الشرقية والاستيطان الوهابي
السلام عليكم
[align=center]طائفية التوظيف[/align]
لقد شعرت الحكومة السعودية بان الشيعة وخلال السنوات 1975ـ 1984 قد انتعشوا وتطوروا، وصارت لهم الجرأة والتحدي..كما بدأت تتشكل قواهم الذاتية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية.وان أمراً كهذا ـ بنظر الحكومة ـ يخرج الشيعة من قبضتها وتطويعها وضبطها، فارتدت إلى سياسة الملك فيصل ـ المعروف بمغالاته الطائفية ـ والتي كانت رغم تبدل الاوضاع السياسية والفكرية في العالم من أسوأ الفترات، لا يعادلها في السوء إلاّ العهد الحالي الذي طور سياسات فيصل ووسعها وأعطاها الدفع بهدف ارجاع الشيعة إلى حجمهم السابق، لينطووا على أنفسهم وينعزلوا عن مجرى الحياة العامة للمملكة.
في مجال التوظيف ـ مثلا ـ فقد اصبح عدم توظيف الشيعة في المؤسسات الأمنية والعسكرية أمراً مسلماً به لا نقاش فيه ولا جدل..ولربما قيل أن الشيعة لا يحبون العمل في مؤسسات تورطهم في ممارسات قمعية تتعارض مع الشرع الكريم، كما هو الحال بالنسبة لأجهزة الأمن، وهذا إلى حد ما صحيح.
غير أن إصدار قرار رسمي بذلك من الحكومة له معنى طائفي فاقع..ومن الصحيح أن هناك الكثيرين الذين يتوقون للانخراط في الخدمة العسكرية وغيرها من اجل حماية الوطن، وقد برهنت احداث الغزو العراقي للكويت في إغسطس 1990 على ذلك.
غير أن مجموعات قليلة انخرطت في العمل العسكري شكلياً، حيث ادمجوا ضمن اقسام الصيانة، واستطاع افراد يعدّون على الاصابع من النفوذ، ولكنهم أقيلوا وطردوا من الخدمة، والقليل منهم أحيل على التقاعد، وقد تم طرد العسكريين الشيعة بين السنوات 1983ــ 1985..وحتى اولئك الذين يعملون في أقسام الصيانة في القاعدة العسكرية بالظهران والذين كان عددهم يقارب الأربعمائمة شخص، طرد الكثير منهم وتعرض الباقون للمضايقة، حيث سحبت جوازات سفرهم في ذي القعدة 1406هـ، ثم ختمت بالمنع من السفر، وأجبر العديد منهم على العمل في أعمال مهينة مخالفة للقانون العسكري، كتنظيف المراحيض والحمامات، وغسل سيارات رؤساء الاقسام.
وفي نفس شهر ذي القعدة أصدر وزير الدفاع الأمير سلطان بمنع الشيعة من مغادرة أقسام العمل، وتم استجواب العاملين في القاعدة حول ميولهم الدينية والسياسية ونشاطاتهم الاجتماعية وأسفارهم السابقة للخارج، وغير ذلك..كما ألزموا بالاستماع للمحاضرات الطائفية التي تهين معتقداتهم وتتعرض لهم بالتجريح، وايضا منعوا من الإتصال بالجنود الباكستانيين الذين استقدمتهم الحكومة، خاصة الشيعة منهم والعاملين في نفس الحقل وفي نفس المكان بحجج أمنية واهية..هذا عدا الإهانات اليومية المتكررة.
