عودة للماضي بداية القرن 19 دراسة
تمر الأحداث وتتوالى وتذهب أحيانا كما الرماد لا قيمة له ولكن عندما نتمحص في العمق نجد ما يربط الماضي بالحاضر أو ربما تكون لنا أسئلة.
مثال :
لماذا عندما قام الرائد البريطاني (توفل ) بأستفتاء طالبا من أهالي كربلاء أختيار من يرضونه ملكا لم ينتخبوا أو يقرروا على شخص من العراق بل رضوا اخيرا بعد سجال وجدال بأحد أبناء الشريف حسين ( شريف مكة ) .. هل ألوم التاريخ أو أن أقول أن شعب العراق كان شعبا مستضعفا أم لا ثقة في أنفسم , أم لم يكن في العراق حينها من كان مؤهلا لتولي منصب الرئاسة ؟ هم قالوا نرضى بمسلم عربي ووفق هذه الرؤية بين المجتمعين الذين هم علية القوم من مشائخ دين وعلماء ووجهاء عندما اجتمعوا في السراي في يوم 16 كانون الأول عام 1918 وخاطبهم ( تيلر ) قائلا "إنّ بريطانيا قررت أن تَبرَّ بوعدها للعرب، ولهذا فهي تريد أن تتعرف إلى رأيكم في نوع الحكم الذي ترغبون فيه، وفي الشخص الذي تختارونه للإمارة عليكم "
قام السيد عبد الوهاب الوهاب فتكّلم نيابةً عن الحاضرين قائلاً : إنّ هذه الجمعية لا تمثل مدينة كربلاء تمثيلاً صحيحًا، وأن هناك طبقات مختلفة , يجب أن تستشار في هذا الموضوع، وأنه لابد من إمهال المجتمعين ثلاثة أيام على الأقل، للبحث في هذا الأمر فوافق الرائد تيلرعلى ذلك وغادر كربلاء عائدًا إلى مقره في الحلة.

عقد اجتماع آخر في دار السيد محمد صادق الطباطبائي للتداول في الأمر، ثم عُقد بعدئذٍ اجتماعٌ ثالثٌ في دار الإمام محمد تقي الشيرازي، وحصل اختلاف وجدال بين الحاضرين، اقترح بعضهم اختيار أحد أفراد الأسرة القاجارية في إيران أميرًا على العراق، واقترح آخرون أميراً عثمانياً، لكن الأكثرية أعلنوا رغبتهم لاختيار عبد الله أو زيد من أنجال الشريف حسين، استقر رأيهم على الأخير فنظموا مضبطة وقع فيها أغلب الحاضرين
هذا نصها :
حسب تبليغ حاكم الحلة لنا... وقد اجتمعنا نحن أهالي كربلاء امتثالاً لأمركم وبعد مداولة الآراء وملاحظة الأصول الإسلامية وتطبيقها، تقرر رأينا على أن نستظل بظل راية عربية إسلامية فانتخبنا أحد أنجال سيدنا الشريف ليكون علينا أميرًا ومقيدًا بمجلس منتخب من أهل العراق، لتسنين القواعد الموافقة لروحيات هذه الأمة وما تقتضيه شؤونها.....
لم يهن على بعض عملاء الانكليز في كربلاء تنظيم هذه المضبطة، فنظموا مضبطة مضادة لها، طلبوا فيها الحكم البريطاني المباشر للعراق وهذا جزء من نص الوثيقة:
لحضرة الأجل الأكرم الحاكم الملكي بكربلاء المحترم :
معروضات عموم أهالي كربلاء المقدسة، هو أنه حسب الأمر الصادر إلينا من حكومتنا العادلة البريطانية العظمى دامت عدالتها بالانتخاب باختيار أميرٍ للعراق من خليج فارس إلى الموصل... صار نظرنا على ما فيه صلاح العموم، بأن نكون تحت ظل حكومتنا العطوفة، الرؤوفة البريطانية العظمى... في الحادي والعشرين من ربيع الأول 1337 هجرية ولما قدّمت المضبطة الأولى إلى الرائد (بوفل ) رفض تسلمها بحجة أنها لم تقدم في الوقت المعين، أما المضبطة الثانية إحتفظ بها، لكنه أعادها بعد يومين.

