اعترف وزير شؤون رئاسة الجمهورية والخارجية العراقية الأسبق، حامد الجبوري، إلى أن الرئيس الراحل هواري بومدين قُتل مسموما بعد زيارته إلى بغداد، وفي طريق عودته من دمشق.

وقال الجبوري، إنه رأى كيف تحول الرئيس بومدين إلى "شبح" بعد أن فعل فيه "الليثيوم" فعلته، وأوضح قائلا "لقد بدأ بومدين يضعف إلى أن تحول إلى شبح، وتساقط شعره وأصبحت عظام جسمه هينّة إلى الحد الذي باتت تُكسر بسهولة تامة". وواصل الجبوري مؤكّدا "أنا على علم بما أصاب الرئيس بومدين، ربما سُمِّم بنوع فتاك من أنواع السموم اسمه الليثيوم". وأضاف "لقد رأيت حالات مشابهة لحالته في العراق، والموت كان مصير كل من تناول هذا السم". لكن بنشريف كشف المستور و أقر أن الهواري بومدين لقي حتفه على أيد جزائرية في ظرف ينتظر فيه الجميع استحقاقات أبريل القادم بالجزائر و في وقت تسربت عدة أخبار بخصوص الحالة الصحية المتردية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

لوضع هذا الحدث في إطاره التاريخي و التساؤل بخصوص صدقية ما تم الكشف عنه، أجرينا حوار مع الكاتب والباحث الجزائري أنور مالك المقيم بباريس الذي سيصدر قريبا كتابا جديدا تحت عنوان : " طوفان الفساد وزحف بن لادن في الجزائر" وعبد الرحمان مكاوي خبير مغربي في الشؤون العسكرية و الإستراتيجية

الكاتب والباحث الجزائري أنور مالك : ما هي إلا زوبعات يراد منها تجاوز عنق الزجاجة

كيف تلقيتم الخبر المتعلق بتسميم الهواري بومدين الذي كشف عنه أحد قادة الثورة الجزائرية؟

إن رحيل محمد بوخرّوبة المعروف بـ "هواري بومدين" والذي حكم الجزائر ووقع المعاهدات وحمل الجواز وبطاقة تعريف بهذا الاسم المستعار، صارت ما يشبه المسلسل الذي يلقي ظلاله على المشهد السياسي الجزائري من حين لآخر، ولا يمكن أبدا أن تكون النية سليمة وخاصة في ظل هذا النظام الذي أفلس من كل النواحي وما صار يملك بضاعة يمكن تسويقها للشعب الجزائري... فإن كان ما يطلق عليه باغتيال بومدين حقيقة فتوجد قضية أهم وحديثة جدا وثابتة بالصوت والصورة، أتحدى أي كان من هؤلاء أن يتحدثوا عنها ويكشفوا أسرارها وينبشوا بأغوارها، وتتعلق بمحمد بوضياف الذي تمت تصفيته من طرف الجنرالات لما قرر مراجعة الموقف الرسمي الجزائري حول قضية تواجد منظمة البوليساريو المسلحة على تراب البلاد، بل أنه قرر مراجعة جذرية للموقف الرسمي تجاه الصحراء الغربية، أما المتهم المفترض لمبارك بومعرافي فقد سجنت شخصيا عام 1997 بالسجن العسكري "البليدة" حيث كان يقبع حينها بعد ترحيله من سجن سركاجي بسبب تلك مجزرة 1994، ومن خلال أشياء ملموسة ساعدت المقادير أن أطلع عليها، أكدت بالفعل أن الرجل لا علاقة له بالاغتيال أصلا، وهو ما سمعته من طرف بومعرافي شخصيا.

قضية تسميم بومدين تحدث عنها السوري العماد مصطفى طلاس في حوار له مع صحيفة جزائرية مطلع شهر أبريل 1996، حيث اتهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بتورطه في العملية، وأكد ثبوت تسميمه، وهو الذي حسب حينها على أنه يدخل في إطار الصراع القائم بين دمشق وبغداد.

وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2007 شبه الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد وفاة بومدين بما جرى للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، أي أنهما قتلا بالسم.

وعبر الجزيرة في يونيو/حزيران 2008 تحدث وزير شؤون الرئاسة العراقية حامد الجبوري عن القضية مجددا، وهي تلك النظرية التي تذهب إلى تسميم صدام حسين للرئيس الجزائري، وفي الوقت نفسه ذهب إلى تورط نظام صدام في اغتيال وزير الخارجية الجزائرية محمد الصديق بن يحيى عام 1982، ومن خلال شظايا صاروخ باعته روسيا لبغداد...

بصفتي الشخصية تلقيت تلك التصريحات على أساس أنها تدخل في إطار صراع عصب ولوبيات لها جذورها في تاريخ الحكم الجزائري، وتتلاعب بمصير الشعب والبلاد مرة من خلال ملف بومدين الذي يقال أنه تسمم، وأخرى بقصة العقيد شعباني حيث يتم تحميل بن بلة المسؤولية وكل واحد يرمي الكرة في شبكة الآخر، ونجد أيضا أن وزير المجاهدين الأسبق السعيد عبادو صرح أن قاتل مصطفى بن بولعيد – وهو من أبرز قادة الثورة - هو عجول عجال الذي كان من قادة المنطقة الأولى مع عباس لغرور حسب نبيلة بن بولعيد (ابنة مصطفى بن بولعيد)، أو عبان أو خيضر وهي الملفات التي ستفتح بلا شك، ويدخل أيضا في إطار الصراع القائم بسبب النفوذ وبسبب التحولات التي تعرفها السلطة داخل سراياها.. فتصريحات العقيد أحمد بن شريف التي تزامنت مع عودة قضية العقيد شعباني للواجهة الإعلامية، إن هي إلا زوبعات يراد منها تجاوز عنق الزجاجة، حيث أن النظام في موقف حرج للغاية فلم يجد مخرجا منها وخاصة بعد الانسداد الذي يعرفه الواقع السياسي ونفور الشعب عن أطروحاتهم التي أثبت الواقع كذبها واحتيالها، أو أن النظام يطبخ أشياء في الخفاء في أعلى هرم السلطة لذلك يريد تلهية الناس بقضايا هامشية لا تقدم ولا تؤخر شيئا..

هل هذا الأخير يعتبر مصدرا ذي صدقية ومصداقية؟

بارون المال احمد بن شريف هو احد أعضاء المحكمة التي حكمت بالإعدام على العقيد شعباني، إلى جانب الرائد سعيد عبيد الذي تمت تصفيته بطريقة مشبوهة، الرائد – حينها- الشاذلي بن جديد، الرائد عبدالرحمان بن سالم، وممثل الحق العام هو احمد دراية، أما رئيس المحكمة الثورية فهو محمود زرطال، وهذا الأخير صرح في ديسمبر/كانون الأول 2008 بأنه هو الذي نطق بحكم الإعدام في حق شعباني وليس نادما أبدا على ما قام به...

العقيد بن شريف بدوره برر إعدام شعباني بأنه ارتكب مجزرة ضد الإنسانية في حق 750 من أتباع مصالي الحاج بالجلفة – مسقط رأسه- بعد وقف إطلاق النار في مارس/آذار 1962، بالرغم من أن الإعدام الذي نفذ في 03/09/1963 تعلق بالتمرد وليس بالمجزرة هذه، فترى لماذا لم يتم حينها متابعة شركاءه من المجموعة التي نفذت المجازر لأنه لا يعقل أنه حمل سلاحه لوحده وراح يقتل ويبيد الناس، فضلا من أن الأمر يتعلق بجماعة محسوبة على مصالي الحاج المغضوب عليه؟ !!.