قد تطغى الحجج الأمنية في قضية إنخراط الشيعة في المجال العسكري ليصبحوا جنوداً أو ضباطاً أو حتى مخبرين..لكن هنالك عشرات المناصب المدنية والتي لا علاقة لها بالأمن [1]لا يمكن للشيعة الوصول إليها، فالمعروف أن إمارات المناطق الكبرى كلها بيد أمراء من الأسرة المالكة أو أصهارهم، وضمن النظام أو العرف يجري تعيين أمراء صغار في كل مدينة وقرية يتبعون أمير المقاطعة، ويفترض كما في مناطق البلاد الأخرى أن يعين هؤلاء من أهل البلاد نفسها، وهذا لا ينطبق على المدن والقرى الشيعية..إذ لا بد أن يأتوا لها بأمير من خارجها يمثل التوجه المذهبي الحكومي..وهؤلاء وبسبب طائفية السلطة يأتون مشبعين بالحقد على الأهالي، فيجرون صنوف التعديات في كل أمر يرون أنه يدخل ضمن صلاحياتهم...فضلاً عن أنهم لايفهمون هذه القرى والمدن وسكانها ولا طبائعهم وخصوصياتهم، وفي كثير من الأحيان ينخرطون في ممارسات طائفية صريحة.
خذ مثالاً على ذلك، الأمير محمد الشريف، أمير القطيف.. فقد طبع على نفقته و "لوجه الله تعالى!! " كتاب الوهابي المتطرف ابراهيم الجبهان" تبديد الظلام وتنبيه النيام، إلى خطر الشيعة والتشيع على المسلمين والإسلام "..والكتاب لا يتعرض لعقائد الشيعة بالافتراء، ويشتم علماء القطيف والاحساء فحسب، حتى اولئك الذين ماتوا قبل نصف قرن، وهم يدعون في كتبهم ومؤلفاتهم إلى الوحدة بين المسلين..بل يصفهم في مئات من المواقع في الكتاب بانهم " كلاب وخنازير وكفار ويهود، وانهم يتزوجون امهاتهم، وان لهم أذناباً كالحيوانات "، إضافة إلى الكم الهائل من التحريض للشعب وللحكومة على الشيعة، وقد تولت إمارت القطيف توزيع هذا الكتاب وكتاب آخر على المراجعين الشيعة !.
أن السّنة المعتادة هي أن لا يصل المواطن الشيعي إلى منصب الوزارة ولا إلى وكالة الوزارة أو أن يصبح مديراً عاماً لها، بل لا يمكنه أن يصبح مديراً لبلدية قرية شيعية، وحتى إلى ما دون ذلك أيضاً...لقد استثني الشيعة من كل المناصب إلاّ تلك التي في مستوى أعمال الكتبة الصغار في الخدمة البيروقراطية [2]..وقد يردد البعض مبررات ذلك، بانه طلما أن الدولة وهابية المذهب، فإن من حقها ـ وفق حكم الأغلبية ـ أن تضع من تريده في المناصب العليا والسفلى..ويجب هنا الالتفات إلى حقيقة أن تمذهب السلطة يعطي الأقلية المذهبية في أي بلد الحق في أن تطالب بحصتها في الحكم، وان يكون لها مملثون في مؤسسات الدولة بحجم نسبتهم من السكان..او يتم إلغاء التمييز وينظر إلى الكفاءة والخبرة، وحينها سيكسر الطوق المفروض على المواطنين الشيعة والذي يحجزهم عن الوصول إلى المناصب المهمة.
ويشمل التمييز كل مجالات الحياة العامة...ففي الحقل الدبلوماسي، لا يمكن للمواطن الشيعي أن يصبح سفيراً أو قنصلاً أو حتى ملحقاً لسفارة من السفارات السعودية، ولم يبلغ علمنا أن هناك إمكانية بأن يعمل كموظف عادي في إحدى سفارات البلاد العديدة.
في المجال الصحافي، هناك صعوبات وعراقيل عديدة توضع أمام الكتاب والصحافيين الشيعة، حتى أنه لم يعد هناك سوى صحافي شيعي بارز واحد، فيما انعزلت أعداد غفيرة منهم بسبب نظرات الريبة والشك والقيود المتنوعة، وحتى الان لا يحق للشيعي أن يصبح رئيساً للتحرير، ولا يمكن له أن يحصل على إمتياز إصدار صحيفة أو جريدة..وحدث إبان صراع الملك سعود وفيصل أن أصبح احد المواطنين الشيعة رئيساً لتحرير صحيفة اسبوعية، وقد صدر منها بضعة أعداد ثم أغلقت واعتقل رئيس التحرير لبضع سنوات..وقبل هذا تقدم احد شباب القطيف المثقفين عام 1953 بطلب إصدار صحيفة في القطيف بإسم " الجزيرة " ولكن الملك سعود شخصياً رفض الطلب، بحجة أن اسمه في القائمة السوادء !.
