مظاهرات كركوك وبلاء القشطيني
كتابات - د. علي ثويني
مسكين ياقشطيني حينما حصروك في زاوية ،فبت تتذرع بواه الأمور وتتبع "التقية" مثلما فعلوها الشيعة لقرون،بعدما نطقت الحقيقة التي تجول في رؤوس كل العراقيين . مشهدك وأنت

تعتذر يذكر بأزمة القهر والإملاء الشمولي وأخره البعثي، واليوم يمارسه القوميون الأكراد وبعض المتشنجين من الماركسيين السابقين . وبالرغم من عدم إتفاقي معك على مبدأ تغيير لغة الأكراد التي أعتبرها جريمة،فلسان أهلنا الكرد في قلوبنا، وحلها يتأطر من ضمن الحقوق الثقافية المطلقة للطيف العراقي ومنهم حتى لأصغر التجمعات السكانية التي يجب أن تفتح لأبنائها مدرس وجامعات وتأسس لثقافاتها مراكز بحوث لتطويرها. بيد أني أثني على جرأتك التي لكتها بمزاحك المعهود، كي تقلل من التشنجات التي هي صفة أنصاف المثقفين، والمتقوقعين على أفكار بالية.
تظاهر قبل أيام لفيف من أخوتنا الأكراد في كركوك، بما نعتبره ظاهرة صحية، وندعوا لها التكرار والشيوع، فمبدأ إبداء الرأي والتظاهر السلمي أخير لنا من ظاهرة "حرامية الفلوجه" أو السيارات المفخخة أو خطف وإبتزاز الرهائن. لكن ما يستوقفنا أن التظاهرة أتسمت بروح غوغائية، و لم تتبنى أفكار ومطالب معقولة يمكن القبول على حدها الأدنى من سواد العراقيين ،و كانت تبدو منذ الوهلة الأولى وهي ترفع أعلام وشعارات فنطازيه، وكأن روح العنجهية البعثية وفرض الأمر الواقع مازالت ترتع في خواطر الأخوة الكرام. بما يدعونا أن نطلب من الحكومة أن تخصص مكانا، يفضل أن يكون في البرية المحاذية للمدن العراقية وهنا بين كركوك والحويجه مثلا، يحاكي في وظيفته (هايد بارك) اللندني، ندعوا إليها "قومجية كركوك" ،يهللو ويكبروا ويصرخوا ويتعنتروا ليوم كامل بالأسبوع ،وقصدنا أن يستثمروا أيامهم الأخرى بالعمل الجاد ورعاية عوائلهم فهو أخير لهم ، ويتفرغوا للتظاهر في نهاية الأسبوع، والأهم أن لا يتسببوا إزعاجا ويقطعوا الهدوء لسكان المدن والقصبات العراقية، بعد أن أرهقتهم أصوات الإنفجارات.
وسبق أن حدث ذلك في السليمانية ، بتغطية ودعم ومباركة مكشوفة من قبل بعض الأحزاب" الكردويه" التي تستغل مشاعر الناس وجذوة السلبية في نفوس بعضهم،و من ضمنها ضغائن قديمة غذتها سنوات الظلم البعثية التي نتفق جميعا أنها وزعت الظلم بالتساوي بين الجميع ، حتى أمست من البديهيات. فلا وجود لظالم اليوم إلا في مزابل التاريخ من عفلق وطلفاخ وكيمياوي وصدام ،والتاريخ البعثي "القومجي أيضا" ، يجب أن يقبع وراء القفا، ليتسنى لنا قلب صفحة جديدة، و تكريس دولة الجميع وللجميع.
لا نستطيع أن نفهم مغزى أن يطلق مسعود برزاني دعوته إلى الحرب وتحديدا اليوم والعراق جريح. وإذ أستغرب، فماذا يظن أن يتلقى من الطرف الآخر ،كونه تحرش صريح ودعوة للإنتقام والإقتصاص وتكريسا لعرف العين بالعين وسطوة قانون الغاب. فالنزوات وردود الأفعال غير المنضبطة هي من سجايا أي تجمع لرعاع يرتعون بالتخلف ونتاج قسوة وتبعيث جيلين، ولا يمكننا كبح جموح هؤلاء في غياب سلطة الدولة.
كل ذلك يدلل في رأينا بأن مسعود وأمثاله و"بغمز صهيوني" واقع من لدن مستشاريه الذين تعج بهم الأروقة اليوم، ينتظرون أن تحدث مذابح (هولوكست) ضد أهلنا الأكراد "الذي لايهمه أمرهم البته " كي يستميلوا إستعطاف الدنيا ولاسيما زوجة الرئيس الفرنسي متران، ويكون سببا في نهج نفس ما خطط له قبيل قيام دولة إسرائيل. لقد وصلت رسالته ولا أظن أنه كان يجهل النتائج وها هو بدأ يحصدها،فقد طالت التصفيات المساكين من أخوتنا الأكراد الباحثين عن الرزق كما هي ديدن أهل العراق في البحث في طول البلاد وعرضها عن مصادرها .ولم يكن لهؤلاء أي ذنب فيما تفوه به مسعود، وهم براء منه وخسارتنا والله بهم كبيرة، وهذا ما أهيب به جموع العراقيين، ولاسيما من أهل ما يسمى بـ"المثلث" .