أليس هذا دليل قطعي على جرائم الجيش في حق الشعب وبإعتراف أحد القادة البارزين؟

فأرى أن بن شريف الذي أثار من قبل ملفات ساخنة حول المجاهدين المزيفين وإلغاء منظمات المجاهدين وأبناء الشهداء وأبناء المجاهدين وغيرها، من خلال تصريحاته التي ذهب فيها إلى تسميم بومدين في زرالدة ورفض إعطاء أسماء المتهمين الذين يقفون وراء ذلك، أراد مساومة أطراف ما تريد من قضية العقيد شعباني التصفية السياسية لكثير من الأطراف، ويكفي أنه أشار بطريقة عابرة أن من فعل ذلك كان مقربا من بومدين، فمن يكون يا ترى؟ !!

هل هو عبدالعزيز بوتفليقة نفسه أم أنه آخر ممن يتمتعون بالنفوذ والسطوة؟.

فضلا من كل ذلك زعمه من قبل أنه الوحيد الذي أطلع على الوصفة الطبية التي تقول بمرضه من جهازه البولي، أما أدلته على وفاته مسموما كما جرى لياسر عرفات وهي النظرية التي ذهب إليها الشاذلي بن جديد، فقد قال: (لقد أهديت الرئيس كلبين من سلالة دانمركية وقد ماتا مسمومين، لكن الغريب في الأمر أن الأطباء الروس وجدوا عند الكلبين نفس أعراض المرض الموجودة عند بومدين)... فهل هذه أدلته الوحيدة في توجيه اتهامات التسميم إلى أطراف ما وخاصة أن الصراع على خلافة الرئيس طفا للسطح من اللحظات الأولى لوفاته؟ !!

فلو كان له أدنى مصداقية ما سكت كل هذه المدة التي تجاوزت الثلاثين عاما، وخاصة أن الرجل ظل يصول ويجول عبر وسائل الإعلام، فإن كان كلامه صحيحا فهو تستر على مجرمين تورطوا في إزهاق روح مواطن جزائري بغض النظر عن مسؤولياته، وهنا وجب أن يقدم للمحاكمة لا أن يروج لتصريحاته بهذه الطريقة المقززة، وإن كشف الأسماء المتورطة في التسميم يجب أن يساقوا أيضا للمحكمة مهما كانت أعمارهم ورتبهم ونفوذهم، وإن كان يريد المزايدة السياسية والقفز على قضايا أخرى صار يعلم أنها تطبخ في الخفاء ورأسه صار مطلوبا لدى خصوم كانوا بالأمس حلفاء، فهي حقيقة تؤكد على الحال المزري الذي وصل إليه وضع الحكم في الجزائر.

في اعتقادي أن ما يتم تناقله ليس هي الحقيقة، فالحقيقة كانت في جعبة أمين سر الرئيس بومدين وهو الرائد جلول الذي تم إبعاده من الطريق، وذلك بطريقة بشعة حيث تمّ اغتياله بالساطور وعثر على جثته في 02/01/2009 بشارع الشافعي ببلدية المرادية قرب رئاسة الجمهورية، والرائد جلول هو عسكري سابق في الأمن الرئاسي، والرجل كان محل ثقة عمياء لدى بومدين ويعرف الكثير من الخفايا والأسرار التي دفنت مع بومدين ثم شيعت مؤخرا مع جلول، وأعتقد أن تصفيته تدخل في إطار مخطط سري يراد منه رسم خارطة جديدة في المشهد السياسي بالجزائر، حتى صديق بومدين وهو محمد صالح شيروف أكد أن الاغتيال يرتبط بإحياء قضية شعباني...

وأحمد بن شريف لا مصداقية له في كل الحالات، فإن كان يعرف أسماء المتهمين فيستحق العقاب على صمته وربما تورطه، وإن كان لا يعرف وهو يوزع شكوكا فقط فيستحق أيضا البصق على وجهه...

وأقول إنه لا يمكن أن نجد مصدرا من كل أولئك الذين حكموا الجزائر يمكن تصديقه أو الاعتماد عليه، فهم لا يخدمون إلا مصالحهم ويتاجرون بقضايا البلاد كأنها مشاريع تخضع لشروط المزايدات والمناقصات.