وطوال عهد فيصل وجزء من عهد الملك خالد، لم يكن يسمح للفتاة الشيعية بالتدريس، وحين كسر الحاجز قبل بضعة سنوات، لم يكن الكسر إلاّ جزئياً محدوداً..فحتى الان لا يمكن للفتاة الشيعية تدريس المادة الدينية شأنها شأن المدرس الشيعي، بل لا يمكنهما التسجيل في كلية الشريعة في اية جامعة سعودية، وان كان الشيعة انفسهم قلّما يحبون الانخراط في هذه الكليات، ومن الصعب جدا في هذا الوقت أن يصبح احد المواطنين الشيعة في الاحساء مديراً لمدرسة، أو وكيلاً لها، أو أن تخترق الفتيات معهد تربية المعلمات وغيره.
أن التدريس ـ وهي إحدى مهنتين يسمح للمرأة السعودية بالإنخراط فيهما ـ " حرمت المرأة الشيعية منها بأمر السلطات، وهذا التفريق جعل الشيعة يدركون ـ بحسب قول احد الأجانب ـ بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية ,ولهذا حرموا من المساواة الاجتماعية وتساوي الفرص الاقتصادية ".
"إن هذا الحرمان تعززه الحقيقة أنه في السنوات الأخيرة الخمس من عهد الملك فيصل، لم يزر الأخير الاحساء ولو لمرة واحدة، والشيعة ليس فقط شعروا بأن أي شيء لم يفعل للتغلب على التمييز ضدهم، ولكن أيضاً، أن أي جهد لم يبذل لدمجهم في المجتمع "[3].
ومهنة الطب هي الأخرى شبه مسدودة أمام الفتيات والفتيان الشيعة..ذلك أن المسؤولين في جهازي تعليم البنات والمعارف، اكتشفوا تفوق الطلبة الشيعة ليس على مستوى المنطقة الشرقية، بل وعلى مستوى المملكة، فغاظهم ذلك، وأساؤوا فهم السبب الذي نرى أنه يعود إلى حالة التحدي في التجمع الشيعي المرفوض من قبل أجهزة السلطة..وبناء على هذا التفوق، إنخرط العديد من المواطنين الشيعة في كليات الطب التي تتطلب معدلات عالية..وهنا مرة أخرى إتخذت قرارات بأن يقلص عدد الشيعة المتقدمين لكليات الطب من الفتيان والفتيات الشيعة إلى أقل عدد ممكن..فأحيانا يقبل المسؤولون خمسة أو ستة أفراد، وفي بعض الأحيان لا يقبلون أحداً بتاتاً، مهما كان معدل المتقدم أو المتقدمة من الدرجات، بل وصل الأمر في السنوات الأخيرة أن فصل العديد من الفتيات والفتيان بحجة أن معدلاتهم الدراسية ضعيفة، وهي ليست كذلك...وأضاعوا على الطلبة ثلاث أو أربع سنوات من الدراسة مجاناً، وإرضاء لأحقاد طائفية لا تضر بالشيعة كأفراد فحسب، بل تضر بشعب المملكة في عمومه، والذي يعتمد بشكل كبير على الأطباء الأجانب.
وعلى سبيل المثال، رفضت كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام قبول أي طالب شيعي عام 1988، وبعد لأي ونقاش ووساطات قبل ثلاث طلاب فقط من أصل 94 متقدم يحمل معدلاً عالياً..وكذلك فعلت جامعة الملك سعود بالرياض التي قامت بتحويل من تقدم إليها إلى كلية الصيدلة..وحتى المتقدمون للمعهد الصحي تجرى محاولات لـ "نخلهم!" وتقام لهم جلسات التحقيق، عن آرائهم السياسية في الحكومة وفي مذهبها الرسمي، ويسأل المتقدمون عن قصص التاريخ التي إختلف الشيعة في تفسيرها مع غيرهم الخ.
