مراكز إسلاميّة ونشاطات إعلاميّة وثقافيّة وتربويّة في لبنان والعالم
مؤسَّسة المرجع فضل الله: المسيرة الرساليّة مستمرة
|
التاريخ: 26 شعبان 1434 هـ الموافق: 05/07/2013 م |
بعد ثلاث سنوات على رحيل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، لا تزال مؤسَّسته تواصل مسيرتها الرساليّة والفكريّة والحركيّة، سواء في لبنان أو في الدول العربية والإسلامية، وصولاً إلى بلدان الاغتراب، معتمدةً بعد الله تعالى، على ثقة المؤمنين بها ودعمهم لها، ومرتكزةً على الأسس التي أرسى عمادها سماحة السيد(رض)، من خلال إيمانه بالمنهج المؤسساتي الذي يؤمّن الاستمرارية بعد رحيل المرجع، والذي عبّر عنه بنظرية "المرجعية المؤسسة". |
لا تزال مؤسسة المرجع فضل الله(رض) تواصل مسيرتها الرسالية في لبنان والعالم، معتمدةً على ثقة المؤمنين ودعمهم |
مرتكزات المشروع:
مشروع "المرجعيّة المؤسّسة"، الذي طرحه سماحة السيّد(رض) في كتاب "المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية"، يستند إلى ثلاثة مرتكزات أساسيّة:
المرجع: يرى المرجع فضل الله أنَّه ـ مضافاً إلى شرط الأعلميَّة لمن يقول بها ـ والصّفات الأخرى للمرجع، لا بدَّ من توافر صفاتٍ أخرى لكي يكون المقلَّد في الفتيا مرجعاً للشّيعة، لأنّ المرجع أصبح في الواجهة السّياسيّة في العالم، بعدما أصبحت مسألة الطّوائف أو الأديان تمثّل وجهاً من وجوه الحركة العالميّة… وقد أصبح النّاس يرجعون إلى المرجع في القضايا السياسيَّة والاجتماعيَّة، وما إلى ذلك من الأمور الّتي تقتحم على العالم الإسلاميّ كلّ مواقعه وقضاياه. وكذلك، فإنّ الفقيه لا يستطيع ـ في المرحلة الحاضرة ـ أن يعيش خارج نطاق قضايا عصره، باعتبار أنّ قضايا العصر، حتّى في الأمور الفقهيّة، تمثّل موضوعات الأحكام الّتي يحتاج المجتهد إلى أن يستنبطها ويحدّدها كمنهجٍ إسلاميّ في الحياة.
المؤسّسة المرجعيّة:يحدّد سماحة السيّد فضل الله منهجيّة العمل للمؤسّسة المرجعيّة على أساس دائرتين رئيستين:
أولاً: إبعاد المرجعيّة عن الصّفة الشخصيّة، وجعلها مؤسّسةً متكاملةً موحَّدةً لا تعيش الفواصل في شخصيّات المراجع، ولا يتحدّد امتدادها الزمنيّ بحياة المرجع، بل تضمّ مختلف الطّاقات الّتي يحتاجها المرجع في إطلالة المرجعيّة على العالم، فيستفيد من تجارب السّابقين ضمن التّراث المتوفّر لدى المؤسّسة لتستمرّ من بعده. |
عمل السيد(رض) على إبعاد المرجعيّة عن الصّفة الشخصيّة، وجعلها مؤسّسةً متكاملةً لا يتحدّد امتدادها الزمنيّ بحياة المرجع |
ثانياً: أن تتخلّى المرجعيّة عن حالتها التّقليديّة المتمثّلة بانكفاء الوسط الحوزويّ، بعيداً عن الاهتمامات العامّة في حياة المسلمين، فلا بدّ للمرجعيّة من أن تطلّ على قضايا العالم السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ مشروع المرجعيَّة المؤسَّسة في امتداده الواقعيّ، بحاجةٍ إلى رأيٍ عام على مستوى الانتشار الإسلامي الاجتهادي الشيعي، يؤمن به ويدعمه ويتفاعل معه، ولا سيّما من خلال توفير الإمكانات التي تساعد حركة المؤسّسة المرجعيّة، وتطوّرها في بنيتها التنظيمية، وتهيّئ لقيادتها فرصة التأييد الانتخابي، وغير ذلك مما لا يتناسب مع أية مرجعية فردية محدودة الإمكانات، ولا سيما مع الحرب المجنونة الظالمة التي تستهدف المرجعيات الواعية والطليعية من قبل أكثر من فريق من الناس.