لماذا الإعلان عن الخبر الآن بالضبط؟ وهل هناك يد خفية وراء تسريب هذا الخبر؟

إضافة إلى ما ذكرت أن عصبة وطغمة الحكم تريد من خلال هذه الملفات تلهية الشعب الجزائري عن حقيقة واقعه المزري، فيبقى الناس مشغولون بملف كبير اسمه "تسميم بومدين"، وهذا التسميم حدث في زرالدة مما يعني تورط مسؤولين بارزين في ذلك، هذا يشك ربما في تورّط بوتفليقة، والذي كانت تربطه "علاقة" غامضة بوالدته والفضل يعود لها في جعل بومدين يعتمد على ابنها ويعينه وزيرا وهو لا يزال مراهقا، والذي كان يبكي بومدين كما يبكي الأطفال أباءيهم، حسب ما كشفه صالح جعيواط وهو من الطاقم الطبي الذي سهر على رحلة علاج بومدين... وآخر يوجه أصابع الاتهام للشاذلي بن جديد وذاك يزعم بدور ما لأسماء أخرى لها ثقلها في منظومة الحكم، ربما محمد الصالح يحياوي، ربما رابح بيطاط...

الملاحظ في تصريحات بن شريف يجدها تدخل في إطار رد فعل على ما سيطر على الساحة من قضايا، فقد كذب تصريحات الطاهر الزبيري حول عدد ضباط فرنسا والذي ذهب إلى أنهم 200 شخص، في حين بن شريف قال إن عددهم لا يتجاوز 25، وطبعا هؤلاء متورطون في تصفية الثورة واغتيال الاستقلال وتوريط البلاد في حرب أهلية، وهم الذين مكنوه من بلوغ درجة قيادة الدرك الوطني بلا شك.

ثم نجده يبرر تصفية العقيد شعباني واغتياله المقنن بالقانون ونسب له المجازر المشار إليها، ولو سؤل هذا العقيد عن المجازر التي حدثت في منطقة القبائل أو التي جرت خلال الحرب الأهلية فلن يبرر أبدا إعدام من ثبت تورطهم مثل جنرالات الجيش وعلى رأسهم خالد نزار والعربي بلخير ومحمد مدين ومحمد العماري وإسماعيل العماري، وطبعا حديثه عن شعباني لأنه أحد أطراف المحاكمة الهزلية...

القضية الثالثة وتتعلق بالمجاهدين المزيفين الذي ذهب إلى أن عددهم تجاوز 60% وطبعا تدخل في إطار ملفه القديم الجديد حول هذا الموضوع، والذي يريد من خلاله تصفية حسابات قديمة مع جهات "الشرعية الثورية".

إن التسليم بوجود أيادي خفية وراء مثل هذه الملفات وخاصة في الجزائر هو استغفال للناس، فعادة المسؤولين السابقين الذين تجاوزتهم الأحداث وطواهم النسيان يحبون العودة إلى الواجهة الإعلامية عن طريق إثارة مفرقعات من العيار الثقيل، وطبعا محسوبة العواقب والنتائج ومضبوطة احتمالاتها المختلفة، وأن نسلم بأن بن شريف تحرك أيضا بمحض إرادته هو تجاهل لطبيعة رجال السلطة سواء الفاعلين المباشرين أو في السلطة الموازية أو كنسوا للمعاش، فالحقيقة التي وجب أن تعرف أن النظام الجزائري مفلس بصفة قطعية ونهائية، وأن ما يجري الآن من واقع مزري بائس تتحمله كل الوجوه التي تولت مسؤوليات بارزة، ولا داعي أن نقلدهم أوسمة البطولة بملفات من مثل قضية شعباني أو بومدين أو بن بولعيد أو حتى عمارة بوقلاز.