وقد توسع المسؤولون الحكوميون في هذه الممارسات حتى في الدراسات غير المهمة، ومثال ذلك ما قام به معهد البريد في الدمام، الذي رفض معظم الطلبات التي تقدم بها ابناء الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية.
[align=center]طائفية أرامكو[/align]
لم يكن امام شركة ارامكو والحكومة السعودية من خيار في توظيفها الشيعة في بداية تأسيس المنشآت النفطية، فقد كانت الشركة بحاجة إلى الأيدي العاملة الرخيصة، وكانت معظم القبائل البدوية لم تستوطن بعد وهي لا ترغب في مثل هذا النوع من الأعمال، فأصبح الشيعة منذ ذلك الحين يمثلون أكبر نسبة من العمالة الوطنية في حقول النفط.
ولم يأت الأميركيون بأفواجهم الكبيرة بعد اكتشاف النفط في مارس 1938وبدء تصديره في مايو 1938، إلاّ بعد أن شيد الشيعة أساس العمل، إضافة إلى أسرى الحرب الإيطاليين الذين بنوا اول معسكر للنفط في الظهران ,وكذلك الهنود والعراقيين الذين هيأوا المباني المكيفة والمحصنة ضد الذباب والحشرات الأخرى [4].
وقد استحوذ الأميركيون على كل الامتيازات، فلهم أحياؤهم الخاصة التي هي قطعة من الولايات المتحدة، لها نظامها الخاص، وأمنها الخاص..ويمارس الأميركيون كل ما أعتادوا عليه في بلادهم. ان ارامكو ليست شركة، وإنما هي دولة داخل الدولة..فلها صحافتها بالعربية والانجليزية، ولها محطة تلفزيونية خاصة باللغة الإنجليزية، وصلت برامجها للمواطن السعودي قبل المحطة الرسمية من الرياض !، كما لارامكو برامج إذاعية تبث أنغامها على موجات الـ "F.M"، ولها دور السينما المحرمة في كل المملكة حتى اليوم، يصلها آخر انتاج هوليود، إضافة إلى مراكز الترفيه العديدة "برك سباحة مختلطة، ملاعب غولف، تنس ارضي، وغيرها " وأصبح لأرامكو فوق هذا آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي ملكتها إياها الدولة، ولها مطاراتها وطائراتها الخاصة..كما انها تقوم مقام الدولة في بناء المدارس والإشراف على صيانتها، وإنشاء المستشفيات والمعاهد ومراكز البحث..كل هذا يضاف إلى تدخلاتها السياسية، بما يثبت أن ارامكو كانت ولا تزال ـ رغم إدعاء تملكها من قبل الحكومة السعودية ـ انها دولة وليست شركة.
وكان الموظفون السعوديون ولا زالوا مسخرين لخدمة الأميركي تقريباً..فإضافة إلى الأعمال الشاقة، كانوا " خدماً" في البيوت "هاوس بوي " ويرعون الحدائق وينظفون المرافق.. وقد وصف احد مسؤولي الشركة هذه المعاملة بانها معاملة بالوسائل المستنيرة!.
وامتيازات الأميركيين لا تقف عند حد، فرواتبهم ضخمة لا يتحدثون عنها ولا عن شهاداتهم التي لا تدل على مستوى رفيع، ولا عن وظائفهم السابقة لأنهم بشكل أو بآخر إما جواسيس للمخابرات الاميركية أو من مخلفات حروب التورط الأميركي في مكان ما من العالم..ذلك أن الأولوية تعطى لهؤلاء للعمل في السعودية، ويتمتع الأميركي بسكن مريح ومجاني للعزاب والمتزوجين، ويتلقون العلاج مجاني، وبدل قساوة المعيشة "لأنهم يعملون في السعودية !"تصل إلى ربع الراتب، وإجازات سفرهم السنوية ثلاث مدفوعة الأجر والتذاكر، وهم الوحيدون المسموح لهم باستقدام زوجاتهم وأسكانهم مجاناً [5].
