خبراء ومحللون: الانتخابات العراقية مأزق.. إجراؤها مشكلة وتأجيلها مشكلة

الثلاثاء 21/9/2004 بغداد ـ عندما يتعلق الأمر بالانتخابات في العراق تجد الولايات المتحدة نفسها في وضع حرج يبدو ألا مخرج منه. ويقول محللون إنها إذا مضت قدما في إجراء الانتخابات وسط أعمال العنف الراهنة فسيقاطعها أو لا يتمكن من المشاركة فيها مئات الآلاف، الأمر الذي سيجعل العملية كلها تفتقر الى المصداقية. واذا أجلت الانتخابات سيلجأ العراقيون، والغالبية العظمى منهم تريد الانتخابات، لحمل السلاح لشعورهم أن وعدا آخر من وعود أميركا قد ذهب أدراج الريح. وقال وميض نظمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد ورئيس حزب سياسي صغير «اذا أرجئت الانتخابات سيكون هناك غضب كبير وربما عنف». وأضاف «لكن اذا اجريت الانتخابات في هذه الاجواء تحت رعاية سلطة الاحتلال أعتقد ان كثيرا من الناس سيقاطعونها... فأي انتخابات تجرى تحت رعاية قوة احتلال لا تكون نزيهة أو عادلة». وهذا بعيد كل البعد عن تصور الرئيس الاميركي جورج بوش. وقال مستشاروه ان المقاتلين الذين سبق أن قدر الجيش الاميركي عددهم بخمسة الاف سيسحقون بسهولة وستبدأ أموال اعادة الاعمار في التدفق وستعود الامم المتحدة للمساعدة في تنظيم الانتخابات وسيسير سكان العراق، وعددهم 25 مليون نسمة، في سعادة على طريق الديمقراطية.
ولكن بدلا من ذلك يبدو أن المقاومة تتدعم ولم تنفق تقريبا أي اموال على اعادة الاعمار وليس هناك سوى 30 من موظفي الامم المتحدة في العراق والديمقراطية مهددة. والانتخابات المقرر اجراؤها بحلول نهاية يناير (كانون الثاني) علامة اساسية على طريق الديمقراطية بالنسبة للعراق. لكن مع القصف اليومي وعمليات الخطف وإطلاق النار تضاعفت الشكوك بشأن موعد إجرائها.
والأمم المتحدة التي أشرفت على تعيين اللجنة الانتخابية وقدمت النصح بشأن كيفية تسجيل اسماء الناخبين، تشك الان فيما اذا كان من المتعين المضي قدما في اجراء الانتخابات.
وقال كوفي انان الامين العام للامم المتحدة في الاسبوع الماضي انه لا يرى كيف يمكن اجراء انتخابات موثوق فيها وسط تصاعد أعمال العنف.
وشكك جون كيري المرشح الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الاميركية، في امكانية اجراء الانتخابات. والان تجد الادارة الاميركية والحكومة العراقية التي تدعمها نفسهما في مأزق. فبعد أن حددتا موعدا نهائيا في يناير وراهنتا بالكثير على اعطاء العراقيين حريتهم تتعرض الحكومتان الان لضغوط كبيرة لتأجيل الانتخابات.
ولكن في الوقت نفسه سيكون من الصعب إقناع العالم بأن الديمقراطية حلت فعليا على العراق اذا قاطعت أعدادا كبيرة الانتخابات. فآلاف الناخبين لن يدلوا بأصواتهم خوفا من هجمات المقاتلين. وهذا الاحتمال ليس مستبعدا. ففي الأسبوع الماضي وحده قتل أكثر من 300 عراقي العديد منهم من رجال الشرطة وحراس الامن في تفجيرات لسيارات ملغومة واشتباكات.
والحشود الضخمة من الناخبين في أي من مراكز الاقتراع وعددها أربعة الاف يوم الانتخابات ستكون على الارجح أهدافا مغرية للمسلحين والمفجرين العازمين على تعطيل الانتخابات.
وقال اياد علاوي رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة، ان الانتخابات ستمضى قدما كما هو مخطط لها وانه لن يحدث شيء اذا لم تتمكن بعض البلدات أو المدن من الإدلاء بأصواتها. وقال انه اذا تخلف 300 ألف ـ وهو عدد سكان الفلوجة ـ عن الإدلاء باصواتهم فلن يؤثر ذلك على ارادة بقية الشعب العراقي. لكن الفلوجة ليست منطقة الاضطرابات الوحيدة، ومدن مثل سامراء وبعقوبة والموصل وبغداد بها العديد من المقاتلين الذين يمكنهم اثارة الفوضى في الانتخابات.
ويعتزم الجيش الأميركي شن هجوم على جميع معاقل المسلحين على أمل سحقهم بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول) وتسليم الأمن للقوات العراقية قبل الانتخابات. وقد ينجح هذا الهجوم، لكنه سيعني قتالا عنيفا وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا في التحضير للانتخابات وهي خلفية لا تشجع على نسبة عالية من اقبال الناخبين.
ويعتفد وزير الخارجية الاميركي كولن باول أن الانتخابات ستجري في موعدها. وقال لصحيفة «واشنطن تايمز» الأسبوع الماضي «المشكلة الكبرى التي تواجهنا الان هي المقاومة ويتعين التعامل معها». ويقول المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وهو تجمع شيعي، انه يريد المضي قدما في إجراء الانتخابات لكنه سيتفهم الأمر اذا دفعت المصالح الوطنية الى تأجيلها. وهنا يمكن للأمم المتحدة أن تتدخل. ويرى غسان العطية المحلل السياسي ورئيس المؤسسة العراقية للتنمية والديمقراطية انه اذا أعلنت الأمم المتحدة بالتنسيق مع الإدارة الاميركية والحكومة العراقية انه لا سبيل للمضي قدما في إجراء الانتخابات فقد يمهد ذلك الطريق لتأجيل يحفظ ماء الوجه. وقال العطية ان هذا سيكون أفضل من انتخابات سيئة يقاطعها الشعب تجري على أنقاض هجوم عسكري أميركي. وأضاف «إذا حدثت مقاطعة جماعية ستنطوي نتائج الانتخابات على استقطاب... وبذلك سنقترب خطوة من حرب أهلية».