هل من علاقة بين كشف هذا السر والولاية الثالثة لعبد العزيز بوتفليقة؟

كل شيء في الجزائر يرتبط ببعضه البعض، سواء بالصدفة أو بحسابات من وراء الستائر، ونجد ملفا يستغل لحساب حلحلة الآخر، وهكذا منذ 1962 والجزائريون يسيرون بلغة المفرقعات والشبهات والإثارات الحزبية والإعلامية، وقبل أن نتحدث عن علاقة كل ذلك بالرئاسيات القادمة، يجب أن نؤكد على أمر خطير للغاية وهو أن الرئيس بوتفليقة لا يملك برنامجا أصلا كما يزعمون، والذين جاءوا به من الخليج أرادوه واجهة فقط لأجل تنفيذ مخططاتهم الجديدة التي عقبت المجازر والدم، وعندما اعترف بوتفليقة أنه فشل وعلى المباشر في خطاب رسمي، ليس أن الرجل راجع أخطاءه أو اكتشف ضلاله القديم، إنما الواقع فرض نفسه ولا يمكن أبدا أن يتلاعب بالناس فالجزائريون في ظل وعود بالعزة والكرامة صاروا يقتاتون من المزابل، وأعلمكم أن في كل ولاية من بين 48 ولاية توجد على الأقل 500 عائلة تعيش من القمامات والمحظوظة خبزها يعجن من بقايا النخالة.

أما قولكم أن ما تحدث به بن شريف هو سر، فأعتقد أن الأمر مبالغ فيه، لأن العقيد الأسبق لم يأت بجديد إلا بكلام مفتوح على مختلف الاحتمالات، وإن كان تحديده لمكان الجريمة يزيد الأمور تعقيدا، فسهل أن أقول أن بومدين تم تسميمه في زرالدة من طرف مقربين منه، وسهل أن أقول وأنا عايشت الحرب الأهلية أن الجنرال سعيدي تم اغتياله من طرف العسكر، وان مجازر بن طلحة والرايس والرمكة قام بها إسماعيل العماري شخصيا... الخ، ولكن الصعب هو طريقة وأدلة الإثبات، فلو كان تصريح فلان أو علان دليل لانتهت الجزائر وتم محوها من الخريطة منذ مدة.

بالنسبة للعهدة الثالثة فهي تحصيل حاصل، ليست جديدة وإنما طبخت منذ فترة طويلة، ولما دخل بوتفليقة إلى قصر المرادية فقد كان مصمما أن لا يخرج منه إلا في تابوت على مدفع متوجهون به إلى مقبرة العالية، لأنه تحقق له ما لم يحققه غداة وفاة بومدين لما قرع أسماع الناس بخطاب يجمع ما بين المجاز والإثارة، حتى خيل للحاضرين الذين شغلت أذهانهم بمن سيخلف الراحل، أن بوتفليقة في خطاب الوداع كان يطرح نفسه بديلا بطريقة تدغدغ مشاعر الشعب، ويكفي الصراع على قراءة التأبينية، الذي جرى بين بوتفليقة ويحياوي الذي كان بدوره مرشحا لخلافة بومدين، وهو ما رواه الكثيرون وعلى رأسهم أحمد بن شريف...

هذه العهدة فأراها الأخيرة من عمر الرئيس لأن صحته متدهورة وصار يعيش بالخبز اليابس ولا يدخل الحمام إلا بحضور طبيبه مسعود زيتوني ومخلفاته تتحول إلى التحليل الطبي، وتساؤلكم عن التأثير عليها من خلال الحديث القديم المتجدد في أثواب مختلفة، عن تسميم بومدين الذي صار مسلما به والاختلاف فقط عن المتهمين ومكان الجريمة فمرة بغداد وأخرى زرالدة ومستقبلا سنسمع أن الخميني من يقف وراءها وليس صدام ولا المقربين من الرئيس، فالتقلبات حسب المزاج ومتطلبات المرحلة... فلو كنا في دولة متقدمة لربما تمّ تأجيل الانتخابات الرئاسية من أجل هذا التصريح المثير والخطير، والذي توجه فيه أصابع الاتهام لكثير من الأطراف التي لا تزال تتحكم في دواليب السلطة، وأقول هنا أنه لو يثبت أن بومدين تم تسميمه في زرالدة فإن وزير خارجيته عبدالعزيز بوتفليقة هو المتورط الأول لأنه كان مقربا منه إلى درجة كبيرة، فضلا عن رغبته في تولي زمام الأمور، وأن الرائد جلول الذي ذكرناه سابقا الطرف الأساس في هذا التسميم لذلك جرى التخلص منه بطريقة قذرة.