وبمرور الزمن أضيف للتعالي والإمتهان الأميركيين للعمالة الوطنية صفة التمييز الطائفي، خاصة بعد إضراب عام 1945..حيث شعر رؤساء أرامكو ومخابراتها بخطر الشيعة بعد تجارب مماثلة في العراق والبحرين..وتسارع حثّ ارامكو والحكومة للمواطنين الآخرين ـ خاصة في نجد ـ للقدوم والعمل في المنطقة الشرقية، تحسباً للمستقبل، وللرهان بهم في الظروف الطارئة حيث استخدمت ارامكو فيما بعد السنّة ضد الشيعة..وبسرعة البرق ظهرت المدن الجديدة "الخبر والدمام وابقيق وغيرها "لتصبح الدمام عاصمة للمنطقة الشرقية بدل الهفوف، ولتصبح القطيف مدينة ثانوية، بعد أن نقلت منها مؤسسات الدولة، وبعد أن حرمت من كل المشاريع التطويرية [6].
ومع أن الشيعة كانوا يشكلون أغلبية العمال، فقد منعتهم الشركة من ممارسة شعائرهم الدينية، وكان من الأمور المحظورة الغياب في المناسبات الشيعية، بينما يعطون فرصة الغياب في المناسبات المسيحية كأعياد الميلاد ورأس السنة [7].
تعاظم إحساس ارامكو والحكومة على حدّ سواء بخطر الموظفين الشيعة، بعد الاضرابات السياسية التي عمتّ المنطقة في الخمسينيات والستينيات كما في الاربعينيات...هذا الإحساس رافقه إعتراف صريح بأن الموظفين الشيعة أكثر إخلاصاً وإتقاناً لعملهم..وقد جربت الحكومة في الفترة الوجيزة الماضية نقل الشيعة عن مواقعهم, فثبت لديها انها ستكون محتاجة على الدوام للايدي الشيعية الماهرة لإدارة العمل.
ومنذ عام 1985تحركت ارامكو ـ التي اصبحت سعودية بالكامل كما يقال !ـ ضمن خطوات محدّدة لتقليص دور الشيعة في مناطق عملها، فأحالت على التقاعد في مطلع عام 1985، عشرين بالمائة من موظفيها الذين بلغت أعمارهم الستين عاماً على التقاعد..وهذا القرار يتأثر به الشيعة أكثر من غيرهم..ولم يكن الدافع هو الصحة أو العمر، حيث كان الأميركي يستطيع العمل في الشركة حتى سنّ الخامسة والستين [8].
ثم تتابعت الإقالات الفردية والجماعية لأتفه الأسباب، واتخذت الحكومة قرارات بتحويل الكثير من رؤساء الأقسام الشيعة إلى وظائف أدنى دونما سبب، واستبدل طاقم الأمن الصناعي الذي كان يعمل به مئات الشيعة بطاقم سنّي جديد، ووصلت الحال إلى نطقة الحسم..ففي عام 1987اتخذ الملك فهد ـ بناء على اقتراح الأمير نايف وزير الداخلية ـ بمنع توظيف الشيعة في أي وظيفة بأرامكو..وإليك هذه الوقائع :
ـ في أواخر يونيو 1988عرضت ارامكو ألفي وظيفة شاغرة، فتقدم المواطنون الشيعة ولم تقبل منهم شخصاً واحد..فمن خلال الاسم أو منطقة السكن ضمن إبعاد الشيعة...وصادف أن العديد من المواطنين السنّة رفضوا لتشابه الاسماء، أو للإشتباه بانهم من أتباع المذهب الشيعي...تبع ذلك توظيف 700شخص في دائرة الأمن الصناعي ليحلوا محل الشيعة في أعمالهم.