وعلى هذا الأساس، يقول سماحته:
"المرجعيّة المؤسّسة هي هيكل متكامل ينطلق من واقع إسلامي شيعي، يتحرّك مع الحوزات في التخطيط في خطّ فقهيّ يذهب إلى الفتوى بعدم ضرورة الأعلميّة في المرجع، مع توافق المجتهدين على مرجع واحد؛ وهذا أمر يحتاج إلى جهد فقهي، وإلى تعبئة فكريّة على مستوى الحوزات أوّلاً، وعلى مستوى الواقع الشيعي في العالم ثانياً؛ لأنّ الواقع الشيعي ـ كما الحوزات ـ لا يزال ينفتح على المرجعيّة الشخصانيّة، مرجعيّة الشخص لا مرجعيّة المؤسّسة".
سياسة الصرف المالي:
في الجزء الأول من رسالته "فقه الشريعة"، بيّن السيّد(رض) تشخيصه لأولويّات صرف الحقوق الشرعية، بما نصّه:
"إنّ هذه الأولويّات تندرج في دائرتين مترتّبتين في الأهميّة:
الأولى: بذل سهم الإمام في كلّ ما فيه نشر لتعاليم الإسلام وترسيخها، بما في ذلك حماية الإسلام وأوطانه من الاعتداء، فيدخل فيها تمويل مراكز الدعوة والتبليغ، وإعداد العلماء والمبلّغين، وإنشاء الجامعات والمعاهد الدينية، وطباعة الكتب".
الثانية: "بذل سهم الإمام في إقامة المشاريع الحيويَّة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات ومعاهد علميَّة ومشاريع اقتصاديّة ضروريّة، مثل مشاريع الريّ واستصلاح الأراضي ونحوها، ممّا يعجز عنه الأفراد ويحتاجه الناس، وكذا مساعدة الضّعفاء والفقراء بالمال والمؤسّسات التي ترعى شؤونهم وتيسِّر أمورهم، وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تدخل في هذا المجال".
كذلك، فإنّه(رض) عمل بنظريّته التي أطلقها: "المؤسّسات تبقى والأشخاص يزولون"، ولذلك، كان سماحته لا يتوانى عن الإجازة بصرف الحقوق الشرعية لمشاريع يعلم أنّها تخدم الناس في منطقتهم، ولا سيّما في بلدان الاغتراب والهجرة، حتّى لو كان لديه ملاحظات على القائمين عليها في حسابات العلاقات السائدة في الأوساط المرجعيّة؛ ويُمكن القول إنّ كثيراً من المشاريع التي كانت تقوم بها جهات إسلاميّة، قامت من خلال إجازة السيّد(رض)، مع أنّها ليست محسوبةً عليه في عمله المؤسّسي.
ومن نظريّة السيّد(رض)، أنّه كان لا يربط الصرف بالأشخاص، بل كان يوجّه إلى البدء بإنشاء المؤسّسات، ليرى الناس بدء المشاريع الحيويّة على الأرض، فيدفعهم ذلك إلى دعم هذه المشاريع، وإن بشكلٍ غير مباشر..
كما أنّ المؤسّسات التي أسّسها السيّد(رض) هي مؤسّسات ذات منافع عامّة، ويشرف عليها اليوم ثلّة من العلماء الواعين، من تلاميذ السيّد وحملة نهجه، وهي تنطلق بشفافيّة في موارد الصّرف الّتي يفتي كلّ الفقهاء باعتبارها من الأولويّات؛ بل هي التي ذكرها القرآن في كتابه العزيز، وهي الأيتام والفقراء والمساكين والدّعوة إلى الله ونشر العلم، وهذا الأمر لا يُتصوّر من فقيه عدم صدور الإذن في الصّرف فيه؛ بل يُحرز الإنسان رضا الله عزّ وجلّ فيه؛ فإنّه وفي فترة ما بعد رحيل المرجع العلامة فضل الله(رض)، عملت المؤسّسات التابعة على رفد مسيرة تطويرها واستمرارها المالي عبر حصول المؤسّسات على إجازات من مراجع التقليد لصرف حقوق في مواردها.