ولكن ما دمنا في بلد اسمه الجزائر الذي تحكمه عصابات من العسكر واللصوص، فإن تصريحات بن شريف ستغدو زوبعة في فنجان وينتهي أمرها، فقد صرح عبدالحميد الإبراهيمي بقضية 26 مليار دولار ولم يحقق فيها، بل تمت مساومته بها مؤخرا حتى يعود للجزائر، وفي عهد بوتفليقة نفسه صرح الوزير سلطاني بوقرة بأنه يمتلك ملفات لمفسدين بارزين ونافذين في السلطة مرت مرور الكرام ولا يزال وزيرا للدولة توكل له تنفيذ أعراس السلطة... الخ، فالجزائر – للأسف الشديد - هي بلد مثل هذه المفرقعات، التي تمر من دون حساب وعقاب ولا حتى عتاب، والسبب الأساسي هو فساد الحكم الذي لا يملك مؤسسات يعتد بها ولا رجال يمكن أن يعول عليهم، لأن أغلبهم قد تخرجوا من الثكنات وتعلموا كل فنون المكر والاحتيال والانقلاب...

ما هو تأثير هذا الخبر على الركح السياسي الجزائري؟

يتداول على الركح السياسي ممثلون لا يتقنون إلا الحركات البهلوانية، فمرة تأتي تلك الحركات الطائشة على عين متفرج وأخرى تخدش ممثل آخر أو تسقط أجهزة الديكور، وتوجد تلك التي تجعل الناس يقهقهون وفي ما بعد تبقى في الذاكرة عبارة عن نكت يلجأ لها لما يضيق المقام بهم... وخبر تسميم بومدين هو حركة بهلوانية عابثة جاء بها أحد الطامعين في الوصول للسلطة وهو من أرباب المال والثراء.

إن بومدين يتحمل مسؤولية جسيمة في إيصال "ضباط فرنسا" إلى أعلى المسؤوليات وسلمهم مقاليد الحكم، فلا ننتظر منهم أبدا أن يقتصوا لدمه إن كان قد قتل ولم يمت كما يموت باقي الناس، فالرؤساء والزعماء دوما تلاحق الشبهات رحيلهم وكأنهم خلقوا من حديد وليس من لحم وشحم، ربما أنهم يعتقدون بخلودهم أو أن بطانتهم المستفيدة من الريع تصدم في ذلك، فيصبحون يوزعون التهم يمينا وشمالا، فإن ظهرت عليه أعراض تساقط الشعر فيقال بسبب التسمم، بالرغم أننا يوميا نشهد وفيات وبصور أشد فظاعة بسبب السرطان.

فالعقلية الجزائرية جعلت من صحة الرئيس طابو كبير لا يمكن تجاوزه، لذلك تظل وفاة الرؤساء على غير طريقة بوضياف التي زورت حيثياتها، تثير الشبهات لأنه تظهر مفاجئة للجماهير المغلوب على أمرها، وفي الحقيقة التي لا يعرفونها أن الرئيس كان في وضع صحي متدهور لا حل له إلا الموت الرحيم، أو ربما توفي لأسابيع قبل الإعلان الرسمي، وهو الذي يجري حاليا مع ملف صحة الرئيس بوتفليقة والذي أؤكد لكم ولكل مطلع على هذا الحوار أن حالته تصعب على الكافر ولولا الأدوية والمصل المعقم ما استطاع أن يحرك شفاهه...