ـ عقد اجتماع في شهر أبريل 1988حضره مدير شركة أرامكو (علي النعيمي) وأمير المنطقة الشرقية محمد بن فهد، وأحد المسؤولين الأميركيين، جرى فيه بحث تنفيذ قرار وزير الداخلية باستثناء الشيعة من العمل في جهاز الأمن الصناعي، وقد صدر قرار رسمي بذلك عقب الاجتماع، وكان الأمير محمد بن فهد قد اقترح بحث إمكانية إبعاد كل الشيعة الذين يحتلون مناصب وسطية، لكنه أبلغ بأن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي خوفاً من أن تتعرض اعمال الشركة للانهيارات.
ـ لم تمض سوى أشهر قلائل حتى أقيل نحو 300شخص من المواطنين الشيعة بتبريرات واهية، كان من بينهم عدد من رؤساء الأقسام.
ـ في شهر مارس 1989أقيل العشرات من أقسام الصيانة بأرامكو والتي يشكل العمال الشيعة حوالي 85%من مجموع عامليها...وجرت محاولات لتوظيف مجموعات كبيرة ليحلوا محل الموظفين الشيعة داخل المناطق البحرية والتي يعمل بها حوالي 95%من الشيعة..لكن ولأن الغالبية من العمال الجدد لم تتحمل مشاق العمل الجسدي، فقد تركته وبحثت عن أعمال مكتبية سهلة.
ـ في يوليو 1989صدر قرار بتعطيل ترقيات العمال الشيعة قدر الامكان دون الالتفات إلى جدارتهم وكفاءاتهم واستحقاقاتهم للترقيات ام لا..وفي نفس الفترة جرت تبديلات ملفتة للنظر لعدد محدد من المسؤولين الشيعة، ورافق ذلك الكثير من الضغوط والاهانات، اضطر على اثرها الكثيرون إلى ترك أعمالهم بعد عشرات السنين من الخدمة، قدّر عددهم بنحو 350شخصاً.
ـ بعد الغزو العراقي للكويت، استمر الشيعة في عملهم، فيما هرب الكثيرون من العمال الأجانب، ومن العمالة الوطنية القادمة من مناطق أخرى من المملكة، الأمر الذي اضطر ارامكو إلى أن تزيد الرواتب 15% أملاً في إيقاف حالة ترك العمل الجماعية، خاصة وأن ارامكو كانت تضغط من اجل زيادة الانتاج للتعويض عمّا فقدته السوق النفطية من انتاج العراق والكويت، وذلك حتى لا يتضرر الغربيون بارتفاع الاسعار، ولكي تتمكن الحكومة من جني بعض المال لسداد نفقات الحرب.
في تلك الاثناء أعلنت ارامكو عن وظائف شاغرة، فتقدم المواطنون الشيعة الذين حرموا من العمل فيها لسنوات عديدة حتى تفشّت البطالة في صفوفهم..وكان الأمل يحدوهم بأن شيئاً ما تغّير بعد الغزو العراقي للكويت، وان الحكومة يفترض أن تعيد النظر في منهج تعاملها السابق مع الشيعة الذين صدقت مواقفهم تجاه صديق المملكة السابق وعدوها الحالي "صدام "..غير أن أحداً من مئات المواطنين المتقدمين للعمل لم يبلغوا بالقبول !.
وطوال السنين الماضية تعددت المقابلات مع رئيس شركة ارامكو لسؤاله عن أسباب رفض الشيعة، وفي كل مرة كان يقول بدون تحفظ بان هناك قراراً رسمياً بهذا الشأن من الملك فهد لا يمكن له أن يتجاوزه، وانه إذا كان لدى السائلين أي اعتراض، فليتقدموا به إلى الملك مباشرة، أن اوامره الصريحة هي رفض توظيف الشيعة حتى ولو استكمل المتقدمون جميع الشروط وحازوا على كل المؤهلات المطلوبة..ان عدد الانتماء إلى المذهب الشيعي اصبح شرطاً إضافياً رسمياً لكل ملتحق جديد بالعمل في حقول النفط !.
