بسبب مغامرات صدام وهباته يكون العراق قد خسر ٣٠٠٠ كم٢ أي اكثر من خمس امثال مساحة (مملكة البحرين )
في ٦ آذار عام ١٩٧٥ عقد صدام اتفاقية مع شاه ايران عُرفت باتفاقية الجزائر ٠ يقول الصحفي الامريكي الشهير راندل عنها : ( صُدم الدبلوماسيون والسياسيون المحنكون بحجم التنازلات التي اضطر صدام الى تقديمها ، ولاسيما بالتنازل الاهم الذي يريده الشاه اكثر من غيره ٠٠ اي اعادة ترسيم الحدود في شط العرب عند خط الوسط في الحدود العميقة ) في مقابل وقف الشاه لدعمه للحركة الكردية ٠
وبالقفز على تسلسل الاحداث فان الحركة الكردية عادت اقوى من ذلك بعد اربع سنوات من توقيع هذه الاتفاقية ، بينما خسر العراق ارضه الى الابد ٠ ولو اضفنا لهذه الارض ماخسره العراق من اراضٍ اخرى في مغامرات صدام وهباته يكون العراق قد خسر ٣٠٠٠ كم٢ أي اكثر من خمس امثال مساحة (مملكة البحرين ) ٠فمساحة العراق عندما وقع انقلاب ١٧ تموز ١٩٦٨ كانت ٤٣٨٤٦٦ كم٢ اصبحت في عهد صدام ٤٣٥٠٧٢ كم٢ ٠ والشيء بالشيء يذكر كانت مساحة الكويت قبل الغزو ١٦٥٠٠ كم٢ اصبحت بعد الغزو ١٧٨٢٠ كم٢ ٠
وهكذا افلت صدام خيوط الشمس والارض معا اذ كان يردد قبل ذلك : لقد امسكنا خيوط الشمس ولن نفلتها ابدا ٠
ولنعد الى تسلسل الاحداث المتعلقة باتفاقية الجزائر ، او بالاحرى الى الاحداث التي سبقتها ٠ فقد تبين لوكالة المخابرات المركزية الامريكية ان صدام كان مستعدا لتقديم تنازلاته للشاه منذ تشرين الاول من العام ١٩٧٢ (راندل -امة في شقاق ص ٢١١ ) ٠
وهكذا وبينما كانت الحركة الكردية على وشك الانهيار ، كان صدام مستعدا وبسبب قلقه المرضي على استمرار حكمه ، وسوء تقديره ، وانعدام المحرمات الوطنية لديه ، لتقديم تنازلاته ٠ وقد برر ذلك امام اجتماع سري لمجلس قيادة الثورة ، بان السلاح الجوي لم يعد يملك سوى خمس قنابل ثقيلة وان المدفعية بالكاد تملك الف طلقة (كونسلمان – سطوع نجم الشيعة ص ٢١٣ ) ٠ الامر الذي يستحيل تصديقه بالنسبة لبلد غني كالعراق كان يملك معاهدة تحالف مع موسكو وشبكة علاقات دولية ممتدة ٠
من جانب آخر ، يقول تقرير امريكي سري ، ان الرئيس الامريكي وقتها نكسون ، ووزير خارجيته كيسنجر ، والشاه الايراني ، كانوا يأملون منذ البداية ، الا ينتصر اتباعنا (الحركة الكردية )، وانهم فضلوا في المقابل ان يستنزف المتمردون (اي الاكراد ) موارد العراق (راندل ص٢٢٢)٠ وهكذا كانوا يلعبون بصدام واعدائه معا ٠
الجدير بالذكر ان الرئيس الجزائري بومدين اعلن يوم ٦ آذار وامام مؤتمر قمة اوبك والتي كان يحضرها صدام والشاه ، اتفاق الطرفين ، ودعاهما للمصافحة ، فنهض صدام من كرسيه ، لكن الشاه بغطرسته المعروفة ظل واقفا في مكانه ، فاضطر صدام ان يلف حول الحاضرين كلهم ، ويتجه حيث يقف الشاه عند كرسيه ، ليصافحه ويعانقه ٠
وبعد عودته ابلغ الشاه البارزاني بقطع مساعداته عن الحركة الكردية ٠٠ كان جواب البارزاني : مادمت راضيا عن اتفاقية الجزائر ٠٠لايوجد لدينا شيء ضدها ونحن رهن اوامرك اذا قلت لنا موتوا نموت او عيشوا نعيش (الحزب الديمقراطي الكردستاني (اللجنة التحضيرية )-تقييم مسيرة الثورة ص ٨٨ – ٨٩) ٠
وللاسرائيليين رواية اخرى لاتفاقية الجزائر ٠فكيسنجر وفي طريقه لعقد اتفاق فك الاشتباك الاسرائيلي – المصري الثاني ، كان يريد التخلص من المعارضة السورية للاتفاق ، ففكر في امكانية اشغال سورية بمسألة اخرى ، كالعراق ، فحل الخلاف الايراني العراقي ، سينفض الغبار عن الخلاف السوري العراقي ، وهكذا اشتعل الخلاف بين العراق وسوريا ، بينما مر بهدوء توقيع اتفاق فصل القوات الاسرائيلي المصري ، في ايلول ١٩٧٥ (نكديمون – الموساد في العراق ص ٣٠٧ – ٣٠٨ ) ٠
الغى صدام اتفاقية الجزائر في ايلول ١٩٨٠ ، واشتعلت الحرب التي راح ضحيتها مئات الالاف من الجانبين ٠ وكانت خسائر العراق وحده حوالي المليون بين قتيل وجريح (وفيق السامرائي – حطام البوابة الشرقية ص ١١٥ )٠
وفي عام ١٩٩٠ ، وقبل غزوه للكويت ، ارسل صدام ست رسائل ، الى الرئيس الايراني آنذاك رفسنجاني ، وفي كل رسالة يعرض فيها تنازلا جزئيا ، ولايرد عليه الرئيس الايراني ، ثم كانت الرسالة السابعة ، والتي اعترف فيها باتفاقية الجزائر معلنا التزامه بها (للاطلاع علي نصوص الرسائل ، راجع مذكرات نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع : (الرواية المفقودة ) والتي هي ربما اخطر واهم مذكرات عربية صدرت منذ سنين عديدة ).
الهوس والنرجسية والوصول من القاع الى السلطة جعلت العراق يدفع اثمانا لا تعوض من الارض والعرض والدم والسيادة على يد صدام ونظام البعث الدموي المغامر… واليوم يترحمون عليه بعضهم ويحنون اليه!! يا لفاجعة الوعي والشرف!!