الظالم سيفي أنتقم به وأنتقم منه (حديث قدسي). الأول صدام الصغير والثاني بوش الإبن الذي تعامل مع الأول باللغة التي يفهمها. ظلمات أعقبتها لغة التراشق بالأحذية، يوم بيوم 1 كانون1 2009م. والحذاء لغة البداة الحفاة الجفاة، تنهال على صورة كبيرة لصدام الفار بمناسبة فراره وحزبه في ذكرى مولدهم االشؤم نيسان 2003م في بغداد، وتنهال على صورة مماثلة للملك السعودي عبدالله في عقر دار الديمبرطية العريقة لندن في تشرين2 2009م.
وسط حفاوة معارضة إحتلال العراق في باريس بالصحافي العراقي الذي رشق الرئيس بوش بالحذاء العام الماضي منتظر الزيدي، رشق الصحافي العراقي المعارض لحكومة المالكي اللاجئ السياسي في باريس سيف الخياط بالحذاء منتظر الزيدي الذي يقوم بجولة عربية وأوربية شملت العاصمة الفرنسية باريس. وكان الباديء برشق الحذاء منتظر يحاضر في نادي الصحافة العربية في باريس فقام له الخياط وقال له:" كيف يصبح يوم سقوط الدكتاتورية في العراق يوم احتلال وكيف يعتبر من يقتل المدنيين الابرياء في العراق مقاوم ومناضل وطني؟!، وقال الخياط بصوت عال موجها كلامه للزيدي:" لقد جلبت العار للصحافيين العراقيين والعرب وجعلتنا نكسر اقلامنا ونرفع الاحذية، وان كانت لديك نوايا صادقة كان الاولى ان ترشق نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الذي يعمل على عودة الاستبداد وليس جورج بوش الذي حرر ثلاث شعوب من الاستبداد وهم اللبنانيون من الاحتلال السوري والافغانيون من سلطة طالبان والعراقيون من دكتاتورية صدام ".
واضاف الخياط "ان بعض النظم العربية خطط وعمل ومول من اجل عودة الاستبداد في العراق وافشال المشروع الديمقراطي عبر دعمهم لكل اشكال الارهاب والفساد وإلا كيف نفسر استقبال وزير الاعلام السوري شخصيا لمنتظر الزيدي عندما اطلق سراحه"..
وقال الخياط "ان جملة ضد الاحتلال ورفض الاحتلال تقف خلفها كل ثقافة الاستبداد العربي، وان العراق رسميا وقانونيا ذو سلطة وسيادة حسب قرارات مجلس الامن وان الفشل الذي يمر به العراق هو بسبب قادته السياسيين وليس نتيجة عملية حرب العراق التي قادتها الولايات المتحدة".


معلومات أدلى بها ضباط في الحرس الجمهوري ومدنيون ومواطنون وأحد حرس صدام الشخصيين من الخط الثاني, ابن خالة واخ زوجة وخال اولاد صدام (معد خيرالله طلفاح). في 5 نيسان 2003م دخلت اربع دبابات أميركية من جهة السيدية (جنوب غربي العاصمة) قادمة من طريق كربلاء متوجهة الى مطار بغداد الدولي الذي أصبح في عقد ثمانينات القرن الماضي يعرف باسم (مطار صدام الدولي!). كانت ساحة "ام الطبول" فاصلاً وسطياً بين المطار ومركز بغداد. لكن الدبابات أخطأت الطريق نحو المطار واتجهت اثنتان منها الى مركز العاصمة فاستدارت يميناً بدل أن تواصل سيرها قدماً. ويقوم في الساحة مسجد يعرف باسم "أم الطبول" تيمناً بميدان الرمي الذي كان في نهاية خمسينات القرن الماضي ساحة اعدام العسكريين وبينهم قادة انقلاب الشواف.
