قلبت كلمة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الطاولة في وجه دول الحصار المشاركة بالقمة الخليجية، بتسليطها الضوء على حقيقة مجلس التعاون الميت إكلينيكياً، قبل إعلان وفاته رسمياً.

فقد كشفت كلمة أمير دولة الكويت عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى قادة دول الحصار على حل الأزمة الخليجية، والتي خلت كلماتهم أمام القمة من أية إشارة لها.

قال الشيخ المخضرم “لعل أخطر ما نواجهه من تحديات الخلاف الذي دبّ في كياننا الخليجي واستمراره لنواجه تهديداً خطيراً لوحدة موقفنا وتعريضاً لمصالح أبناء دولنا للضياع وليبدأ العالم وبكل أسف بالنظر لنا على أننا كيان بدأ يعاني الاهتزاز وأن مصالحه لم تعد تحظى بالضمانات التي كنا نوفرها له في وحدة موقفنا وتماسك كياننا“.

وأضاف صباح سعيا منا لتدارك الأمر في وضع حد للتدهور الذي نشهده في وحدة هذا الموقف وتجنبا لمصيرٍ مجهول لمستقبل عملنا الخليجي فإننا ندعو إلى وقف الحملات الإعلامية التي بلغت حدوداً مسّت قيمنا ومبادئنا وزرعت بذور الفتنة والشقاق في صفوف أبنائنا وستدمر كل بناء أقمناه وكل صرح شيدناه”.

إن أهم ما جاء في كلمة أمير الكويت ان العالم بدأ ينظر إلى مجلس التعاون ككيان يعاني الاهتزاز .. ذلك لعدم وجود إرادة ضمانات حقيقية لحماية وحدته، فضلاً عن دعوة سموه لوقف حملات الإعلام المسعورة التي تجاوزت حدود القيم والمبادئ الخليجية، بل وزرعت بذور الفتنة التي ستستمر تداعياتها على مدار أجيال قادمة.

لقد جاءت كلمة أمير الكويت لتعبر عن نبض الشارع الخليجي الذي يدفع ثمن قرارات طائشة لبعض قادتها، والتي لم تتردد في سبيل شهوة السلطة والثروة والهيمنة وأوهام القوة في فرض حصار جائر على قطر براً وبحراً وجواً، وما تبع ذلك من حملات إعلامية مسعورة لتشويه سمعة قطر، وشن حرب اقتصادية للنيل من اقتصادنا، مروراً بتشتيت العائلات الخليجية.

من و جهة الاعلام القطري شمت بالمؤتمر قائلا

حُرم الطلبة القطريون من إكمال دراستهم، ورفضت جامعاتهم في دول الحصار التعاون معهم، بالإضافة إلى حرمان مستثمرين قطريين من أملاكهم. ولم تتردد دول الحصار في تسييس الدِّين والفن والثقافة والرياضة لبث روح الكراهية لكل ما هو قطري .. ووصل الأمر بدول الحصار إلى اللعب بورقة القبلية والتخطيط لغزو عسكري لقلب نظام الحكم في قطر.

أرادت السعودية أن يكون اجتماع الدورة الـ 39 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية “قمة الحد الأدنى” لمنع إعلان وفاة ‘مجلس التعاون’.. قبل أن ينهار بسبب جنون الهيمنة السعودية، وسعيها لتحويل الكيانات الخليجية بل والدولية (مثل أوبك التي انسحبت منها قطر) إلى مجرد أداة لتنفيذ مطامعها ومخططاتها التي لا تراعي مصالح الشعوب والدول الأعضاء، لدرجة إصدار قرارات عن مجلس التعاون دون إجماع أعضاء المجلس، أو تشكيل محور يضم الإمارات والبحرين في محاولات تشويه وإقصاء ومحاصرة قطر التي رفضت التنازل عن قرارها السياسي وسيادتها، والعمل كدولة تابعة للسعودية وسياستها الطائشة التي باتت لا تخفى على أحد.

