النتائج 1 إلى 6 من 6
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    المشاركات
    10

    افتراضي من الأدب الصيني

    [align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]

    لا مانع أن نطلع على اللغات الأخرى وما فيها من الأدب ..
    وننظر إلى أي درجة وصلوا من البلاغة والإبداع ..

    ما ذا تعرف عن الأدب الصيني ؟ ..

    ربما يقول البعض : هل عند الصين أدب ؟.

    سأقول : بالطبع ، كأي لغة ، وعندهم شعـــــــر إن لم تكن تعلم .

    وبين يدي الآن مختارات من الشعر الصيني مترجمة إلى العربية :

    [align=center]

    * سور الأيائل :

    عندما يقترب النهار من نهايته
    تنكشف الجبال الباردة
    كرجل غريب .. أتجول وحيداً
    لا أدري ماذا يدور في غابة الصنوبر
    فقط أرى آثار أيائل وغزلان خجلى .



    * سور أشجار القرفة :

    عندما تغرب الشمس
    يخيم الظلام فوق كل شيء
    صخب الطيور يختلط مع خرير المياه
    الآتي من الجبال متلكئاً
    في طريقه للأعماق
    مت ينتهي ذلك الشعور بالوحدة .



    * الغدير عند أشجار الدردار :

    خشخشة مياه الغدير
    تملأ الشواطئ كلها
    أخوض بمحاذاة الحافة
    حتى المعبر الجنوبي
    البطات البرية تسبح مسرعة
    والنوارس تحوم من عل
    من حين لآخر
    يكاد أن يقترب البشر من بعضهم البعض .



    * الكوخ وسط أحراش البوص :

    أعبر أمام الكوخ الراقد وسط أحراش البوص
    أعرف الشمس ومدارها
    من حين لآخر
    تحوم طيور الجبال
    في هذا العالم
    لا يوجد إنسان وحيد وحدة كاملة .
    [/align]


    ****

    ما رأيكم في هذا الأدب ؟.


    [align=left]
    مراعاة للحقوق الفكرية :
    (( أخذت هذه المقاطع المترجمة من أحد الأعداد الأخيرة من مجلة العربي الكويتية )) . [/align]



    شكراً لقراءتكم ..
    تحياتي لكم
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    أخي الجديد أضيف لك حكمة كونفوشيوس الخالدة

    أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام !
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    المشاركات
    10

    Post

    أخي العقيلي ..

    شكراً على إضافتك ..

    كونفوشيوس .. أحد آلهة الصين العظيمة .. هل هذا صحيح ؟.

    قرأت له حكماً وتعاليم ، ودرسنا عن فكره فصلاً في أحد المقرارات بالجامعة ..

    حقاً .. إنه كونفوشيوس العظيم ..

    **

    شكراً مرة أخرى على مرورك وإضافتك ..

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    أخي الجدبد هذه بعض المعلومات التي إستطعت أن أجمعها عن شخصية كونفوشيوس كي تشبع فضول من يرغب التعرف على حكيم الصين.

    أولاً من موقع بينات

    التعريف: هي مذهب فلسفي اجتماعي سياسي ديني، يدين بها أهل الصين، وهي ترجع إلى الفيلسوف الحكيم كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد داعياً إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم مضيفاً إليها من فلسفته وآرائه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم. إنها تقوم على عبادة إله السماء أو الإِله الأعظم، وتقديس الملائكة، وعبادة أرواح الآباء والأجداد.

    نشأة المؤسس:

    يتحدر كونفوشيوس من أسرة أرستقراطية أحاطت بولادته أوهام وأفكار خيالية، تتناقلها القصص في التراث الصيني، منها أن الأشباح أبلغت أمه الشابة مولده غير الشرعي، وكيف كانت الأرواح الإناث تعطر لها الهواء وهي تلده في أحد الكهوف.

    عاش كونفوشيوس يتيماً، توفي والده وهو ابن ثلاث سنوات، وقد مالَ إلى دراسة الفلسفة مع اشتغاله بأعمال بسيطة، تلقى علومه الفلسفية على يدي أستاذه الفيلسوف "لوتس" صاحب النحلة الطاوية، حيث إنه يدعو إلى القناعة والتسامح المطلق، ولكن كونفوشيوس خالفه فيما بعد داعياً إلى مقابلة السيئة بمثلها وذلك إحقاقاً للعدل.

    كان الصينيون قبل كونفوشيوس يعطون للتدوين والكتابة هالة معينة، بحيث لا يكون التدوين إلا لبعض الأمور الطقسية والشعائرية أو لأرشيف الحكومات، ولم يكن التأليف الفردي معتمداً، ولكن كونفوشيوس كان أول من كسر هذا التقليد، وأسند إلى نفسه مهمة الكتابة لتوعية معاصريه بما ينشره من مبادىء وقيم أخلاقية واجتماعية تدور حول شؤون السلطة وإدارة المجتمع، لم يذهب كونفوشيوس باتجاه الحديث عن أمور ما وراء الطبيعية، ولا بحث في نظام الكون وسننه، ولا هو أولى جلّ اهتمامه للبحث في المادة والماديات وظواهر الطبيعية ومظاهرها، وإنما تركز اهتمامه على الإنسان.



    وسرّ نجاح مشروع كونفوشيوس الفكري في أنه عكف على مجتمعه باحثاً في أزماته وقضاياه التي تمسّ حياة المواطن من الجوانب كافة، وعاد إلى تراث بلاده، ومن ذلك خرج بأفكاره الإصلاحية التي تنطلق من الإنسان والمجتمع من أجل الإنسان، فكان لأفكاره القبول العام بسبب ذلك.