كان صدام انتقل من مخبأه السري في حي الشرطة على بعد 3كم شمال غربي الجامع, قرب مركز المدينة, الى المبنى الاداري لمسجد "أم الطبول". كان معد خيرالله في ساحة الجامع عندما شوهدت الدبابات, وبدت ملامح الذعر على وجه المرافق الأمين والأقرب لصدام عبد حمود الذي خرج من المبنى ليعطي اوامره بتأمين مخبأ شارع الزيتون في منطقة الحارثية.
كان صدام في كماشة أميركية غير مخطط لها. فالدبابات التي أخطأت الطريق وصلت الى فندق الرشيد والقصور الرئاسية ثم عادت أدراجها من طريق حي المأمون الذي يلتف حول الجامع في طريقها الى المطار أيضاً.
ما حصل لأحد قادة الألوية قرب المطار اللواء سيف الدين الراوي الذي أمر لواءه بالانسحاب فأرسل صدام في طلبه وأعدمه في ساحة الجامع وأمر بدفنه هناك قبل أن يبعث برسالة عبر سعاة بأن مصير من ينسحب سيكون مثل مصير الراوي.
بقي فريق من الحماية والعسكريين, كلهم من الأقارب, مع صدام حتى 16 أيار 2003, بعد أكثر من 5 أسابيع على سقوط بغداد. في مقدم هؤلاء كان عبد حمود, ثم أسعد ياسين (الذي تردد أنه أبلغ عن مكان صدام الذي القي فيه القبض عليه) وهو أخ المرافق الأقدم أرشد ياسين زوج اخت صدام وابن خالته أيضاً الذي عرف كأكبر مهرب آثار عراقية في تسعينات القرن الماضي. كان أيضاً معه روكان رزوقي, سكرتير صدام ومرافقه وابن خالته, وصالح شبيب الناصري التكريتي المقرب من صدام وابن خالته. شلة الأقرب هذه كانت السياج الحديد للاختفاء المستمر لصدام في الثمانينات والتسعينات وحتى سقوطه. وهذه المجموعة تخيف مجموعة اخرى هي قيادة الاركان والعمليات التي لم تكن تجتمع بصدام او تراه, وهي مؤلفة من الجنرال كمال مصطفى ابن عم صدام أحد قادة الحرس الخاص وشقيق اللواء جمال مصطفى زوج حلا ابنة صدام الصغرى, والجنرال ابراهيم عبدالستار التكريتي أحد قادة الحرس الجمهوري وسفيان التكريتي رئيس أركان الحرس الخاص وأحد مرافقي صدام وثابت النفوس المجيد.
هؤلاء كانوا يقودون الحرب, و بالأحرى كانوا يقودون عملية الدفاع عن صدام وسلطته بعدما اعتقدوا, كما صدام, بأن الحرب ستكون نسخة مكررة من حرب 1991, أسابيع طويلة من القصف الجوي والهجوم البري حتى توقفها بوساطات دولية وتدخلات وخسائر بشرية أميركية وضجة في الأوساط الدولية والعربية. وبنيت الخطط العراقية العسكرية على هذا الاعتقاد, فصدرت أوامر مشددة بأن لا تغيير في الخطط أبداً, وأي تغيير ستكون عقوبته الاعدام. هذا ما سمعه معد خيرالله من فم صدام قبل الحرب. وأن صدام أضاف بحسم:" أي تغيير سيعني الخيانة والعقوبة ستكون الاعدام". اذاً, فكرة الخيانة هي التي هزمت صدام!. كل شيء يقوم لديه على فكرة الخيانة: يضع خطة مستحيلة ومن لا يستطيع تطبيقها حرفياً في ساحة المعركة فهو خائن. يطلب من قادته ان يضحوا بجنودهم وارواحهم حتى لا يتقدم جندي اميركي واحد, فاذا وقعوا في الاسر بعد نفاد الذخيرة فهم خونة. اي فكرة اخرى غير فكرة صدام هي خيانة. لذلك لم يحتمل سقوطه واعتبر ان السقوط نتيجة خيانة في حين انه طلب المستحيل من جيش لم يخن ولم يتعود على الخيانة. ويقول عقيد الحرس الجمهوري في شهادته: "كان مولعاً بالخوف من الخيانة في شكل مرضي, وبنى سلوكه الدموي وفق متطلباته, فاخترع سياسة "قطع الدابر" و"النيات المخفية في الصدور".. وجعل من عينيه أشعة اكس وبهذه الأشعة صفى عام 1979 قادة حزبه ورفاقه".