وفي كلّ الأحوال، فالمؤسّسات الَّتي تركها السيّد(رض) واضحة في سياساتها وفي نتاجها، وهي مؤسّسات رائدة، وتمثّل نماذج تُحتذى في هذا الصّعيد، وتسعى إلى بناء الإنسان الرّساليّ المؤمن والملتزم والمنفتح على الواقع وقضاياه المحقّة، وهي من النّاس وإليهم ـ كما كان يؤكّد السيّد(رض) ـ وليست تابعة لأيّ جهة سياسيّة أو غيرها، والناس ـ في الدّرجة الأولى ـ هم الذين يتحمّلون مسؤوليّتهم تجاهها، لتتحمّل هي مسؤوليّتها تجاههم، من دون ارتهانٍ لأحد.
استمراريّة المرجعية:
لم تقتصر فكرة المرجعيَّة المؤسَّسة على النظريَّة، بل جرى تطبيقها في أرض الواقع؛ فاليوم، بعد ثلاث سنوات على رحيل سماحة المرجع السيد فضل الله(رض)، لا تزال مرجعيته حاضرةً في العالم على مختلف المستويات، سواء في الجانب الشرعي الفقهي أو في الجوانب الأخرى، حيث إن معظم مقلدي سماحته(رض) مستمرون على تقليده ضمن الإطار الشرعي للتقليد، كما يلجأ كثيرون إلى تقليد سماحة السيد ابتداءً، ويقوم البعض الآخر بالعدول إلى سماحته من مراجع أحياء، لما لمرجعيته من أثر كبير في عقول الناس وقلوبهم، وخصوصاً الشباب. |
معظم مقلدي سماحته(رض) مستمرون على تقليده ضمن الإطار الشرعي للتقليد، ويلجأ الكثيرون إلى تقليده ابتداءً |
ويُتابع العلماء في المكتب الشرعي لمؤسسة المرجع فضل الله(رض) عملهم في الإجابة عن أسئلة النّاس، استناداً إلى خبرتهم الطويلة التي اكتسبوها من خلال العمل تحت إشراف سماحة السيد(رض) في فترة حياته الشريفة، مزوّدين بالأرشيف الضّخم للاستفتاءات والإجابات التي تشكّل مرجعيّةً لهم في المراجعة والتّدقيق.
ويقوم السادة العلماء في المكتب الشرعي بالإجابة عن الاستفتاءات الشّرعيَّة الواردة، بحسب الرأي الفقهي لسماحة المرجع فضل الله(رض)، سواء عبر البريد الإلكتروني، أو عبر الهاتف، أو من خلال التواصل المباشر مع المراجعين.
ويشمل عمل المكتب، إصدار الكتب الفقهيّة الخاصة بسماحته وإعادة طباعتها بعد مراجعتها ومراجعة الإصدارات الفقهية طبق آراء سماحته، كما يشمل الإطلالة الإعلامية عبر الإذاعة والتلفزيون في برامج شرعية في الفقه والعقائد.
ويتولّى المكتب مهمّة تحديد بدايات الأشهر القمريّة وفق المبنى الفقهي لسماحة السيّد(رض)، والإشراف على التقويم الصادر عن المؤسسة. ويلاحظ في هذا المجال مدى التزام المقلدين بما يصدر عن المكتب.
وقدّ تم إنشاء "الهيئة الشرعية" الَّتي تهتم بمتابعة الشّؤون الشرعيّة ومناقشتها وإصدار البيانات، وهي تضمّ أصحاب الكفاءة والخبرة من تلامذة سماحة السيّد(رض) الَّذين عملوا سنوات طوال بتوجيهاته.
