سرقة “خزينة داعش” تُشعل حرباً مع إحدى عشائر الموصل

بغداد/ وائل نعمة


فجأة تحولت عشيرة كبيرة في الموصل إلى ألدّ أعداء تنظيم داعش الذي مازالت فلوله تتسرب الى العراق عبر الحدود مع سوريا لتنفيذ هجمات مسلحة واغتيالات في المدينة التي مرت ذكرى تحريرها الاولى قبل أقل من شهر.العشيرة متّهمة بأنّ أحد أبنائها سرق أموالا للتنظيم كان قد خبأها قبل عامين في عمق الصحراء، بعدما وصلت تحضيرات عمليات تحرير الموصل في ذلك الوقت الى درجات متقدمة، وتقدر كمية الاموال بنحو 17 مليار دولار.


الاموال التي خزنت بطريقة فنية منعاً لتلفها، كانت ضمن ما سرقه التنظيم الإرهابي من المصارف الحكومية ومن عوائد الجباية التي فرضها على السكان أثناء فترة احتلاله للمدينة، فضلا عن أموال تهريب النفط والمضاربة في الاسواق العالمية.


وعلى إثر العداء الجديد، بدأت بقايا التنظيم منذ أشهر قليلة بقتل عشرات من أبناء تلك العشيرة في محاولة للضغط لإعادة جزء من الاموال، فيما يُعتقد أنّ مَنْ عثر على المبالغ المدفونة قد هرب الى خارج البلاد. وبالتزامن مع تلك الاحداث، رصدت عملية نزوح عكسي في الموصل باتجاه كردستان تحدث لأول مرة بعد عملية تحرير الموصل. والنازحون الجدد ليسوا ممّن تهدمت منازلهم في الحرب أو من عوائل داعش، وإنما من التجّار والأثرياء الذين يضطرون للنزوح على إثر عمليات “ابتزاز”.
ومنذ تحرير الموصل في تموز 2017، لم يعد الى المدينة بعد معظم الخدمات، وبينها الكهرباء والماء والطرق، ومازال هناك عشرات الآلاف من المفقودين وأضعافهم من المشتبه بهم بسبب تشابه الاسماء، فيما دمرت الحرب نحو 55 ألف منزل.


الكنز المدفون


وقبل 3 أشهر فقط، بدأ تنظيم داعش الذي أعلنت الحكومة نهاية تواجده في العراق أواخر العام الماضي، بشنّ عمليات اغتيال على بعض المدنيين داخل الموصل وخارجها، لكنّ اللافت أن أهداف هذه العمليات تركزت على أفراد ينتمون الى عشيرة محددة.


يقول مسؤول سابق في الموصل تحفظ على ذكر اسمه في تصريح لـ(المدى) إن “داعش يتهم أبناء تلك العشيرة ، بسرقة أكثر من 17 مليار دولار كان قد دفنها في عمق الصحراء في عام 2016”. في ذلك العام تحديداً بدأت الحكومة بإرسال أولى القوافل لبدء عمليات تحرير الموصل، ما دفع التنظيم الى إخراج الأموال التي استحوذ عليها من الموصل ونقلها باتجاه الصحراء.وبحسب المسؤول ، فإن التنظيم استمر لعدة أيام بنقل تلك الاموال العائدة الى المصارف الحكومية التي سرقها التنظيم الإرهابي إبّان احتلاله للمدينة وعوائد الجباية، الى غرفة مجهزة بمواد عازلة لحفظ المبالغ في غرب الموصل، فيما كان عدد من رعاة الغنم يشاهدون ما يحدث لكنهم لم يكونوا يومها متأكدين ما الذي يتم دفنه، وبعد أشهر من سيطرة القوات الامنية على المدينة، أصبح بوسع بعض الرعاة العودة الى المنطقة التي تم دفن الاموال فيها. ويضيف المسؤول السابق قائلا :”كان أغلب ظن الرعاة ان مايوجد هناك هو أسلحة، لكنهم تفاجأوا بوجود الدولارات بعد أن قاموا بعملية الحفر”، وأخذ مجموعة الرعاة الاموال وهربوا الى خارج العراق، لكنّ التنظيم الذي كان يأمل استرجاع الاموال، كان قد عرف هويات الذين حصلوا على المبلغ الضخم وإلى أي عشيرة ينتمون، فبدأ بتهديدهم أملاً باسترجاع ولو جزء من الاموال.


ويؤكد المسؤول أن الحكومة العراقية وجهاز المخابرات لديهما علم بالحادث وبأسماء الذين حصلوا على المبلغ، لكن الامر لا يتم تداوله بشكل علني، وكشف ان تلك العشيرة خسرت حتى الآن “30 شخصاً من أفرادها على إثر عملية الدولارات”، ومن المتوقع أن توجد مناطق أخرى مدفونة فيها مبالغ أخرى وهو أمر تسبب بازدياد عمليات تنقيب بعض الرعاة في الصحراء.