ويذكر العقيد عدداً من اسباب السقوط المدوّي, منها ان قيادة الجيش " لم تكن من العسكريين المحترفين ولم تتعلم العلم العسكري. كما انها هربت وتركت الوحدات من دون سلاح أو أوامر ميدانية, وان قصي صدام كان القائد العسكري فوقنا وهو لم يعرف شيئاً عن القتال والاسلحة والخطط والميدان فضلاً عن عزت الدوري وطه الجزراوي".
ويقول العقيد ان قائده المباشر في بغداد كان الجزراوي. وحين دخلت الدبابات الأميركية الى بغداد كان مكلفاً مع آخرين بحكم وجود وحدته في طريق المطار بالتصدي لها. أرسل مراسلاً يبحث عن الجزراوي (القائد العسكري) فلم يجده, وأبلغ انه في مبنى احدى المدارس. أبلغ الرسول العقيد بذلك, فذهب الأخير بنفسه في تلك الظروف لبحث الأمر مع قائده المباشر وبحث في مدارس المنطقة من دون جدوى, ولدى عودته وجد من تبقى من جنوده بلا عتاد ولا معنويات ولا قيادة. "سألتهم: ماذا تريدون؟ فأجابوا: سيدي دعنا نذهب الى بيوتنا". هكذا تبخر مئات الآلاف من جنود الحرس الجمهوري والحرس الخاص الذي حمى صدام لأكثر من 23 عاماً.
انتقل صدام في الأيام الاولى للحرب الى مخبأ سري في حي الشرطة قرب المأمون تابع لديوان رئاسة الجمهورية, وكان أعد قبل الحرب ليكون غرفة قيادة. كان المخبأ مجهزاً بكيبل تحت الأرض للاتصالات. ولعب انقطاع الاتصالات دوراً اساسياً في تحطم الجيش وسقوط العراق. يقول خيرالله ان الاتصالات قبل الحرب كانت بدائية وسيئة جداً, كما ان قطع الغيار لم تكن متوافرة وكذلك المؤن اللازمة. وما فاقم الكارثة ان "جيش القدس" الكبير أضاف عبئاً على القوات النظامية والحرس الجمهوري.
ويروي العقيد انه فحص مع لجنة خاصة الطائرات والدبابات والاسلحة لادخالها في الحرب, فكانت النتيجة انه من أصل 400 طائرة كانت هناك 200 غير صالحة للعمل اطلاقاً. هكذا لم يدخل سلاح الجو الحرب وانعدمت التغطية الجوية لجيش مكشوف تماماً أمام طائرات الاميركيين والبريطانيين, اللهم الا بضع طائرات ميغ واخرى مروحية صالحة للاستعمال وجدت مدفونة في الرمال لم يعرف بها غير صدام وسياجه الحديد خبأها لما بعد نهاية الحرب في حال قامت انتفاضة شعبية ضده.
ويروي عقيد آخر من قاعدة الرادارات في كركوك انه استلم أمراً قبيل الحرب بعدم استخدام الرادارات تحت اي ظرف, وظل ينتظر الاوامر لتشغيلها من دون جدوى حتى قبل يوم واحد من سقوط بغداد ولما لم يجد من يسأله سرح جنوده يوم سقوط بغداد بملابس مدنية فذهبوا الى بيوتهم.