إرادة السعودية اصطدمت بواقع مرير يعيشه مجلس التعاون المتداعي الذي عبرت عنه كلمة أمير الكويت بسبب حصار قطر وانتهاكات حرب اليمن ومغامرات محور السعودية والإمارات في العديد من الدول العربية للانقلاب على الديمقراطية وإرادة الشعوب.

كما أرادت السعودية أن يكون اجتماع الدورة الـ 39 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية محطة في مساعي المملكة لتبييض صورتها الرسمية، وغسل يد ولي العهد السعودي الملطخة بدماء الصحفي المغدور جمال خاشقجي، الذي تم استدراجه لقنصلية بلاده لتخديره وخنقه وقتله وتقطيعه وإذابة جسدة .. عبر جريمة فاقت وحشية جرائم “داعش”.

إن السعودية التي تعاني العزلة بسبب اغتيال خاشقجي وتداعيات جرائم الحرب التي تقودها في اليمن فشلت في أكتوبر الماضي في حشد المشاركة الدولية في مؤتمر “مستقبل الاستثمار” بالتوازي مع تهديد بعيد المدى عن إمكانية حظر بيع السلاح الأمريكي للرياض على واقع اغتيال خاشقجي .. فقد اعتذرت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي، مع قائمة طويلة عن حضور المؤتمر الهام بالنسبة لرؤية السعودية 2030.. وتمثلت الضربات الغربية والأمريكية للسعودية في إلغاء الكثير من وزراء المالية، وكبرى الشركات الاقتصادية، المشاركة في المؤتمر، تضامناً مع المغدور جمال خاشقجي.

وتكرر الأمر في منتدى “مسك“ بعد أن اعتذرت الشركات والمؤسسات التكنولوجية الكبرى، عن المشاركة في منتدى مسك العالمي للشباب في الرياض، كما فعلت مؤسسة بيل جيتس، حينما قررت تعليق أي مبادرات لها مستقبلا مع مسك ... ففشلت المملكة مرة أخرى في تلميع وجه ولي العهد السعودي، فكان أن حشدت السلطات السعودية 4 آلاف من شباب وشابات السعودية للتغطية على فشل المنتدى.

لذلك سعت السعودية من خلال صناعة صورة جماعية لقادة التعاون في ختام القمة البروتوكولية في الرياض إلى تصدير صورة كاذبة لوجود تضامن خليجي مع السعودية التي تعاني أكبر أزمة في تاريخها .. إلا أن واقع أزمة مجلس التعاون وورطة السعودية باستمرار حصار قطر تحت مزاعم كاذبة فيما ترفرف أعلام قطر بشوارع المملكة خلال قمة “تطبيع حصار قطر“ أهال التراب على أعمال القمة وقراراتها المكررة من قمم سابقة لا ترى النور يوماً.

ولكن حتى هذا الهدف فشلت السعودية في تحقيقه، بعد أن فوتت قطر على المملكة تلك الفرصة بخفض تمثيلها خلال القمة ليمثل قطر سعادة السيد سلطان بن سعد المريخي وزير الدول للشؤون الخارجية.

قطر الحريصة دوماً على تماسك ووحدة مجلس التعاون لم تتغيب أبداً عن أية قمة خليجية، وهي التي مدت يدها لدول الحصار في القمة الخليجية العام الماضي بالكويت، حينما غاب قادة دول التعاون عنها .. أما قمة الرياض التي أريد لها أن تكون بروتوكولية فلم تتحمس قطر لها كثيراً، نظراً لعدم التحضير لها عبر اجتماعات مسبقة لم تحدث لوزراء الخارجية، كما أن قادة دول الحصار لم تبعث بأية إشارة لأي تحول لحل الأزمة الخليجية، بل لم يقدم هؤلاء القادة أية إشارة للحرص على وحدة مجلس التعاون حتى في كلماتهم أمام القمة الفاشلة بالرياض.