    الكونفوشية بعد غياب مؤسسها:

    ولم تبق الكونفوشية على حالها بعد كونفوشيوس فانقسمت بعده إلى اتجاهين:

    ـ مذهب متشدد حرفي ويمثله "منسيوس" إذ يدعو إلى الاحتفاظ بحرفية آراء كونفوشيوس وتطبيقها بكل دقة، ومنسيوس هذا تلميذ روحي لكونفوشيوس إذ إنه لم يتلق علومه مباشرة عنه، بل أخذها عن حفيده وهو الذي قام بتأليف كتاب الانسجام المركزي. ـ المذهب التحليلي، وأهم رموزه هزنتسي ويانجتسي، إذ يقوم مذهبهما على أساس تحليل وتفسير آراء المعلم واستنباط الأفكار باستلهام روح النص الكونفوشي.

    مرتكزات الدعوة:

    إن كونفوشيوس الذي عاش في مجتمع يسوده الإقطاع والفوضى وتمزقه الحروب وعدم انتظام الحياة العامة بشكل سليم، كان يدعو إلى احترام الإنسان، ومن أجل ذلك دعا لاقتران السياسة بالأخلاق، وأساس فلسفته إقامة نظام سياسي اجتماعي على أساس من المنطق السليم والمبادىء العقلية السليمة، وهذا النظام السياسي يتخذ أساسه من الأخلاق.

    ركّز كونفوشيوس على دور التربية والتعليم لتنشئة الأجيال وإعدادها، والتربية عنده يجب أن تغرس الشعور بالمسؤولية، وروح العمل الجماعي، أما التعليم فيجب أن يكون شاملاً، ومن المتعلمين يجب أن يتم اختيار أصحاب المناصب الإدارية الحساسة، فالتعليم هو المعيار عنده لا الانتماء الاجتماعي.

    والكونفوشية لم تبحث عن قيم ومثل في غير عالمنا المعاش، ولم تطلب ما لا يمكن للطبيعة البشرية أن تحققه، ولكنها ترسم أنماطاً من السلوك المبني على الطبيعة الإنسانية وإمكانيات هذه الطبيعة، والنظام الأخلاقي والسلوكي عند الكونفوشيين يقوم على الوسطية والاعتدال بلا إفراط أو تفريط، والعلاقات هذه تقوم على ركائز خمس: هي علاقة الأمير بالرعية، وعلاقة الابن بأبيه، والأخ الأكبر بأخيه الأصغر، وعلاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الصديق بصديقه.

    لقد توصل كونفوشيوس إلى قناعة مفادها أن مشكلات الشعب تنبع من السلطة الحاكمة التي تمارس من غير مبدأ أخلاقي، ويهمها مصلحة الحاكم ورفاهيته، والصحيح عنده أن تدار الحكومة بشكل يحقق مصالح الناس جميعاً، وهذا لا يكون إلاّ إذا كان أعضاء الحكومة من المتميزين بأكبر قدر من الاستقامة الشخصية، ولذلك رأى أن أخلاق الحاكم تظهر في:

    احترام الأفراد الجديرين باحترامه، التودّد إلى من تربطهم به صلة قربى وقيامه بالتزاماته حيالهم، معاملة وزرائه وموظفيه بالحسنى، اهتمامه بالصالح العام، مع تشجيعه للفنون النافعة والنهوض بها، العطف على رعايا الدول الأخرى المقيمين في دولته، وتحقيق الرفاهية لأمراء الأمبراطورية ولعامة أفرادها.

    رغم الطابع الإنساني للكونفوشية فإن الموقف من المرأة لم يكن إيجابياً وينسب لكونفوشيوس قوله: "إحذر لسان المرأة، إنك ستلدغ منه إن عاجلاً أو آجلاً واحذر زيارة المرأة إنها ستصيبك إن عاجلاً وإن آجلاً".




    أما بالنسبة للعلاقات الوالدية، فقد قالت الكونفوشية بولاء الأبناء "هسياو" وهو فضيلة توقير العائلة واحترامها. فأولاً وقبل كل شيء يتم توقير الأبوين لأن الحياة نفسها متولدة عنهما، وفي غمار إظهار التوقير للوالدين من المهم حماية الجسم من أن يلحق به أذى حيث إن الجسم من الأبوين ومن هنا، فإن حماية الجسم هي تكريم للأبوين.

    مصادر الفكر الكونفوشي:

    أما عن الفكر الكنفوشي فقد جاء ممثلاً في مجموعتين أساسيتين من الكتب بما التعليقات والشروح والتلخيصات، المجموعة الأولى تسمى الكتب الخمسة، والثانية تسمى الكتب الأربعة.

    الكتب الخمسة: وهي الكتب التي قام كونفوشيوس ذاته بنقلها عن كتب الأقدمين وهي:

    1-كتاب الأغاني أو الشعر: فيه 350 أغنية إلى جانب ستة تواشيح دينية تغني بمصاحبة الموسيقى.

    2-كتاب التاريخ: فيه وثائق تاريخية تعود إلى التاريخ الصيني السحيق.

    3-كتاب التغييرات: فيه فلسفة تطور الحوادث الإِنسانية، وقد حوّله كونفوشيوس إلى كتاب علمي لدراسة السلوك الإِنساني.

    4-كتاب الربيع والخريف: كتاب تاريخ يؤرخ للفترة الواقعة بين 722 - 481 ق.م.

    5-كتاب الطقوس: فيه وصف للطقوس الدينية الصينية القديمة مع معالجة النظام الأساسي لأسرة "تشو" تلك الأسرة التي لعبت دوراً هاماً في التاريخ الصيني البعيد.