بحسب خيرالله, كان التحرك بين مقرات القيادة السرية في بغداد يتم بحذر شديد وتحت جنح الظلام. وكانت الانباء متضاربة حول الجبهة الجنوبية بسبب سوء الاتصالات وتقطعها, لذلك كانت المعلومات تتغير بسرعة: فمثلاً كانت الأخبار حول مصير أم قصر غير مؤكدة, بين تأكيدات بسقوطها وأخرى بأنها لا تزال تقاوم. ومثل ذلك كانت الأنباء عن الناصرية.
تحول الوضع في مقر القيادة السري في حي الشرطة الى الأسوأ بعد وصول الانباء عن سقوط الناصرية والبصرة.. كان هذا المقر مجهزاً قبل الحرب بوسائل السيطرة على جميع الوحدات الرئيسية وخطوط الدفاع. ويقول المرافق:" لم نكن نرى صدام دائماً, لكن الوضع المرتبك في المقر لم يخف علينا. كنت قريباً من عبد حمود القريب جداً الى صدام. وكنت أرى حجم الكارثة مرتسماً على وجهه. كان الرهان على وحدات الحرس الجمهوري والحرس الخاص المنتشرة حول الكوت وحول جرف الصخر قرب كربلاء وحول جنوب غربي بغداد. وكانت نقطة التحول الكبرى هي سحق "فرقة المدينة" المعروفة في الحرس الجمهوري بمعداتها ومقاتليها والتي كانت تقطع الطريق نحو بغداد قرب الكوت. هذه الصدمة افقدت صدام السيطرة والثبات. نقطة التحول الكبرى الثانية كانت سحق "فرقة حمورابي" المعروفة والتي كانت
ويروي عقيد آخر من قاعدة الرادارات في كركوك انه استلم أمراً قبيل الحرب بعدم استخدام الرادارات تحت اي ظرف, وظل ينتظر الاوامر لتشغيلها من دون جدوى حتى قبل يوم واحد من سقوط بغداد ولما لم يجد من يسأله سرح جنوده يوم سقوط بغداد بملابس مدنية فذهبوا الى بيوتهم.
بحسب خيرالله, كان التحرك بين مقرات القيادة السرية في بغداد يتم بحذر شديد وتحت جنح الظلام. وكانت الانباء متضاربة حول الجبهة الجنوبية بسبب سوء الاتصالات وتقطعها, لذلك كانت المعلومات تتغير بسرعة: فمثلاً كانت الأخبار حول مصير أم قصر غير مؤكدة, بين تأكيدات بسقوطها وأخرى بأنها لا تزال تقاوم. ومثل ذلك كانت الأنباء عن الناصرية.
تحول الوضع في مقر القيادة السري في حي الشرطة الى الأسوأ بعد وصول الانباء عن سقوط الناصرية والبصرة.. كان هذا المقر مجهزاً قبل الحرب بوسائل السيطرة على جميع الوحدات الرئيسية وخطوط الدفاع. ويقول المرافق:" لم نكن نرى صدام دائماً, لكن الوضع المرتبك في المقر لم يخف علينا. كنت قريباً من عبد حمود القريب جداً الى صدام. وكنت أرى حجم الكارثة مرتسماً على وجهه. كان الرهان على وحدات الحرس الجمهوري والحرس الخاص المنتشرة حول الكوت وحول جرف الصخر قرب كربلاء وحول جنوب غربي بغداد. وكانت نقطة التحول الكبرى هي سحق "فرقة المدينة" المعروفة في الحرس الجمهوري بمعداتها ومقاتليها والتي كانت تقطع الطريق نحو بغداد قرب الكوت. هذه الصدمة افقدت صدام السيطرة والثبات. نقطة التحول الكبرى الثانية كانت سحق "فرقة حمورابي" المعروفة والتي كانت منتشرة شمال شرقي كربلاء في جرف الصخر. هوجمت الفرقة بعد أن اكتشفها رتل من الدبابات الأميركية ضل طريقه, فاضطرت لكشف مواقعها والاشتباك مع الاميركيين بعدما كانت مهمتها تطويقهم اذا وصلوا الى بغداد. هذان التحولان كانا بداية السقوط السريع للقوات المدافعة عن بغداد.
