى دعوة بزيارة مصر، بدون أن نسمع لهم صوتاً، وإذا كان لقاؤه مع بن سلمان قد مثّل مفاجأة، في زيارة لم نعرف أسبابها، فقد تبيّن أنها تأتي في إطار الطلب السعودي بوساطة كل الأطراف القريبة من طهران في العراق، للصلح مع إيران!.

غداً يدفعون الخُمس عن يد وهم صاغرون لمقتدى الصدر!.