من جانبهم ـ وكالمعتاد ! ـ أرسل وجهاء الشيعة رسالة إلى الملك في شهر صفر 1409هـ، قالوا فيها ضمن حديث طويل: "كنّا نطالب بشيء من الإلتفات إلى البلاد ـ القطيف ـ في المشاريع، والى المواطنين في توزيع الأراضي على ذوي الدخل المحدود، وعلى الجامعيين [9]، وكذلك الأراضي الزراعية، وهلم جرا...انها اشياء نطالب بها كمواطنين ثقة منا بعدل حكومتنا..وكانت الاجتماعات مع الهيئات المنتدبة، وكانت المرفوعات وكانت المقابلات، وكنا دائما في موقف المنتظر المتفائل يحدونا الأمل الكبير فيما نصبو اليه..لا سيما والمقابلات مع المسؤلين الكبار وتصريحاتهم الطيبة تبعث فينا الطمأنينة وتبشّرنا بالخير العميم..وآخر تلك المقابلات حينما تشرّف بعضنا باللقاء مع مقامكم الكريم بالقصر العامر بجدة..وتوالت الأيام وإذا بالمجن ينقلب من قفاه ويحدث ما لا يخطر على فكر مسلم أو يمر بخلد..الخ ".
ثم طالبت الرسالة بتفسير الاجراءات التالية :
(1ـ عدم توظيف الشيعة حتى من ذوي التخصصات النادرة في شركة ارامكو، مع انها أصبحت سعودية مائة بالمائة، في الوقت الذي توظف أعداداً أخرى من غير الشيعة.
2 ـ عدم توظيفهم في المؤسسات الحكومية كجامعة الملك فيصل التي امتنعت عن توظيف كل من الدكتور حسين بو سرير، والدكتور احمد سالم، وكلاهما قد ابتعثتهما على حسابها، حيث تخصص بو سرير في الغدد الصمّاء لدى الأطفال، بينما حاز احمد سالم على ميدالية التفوق في الجراحة..كما امتنعت الجامعة من قبول الأطباء المتقدمين للتخصص في قسم طّب الأطفال، وهم الدكتور حسين شعبان ورفقاه، وامتنعت من توظيف الدكتور علي الجامع.
3ـ عدم قبول دخولهم الجامعات ـ بنين وبنات ـ إلاّ النزر اليسير، رغم تفوقهم وحصولهم على الدرجات العالية.
4ـ عدم ترقية المستحقين منهم إلى المراتب التي يستحقونها بجدارة، في حين نال غيرهم بأقل من مؤهلاتهم.
5ـ حركة نقل الموظفين منهم إلى وظائف أدنى وتجريدهم من مراكز كانوا يقومون بها خير قيام، تلفت الإنتباه..".
وتمضي رسالة الوجهاء إلى الملك صريحة معبّرة: " الحديث يطول وكلّة آلام..وأنت حاكم علينا والله حاكم عليك، فافعل معنا ما تحب أن يفعله الله بك يوم القيامة..يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم توفى كل نفس ما كسبت..فماذا يمكن أن يكون إذا سدّت أبواب العمل في وجوه الناس، ووضعت العراقيل في إكمال دراستهم، وحرموا من الحصول على أرضهم، وضويقوا في وظائفهم وأعمالهم، وكفّروا وهم مسلمون، وشتموهم مقهورين، واتهموا بالكيد للإسلام والمسلمين..".