تحول الموقف كلياً يوم الخامس من نيسان حين نجحت ثلاثة أرتال من القوات الأميركية في عبور نهر الفرات وتقدمت تحت قصف جوي مكثف خلال الليل في اتجاه منطقة الرضوانية القريبة من المطار حيث اكبر سجون العراق واكبر ميادين الاعدام بالرصاص.
انتقل صدام من مخبأ حي الشرطة الى مخبأ القسم الاداري لجامع "ام الطبول" الذي اعد قبل الحرب وزوّد كيبل ارضي للاتصالات مع القوات المكلفة الدفاع عن المطار. انباء قتل علي المجيد (علي الكيماوي) قائد المنطقة الجنوبية لم تتأكد بعد. لا أنباء من عزت الدوري قائد المنطقة الشمالية. قصي يتنقل مع والده باعتباره قائد منطقة بغداد فيما وزير الدفاع لا يخطط للحرب ولا يقود المعارك وتتفاقم خلافاته الصامتة مع قائده العسكري قصي صدام حسين. هل كان العقيد من الحرس الجمهوري متأثراً طوال الحرب بأن استاذه في الاكاديمية العسكرية الفريق سلطان هاشم كان بمثابة جندي مطيع لدى "مارشال" وهمي اسمه قصي ابن الرئيس؟ "نعم. كان حديثه مشوباً بالمرارة وهو يخبرنا عن ذلك وكأنه يؤكد ان احد أسباب الانهيار العسكري هو عدم احترام الضباط لقائد وهمي نصبه والده قائداً لهم".
ويروي أحد الضباط ان نقاشاً حاداً دار بين وزير الدفاع وقصي في جامع "أم الطبول" حول الوضع في المطار حيث كان وزير الدفاع يرى ان شن هجوم الآن على رتل واحد سيكون ناجحاً فيما رأى "قائده العسكري" قصي انه يجب ترك الاميركيين يتجمعون ثم الهجوم عليهم لاحداث خسارة بشرية كبيرة تغير مجريات الحرب اعلامياً وتكون ذات تأثير كبير. ولما اشتد النقاش حسم صدام الأمر لمصلحة "الرؤية العسكرية" لولده.
لم تواجه الارتال الاميركية المتقدمة اي مقاومة في المطار على رغم ان افضل وحدات الحرس الجمهوري كانت مكلفة الدفاع عنه. تشتتت خطوط الدفاع وترك المدافعون اماكنهم تحت القصف الكثيف. وانهارت خطة الدفاع كأنها "دفاعات من ورق" بحسب تعبير معد خير الله. غير ان مقاومة ضعيفة من جانب "فدائيي صدام" كانت تندلع بين وقت وآخر.
وصلت الأرتال الثلاثة الى المطار قبيل منتصف النهار على رغم ان الحرس الجمهوري الخاص كان تحت امرة صدام المباشرة من موقعه في جامع "أم الطبول".
كان صدام يختصر الحرب وفنونها وتاريخها واكاديمياتها واسلحتها العلمية المتطورة بأسلوب المفاجآت البدائية. وخرج محمد سعيد الصحاف بتهديده الشهير بأن "الليلة ستحمل مفاجأة غير معتادة لهؤلاء المرتزقة". ظل العالم ينتظر المفاجأة.. لكن من دون جدوى.
في مخبأه في جامع "أم الطبول" كان صدام يتلقى معلومات متضاربة عن الوضع في المطار الذي لا يبعد سوى ثمانية كيلومترات. كان يأمر الحرس الخاص بالدفاع حتى الموت. غير ان القصف الرهيب دفع باللواء سيف الدين الراوي الى سحب لوائه الى حي الجهاد القريب من المطار. وحين علم صدام بذلك, امر بالقبض على الدوري واعدمه في الجامع ودفنه في حديقته. وأبلغت جميع الالوية القريبة بأمر الاعدام وان اي تراجع سيعني الاعدام. هذا الأمر شجع الالوية على الصمود طوال يوم الخامس من نيسان وكانت ارقام الضحايا بالآلاف.