    - الكتب الأربعة: وهي الكتب التي ألّفها كونفوشيوس وأتباعه مدوِّنين فيها أقوال أستاذهم مع بعض التفسيرات أو التعليقات وهي تمثل فلسفة كونفوشيوس نفسه وهي:

    1-كتاب الأخلاق والسياسة.

    2-كتاب الانسجام المركزي.

    3-كتاب المنتخبات ويطلق عليه اسم إنجيل كونفوشيوس.

    4-كتاب منسيوس: وهو يتألف من سبعة كتب، ومن المحتمل أن يكون مؤلفها منسيوس نفسه.

    المعتقدات:

    إن كونفوشيوس الذي وجّه اهتمامه إلى الإصلاح الاجتماعي السياسي، والذي كان يهدف إلى صياغة مجتمع صيني مستقر، لم يخرج عن المألوف الصيني في المعبود، ولم يذهب إلى مظهر طبيعي يعبده كالشنتوية في اليابان الذين قدسوا آلهة الشمس، أو كالهندوسية في الهند التي انطلقت من الثالوث: براهما ـ فيشنو ـ شيفا إلى الإيمان بآلهة متخصصة لكل شأن.

    لقد آمن كونفوشيوس "بأنه ليس في الوجود سوى إله واحد قوي الإرادة هو السماء، وكان أول من صرّح بوجود العناية الوحدانية بالصين عندما كانت الصين غارقة في ظلمات الوثنية والوحشية، ولم يكن هو نفسه موضع عبادة أو تأليه، ولم يرضَ بذلك، لأنه كان يعتبر الآلهة رموزاً لقوى الطبيعة وأرواح السلف ليس أكثر".



    هكذا قامت العقيدة عند الكونفوشية على أساس عبادة السماء مع تلمّس الوحدانية، وعلى افتراض آلهة تعرب عنها قوى وظواهر الطبيعة، ومن ثم تقديس الأسلاف على الطريقة الشنتوية اليابانية، والعنصران الآخران في العقيدة مشتركان بين الكونفوشية والشنتوية.

    يمكن تحديد العقيدة الكونفوشية على الوجه التالي: "إن الديانة التي اعتنقها كونفوشيوس والتي كانت سائدة في أيامه، على الرغم من الاضطراب الفكري والديني والفلسفي الديني الذي كان سائداً آنذاك، كانت قائمة أولاً على عبادة السماء باعتبارها الإله الأعظم وحاكم الحكام أو رب الأرباب، ثم عبادة الأرض، لأن للأرض هي الأخرى إلهاً، ثم عبادة الأرواح الأجداد ثم عبادة الجبال والأنهار".

    وعند الكونفوشية تفسير يحاولون من خلاله تبرير اعتقادهم بقوى الطبيعة وكائناتها، هذا التفسير يبدأ من الماء والنار وما يتعلق بهما وينتهي مع الإنسان، وهو عندهم أرقى الكائنات.يبني الكونفوشيون تفكيرهم على فكرة "العناصر الخمسة":

    فتركيب الأشياء: معدن - خشب - ماء - نار - تراب.

    الأضاحي والقرابين خمسة.

    الموسيقى لها خمسة مفاتيح، والألوان الأساسية خمسة.

    الجهات خمس: شرق وغرب وشمال وجنوب ووسط.

    درجات القرابة خمس: أبوّة - أمومة - زوجية - بنوّة - أخوّة.

    تلعب الموسيقى دوراً هاماً في حياة الناس الاجتماعية، وتسهم في تنظيم سلوك الأفراد وتعمل على تعويدهم الطاعة والنظام، وتؤدي إلى الانسجام والألفة والإِيثار، والرجل الفاضل عندهم هو الذي يقف موقفاً وسطاً بين ذاته المركزية وبين انفعالاته ليصل إلى درجة الاستقرار الكامل.


    إن هذه العناصر الخمسة تشكل محور المعتقد الكونفوشي، لذلك كانت عندهم ضمن عباداتهم المرتبطة بالعقيدة خمسة قرابين: "وهذه العبادات الخمس كانت لها طقوس خاصة تختلف من عبادة لأخرى، كما كانت القرابين التي تقدم في حالة عبادة السماء غير تلك التي تقدم في حالة عبادة الأرض مثلاً. وعبادة هذه الأشياء الخمسة إنما كانت لأغراض نفعية خاصة بالإنسانية؛ فعبادة السماء أو ربِّ الأرباب تؤدي إلى أن يقوم كل رب من الأرباب الأخرى المنتشرة في السماء والأرض والبحر بمهمته المكلف بها، وعبادة الأرض من شأنها أن تحفز إله الأرض إلى إنماء النبات وإخراجه إلى حيز الوجود، وعبادة أرواح الموتى الأجداد في المعبد الخاص بذلك من شأنها أن تؤكد الصلة بين الأجداد والأحفاد والآباء والأبناء وتولد الشفقة والعطف بين أفراد الأسرة الواحدة. أما عبادة الجبال والأنهار فهي لتقديس الأرواح الإنسانية الأخرى غير أرواح الأقارب والأجداد، أما تقديم القرابين الخمسة فالغرض منه تخليد أصل الحرف الإنسانية".

    ولذلك تتلخص عقيدة الكونفوشيوس فيما يلي:

    ـ الإِله الأعظم أو إله السماء ويتوجهون إليه بالعبادة، كما أن عبادته وتقديم القرابين إليه مخصوصة بالملك، أو بأمراء المقاطعات.

    ـ إله الأرض، ويعبده عامة الصينيين.