أما تأثير حكاية العقيد الأسبق بن شريف حول تسميم بومدين فهي كمن رمى حجرا في بحر متلاطم الأمواج، ستذهب ويطويها النسيان كما جرى مع غيرها، حتى وإن طلع علينا مرة أخرى وقال أنه بنفسه من يقف وراء الاغتيال ومعه بوتفليقة ويحياوي وبيطاط ومرباح... فستذهب إلى حالها، لأن الشعب الآن يريد من يفتح له آفاقا للمستقبل وليس من يأتي من المناطق الخضراء في نادي الصنوبر وموريتي وينبح عليه بملفات خيانة الأمير عبدالقادر من طرف المغاربة أو تورط الحسن الثاني في اختطاف طائرة زعماء الثورة أو وقوف جهات من جبهة التحرير في تصفية بن بولعيد أو عميروش... فقد ملّ الشعب من الشرعية الثورية التي صنعت بتاريخ مزيف طال كل شيء حتى الشهداء في قبورهم، واليوم لم يجد هؤلاء ما يسوقون به لبضائعهم المفلسة سوى تلك القصص المستوحاة من الخيال ومغامرات توم وجيري...

فترى هل ينفع ذلك الشعب الجزائري الذي ينتحر أبناؤه في أعماق البحر هروبا من البلاد أو بواسطة أحزمة ناسفة وسيارات ملغومة؟ !!

ما الذي سيستفيده الشعب الجزائري من موت بومدين مسموما أو بالسرطان، وهو لم تضمد جراحه بعد من فقدانه لأحبته في الحرب القذرة التي أشعل فتيلها جنرالات كانوا في الثورة عملاء للمستعمر مثل خالد نزار ومحمد تواتي والعربي بلخير؟ !!

إن فقراء وبؤساء الجزائر يريدون من يدق أبوابهم يحمل لهم بشرى عمل تخرجهم من البطالة، أو قطرات ماء تضمد عطشهم، وليس من ينزل عليهم من السقف مرة بحكايات عن بومدين أو أخرى عن شعباني، أو بخرافات من زمن البدو الرحل... ففقراء بلاد النفط يريدون الخبز والدواء وليس انتخابات وشعارات أثبت الواقع أن الذين وعدوا بالفردوس عام 1999 هم أنفسهم شحما ولحما وإن صاروا سمانا بعض الشيء من أثر النعمة والريع المستباح، يدعون لجنة الخلد التي مفاتيحها بيد بوتفليقة، فأين الوعود التي مضت من مليون سكن والعزة والكرامة والأمن والاستقرار؟ !!

الشعب محتاج لمن يبني له المستقبل وليس بمن يجتر كالبعير فضلاته، والمشهد السياسي سيبقى حبيس غرائز حكام الجزائر يقلبونه وفق ما يحفظ لهم مصالحهم ونفوذهم، سواء كان الأمر بتسميم بومدين أو باغتيال بوضياف أو ذبح آلاف الجزائريين في الأحياء الفقيرة والقصديرية.

عبد الرحمان مكاوي خبير مغربي في الشؤون العسكرية و الإستراتيجية :ستشهد الساحة الجزائرية كذلك تسريبات أخرى القصد منها إرباك الانتخابات الرئاسية المقبلة

ما الجديد فيما تم الكشف عنه بخصوص مقتل الهواري بومدين؟

العقيد بن الشريف قائد الدرك الملكي في عهد الرئيس الهواري بومدين، لم يضف جديدا في ملف موت هذا الأخير، والجديد هو أن تسميمه كانت على أيد جزائريين وفي الجزائر ومن المربع الرئاسي الأول، والمقصود هو بوتفليقة وعميمور ومجموعة من المقربين جدا من محيط القرار. ويمكن تفسير هذه الخرجة الإعلامية لرئيس الدرك السابق في إطار الصراعات التي تعرفها مختلف الأجنحة داخل المؤسسات الجزائرية حول العهدة الثالثة للرئيس بوتفليقة.

فالمؤسسة العسكرية الجزائرية حاليا متوزعة على ثلاثة أجنحة أساسية، الجناح الأول ممثل في المخابرات العسكرية برئاسة الجنرال الأول توفيق المدعو مدين، وهي حارسة النظام، أما الجناح الثاني يكونه الجنرالات الجدد الذين يسعون إلى تطبيق النموذج التركي بالجزائر والجناح الثالث يمثله الضباط المتقاعدين، وعلى رأسهم لمين زروال والشادلي بنحديد ومحمد العماري وخالد نزار.

هل التصريح الأخير يصحح التاريخ؟