وفي عريضة حديثة قدمّها الوجهاء إلى الأمير محمد بن فهد بناء على طلبه في بدايات شهر ربيع الثاني 1410هـ، جاء فيها : أن المنطقة الشرقية " تأتي الثالثة في التسلسل التاريخي من حيث إنضوائها تحت علم الدولة، والاولى من حيث الموارد المالية، لكنها لم تنل إلاّ البسيط الذي لا يكاد يذكر، إذا ما قارناها بما نالته غيرها من المناطق في المملكة، وهي مع ذلك لا تمر مناسبة إلاّ وتعلن تمجيدها للدولة وخطواتها الرائدة، في حين أننا نتّهم في ولائنا، وينسحب الشك على الجميع لكل حدث، لابسبب الاحداث بل بسبب الروح الطائفية التي نمت بدل أن تضمر ويذبل عودها، فتصاعدت ضدّنا الحملات المسعورة بالاغراء والإفتراء في الكتب والصحف والإذاعات وخطب الجمعة والمحاضرات، حرب إعلامية شعواء لا هوادة فيها، وبدون وازع ولا رادع، بحيث صارت أبرز الصفات والنعوت لنا بأننا أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، وحين نعلن إسلامنا ونقوم بكافة شعائر الإسلام، يقال لنا أن فعلكم تقية في الظاهر وحقد وضغينة في الباطن، بحيث صارت النتيجة الحتمية لتلك النظرة وذلك الشك ما يلي :
* إمتناع شركة الزيت من قبول توظيف أي شيعي مهما كانت مؤهلاته العلمية، بينما تقبل ممن هو أدنى منه بدرجات.
* اعتماد هذا المبدأ لدى المؤسسات الأهلية والحكومية الأخرى حتى تفشت البطالة بين خريجي الجامعات، فضلاً عن غيرهم.
* نقل أعداد كبيرة من أبناء البلاد من وظائفهم إلى وظائف أدنى بدون مبرر،
* عدم قبول خريجي الثانويات في الجامعات والكليات إلاّ النزر اليسير، وكأنما يؤخذ للتغطية، وعدم قبولهم نهائياً في الكليات العسكرية..."
كان من الطبيعي أن تتصاعد حالات التمييز الطائفي في المؤسسات الأهلية أسوة بالمؤسسات الحكومية، وهذا لا يعود إلى تقليد أعمى بقدر ما هو نتيجة لإثارة الحساسيات الطائفية وتعميمها في الإعلام وكل المؤسسات الحكومية الأخرى...فأصبح المواطنون وبشكل تلقائي فريسة تلك السياسات الطائفية وذلك الإعلام المريض.
من جهة أخرى تأثرت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الشيعة والسنّة القاطنين في المنطقة الشرقية بشكل ملفت للنظر خلال العقد الماضي اكثر من أي وقت مضى، حتى بالقياس إلى عهد تسلط الاخوان في العشرينيات والثلاثينات الميلادية، رغم أن الكثير منهم يرتبط برباط قبلي.
فالى عهد جدّ قريب، كانت العلاقات طيبة تقليدياً وتوجد صداقات قوية بين أبناء الطائفتين، فضلاً عن المشاريع الاقتصادية المشتركة، وكان عدد كبير من الشيعة يعملون في مؤسسات يملكها مواطنون سنّة وبالعكس، ويمنح المتنورون من بين أصحاب هذه المؤسسات مستخدميهم الشيعة عطلة في الأيام العشرة الاولى من المحرم، كما ويتبرعون لمؤسسات خيرية شيعية [10]..لكن كل هذه العلاقات تهدمت وانقلبت الأمور رأساً على عقب، بعد أن رمت الدولة ومؤسستها الدينية الرسمية بثقلهما في الحرب الطائفية التي بلغت الذروة خلال السنوات العشر الماضية، ضمن حسابات سياسية إقليمية يعرفها الجميع.
لقد سدّت جميع الأبواب أمام الشيعة، فأينما توجهوا للعمل يرفضون، حتى في دوائر البريد والهاتف أصبح العمل فيهما شبه مستحيل..وحتى اولئك الذين كانوا يعملون كموظفين في المطار طردوا من أعمالهم فيه وهم بالمئات، وكانت أعمالهم تصنف ضمن الأعمال الوضيعة، وقد تم ذلك في عام 1408هـ، بل وأصبح قبول الشيعة في الطيران المدني متعذراً، ورغم العدد القليل من الطيارين المدنيين الشيعة، إلاّ انهم حرموا من قيادة الطائرة ووضعوا برتبة مساعدين، كما أقصيت مجموعة من العاملين في الصيانة للطائرات المدنية وفي قسم المراقبة.
-------------------------
يتبع . . .