حسبي أن مسعود لم يحصل على أي تحصيل علمي، بيد أنه وغيره ليسوا على تلك الدرجة من السذاجة،وهم على بينه من أن أخوتنا الأكراد متواجدين في ساحات كل المدن والقصبات العراقية ، وهم يشكلون 15% من نفوس العراق . فلو تم لا سامح الله أن يثأر كل رأس لرأس بالمقابل، فأن ذلك يعني أن العراق سيبقى منه 70% ، وسوف تستمر الحياة منقوصة حتما، لكن الكارثة الكبرى أن العراق سيحرم من الوهج الكردي الرائع ،وسينقرض أخوتنا الأكراد في عراقهم ،وهذا لايمكن أن نسكت عليه إطلاقا ،ولأي مبرر قومي أو طائفي أو أقليمي يطلقة مسعود أو غيره. ويعلم مسعود وغيره أن التصفيات يمكن أن تتم بالسلاح الأبيض وليس حصرا بالدبابة التي خبأها في الجبال. وهذا ما يدعونا أن ننبهه بأن عود الثقاب الذي سوف يقديه سوف يحرقه هو أولا ،ولو أننا نعلم علم اليقين أنه سيهرب مثلما هرب أبوه إلى أمريكا بعد توريطه لشعبنا الكردي عام 1974 ،وحسبي أنه أتعظ وحفظ الدرس، فلم يكن لديه أملاك في أمريكا. لكن مسعود تعلم وطفق يشتري العقارات في لندن وغيرها للتحضير للهرب والإستثمار حينما يترك ناسه تأكلهم الحرب الأهلية، لاسامح الله.
لم تكن ظاهرة القشطيني قد جاءت من فراغ ، فها هي الأصوات بعد الأصوات تتعالى من مثقفين عراقيين كانوا ساكتين سابقا. وربما تحلى جلنا بالحلم والروية وإحتكام العقل في إبداء الرأي ، فقد نسمع بعضهم يدعوا الى الحرب والإبادة والإنتقام المسعور. وأتذكر حتى بعد سقوط سلطة البغي البعثية" أتخذنا موقف المتفرج المحايد الكاظم والمترقب لتحسن الأداء العقلي لقادة "القومجية" الأكراد. لكن ذلك تبدد حينما شرعوا بالممارسات التعسفية والابتزاز، ضد أهلنا في كركوك من تقتيل وتهجير بحجج "التعريب" الواه . لم يكن للسكوت بعد ذلك مبرر، ووضعنا في إحراج من ضمائرنا ، لنقف بصف شعبنا بشتى تلاوينهم ضد ظلم بعض البيشمركه . ولهذا أهيب بالأخوة الأكراد أن يصغوا لوازع الضمير والعقل وأن لايتبعوا نزق بعض قياداتهم التي تريد مصالحها على حساب الجميع ،مثلما أتبع رعاعنا قيادة "صدام" الذي أوصلنا جميعا إلى الهاوية.
أنبه مسعود وأمثاله بأن الكراهية لاتجلب إلا الكراهية، وهي أمر يسر يحاكي السقوط ، يمكن تأجيجها وتكريسها في النفس البشريه الأمارة بالسوء. لكن المحبة والتعاطف وصدق النوايا مثل صروح البناء ، يصعب تشييدها، كونها تتطلب شوطا من الثقة وعمل الخير والمآثرة والجهد. فهاهي نزعة جمهورية الجنوب الشيعية الواهية تطفح مثل فقاعة إلى السطح،وهاهي رغبة جاهلة بعزل السنة في دولة فقيرة لوحدهم إنتقاما من غيهم ومعاضدتهم لصدام "هكذا يروج" ، وهاهي الدعوة لدولة تركمانية تمتد من خاصرة حتى خاصرة العراق. كل ذلك أمر منطقي بعد أن دعوتم لإخراجهم من ديارهم أو طالبتهم بالقطيعة. ما معنى حركات "مسعود" المسعورة إلا تأجيج الكراهية،و التي سوف تمكث ولاتمحى من الذاكرة ،مثلما أفعال أبوه مع العراقيين. فلامحبة بالإبتزاز ،ولا تعاطف بالعنجهية والتخويف وإرهاب الناس ،وها لدينا أسوة بما جناه صدام من الشعب العراقي.
إن محنة العراق اليوم وموقف العرب ولاسيما الفلسطينيون من همومنا وترحمهم على عدي وتأسيهم على صدام، جعل العراقيين يتحاشون النظر إلى أخبار معاناتهم مع إسرائيل، وبعض العراقيين تطرف وطفق يشمت بضحاياهم ، وآخر بدأ يتعاطف مع إسرائيل. كل ذلك يدعونا أن ننبه مسعود والقيادات الكردية بأن أفعالهم الرعناء سوف توصلنا إلى الحال نفسه، فعندما يحدث شئ لأخوتنا الكرام في شمالنا المقدس ،سوف يجد شامتا من فاق لديه رد الفعل عن الفعل نفسه .