    ـ للشمس والقمر، والكواكب، والسحاب، والجبال ... لكل منها إله. وعبادتها وتقديم القرابين إليها مخصوصة بالأمراء.

    ـ الملائكــة: يقدسون الملائكة ويقدمون إليها القرابين.

    ـ أرواح الأسلاف: يقدس الصينيون أرواح أجدادهم الأقدمين، ويعتقدون ببقاء الأرواح، والقرابين عبارة عن موائد يدخلون بها السرور على تلك الأرواح بأنواع الموسيقى، ويوجد في كل بيت معبد لأرواح الأموات ولآلهة المنزل.

    ـ الإيمان بثنائية الـYang والـYin والعناصر الخمسة وخصائصها وصولاً إلى القرابين الخمسة التي قدمونها ولكل واحدة وجهتها.


    العبادات والهياكل:

    كان الصينيون قبل كونفوشيوس يعبدون السماء ويقدسونها، وكانوا يقدسون الأسلاف ويعبدونهم، وعندما جاء كونفوشيوس وأرسى أسس هذه العبادة استقبل الصينيون عموماً دعوته، وكان لها انتشار سريع في أرجاء البلاد كافة؛ لأنها وافقت مزاجهم، والتزمت منتجات تراثهم الديني.

    وقد عرف واقع الصين انتصار وسيادة "الكونفوشية، وعبادة الأسلاف على كثير من الديانات المنافسة لهما، وقاومتا هجمات كثيرة من أعدائهما، وخرجتا ظافرتين من صراع دام عشرين قرناً، لأن الصينيين يشعرون بأنه لا غنى عنهما للاحتفاظ بالتقاليد القومية السامية التي أقامت الصين عليها حياتها. وكما كانت هاتان الديانتان هما الضمانتين الدينيتين لهذه الحياة، فكذلك كانت الأسرة هي الوسيلة الكبرى لدوام هذا التراث الأخلاقي. فقد ظلّ الأبناء يتوارثون عن الآباء قانون البلاد الأخلاقي جيلاً بعد جيل حتى أصبح هذا القانون هو الحكومة الخفية للمجتمع الصيني".



    إن هذا النسيج العقدي الموحد للصينيين هو الذي أسهم في صياغة وحدة دينية وقومية جعلت مجتمعهم متماسكاً في الظروف وأمام التحديات كافة. وكانت رأس العبادات عندهم تتمثل بالاحتفالات السنوية الضخمة التي تقام بأمر من الأمبراطور وبمشاركته، وتقدم فيها القرابين للسماء بوصفها تشير عندهم إلى إرادة الإله. يقول ول ديورانت وهو يصف هذا الاحتفال السنوي: "كان من الأصول المقررة في الديانة الكونفوشية، الاعتراف بالشانج ـ تي، أي القوة العليا المسيطرة على العالم، وكان الأمبراطور في كل عام يقرِّب القربان باحتفال عظيم على مذبح السماء لهذا المعبود المحرر. وقد خلا هذا الدين الرسمي من كل إشارة للخلود، فلم تكن السماء مكاناً بل كانت إرادة الإله أو نظام العالم".

    لقد آمن الكونفوشيون كمن قبلهم من الصينيين بإرادة عامة تخلق وتسيِّر المخلوقات أطلقوا عليها اسم السماء، بعد عبادة السماء هذه تحل في مرتبة تالية عبادة الأسلاف، وعبادة الأسلاف هذه جعلت ثمة خصوصية عائلية في طقوس العبادات، وإقامة المعابد، حيث أقامت كل عائلة هياكلها ومعابدها الخاصة، وكثيراً ما كانوا يجعلون هذا المعبد أو الهيكل، وهو عندهم "البجودة"، لتخليد ذكرى مؤسس العائلة أو من كان في تاريخها الأكثر بروزاً. "إن عبادة الأسلاف هذه أضحت القسم المكوِّن الرئيسي للمعتقدات والطقوس الصينية، رغم أنها ليست ديناً رسمياً في الصين، فكان لكل عائلة معبدها العائلي الخاص أو مصلاّها، حيث تقام فيه طقوس العبادة العائلية في وقت محدد، ولكل سلالة ـ شي ـ معبدها العشائري للأسلاف (مياو ـ أوتزون ـ مياو) وكثيراً ما يدعى الآن نصيتان، مكرس الأوائل من أنشأ السلالة المعنية.

    إن لكل مجموعة عشائرية أكثر كبراً ـ سين (عائلة) ـ كان لها معبد بدورها مكرس لأول رئيس عام للعائلة. أما القرابين والصلوات في هذه المعابد فكان يقيمها إما رأس العائلة أو الأكبر سناً في العشيرة".

    إن عبادة الأسلاف لها مواسمها ومناسباتها وطقوسها، وحسب ما هو سائد في الكونفوشية، فإنه "يحدث التوجه بصلوات مشابهة إلى الأسلاف عند حدوث وقائع عائلية أخرى، وخلال الأعياد وفي أيام محددة من السنة، ففي أواسط كل شهر من أربعة شهور من السنة مثلاً (أرباع السنة) ينبغي تقديم قربان عائلي. وقبل فترة وجيزة على حلول الموعد يتقدم رب العائلة من معبد الأسلاف، ويجثو على ركبتيه أمام اللوحات المخرجة من الخزائن وهو يتلو: أنا العابد الحفيد فلان الفلاني، اليوم وبمناسبة حلول أواسط الفصل كذا، أود تقديم قربان لكم، أيها المرحومون إلى القريب والجدِّ، وجدِّ الجدِّ، وجدِّ جدِّ الجدِّ، وإلى القريبة، الجدَّة، وجدَّة الجدَّة، وجدَّة جدَّة الجدَّة، وأملك الجرأة لنقل لوحكم الخشبي إلى قاعة المنـزل لأدعو أرواحكم لتنعم هناك بقبول القرابين التي ستقدم مع فائق التبجيل".