لم تسطع (المدى) التأكد من مصادر رسمية من حقيقة تلك الحادثة، لكن بحسب بيانات سابقة للبنك المركزي العراقي صدرت في عام 2017، فإن داعش سيطر بعد عام 2014 على نحو 121 مليار دينار من فروع المصارف الحكومية والخاصة بما فيها الفرع التابع للبنك المركزي العراقي. وقال إن تقديرات فروع المصارف التي سيطر عليها داعش تشير الى أن “اجمالي المبالغ تقدر بحدود 856 مليار دينار (نحو 648 مليون دولار) إضافة الى قرابة 101 مليون دولار”، كما إن “أغلب هذه الودائع تعود الى الدوائر الحكومية المتعلقة بمشاريع المحافظات ضمن موازنة عام 2014 بضمنها أرصدة وزارتي الدفاع والداخلية والأرصدة العائدة لأبناء الأقليات من المسيحيين والإيزيديين والشبك والتركمان وجميع الطوائف والمذاهب الإسلامية الأخرى”.


كذلك قال البنك المركزي وقتذاك، إن داعش “جنى أموالا طائلة منذ فرض سيطرته على مناطق واسعة من نينوى في حزيران عام 2014، حيث كان دخل التنظيم يبلغ ملياري دولار سنوياً مما جعله من أغنى التنظيمات في ذلك الوقت”.وقدّر البنك “العائدات اليومية لتنظيم داعش من البيع غير القانوني للنفط بنحو مليوني دولار نظير بيع 30 ألف برميل يوميا تقريبا، حيث يتراوح سعر البرميل من الذهب الاسود لدى التنظيم بين 25 و50 دولاراً أمريكيا قبل انخفاض أسعار النفط “.


وفي 2016 قالت صحيفة “ديلي تليغراف” البريطانية ان داعش يستخدم اموالاً سرقها من البنوك الموجودة في مدينة الموصل بعد حزيران 2014 “للمضاربة على أسعار العملات”.
وأكدت الصحيفة أن التنظيم “يربح أكثر من 20 مليون دولار شهريا عبر تشغيل ملايين الدولارات في الاسواق المقننة في منطقة الشرق الاوسط”. كما أوضحت أن “هذه المعلومات طرحت أمام لجنة برلمانية بريطانية كشف خلالها النقاب عن أن التنظيم يستخدم مبلغاً يصل إلى 430 مليون دولار من الاوراق النقدية السائلة التى تحصّل عليها من موجودات البنك المركزي العراقي في مدينة الموصل عندما اجتاحها”.كذلك كانت تقديرات بعض المسؤولين في الموصل، قد تحدثت عن أن أموال جباية داعش من السكان خلال فترة سيطرته على المدينة، وصلت الى نحو 11 مليون دولار شهرياً، فيما كان أيضا قد استولى على جزء من رواتب الموظفين قبل أن توقف الحكومة صرفها بعد ذلك.


تعدُّد الجهات الأمنيّة


في المقابل يحذر مسؤول أمني في نينوى من خطورة الاوضاع في غرب الموصل، حيث يقول داود جندي وهو عضو اللجنة الامنية في مجلس المحافظة، إن “هناك عشرات التشكيلات الامنية والاستخباراتية التابعة للجيش والحشد والداخلية لاتنسق في ما بينها بشكل جيد”.


ويبين المسؤول المحلي في اتصال مع (المدى) أمس: “الخطر في أن تلك الفوضى قد تدفعك إلى عدم التعامل مع المعلومة الأمنية بشكل صحيح، ويتمكن التنظيم من شن هجمات مسلحة”. ويوجد في نينوى نحو 40 فصيلا مسلحا أغلبها تابع لجهات سياسية او عشائرية، يقوم بمهامات أمنية غير واضحة.


ويقول مسؤول محلي في المحافظة لـ(المدى) ان “بعض المدّعين بانتمائهم الى تلك الجهات يقومون بعمليات ابتزاز لصائغي الذهب والتجار لإجبارهم على دفع أتاوات”، وأوضح المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه أن “ذلك دفع تلك الشريحة الى النزوح من الموصل باتجاه الإقليم لأول مرة منذ تحرير المدينة”.
وعلى خلفية تلك الاحداث، دعا حسن السبعاوي، وهو عضو آخر في مجلس محافظة نينوى، في اتصال هاتفي مع (المدى) أمس الى ألّا يكتفي رئيس الوزراء أو المسؤولون بالزيارات السريعة للموصل “هذه زيارات بروتوكولية لا تجدي نفعاً”.
وشدّد المسؤول المحلي على ضرورة أن “يرسل العبادي لجاناً تحقيقية لمتابعة الأوضاع عن قرب قبل فوات الأوان”.