نجح رتل أميركي في اختراق خطوط الدفاع ووصل الى قاعة كبار الزوار. صدام, الذي كان وحده يقرر كل شيء, امر بالانسحاب الى الشمال والشمال الشرقي للمطار فيما كانت القوات الاميركية تحتل الاماكن الاخرى في المطار. وقبل غروب ذلك اليوم كان الأميركيون يسيطرون على معظم الأماكن جنوب وجنوب غربي المطار بعدما قتلوا الآلاف من جنود الحرس الجمهوري.
أعاد يوم 6 نيسان بعض الأمل لصدام, اذ اطلقت صواريخ أرض - أرض من معسكر التاجي شمال بغداد على المطار وشنت مدفعية الحرس الخاص قصفاً مركزاً الامر الذي أجبر الاميركيين على التراجع من بعض الاماكن, لكنهم ظلوا يحتفظون بمعظم الجهات الجنوبية الغربية من المطار, فاعتقد صدام ان المعركة انتهت لمصلحته وأمر وزير اعلامه باعلان ذلك ومرافقة الصحافيين الى المناطق المحررة من المطار. غير ان موجة قصف جوي جديدة هزت حتى وسط العاصمة وجعلت الجنود والضباط يفرون من مواقعهم عشوائياً فيما تلقى صدام معلومات اكيدة بأن الدبابات الاميركية تتقدم في حي العامرية وسط الطريق بين المطار وجامع "أم الطبول", الأمر الذي سرعان ما تأكد منه عندما سمع هدير محركاتها وهي تعبر الشارع المقابل للجامع.
عندها بدأت امارات الانهيار وعلامات النهاية تلوح في وجوه أقرب مرافقي صدام. "وتحول الواقع الى رعب ونحن نشاهد بأم اعيننا الدبابات الأميركية تتنقل في الشوارع القريبة منا وتخترق مواقع الفوج الأول التابع للحرس الخاص الخالي من المدفعية وتصل الى مجمع دجلة الرئاسي الذي قصفته المروحيات".
يسرد العقيد علي كيف ان عيون الضباط كانت "تتبادل الحديث" اثر كل اجتماع مع صدام. "كانت العيون تلتقي لتؤكد اننا ماضون الى كارثة". حضر العقيد علي واحداً من الاجتماعات العسكرية مع صدام بعدما كان يرى مثل هذه الاجتماعات على شاشة التلفزيون. وباعتباره ضابطاً في سلاح الجو فان قائد سلاح الجو من طيران ومضادات أرضية وصواريخ ورادار كان حاضراً في الاجتماع أيضاً. طلب صدام ان يتم تطوير صواريخ جو- أرض يملك العراق عدداً هائلاً منها الى صواريخ أرض - جو. كان الطلب غريباً وشبه مستحيل كالعديد من طلبات صدام. قائد سلاح الجو قطع احتمال اي سؤال بأن قال: "امرك سيدي. سنفعل ذلك". وانفض الاجتماع.
ذهب الضباط الى معسكر التاجي شمال بغداد. طوروا الصواريخ وكانت نتيجة التجربة الاولى مذهلة: انفجر الصاروخ في قاعدته وقتل 12 عسكرياً. اعيدت التجربة بعد أيام وكانت النتيجة "مرضية": انطلق الصاروخ من منصة اطلاقه وارتفع امتاراً عدة تم تصويره فيها قبل ان يسقط على بعد 100م فوق مبنى لسكن الجنود الذين كانوا لحسن حظهم في ساحة التدريب البعيدة. ذهب قائد سلاح الجو بالشريط المصور الى صدام الذي اطمأن لامتلاكه صواريخ جديدة ارض - جو مطورة عراقياً. ووزعت الصواريخ على فدائيي صدام وليس على الجيش النظامي.
