السيد فضل الله:في ذكرى وفاة الإمام العسكري(ع): المسؤوليَّة عن تصحيح المسار


في الثّامن من ربيع الأوّل، كانت وفاة الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت(ع)، وهو الإمام الحسن بن عليّ العسكري(ع).وعندما ندرس حياة هذا الإمام، فإنّنا لا نجد الكثير من تفاصيلها بالدّرجة التي يمكن للإنسان أن يحيط بها، ليتعرّف إلى عناصر العظمة التي يختزنها في شخصيّته في الجانب الروحي الذي ينفتح على آفاق واسعة لا تنحصر في الفكر أو الجانب العلميّ وحدهما، بل في كلّ الجوانب التي استطاعت أن تفرض شخصيّته على مجتمعه، بحيث ينقل كتّاب سيرته أنَّ أعداءه وأصدقاءه أجمعوا على تعظيمه وتقديره وإكباره.

شهادة من متعصّب

فنحن نقرأ فيما ينقله مؤرّخو سيرته، عن شخص كان ممّن يضمر العداوة له ولكلّ أهل البيت(ع)، وهو (أحمد بن عبد الله بن خاقان)، حيث يقول: "ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى من العلويّة مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هدوئه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافّةً، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك كانت حاله عند القوّاد والوزراء وعوام الناس".وقال له أبوه، كما يقول هذا الرّجل الّذي رأى أباه يقدّم الإمام العسكري(ع)، حتى إنّه لم يلتفت إلى زيارة وليّ العهد له، فلقد كان هذا الرّجل من كبار القوم، وقد استغرب ابنه المعقَّد منه ذلك، وسأله عن سبب اهتمامه بالإمام، فقال له: "يا بنيّ، لو زالت الإمامة عن خلفائنا بني العبّاس، ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره، فإنّه يستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه".ثم يقول هذا المتعصّب كما يصفه كتّاب السيرة: "فما سألت أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر النّاس، إلاّ وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرّفيع والقول الجميل، والتّقديم له على جميع أهل بيته ومشائخه، فعظم قدره عندي، ولم أرَ له وليّاً ولا عدوّاً إلاّ وهو يحسن القول فيه والثّناء عليه".ولسنا نريد من خلال هذه الشّهادة أن ندخل في تقييم الإمام(ع)، لمجرَّد أنّ هذا الرجل شهد له، فالإمام يتميّز بموقع إمامته بالدّرجة الرّفيعة عند الله، وبالمحلّ الكبير في الواقع الإسلاميّ كلّه، لكنّنا نريد أن نأخذ من هذه الشّهادة التي تنفتح على شهادات متنوّعة لكلّ طبقات المجتمع المميّز، إضافةً إلى المجتمع العادي الذي كان يعيش فيه النّاس، فنجد أنّ هذا يمثّل الدّلالة على أنّ الإمام الحسن العسكري(ع) قد استطاع أن يدخل في مجتمعه علماً وفضلاً وحركة ومنهجاً وزهداً وعبادة، بحيث أخذ بكلّ عقول مجتمعه وبكلّ قلوبهم، حتى أصبح في موقع القيمة المميّزة التي يخشع لها العدوّ والصديق. وإنّنا نرى أنّ ما من شخصيّة كبيرة وفاعلة في المجتمع، إلاّ وهناك من يسيء القول فيها، وهناك مَن يحسن القول فيها، لكن أن تجد في مجتمع، هو من الناحية الرسميّة يقف بشدّة ضدّ هذا الخطّ من أهل البيت(ع)، ليحاصره وليضيّق عليه، وليعمل كلّ ما من شأنه أن ينقص قدره، أن تجد شهادة الأولياء والأعداء لمثل هؤلاء، فإنّك تستطيع أن تأخذ من هذه الشهادة اختصاراً لكلّ نشاطه المتحرّك في الدّخول إلى عقول الناس علماً، وإلى قلوب الناس روحانيّة، وإلى واقع الناس حركة، وقد تختصر بعض الشّهادات كلّ واقع هذا الإنسان في كلّ حياته.

لتكملة الموضوع:
http://arabic.bayynat.org/ArticlePage.aspx?id=23267