أما مكتب القضاء الشرعي في المؤسسة، الذي انتدب له سماحة المرجع السيّد(رض) علماء دين من ذوي الكفاءة والخبرة العلميّة في إدارة الخلافات وتطبيق الحكم الشرعي، من أجل العمل على حلّ المشاكل ضمن الموازين الشرعيّة للقضاء، فما زال يقوم بنشاطاته، بما يسهم في حل المشاكل الاجتماعية وإصلاح ذات البين، حيث يتابع عشرات الحالات التي تفد إليه أسبوعياً.
ويواصل المعهد الشَّرعي الإسلامي عمله تحت إشراف دائرة شؤون الحوزات في المؤسَّسة، والَّتي تضم عدداً من العلماء الذين تتلمذوا على سماحة السيد(رض). وينتسب إلى المعهد سنوياً عدد كبير من الطلاب من لبنان، كما يستقبل في قسمه الداخلي، طلاباً من دول أفريقية وإسلامية عدّة.
أما دائرة التبليغ الديني، فتتابع نشاط المبلغين الَّذين ترسلهم المؤسسة إلى بلاد الاغتراب والهجرة في قارات العالم الخمس، بما يلبّي متطلبات العمل التبليغي والدعوي، كما تقوم بدورها التبليغي في المساجد والمراكز الإسلامية في أنحاء مختلفة من لبنان، حيث يمتد نشاطها إلى أكثر من حوالى خمسين مسجداً ومركزاً إسلامياً، إضافةً إلى عدد كبير من المساجد في القرى والبلدات المختلفة في مناطق الجنوب والبقاع، حيث تنظّم الدائرة عمل المبلّغين، وترفدهم بكلّ جديد على صعيد الفكر الإسلامي الأصيل الذي مثّله السيّد فضل الله(رض). |
تولي المؤسّسة كلّ الاهتمام للمسلمين في بلاد الاغتراب، وقد عملت على إنشاء المراكز الإسلاميّة على امتداد قارات العالم الخمس |
من جهةٍ ثانية، تواصل المؤسّسة نشاطاتها الثقافيّة والإعلاميّة باستمرار. فعلى المستوى الإعلامي، تستمر في نشر رسالتها الإسلامية من خلال عدد من الوسائل الإعلامية التي تقدّم الإسلام الوحدوي الأصيل وتنشر فكر أهل البيت(ع) إلى العالم بطريقة حضارية، ومن أبرزها: قناة الإيمان الفضائيّة التي تبثّ عبر القمر الصناعي "النايل سات" والتي انطلقت في العام 2010 بعد رحيل السيد(رض)، وإذاعة البشائر، وموقع بينات الإلكتروني، ومجلة بينات، إضافةً إلى شبكة من المواقع ووسائل التّواصل الاجتماعي.
وتعمل المؤسَّسة على حفظ تراث السيد المرجع فضل الله(رض) ونشره، سواء الورقي أو السمعي ـ البصري، وقد أصدرت مؤخراً "موسوعة الفكر الإسلامي" في تسعة مجلدات، تتناول بشكل أكاديمي الموضوعات والحقول التي تناولها السيد(رض) كافة، وشارك في إعدادها 24 كاتباً وباحثاً من ثماني دول عربية وإسلامية.
كذلك، تواصل دار الملاك، نشر كتب سماحة السيد(رض) ومؤلفاته، باللغة العربيّة ولغات أخرى، أبرزها اللغتان الإنكليزيّة والفرنسيّة، كما يجري العمل على نشرها بعدد من اللغات العالميّة.
وتولي المؤسَّسة كلّ الاهتمام للمسلمين في بلاد الاغتراب، حيث تعمل على إنشاء المساجد والمراكز الإسلامية الثقافية والاجتماعية، إضافةً إلى المدارس الإسلاميّة، وتنتشر فروع المؤسّسة في عدد من الدول، وأبرز هذه الفروع:
مسجد الرحمن في سيدني ـ أستراليا، جمعية الحسنين(ع) في برلين ـ ألمانيا، مدرسة الحكمة في بوركينا فاسو، المركز الإسلامي في أبيدجان، مركز الإمام الصادق الثقافي في النجف ـ العراق، المركز الإسلامي في قم ـ إيران، إضافةً إلى نشاطات تمتد إلى سوريا والبحرين وكندا والبرازيل والباراغواي وغيرها من البلدان... |
|