على بعد 60كم من التاجي حدثت ليلة الصواريخ الرهيبة في حي السيدية في جنوب غربي بغداد. عراقيون كثيرون يروون ذلك. نصب "فدائيو صدام" قواعد اطلاق الصواريخ بين البيوت في الأيام الأولى للحرب, وفي الليلة المشهودة بدأوا اطلاقها ضد الطائرات الأميركية. لكن الصواريخ كانت تنطلق بضعة امتار الى الاعلى لتسقط عشوائياً فوق البيوت. لم يرتعب السكان من الطائرت الأميركية بقدر ما ارتعبوا من الصواريخ التي اخذت تهطل عليهم كالمطر وهم يختبئون تحت السلالم وبين الجدران.
الشك دائماً يقود صدام. الشك قاد صدام في صعوده وقاده في انحداره وسقوطه. في احد الاجتماعات اقنعه عبدالتواب ملا حويش وزير التصنيع العسكري (وبحسب احدى الاشاعات فإن صعود حويش قام على زواج صدام سراً من ابنته) بشراء منظومة دفاعات صينية لنشرها حول مدينة بغداد بقيمة بليوني دولار. وعلى رغم تقارير المختصين العراقيين بعدم جدواها وانها ستضرب في اليوم الاول فإن المنظومة وصلت بربع المبلغ وتبخر الباقي من دون ان يعرف احد كيف. نصبت الصواريخ في شمال بغداد وشدد الصينيون على عدم نقلها أو تغيير مكانها. لكن صدام شكك كعادته وأمر بنقل المنظومة الى مكان آخر. ففي ذهنه لا بد ان الصينيين سيخبرون الاميركيين مقابل شيء ما. هكذا لم تعمل المنظومة ودمرت في اليوم الاول بعد اكتشافها بسرعة.
والصحاف ينفي في الوقت نفسه وجود قوات أميركية في العاصمة العراقية يكرر صدام ما يحب ان يتكرر دائماً. غاب عن الميدان كما كان يفعل من قبل وجعل صوره تقوم مقامه لتثبت وجوده. لم يستخدم قائد عسكري أو سياسي او حاكم او ممثل الصورة بالحجم الذي استخدمها صدام به. ولم يستخدم احد الرموز للقيام بالفعل المادي مثلما استخدمها صدام. لم يستعمل كلمة البندقية او المدفع وانما استخدم رمز السيف. لم يستخدم الشجاعة او الرجولة وانما استخدم رمز الشوارب.لم يستعمل مفردة المحارب وانما رمز الفارس. فالحصان في فكره لا يزال يحتل مكان الدبابة.. وهكذا كان يرسل صورته الى التلفزيون لبثها. كان هذا كافياً لادارة الدولة والجيش والامن والمخابرات و... الحرب.
كان صدام يعرف ان كل شيء انتهى وانه يخوض معركته الاخيرة, لذلك تبقت له نفسه التي انشغل بانقاذها. الاميركيون يكادون يحكمون الطوق عليه من دون ان يعرفوا. صدرت اوامره لمن تبقى معه وتم التحرك من أم الطبول في مجموعات صغيرة الى مقر بديل عبارة عن مخبأ في حي الحارثية قرب القصور الرئاسية ومدرسة الاعداد الحزبي حيث لم تكن الدبابات الاميركية وصلت بعد. يقول خيرالله: "تم تامين المخبأ, فذهب احدنا لاخبار صدام بذلك. بعد ساعة وصل عبد حمود اولاً. وبعد 50 دقيقة وصل صدام مع ابنه قصي. وبعد الجميع وصل المرافق أسعد ياسين. اما بقية اعضاء القيادة فتفرقوا. سرحهم صدام في ساعات حربه الأخيرة. لم تعد هناك حرب, هناك حرب انقاذ النفس وسيصبح الآخرون عبئاً وفرصة للكشف".