ثمة حاجة اليوم للتعقل ودحض العصبية . حيث نلمس أن بعضهم يتضامن مع "قيادات قومية" حتى لو أخطأت مثلما يفعله العرب أزاء صدام ،حينما ينعتوا من ينتقده " عميل أمريكي" ، وحتى صدام نفسه حينما أتهم أي منتقد له بالحقد على العراق والأمة. بينما الأخوة الأكراد يكنوه بسرعة بـ"شوفيني" . وها نحن رافضين أي تطلعات قومية عربية أو تركمانية وننتظر مثلكم بالمثل. وأنقل هنا ما كتبه السيد محمد قاسم في إيلاف(وساهم اخوتنا الأكراد في قذف الفكر القومي بشتى الشتائم مع العرب. لكن الذي لم اصل معه ليقين هو عدم وجود أي كردي من المثقفين أو الجهال ليس قومجيا. ليدلني أحد على مثقف كردي واحد لا يحمل فكرا متعصبا لقوميته يقيس به علاقته مع الآخر من خلال نظرة هذا الآخر للقومية الكردية. ففي الوقت لم يهدأ فيه أي كاتب كردي بالعربية أو الكردية في النيل من القومية العربية والعروبيين (وانا ضد كل فكر قومجي) عليهم اولا ان ينتبهوا لانفسهم ويقيسوا مايكتبونه ضد المتعصبين العرب مع ممارساتهم الحياتية والكتابية التي لاتقل عنصرية عن أي متعصب من العروبيين.) .
ولا نريد هنا أن نثير مواجع، فالكثير من تابعي القيادات " الكردوية" يظنون أن ما قاموا به من تذبيح لأهلنا التركمان بعد ثورة تموز ، تحت غطاء الحركة الشيوعية،يمكن أن يعيدوه اليوم تحت أغطية أخرى. وهم يعلمون أن العالم قد تغير، والإعلام قد توسع ،والوعي قد عم ،ولم تعد فرصة لهم لتكرار فعلتهم الدنيئة، فكلنا اليوم تركمان ضد من تسول له نفسه. وحسبي أن الأخوة من ورثة اليسار العراقي اليوم ممن استُغل أبشع إستغلال في تلك الصفقة الخاسرة أخلاقيا، أن لايتمادوا في تشنجهم الذي يحسبوه ثبات على مبدأ ،وهو بالأساس نكوس ،حينما دفعتهم الذيلية الفكرية والإنسياق وراء الحرب الباردة "التي لم يكن لنا بها كسرة خبز" إلى ذلك، وقد دفعنا ومازلنا ثمنها غاليا ،بما يدعونا التنبيه إلى ما يتفوهون به.
وأخيرا نذكر بأن رعاع كركوك طالبوا بـ( قطع العلاقات التجارية مع العرب) ،وهم يذكروني بالأحجية العراقية (الذي يزعل على العنب). وهنا أسوق مثالا يحاكي موقف شيخ مشايخ منطقة (لوسوتو) في جنوب أفريقيا، حينما (طنكر) على الأنكليز وطلب منهم تكوين دولة خاصة بقومه (عشيرته) فوهبوه أياها وأحاطوها بحدود مدورة داخل جسم جنوب أفريقيا إلى الشمال نراها على الخارطة اليوم. ولكن بقيت الإشكالية أن شعبه جاهل وغير كفوء فكيف يمكنه أن يعتمد على نفسه. لكنه سمح بمد سكة حديد تخترق بلده، وظيفتها حمل كل الشعب (الليسوتي) عن بكرة أبيه إلى داخل أراضي جنوب أفريقيا في الصباح الباكر وقضائهم وقت العمل الرسمية، والعودة مساء بنفس القطار للنوم في (لوسوتو) والإستيقاظ صباحا وهكذا دواليك، فامست دولتهم للنوم فقط، وحسبي أنها ستكون محاكية لدولة متظاهري كركوك حينما يتخلوا لنا عنها وأربيل مدننا الأشورية. وحسبي أن الاخوة الداعين إلى (مقاطعة العرب) أن يقارنوا أنفسهم بالفقر المدقع الذي يحيط بأقرانهم من "أكراد" إيران وتركيا وسورية، وليشكروا الله أن أحبهم وجعلهم من ضمن الأمة العرقية حالهم مثل حال العرب والتركمان والكلدو آشوريين الذين لهم إمتدادات خارج الحدود ،ولكنهم لايحلمون بوطن (من المحيط إلى الخليط) أو (تركمانستان الكبرى). فاتقوا الله يا "قومجيه" كي لا يحل بكم ما حل بصدام حينما تغوط في الصحن الذي يأكل منه.