    هكذا ترتبط طقوس الكونفوشيين إذن بالأسلاف، وكذلك هياكلهم "البجودات" والكلمة مشتقة من كلمة هندية هب بت ـ كده؛ أي بيت الأصنام. وتنتشر الهياكل في الصين بشكل واسع، وفي استعراض واقع هذه الهياكل وانتشارها نسجل ما يلي: إن "أقدم البجودات التي لا تزال قائمة حتى الآن البجودة القائمة في سونج إيورسو، والتي شيِّدت عام 523م على جبل سونج شان المقدس في هونان، ومن أجملها البجودة الصيفية، وأروعها منظراً بجودة اليشب في بيجنج، وبجودة المزادة في (وو ـ واي ـ شان)، وأوسعها شهرة برج الخزف في ناتكنج وقد شيِّد في عام (1412م ـ 1431م) ويمتاز بطبقة من الخزف فوق جدرانه المقامة من الآجر، وقد دمر هذا البرج في ثورة تاينيج التي استعرت في عام 1854م.

    وأجمل الهياكل الصينية هي التي مخصصة للديانة الرسمية في بينجنج (بيكنج). ومن هذه الهياكل كونفوشيوس... ولكن الهيكل نفسه يخلد الفلسفة أكثر مما يخلد الفن، وقد شيِّد في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم أدخلت عليه عدة تعديلات وأُعيد بناء بعض أجزائه عدة مرات".

    ولكن هذه الهياكل "البجودات" المنتشرة في الصين، ومعظمها يرتبط بعبادة الأسلاف أو على الأقل أبرزهم، لم تخل من مظاهر القداسة لكونفوشيوس حيث كان ولا تزال تقدم القرابين أو تقام الطقوس مرة بعد مرة تخليداً لذكراه، هكذا إذن تكاثرت الهياكل فمنها ما يكون للأسلاف ومنها ما يكون لكونفوشيوس.

    وهناك وجه آخر للعبادة والتقديس عندهم يرتبط بعبادة السماء بوصفها الإرادة العامة للخلق وتسيير الكون، وبعبادة الأسلاف، ونشدان الاستقرار في المجتمع حسبما وجه كونفوشيوس إنه تقديس الأباطرة واعتبارهم من سلالات الآلهة على الطريقة اليابانية تماماً.

    عند هذه النقطة أقام كونفوشيوس ربطاً وثيقاً بين السماء والشعب والحاكم. فرغبة الشعب ترتبط برغبة الإله الذي هو السماء، وفي الوجه السياسي تقوم الكونفوشية على أساس الحكم والسلطة الموجودين في قبضة الأباطرة الذين هم ليسوا أكثر من تفويض وتوكيل إلهي الطابع، فالأباطرة يحكمون بإرادة السماء لكن هذه السلطة المفوضة من السماء للحاكم إنما مسخرة بالكامل لمصلحة الشعب والمجتمع، فالأمبراطور عندهم من نسل الآلهة، ووكيل السماء في منصبه السلطوي، لكن ما يمارسه ينبثق من إرادة سماوية تلتقي مع إرادة الشعب في تحقيق مصلحة المجتمع واستقراره.



    وكونفوشيوس، كمن سبقه من فلاسفة الصين، قال بانتظام الأمور الكونية وشؤون المجتمع وفق قوانين لها صفة الثبات، والتغيير ليس مطلباً قريب المنال، ويؤثر عن كونفوشيوس أنه قال مرة، وهو على ضفة نهر، العبارة التالية: "كل شيء يجري كما تجري هذه المياه، لا شيء يتوقف، لا النهار ولا الليل، من لا يعرف إرادة السماء لا يصبح حكيماً".

    وعلى ضوء ذلك فإن الفلسفة الكونفوشية كما يقول ول ديورانت: هي " أهم ما يواجه المؤرخ لبلاد الصين، ذلك أن كتابات معلمها الأكبر ظلّ جيلاً بعد جيل النصوص المقررة في مدارس الدولة الصينية، يكاد كل صبي يتخرج في تلك المدارس أن يحفظها عن ظهر قلب، وتغلغلت النزعة المتحفظة القوية التي يمتاز بها الحكيم القديم في قلوب الصينيين، وسرت في دمائهم، وأكسبت أفراد الأمة الصينية كرامة وعمقاً في التفكير لا نظير لهما في غير تاريخهم أو في غير بلادهم، واستطاعت الصين بفضل هذه الفلسفة أن تحيا حياة اجتماعية متناسقة متآلفة، وأن تبعث في نفوس أبنائها إعجاباً شديداً بالعلم والحكمة، وان تنشر في بلادها ثقافة مستقرة هادئة أكسبت الحضارة الصينية قوة أمكنتها من أن تنهض من كبوتها، وتسترد قواها بعد الغزوات المتكررة التي اجتاحت بلادها".

    هذه الكونفوشية تغلبت على النزعة الشيوعية والنزعة الاشتراكية اللتان طرأتا عليها في القرنين السابقين للميلاد وانتصرت عليهما. كما أنها استطاعت أن تصهر البوذية بالقالب الكونفوشي الصيني وتنتج بوذية صينية خاصة متميزة عن البوذية الهندية الأصلية، ولذلك فهي لا تزال كامنة في روح الشعب الصيني على الرغم من السيطرة السياسية للشيوعيين. والديني لكنها ما تزال الأمر الذي قد يؤدي إلى تغيير ملامح الشيوعية الماركسية في الصين.