حتى أفراد الحماية اصبحوا يتحركون فرادى وبملابس مدنية, فالخوف أصبح سيد الموقف. بعد خمس ساعات صدرت اوامر بالتحرك تحت الظلام الى مبنى "الاخوان المسلمين" خلف ملعب الادارة المحلية القريب الذي اعد كمخبأ بديل قبيل الحرب. ذهب المرافق معد خير الله فوجد ابن اخته عدي صدام حسين قابعاً هناك مع مرافق واحد في حين كان عدي يتحرك في الاوقات الاخرى مع 16 مرافقاً. يضيف معد: "وصل قصي بعد 16 دقيقة. بعده وصل صدام مع عبد حمود وأسعد ياسين في سيارة باسات حمراء اللون صنع البرازيل. غادر عدي في الساعة الحادية عشرة ليلاً مع مرافقه أحمد الفهد. كان الوضع رهيباً ولم نعرف تطورات الوضع في المطار. من جهة اخرى كنا نسمع كل دقيقة خبراً يزيد خوفنا ويأسنا خصوصاً اننا لم ننم طوال 24 ساعة. صباح يوم 7 نيسان, صدرت الأوامر بالتوجه الى حي دراغ القريب من موقع مبيتنا. ثم جاءت أوامر أخرى بالتوجه وتأمين مخبأ يعود للمخابرات في منطقة المنصور في حي الداودي خلف شارع 14 رمضان كان أعد كمقر بديل لصدام. هناك كانت حركتنا شبه مكشوفة, فالناس لا يزالون يسكنون في بيوتهم, والبيت كان ارشيفاً للاستخبارات. ومما زاد قلقنا ان حركة الناس أخذت تشي بأنهم يعرفون ان شخصاً مهماً حضر, اذ كانوا خائفين. ساعة واحدة فقط ظل صدام في هذا البيت, ثم غادره في سيارة "اولدزموبيل" بيضاء في اتجاه حي الخضراء على بعد كيلومترين فقط في بيت صودر من أحد التجار الأكراد. بعدها قصفت الطائرات الأميركية البيت واعتقد الاميركيون ان صدام قتل. بعد ساعتين توجه صدام الى حي الاسكان, ثم حي علي الصالح, ثم عبرنا الجسر الى حي الاعظمية قرب مرقد الامام الأعظم ابو حنيفة.رأى الناس صدام وبدأوا بالتجمع حول سيارته. كان مصور الرئيس معه فأمره بتصوير المشهد وارساله الى محطات التلفزيون العربية ليؤكد انه لا يزال على قيد الحياة. وبعد ان دخل صدام الى الجامع شعرنا بالخطر القريب, فأمر بالتوجه الى منطقة السفينة القريبة وهي منطقة قديمة وضيقة قرب المقبرة الملكية. ووصل بعدنا مع قصي".
تذكر صدام ان عليه ان يكون حياً بالصوت على الاقل. في السابعة مساء ذهب مع مرافقه عبد حمود الى ستوديو حكمت القريب في منطقة الكسرة قرب دجلة وسجل الشريط الذي سيبث بعد سقوط بغداد. وربما من هذا الاستديو حمل صدام مسجلاً صغيراً للصوت مع بضعة اشرطة. عاد صدام وبعد ساعتين صدر امر بالتحرك نحو منطقة 7 ابكار على مشارف بغداد الشمالية, وهناك امضى مع مرافقيه سبع ساعات في منطقة البساتين الكثيفة. في اليوم التالي تحرك الى منطقة بساتين كثيفة أخرى قرب حي الصليخ شمال بغداد قرب الطريق الى تكريت. وسط البساتين كان هناك مخبأ اعد كمقر بديل. وقضوا الليلة هناك.
كان صدام يشاهد التلفزيون أينما حل ويتابع الأحداث. هناك شاهد سقوط بغداد, وجاءت الأوامر لأفراد حماية الخط الثاني بالذهاب الى بيوتهم أو حيث يشاؤون فيما واصل صدام طريق هروبه الكبير تاركاً بغداد تسقط من دون دفاعات أو حماية.