بعد ان وجهت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ضربة إلى سوريا، فماذا كانت النتيجة علاوة على انتصار واضح للأسد الذي تمكنت دفاعاته الجوية المكونة من صواريخ قديمة سوفيتية الصنع من اعتراضها.

كانت النتيجة الأولى للضربة الأمريكية هي استعراض الدقة المتناهية في الضربة وليس الإرادة والإقدام، فالصواريخ أطلقت من السفن الأمريكية المرابطة في البحر الأحمر، حيث أطلقتها القاذفات الاستراتيجية من قاعدة التنف جنوبي سوريا، واحتاطت قدر المستطاع بحيث لا تمر تلك الصواريخ في رحلتها بالقرب من القواعد الروسية، واختيرت الأهداف بحيث تتجنب الضحايا بين العسكريين الروس، كذلك لم يكن بين الأهداف أي أهداف ذات قيمة عسكرية قيادية أو سياسية. علاوة على ذلك، فعلى الرغم من إنكار البنتاغون أقرّت فرنسا بأن الجانب الروسي كان على علم مسبق بالضربة. وكانت النتيجة أن الضربة لم تحقق أي خسائر بشرية بين العسكريين أو المدنيين.
من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تخلّت، على الأقل في إطار الحد الأدنى من التصعيد الحالي للأزمة، عن هدفها الأسمى بإزاحة الأسد، كما أن هدف الحيلولة دون تحرير دوما، ولو على المستوى المتوسط، لم يتحقق هو الآخر قبل القيام بالضربة. بهذا يصبح من بين أهداف الضربة أهداف سياسية داخلية، صرف انتباه الداخل الأمريكي عن فضيحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الممثلة الإباحية، وإفشال محاولات جديدة لربطه بالروس، والحفاظ على ماء وجهه عقب تغريداته المتناقضة على موقع تويتر التي وعد فيها الروس بصواريخ، ثم عاد ليطالب بنزع الأسلحة، ما أثار موجة عارمة من السخرية حول الحالة النفسية للرئيس الأمريكي.

ما الذي حققه ترامب؟

أعتقد أن على مصانع الصواريخ الروسية التي أنتجت أنظمة الدفاع الصاروخي أن ينصبوا لترامب صرحا تذكاريا وسط العاصمة الروسية موسكو، نظرا للدعاية الرائعة التي وفرها ترامب للأسلحة الروسية، فالكلمة الأكثر ملائمة لعجز معظم الصواريخ الأمريكية عن إصابة القواعد الجوية السورية هي “الانتصار”، بالإضافة إلى أن روسيا أعلنت عقب الضربة عن عزمها توفير أنظمة دفاع صاروخي متطورة “إس – 300” إلى سوريا ودول أخرى! الأمر الذي سوف يسمح بأكبر قدر من التوقعات في المستقبل، ويعطي لروسيا مجالا أكثر قوة للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل. فقد أصبح بالإمكان الآن توقع أنه إذا ما استمرت الغارات الأمريكية والإسرائيلية على سوريا، فإن سوريا سوف تحصل على تلك الأنظمة الصاروخية المتطورة، التي سوف تمكنها من حماية سمائها، إلى جانب حماية سماوات دول مجاورة أيضا، فهل هناك هدية أفضل من تلك كان يمكن أن يتمناها الأسد من ترامب؟

من الواضح أن ترامب كان يسابق الزمن في ضربته، قبل أن تظهر نتائج فحص خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي ينتظر أن تؤكد حقيقة عدم استخدام أي أسلحة كيميائية، فالغرب وأوروبا الآن يبدون منقسمين حول الضربة بما في ذلك أعضاء في حلف الناتو تخلفوا عن تأييد الضربة، وسوف يزداد هذا الانقسام عقب نتيجة فحص اللجنة بعدم استخدام سلاح كيميائي في دوما. لقد خسرت السياسة الخارجية الأمريكية كثيرا بهذه الضربة.

والآن، وعلى الرغم من أن العدوان الثلاثي على سوريا خارج إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليس السابقة الأولى، فإنه سوف يرسخ من قاعدة أن تقوم أي دولة بضرب أي دولة أخرى بمعزل عن منظمة الأمم المتحدة، وبينما حاولت روسيا الحيلولة دون خرق قواعد القانون الدولي، فقد أصبح مثال انفصال كوسوفو عن صربيا نموذجا لانفصال القرم، وكذلك يمكن أن تصبح الضربة على سوريا نموذجا للقيام بأي أعمال عدائية ضد الغرب وحلفائه. إذا ما استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في تحطيم دور مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فيما يتعلق بقضايا الحرب والسلم، فقانون الغاب سوف يعطي للولايات المتحدة حرية أكبر في العدوان على الدول الضعيفة، لكنه في الوقت ذاته سوف يضعف من دور الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، وكذلك العلاقة بينها وبين حلفائها الضعفاء ممن سيفقدون أيضا أي غطاء من القانون الدولي. إن الحلفاء الضعفاء للولايات المتحدة الأمريكية الآن يقتربون أكثر لخطر الانجرار إلى حروب بالوكالة، بسبب عجز مجلس الأمن الآن عن منع الدول الكبرى من القيام بعمليات عسكرية خارج إطار القانون الدولي. في النهاية فإن الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الطريقة إنما تدفع العالم إلى سباق تسلح وفوضى كبيرة.

بالعودة إلى السياسة المحلية للولايات المتحدة الأمريكية، ففي ظني أن العدوان الأخير لن ينفع دونالد ترامب في الداخل الأمريكي، فحينما تتضح حقائق أن الضربة كانت فاشلة من الناحية العسكرية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تخوّفتا من الاقتراب قيد أنملة من الروس في سوريا، وأن الأسد ظل يذهب إلى قصره الرئاسي دون أدنى منغصات، فإن ترامب سوف يواجه موجة حادة من الانتقادات من جانب الصقور، كما سيواجه انتقادات من جانب أنصار السلام حينما تظهر نتائج خبراء لجنة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. كما لا أعتقد أن أيا من تلك الضربات سوف تكون في صالحه، وهو أمر لا يجلب السعادة بطبيعة الحال، لأنه يعيدنا إلى الحالة الأولى ما قبل الضربة، وما قد يتبع ذلك من رغبة ترامب في رفع شعبيته داخل الولايات المتحدة الأمريكية من خلال عدوان خارجي أكبر. أعتقد أن أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية بالتعاون مع من تحت سيطرتهم من المقاتلين في سوريا سوف يدبرون هجوما كيميائيا آخر، كي يتوتر العالم من جديد أمام تساؤل إذا ما كنا على أعتاب حرب عالمية ثالثة.

في النهاية فإن كل القصة السابقة لا تدل على غياب الاستراتيجية فحسب، وإنما تدل على غياب أي فهم للولايات المتحدة الأمريكية عمّا يتعيّن القيام به في سوريا، فتارة تجدهم يعترفون بانتصار الأسد في الحرب، وتارة تجدهم يحاولون التخلص منه، وتارة يهدد ترامب الروس بصواريخه، وتارة أخرى يدعو إلى نزع السلاح. لعل ذلك مدعاة لفرح شديد من جانب الحلفاء العرب للولايات المتحدة الأمريكية الذين يتابعون سياستها في المنطقة من النقيض إلى النقيض، ويستيقظون صباح كل يوم ليحاولوا تخمين ما يمكن أن يحمله رأس ترامب لعواصمهم اليوم.