    -------------------------------------


    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    حكمه

    إشتهر كونفوشيوس بحكمته
    ومن حكمه

    على الحكومة أن توفر ثلاثة أمور للناس (العتاد الحربي، والغذاء، والنظام) وسئل ذات مرة: لو طلب منك التخلي عن واحدة من هذه الثلاثة فبأيهما تبدأ؟ فقال: العتاد الحربي.. فقيل له: فإن خيرت بين الغذاء والنظام فعن أيهما تتخلى؟ قال: أتخلى عن الغذاء.. ثم علق قائلاً: العتاد مع الفوضى هلاك ودمار.. ومع الفوضى يفتقد الغذاء ويتوقف النماء.

    إذا قام البيت على أساس سليم أمن العالم وسلم.

    إن المجد العظيم ليس تجنب السقوط في كل الأحوال ولكنه النهوض بعد كل سقطة.

    وقد وقع كونفوشيوس في محنة حيث اهدر دمه بين اميرين متنافسين كلاهما يتهدده بالاساءة، ومضى الفيلسوف يعاني وبلغ به الامر من السوء ان مكث سبعة ايام بغير طعام غير حساء الاعشاب التي تجمع من الخلاء ومع ذلك لم يحزن وحين عاتبه تلامذته ناداهم وقال لهم: (ما هذا الذي تقولون !! ان المصاعب هي التي تعلمنا الهداية الى الطريق وانما في صبارة الشتاء تعرف حق المعرفة نضرة الربيع وان هذه المحنة لهي حظي السعيد).

    إن الرجل العاقل ..يحكم على الناس بأفعالهم لا بأقوالهم

    المرأة أبهج شيء في الحياة

    لم يحدث قط أن وُجد حاكم يُحب الخير وتعجز رعيته عن حب الاستقامة، ولا حدث قط أن أحب شعب الاستقامة إلا ودُبَّرت أمور الدولة بنجاح

    الأب يخفي أخطاء إبنه والإبن يخفي أخطاء أبيه

    من قلة الموءة أن تعرف الحق ولا تعمل به

    ليس الرجل من يسأل عرفني الناس ؟ ، بل الرجل من يسأل هل نفعت الناس ؟

    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    هذا رأي نقدي للكونفوشيوسية يذكرها أستاذ صيني مختص باللغة العربية إسمه الدكتور شريف شي سي تونغ في مقابلة مع مجلة أفق

    ذكرت في إحدى دراساتك المنشورة أنّ الثقافة الصينيّة ثقافة إقطاعيّة لا رأسمالية ، ثقافة زراعيّة لا صناعيّة ، ثقافة بريّة لا بحريّة ، ثقافة الشرح والوصف لا ثقافة التجديد والإبداع ، ثقافة المدح والثناء لا ثقافة النقد والانتقاد ، ثقافة استهلاكية لا إنتاجيّة . في رأيك إلى أيّ مدى تسهم هذه الثقافة في تخلّف الصين أو تقدّمها ؟

    أريد أن أقول إنّ كونفوشيوس (551 ق.م-479 ق.م ) كان زعيم حكماء الصين القدامى ، وكان حكيماً وفيلسوفاً سياسياً وأخلاقيّاً ، وقد كان نفوذ مدرسته سائداً في الصين منذ أكثر من 2500 سنة ، فمذهب كونفوشيوس يقوم على تقديس أرواح الطبيعة ، والأجداد ، والاهتمام باتّباع الطقوس والقيم القديمة واحترام السلف ، وكان كونفوشيوس يرى أنّ السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلام يكمن في استعادة النظام الاجتماعي والسياسي القديم ، وقد أدّى تأكيد كونفوشيوس الشامل على الاستقرار والسلام إلى تأكيد البنية الاجتماعية في ترتيب طبقي متسلسل ، وبالتالي إلى اعتبار هذا الترتيب على أنّه مثال للكمال في البنية الاجتماعيّة ، وهذا مما أعاق التقدّم والنمو في المجتمع الصيني ، وقد نادى كونفوشيوس بوجوب أن يطيع الأبناء آباءهم ، والزوجات أزواجهنّ ، والرعيّة ملوكها ، طاعة مطلقة . وأصبحت الطاعة بعد ذلك شريعة للمجتمع الإقطاعي الظالم القاسي . ثمّ ما لبث العلماء الصينيون أن أكّدوا مبدأ الطاعة هذا ، وأيّده الأباطرة وفرضوه على أفراد الشعب . وقد أصبحت أفكار كونفوشيوس في ما بعد أصفاداً روحيّة لإعاقة الناس من التفكير السليم ، هذا ومع العلم أنّ كونفوشيوس لم يكن يهدف إلى ذلك ، وهذا ليس ذنبه ، بل ذنب أتباعه الذين قدّسوه وألّهوه في ما بعد . وقد كان كونفوشيوس أيضاً يدعو إلى ضبط النفس وإحياء الطقوس القديمة ، وكان يدعو إلى محبّة الجنس الإنساني ، ويرى أن البرّ والمحبّة يتجسّدان في ضبط النفس وإحياء الطقوس ، وقد قال في تعاليمه : " إنّ السيد الصالح يسعى إلى إقامة العدل بينما يسعى الوضيع إلى المكاسب ، وإنّ حكمة الطبقة العليا وبلادة الطبقة الدنيا ثابتتان ولا تتبدلان " ، ويقول : " على عامة الشعب أن يقوموا بالأعمال وليس عليهم أن يعرفوا كنهها " . إنّ هذه المقولة الأخيرة تدعو بشكل واضح إلى استعباد الحكّام لعامة الشعب ، وإلى أن يظلّوا جهلاء . ويقول أيضاً : " إنّ سنة الكون تقضي بأن يكون الذين يعملون بعقولهم هم الحكّام ، والذين يعملون بأيديهم هم المحكومون " .