وعلى أثر ذلك أو أبتداء من تلك اللحظات نشأت الحركة الوطنية في كربلاء ويعد الميرزا محمد رضا نجل الإمام محمد تقي الشيرازي من ألمع مؤسيسها أو لو صح التعبير قادتها فأسَّس جمعية أطلق عليها أسم ( الجمعية الإسلامية ) أنتمى إليها شخصيات إسلامية منهم هبة الدين الشهرستاني وحسين القزويني , ومن العشائر طليفح الحسون ( شيخ عشيرة النصاروة) , عمر العلوان , عثمان العلوان , عبد الكريم العواد , عبد المهدي القنبر, محمد علي أبو الحب .
وبدأت مشروعها في مقاومة المحتل , فأصدر الشيرازي فتواه المشهورة (ليس لأحدٍ من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين) وكان ذلك في العشرين من ربيع الثاني 1337 هجرية الموافق الثاني والعشرين 1919 ميلادية.
وكانت المعارضة على ثلاثة فصائل : إسلاميون , وطنيون , عروبيون , كان الشيعة من أهالي كربلاء والنجف من أكثر الفصائل نفوذا ولعبت دورا كبيرا في إشعال ثورة النجف.

وقائع وأحداث مهمة :
واقعة حمزة بيك 1915 م :
بعد ضعف وسقوط الحكومة العثمانية وانسحابها من كربلاء، حصل فراغ إداري وأمني، اجتمع وجهاؤها لتأسيس مجلس محلي لإدارة شؤون المدينة، وكان الشيخ طليفح الحسون أحد اعضائهِ، وتّم تكليفه وعشيرته بحفظ الأمن والانضباط في المدينة، ولم يدم سوى أربعين يومًا، إذ وجهت الحكومة العثمانية قواتها نحو كربلاء بقيادة حمزة بيك، حدث قتال بين القوة المهاجمة وعشيرة النصاروة، في منطقة القنطرة البيضاء على نهر الحسينيّة، شمال المدينة، استشهد فيها ظاهر المحسن بن الشيخ طليفح، وجرح العديد منهم عبد علي الشمخي .وقد بسط العثمانيون نفوذهم على المدينة من جديد،وتعيين محمود بابان متصرفًا في 25 رمضان 1333 هجرية الموافق (29 / 7/ 1915 م)

2 -واقعة عاكف بيك 1916 م.
دخلت القوات العثمانية مدينة الحلة بقيادة عاكف بيك في 8 محرم 1335 هجرية / 1916 م، لإعادة الأمن، وقامت بقتل الكثير من أبناء المدينة، بعدها توجهت إلى مدينة كربلاء، وقبل وصول تلك القوات إليها، طلب الشيخ طليفح الحسون من أحد وجهاء عشيرته مهدي حمادي السهيل بالذهاب إلى أخواله شيوخ عشيرة العامرية آل كريدي بين كربلاء والهندية، فطلب منهم فتح مياه الأنهار الموجودة في مناطقهم، لعرقلة زحف القوات العثمانية إلى كربلاء، وتم ذلك ولم يدخلوا المدينة فأنقذ كربلاء من هجوم أكيد.
*****
وفي 12 آب 1919 القت السلطات البريطانية القبض على عمر العلوان، وعبد الكريم العواد، طليفح الحسون، محمد علي أبو الحب، السيد محمد مهدي المولوي، السيد علي الطباطبائي، وقامت بنفيهم إلى بغداد ومن هناك إلى جزيرة هنجام.
أرسل الشيرازي إلى ولسن في 5آب 1919 م، كتابًا يحتج فيه على نفيهم، ويطلب منه إخلاء سبيلهم حيث وصفهم بأنهم لم يفعلوا شيئًا، سوى القيام بالمطالبة السلمية بحقوق البلاد المشروعة، فأجاب الحاكم العسكري ارنولد تالبوت ولسن بكتاب هذا نصه:
حضرة آية الله العظمى حجة الإسلام الميرزا محمد تقي الحائري الشيرازي دامت بركاته، لي الشرف أن أعرض
لكم أنه وصلنا كتابكم المؤرخ 8 ذي العقدة سنة 1337 هجرية، تذكرون فيه بكل أسفٍ أن الأعمال التي أقدمت عليها حكومة بريطانيا العظمى لإجراء واجبات وظائفها، ولحفظ أحكام القوانين والأنظمة، أوجبت تشويش
واستياء العلماء الأعلام دامت بركاتهم في كربلاء . والخ
المهم عفا عن البعض ومنهم ( محمد علي الطباطبائي ) وطلب أن يستقر في سامراء ولا يبرحها إلا بعلم الإنجليز , أما بخصوص السيد محمد مهدي المولوي قال : له اليد الطولى في تشويش افكار العموم، وبما أنه هندي الأصل، فقد استحسن إرساله إلى وطنه الأصلي حيث يعيش بكامل الحرية، لأنه لا يمكن ابقاؤه في كربلاء حيث وجوده يسبب عدم استراحة الناس.
بعد وصول هذا الكتاب حزم الإمام محمد تقي الشيرازي أمره بالرحيل إلى إيران لكي يفتي من هناك بالجهاد ضد الإنجليز .