    إنّ مثل هذه الأقوال سبب رئيس من أسباب تخلّف الصين في التربية والتعليم ، وتؤدي إلى جهل عامة الشعب ، وإلى تقسيم المجتمع إلى سادة ووضيعين ، وإلى أغنياء وفقراء ، وهي لا تسهم أبداً في تطوّر المجتمع الصيني . إننا بحاجة في الصين إلى تطوّر مادي واقتصادي ، ومجتمع عصري يضع في أوليّاته الازدهار والتطوّر الاقتصادي والصناعي . وفي الوقت نفسه لا يمكننا أبداً أن ننكر فضائل كونفوشيوس ، فالرجل مربّ عظيم فاضل ، وهو أول من أنشأ مدرسة أهليّة خاصّة كبيرة تقبل الطلاب من عامة الشعب ، مع العلم أنّه لم يكن قبل كونفوشيوس إلاّ المدارس الرسميّة لأبناء الحكّام والأغنياء . وكان تلاميذ كونفوشيوس أكثر من ثلاثة آلاف تلميذ ، وله أقوال مأثورة تلعب دوراً في المجتمع الصيني حتى اليوم ، ويردّدها النّاس ، يقول : " ألا يرضيك أن تتعلّم مع الممارسة الدائمة ، وألا يسرّك أن يجيئك الأصدقاء من الأقطار النائية "، و : " كلّما سرت مع رجلين وجدت لنفسي أستاذين " . و: " من له فضائل فهو قدوتي ومن له رذائل فهو عبرتي " ، و:" من تعلّم من غير تفكير فهو في حيرة ، ومن فكّر من غير تعلّم فهو في خطر" و: " اعتبر ما علمت معلوماً واعتبر ما جهلت مجهولاً ، فهذا هو طريق العلم ".

    إنّ هذه الأقوال مواعظ مهمّة وعلى قدر كبير من الفلسفة العميقة ، إلاّ أنّ لها جانبين : جانب إيجابي وجانب سلبي . وعلينا في المجتمع الصيني الحديث أن نركّز جهودنا في إظهار الجوانب المضيئة في أفكار كونفوشيوس لكي تساير منطق التطوّر الحضاري والمعرفي ، وعلينا أن ننبذ جوانبها السلبيّة التي تقسم المجتمع إلى طبقتين . وعلى سبيل المثال هو يحتقر الفلاحين ويستخفّ بالأعمال الجسميّة العضليّة ، وبالتالي يستخفّ بالعمال والفلاحين ، في حين أنّ العمال والفلاحين هم ركيزة المجتمع الأساسية في النهوض العمراني والاقتصادي .

    إنّ الثقافة التقليدية الصينيّة ترجع القيمة الفرديّة للشخص إلى قيمته الاجتماعيّة وتؤكّد على واجباته والتزاماته في المجتمع ، وتؤكّد أن ينصاع الشخص للمجتمع ، وأنّه يجب أن يتبع الجماعة ويطيعها ، وفي الوقت نفسه تهمل هذه الثقافة حقوقه الشخصيّة وقيمته الفرديّة ، وكذلك تُرْجِع قيمة الفرد إلى قيمته الأخلاقيّة فتصبغ الشخص بالأخلاقيات والمبادئ المطلقة حتّى أنها تهمل الانتماء الطبيعي للشخص ، أي تتجاهل الجانب الحيواني في الإنسان ، وتهمل متطلباته واحتياجاته الماديّة فتكبَل في الإنسان السعي وراء السعادة ، وتقتل روح الإبداع والتطلع إلى الحياة الأفضل عنده . ويقول كونفوشيوس: " على الرغم من الفقر والألم يمكن المحافظة على الأماني والسعادة الداخليّة ، وهذا هو أعلى قيمة للحياة " . وهذا يجعل الإنسان أن يستكين دائماً لوضعه الراهن ويرتاح إليه ، وبالتالي لا يسعى إلى تحقيق التقدّم والتجديد والإبداع ، ولا يحاول أن يفعل شيئاً مهمّاً لتغيير أو تحسين وضعه . وهنا لابدّ من أن أذكر أنّ أسلوب التفكير الحدسي هو أهمّ أسلوب تفكير نموذجي في الثقافة التقليديّة الصينيّة ، وبمقارنة هذا الأسلوب مع التفكير الوصفي والتفكير التحليلي والمنطقي نجد أنّ أسلوب التفكير الحدسي يتسم بعدم المنطقيّة والمباشرة والعموميّة والتسرع ، فعدم المنطقيّة يؤدّي إلى التنبؤ والتخمين في معرفة الأشياء ، والمباشرة تحدّد معرفة الأشياء بشكل منقطع وغير متواصل ، والعموميّة تجعل المعرفة مشوبة بالغموض . وهذه الخاصيّة في أسلوب التفكير جعلت الصين تتقدّم بدرجة عالية في الفنون والآداب وتفتقر إلى العلم والمنطق والتحليل للنظريات العلميّة ، وهذا هو سبب من أهمّ أسباب تأخّر الصين منذ فجر العصر الحديث وحتى الآن .