تاريخ لاحق : 25 تموز 1920 إعلان الثورة في كربلاء

كان يوم 25 تموز 1920 يوم إعلان الثورة في كربلاء، وكان يومًا صاخبًا، فقد خرج الكثير من سكان البلدة في الشوارع وهم يحملون بنادقهم وأسلحتهم الأخرى، وفي صباح يوم اليوم التالي أي في 26 تموز 1920 م.
اجتمع رؤساء البلدة ووجهاؤها عند الإمام محمد تقي الشيرازي في داره وبعد مداولة طويلة تقرر تشكيل مجلسين لإدارة البلدة هما المجلس العلميوالمجلس المالي. كانت مهمة الأول ترويج الدعاية الدينيّة للثورة والنظر في القضايا المتنازع عليها، في داخل المدينة، وبين العشائر، وقد تألف هذا المجلس من خمسة أعضاء هم: السيد هبة الدين الشهرستاني، السيد أبو القاسم الكاشاني، الميرزا أحمد الخراساني، السيد حسين القزويني، الميرزا عبد الحسين الشيرازي.
أما المجلس المالي، كانت مهمته الإشراف على إدارة البلدة من حيث جباية الضرائب وتعيين الموظفين والشرطة وتأمين الطرق، وتألف هذا المجلس من سبعة عشر عضوًا. كان ثمانية منهم من السادة وهم : عبد الوهاب الوهاب، أحمد الوهاب، حسن نصر الله، أحمد ضياء، عبد الحسين الدده، إبراهيم الشهرستاني، محمد علي ثابت، محمد حسن آل طعمة، أما الباقون فكانوا من رؤساء المحلات وهم محمد علي أبو الحب وكان أمينًا عاماً للصندوق المالي، عبد عبد النبي العواد، هادي الحسون، علوان جار الله، محمد الشهيب، قمر النايف، عبد علي الحميري، عبد العزيز المهر، علي أحمد المنكوشي، عزيز علوان الزنكي، أما الشاعر محمد حسن أبو المحاسن فكان ممثل الشيرازي في المجلس).
وقد عُيّن خليل عزمي سكرتيراً للمجلس، كما عين مهدي السامرائي محاسبًا له، وعبد الرزاق افندي كاتبًا، وباشر المجلس المالي عمله بتعيين موظفي البلدية والحرّاس والجباة، كما شكل قوة من الشرطة تضم مائة من المشاة وثلاثين خيالاً، وع سرمد الهتيمي آمرًا لشرطة كربلاء براتب شهري قدره مائة روبية وهو شيخ عشائر المسعود، وعبد الرحمن العواد آمرًا ثانياً في الشرطة وبراتب مماثل. ودخل محمد علي أبو الحب الحياة السياسية بعد ثورة العشرين وكان عضوًا بارزًا في حزب الإخاء الوطني.

الخلاصة والهدف :
رحمهم الله جميعا كانوا اجدادا عظاما للعراقيين جميعا خدموا بلدهم ولم تغرهم المناصب , لكن لماذا لم يختاروا عراقيا ( أنا أعتبرها نقطة من نقاط الضعف ) جعلتنا من ذلك اليوم تحت وصاية أؤلئك أو فكروا في الطمع فينا فهل خلي العراق من الرجالات لا أظن ففي كل وقت هناك رجالات لا بد من بينهم المخلص من يخدم البلد ولكن الذي يبدو لي أن العراقيين دائما قلوبهم نظيفة مع الأخرين ليسوا سُذج ولكنهم كأن يقال ليسوا من أهل الدهاء وهناك من يعتبر ( نوري السعيد ) كان من أدهى دهاة السياسة لكنه في الحقيقة كان عميلا مخلصا للإنجليز نكلَّ بالكثير من الوطنيين والأحرار .. معاهدة 1930 هو من وقع عليها وعندما شعر أن المجلس النيابي أنذاك لا يصوت له على الأتفاقية قام بحل المجلس وكوّن في المجلس النيابي اللاحق 77 عضوا من أصل 89 لصالحه , وأثبط محاولات عديدة للوطنين والأحرار وزج بهم في السجون ... ونرى أن البعض لازال يصفه بأروع رئيس حكومة خدم العراق ......
لا أدري لماذا التناقضات ولا أدري متى يُكتبُ التاريخ بحروف صادقة لا ترواغ