    واسمحوا لي أن أبيّن ، بهذه المناسبة ، الفروق بين المواد الدراسيّة التي كانت تُدّرس في الصين القديمة ، وتلك التي تُدرّس في اليونان والبلدان الأوربيّة في العصور الوسطى ، فقد كانت تُدرّس في الصين ست مواد دراسيّة وهي : الشعائر ، أي القوانين ومبادئ الأخلاق – الموسيقى – الرماية – الفروسيّة – التاريخ – الحساب ، أما المواد الدراسية في اليونان وأوربا الغربية فهي سبع مواد وهي : النحو والبلاغة والمنطق والحساب والهندسة والفلك والموسيقى ، ومن هنا يتّضح لنا أنّ الصين كانت تبتعد عن تدريس المواد العلميّة التي تسهم في رقي المجتمع وتطوّره ، وأعتقد أنّ إهمال تدريس المواد العلمية سبب مهم من أسباب تخلّف الصين .

    في رأيك ، كيف يمكن للصين أن تخرج عن سلطة الثقافة التقليدية الصينية لتواكب التطور الحضاري الكبير بأسلوبه العصري والمعقلن والمنفتح على العالم المتحضّر تكنولوجياً ومعرفياً ؟

    إنّ الصين قد تقدمت تقدماً ملحوظاً ، وأحرزت منجزات لا بأس بها فحدث التطوّر الاقتصادي والتجاري ، وما تبعه من قوانين ونظم ومفاهيم جديدة غيّرت وجه الصين ، ولكن الصين لا تزال في عداد البلاد الزراعيّة ، فما زال هناك سبعون بالمائة من سكانها يعتمدون في حياتهم على الزراعة . وإذا كان في الصين بعض الصناعات الحديثة ، فإن هناك في المقابل كثيراً من الصناعات المتخلّفة عن مستوى صناعات الدول المتقدّمة ، وإذا أردنا أن نقارن ما تملكه الصين من العلوم والتكنولوجيا بما تملكه الدول الصناعيّة الراقيّة ، فإننا نجد أن نسبته ضئيلة جدّاً ، وفوق ذلك مازالت الصين تعاني من الأميّة وشبه الأميّة ، ومن الأفكار الإقطاعيّة والرأسمالية الفاسدة ، وكذلك لا تزال هناك تصادمات كثيرة بين مفاهيم الحضارة الحديثة وبين الثقافة التقليديّة الصينيّة ، كالتصادم بين إجلال القادة وبين روح الديمقراطية ، وبين التقديس والمحافظة على القديم وبين روح التجديد ، وبين الاهتمام بالمثل العليا وإهمال الفعّالية ، وبين الاهتمام بالتوفيق وإهمال المنافسة ، وبين الاهتمام بالموروث القديم وبين إهمال الإبداع الجديد ، وهذه التصادمات ستؤثّر على سرعة التقدّم والتطوّر في الصين وتعرقل مسيرتهما .

    وأرى أنّ العصرنة هي تسمية عامة لمجرى تحوّل البشرية منذ ثورة العلوم الطبيعيّة ، وهي كذلك مجرى تاريخي ، يتحوّل المجتمع من خلاله من تقليديّته الزراعية المقفلة إلى صناعة مدنيّة مفتوحة ومتطوّرة . إنّ مسيرة الاتجاه نحو العصرنة لا تهدف فقط إلى النمو الاقتصادي والتطوّر السياسي ، بل تهدف إلى تجديد شامل لأيديولوجية ثقافة المجتمع ، وبشكل عميق وواسع وإلى أبعد حدّ . ومن هنا علينا أن نشكّل ثقافة جديدة تقوم على أساس التبادل والتداخل والدمج والاندماج بين الثقافة التقليديّة الصينية ، والثقافات القادمة من الخارج ، ويجب علينا التعامل بصدر مفتوح مع ما نختلف معه ، ويجب استخدام التحليل العلمي ، واختيار ما هو مهمّ من الثقافات العالمية الأخرى ، وفي الوقت نفسه يجب نبذ جميع السلبيات من الثقافات القديمة والحديثة ، الصينيّة والأجنبيّة . وفي ضوء الأحوال الواقعيّة للصين يمكن تطوير الإيديولوجيّة الذاتيّة للأمّة الصينيّة وخلق حضارة صينيّة جديدة تتسم بالصبغة القوميّة للأمّة الصينية ، وتتجلّى فيها روح العصر الحديث ، وكذلك علينا أن نبني مجتمعاً جديداً يقوم على الحوار والحريّة والديمقراطيّة ، وحفظ الحقوق لأبنائه ، واحترام حقّ الآخر في الاختلاف بعيداً عن التعصب والاستبداد ، مجتمعاً منفتحاً قائماً على أساس التسامح الفكري المتبادل ، ومعنى ذلك أننا يجب علينا أن نسمح للآراء والأفكار والتوجهات كافة ، بأن تعبّر عن نفسها دون خوف ولا قيود ، طالما أنّها لا تشكّل تهديداً لسلامة الآخرين ، ونظام أمن المجتمع . ويجب على الحكّام والمحكومين أن يقبلوا مبدأ المنافسة ، واحترام حقّ الآخر في الحرية والتفكير والمعارضة وإبداء الرأي ، وبعبارة أخرى يجب أن يسود في هذا المجتمع العدل والمساواة والحرية والديمقراطية ، وكذلك يسود فيه اقتناع عام بأن اختلاف الآراء ، والاجتهادات وتعدّدها ظاهرة اجتماعيّة صحيّة ومطلوبة ، فالمستقبل ملك للثقافات القادرة على النهل من نظيراتها والاستفادة منها ، والإضافة إليها . إنّ الصورة المشرقة للثقافة الصينية في مستقبلها وليس في ماضيها .

    http://www.ofouq.com/archive02/nov02/hewar27.htm
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني