إقرأ كتاب..|...*~نظرة إسلامـية حول عاشــوراء~*...لـ العلامة المرجع السيد فضل الله(رض)
"نظرة اسلامية حول عاشوراء" هو عنوان لكتيب صغير للعلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله "حفظه الله" لكنه صغير بالحجم وكبير جدا بالمضمون، ويختصر قيم عاشورائية كبيرة جدا بشكل رائع، كما يختصر كتاب (من وحي عاشوراء) و (حديث عاشوراء) الرائعين أيضا،وهذه دعوة لكل من لم يقرأه بأن يفعل ذلك لأنه يستحق القراءة فعلا...
~*¤ô§ô¤*~*¤ô§ô¤*~
لماذا الإستغراق في الماضي؟
قد يتسائل البعض: ماهو مبرر إثارة ذكرى عاشوراء في كل عام بالنحو الذي يستثير البكاء والحزن على واقعة مضى عليها أكثر من ثلاثة عشر قرنا؟ فإن أي تاريخ لا بد أن يحتوي الكثير من المآسي الخاضعة لظروفها الموضوعية، إن في دائرة الصراع بين خطين أو في نطاق حركة الأقوياء ضد المستضعفين، مايجعل من مسألة المأساة التاريخية أمرا طبيعيا يجب التعامل معه على هذا الأساس. وقد يعتبر بعض آخر أن عاشوراء عنصر إثارة للحساسيات المذهبية، خصوصا وأن السياق التاريخي لإحياء الذكرى جعلها قضية شيعية موجهة ضد السنة، باعتبار أن السنة يحترمون بني أمية، مايجعل الحديث عن هؤلاء بشكل سلبي (تفرضه طبيعة الإحياء) قد يترك نتائج سلبية على واقع الوحدة الإسلامية، أو على واقع السلم الإسلامي العام.
أمام هذين الطرحين يمكن إبراز ملاحظتين:
أولا: حضارية إحياء التاريخ
إن مسألة استعادة التاريخ عن طريق إحياء ذكراه هو أمر إنساني حضاري تحافظ عليه الشعوب والمجتمعات على اختلاف اتجاهاتها وثقافاتها، حيث نجد العالم كله يحتفل بكل سنة بذكرى قد تتصل بانتصار وطني أوقومي في معركة قد ترقى الى مئات السنين، أو بمأساة قد تكون نتيجة صراع اجتماعي أو سياسي يرقى الى عشرات أو مئات السنين، وليست احتفالات الإستقلال التي تحييها الدول إلا شاهد ودليل على تجذر هذا السلوك في الوجدان الإنساني العام. ثم إن الحاضر في كل مواقعه لا يعيش انفصالا عن التاريخ، حيث نجد أن الإنسان الذي يحاول أن يؤكد نفسه ويؤصل مرحلته ويركز خطواته في الإتجاه الذي يريده في تقدمه وتطوره، يشعر بأن في التاريخ نقاطا مضيئة تبقى حاجة لكل مرحلة يعيش فيها نوعا معينا من الظلام، أو أن فيها درسا يرتبط بالحياة كلها ولا يقف عند مرحلة معينة، أو لأن هناك حاجة الى نوع من أنواع الإثارة التي لا يجد الإنسان عناصرها الحيوية في الحاضر فيحاول أن يجتذبها من خلال التاريخ. كل ذلك يجعل من مسألة استعادة التاريخ أمرا حيويا ذا فوائد كثيرة في حياة الإنسان، ولعل هذا الأمر هو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)، والذي يؤكد على أن قيمة التاريخ في الإسلام هي قيمة العبرة التي تفتح الحدث على الفكرة، وترصد الثوابت التي لا تخضع في خصوصياتها للفترة الزمنية، بل تشمل كل خطوط الزمن من خلال أنها خصوصيات الحياة كلها، وهذا هو الأمر عينه الذي يجعلنا نرتبط بأشخاص التاريخ ورجاله، خصوصا من كان منهم في المواقع القيادية للإسلام، لأن حركتهم ليست حركة اللحظة التي عاشوا فيها، بل هي حركة الرسالة المتجسدة في خطواتهم الفكرية والروحية والعملية.
وعلى ضوء ذلك فإن مسألة إحياء ذكريات الماضي التي تطل على الحاضر والمستقبل من خلال العبرة والموعظة والدرس ليست مسألة ضد الحضارية، بل تنطلق من عمق الحضارة الإنسانية فيما هي قيمة حركة الإنسان في صنع التاريخ، وإن أمة لا تعيش ذكرى تاريخها هي أمة لا تعيش روحية الإمتداد في المستقبل.
ثانيا: عاشوراء ليست فئوية
إن القاعدة الإسلامية القرآنية تركز على أن الماضي هو مسؤولية الذين عاشوه وصنعوه، سواء في الدوائر السلبية أو الإيجابية، وذلك قوله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ما كسبتم ولاتسئلون عما كانوا يعملون)، فليس المجد التاريخي مجدا لنا بالمعنى الحركي للمجد، بل هو مجد الذي صنعوه، وعلينا في الوقت عينه أن لا نحمل الآخرين مسؤولية سلبيات التاريخ فيما هو التوزيع بين فريق وفريق، يرتبط أحدهما بفئة تاريخية تصارعت مع فئة أخرى يرتبط بها الفريق الآخر.
وعلى هذا الأساس لا يتحمل الشيعة في الحاضر مسؤولية بعض السلبيات التي عاشت في دائرة الخلاف السني الشيعي في الماضي، ولا نحمل السنة المعاصرين مسؤولية ماجرى على الشيعة سلبيا من قِبل الذين التزموا المذهب السني في التاريخ، بل إن الشيعة والسنة اليوم يعيشون عصرا واحدا ومرحلة واحدة، وهم مسؤولون عن حركتهم فيها، في الوقت الذي تبقى هناك وجهات نظر في فهم الإسلام وحركيته، أو في تقديس هذا أو ذاك، مما يمكن أن يتحاور الجميع فيها من خلال آليات الحوار.
وعلى ضوء ذلك فإن من الخطأ اعتبار عاشوراء مناسبة موجهة ضد السنة من قِبل الشيعة، خصوصا وأن يزيد لا يمثل قيمة إسلامية سنية ليعتبر رفضه ضد القيمة، كما أن من الخطأ الإنطلاق في إحيائها على هذا الأساس، فإن عاشوراء هي قضية إسلامية بامتياز تعني المسلمين جميعا، وليس المعني بها فريق دون الآخر.
وفي هذا الإطار نحب أن نشير الى الأسلوب العقلاني الذي ركزه القرآن الكريم في إدارة حركة الإختلاف، والذي يقوم على اللقاء على النقاط المشتركة والحوار فيما اختلف فيه، لكي تكون عاشوراء حركة في الوعي، لا حركة في الإنفعال، لأن الإنسان عندما يفكر فإنه يستطيع أن يفهم الواقع والأرض التي يقف عليها، والأجواء التي تحيط به، والأوضاع السياسية التي تتحرك في العالم وتؤثر فيه. أما الإنفعال فإنه يجعلك تتحمس من دون أن تملك حتى موقعك أو إرادتك أو موقفك. نعم، نحن نحتاج إلى الحماس والإنفعال، ونحتاج إلى أن نهتف ونصرخ، ولكن قبل ذلك لابد أن نفهم لماذا نتحمس ونهتف ونصرخ.
إن العاقل لابد أن يفكر في نتائج الكلمة قبل أن يطلقها، وفي أهداف العمل قبل أن يتحرك فيه، ولا يمارس حركة الخلاف من خلال السب واللعن على أساس تفجير الغيظ وتنفيس الحقد.. والسؤال هنا: عندما يفجر الشيعي غيظه ويسب مقدسات السنة، فهل سيتحول السني إلى التشيع؟ وهل عندما يفجر السني غيظه فينال من مقدسات الشيعة يكون في خط الدعوة إلى فكره وعقيدته؟ والله سبحانه قد ركز لنا خط التعاطي مع مقدسات أي فريق من الناس، فقال تعالى: (ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم)، فإذا سببت مقدسات الآخر فإنه سينطلق برد فعل ليسب مقدساتك. وقد استلهم الإمام علي عليه السلام هذه الآية وهو يوجه نقده لبعض جيشه وقد سمعهم يسبون أهل الشام الذين أتوا لحربهم، فقال: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به)
إن علينا أن ننطلق في خط الوحدة الإسلامية التي لا تعني أن يتنازل كل فريق عن قناعاته، بل تعني أن يلتقي المسلمون جميعا على ما اتفقوا عليه، ويتعاونوا في القضايا المشتركة، ويتحاوروا في القضايا التي يختلقون فيها بطريقة علمية موضوعية، خصوصا عندما يعيشون في مناطق مشتركة تمثل نوعا من خطوط التماس المذهبية بشكل وبآخر، حيث قد ينطلق البعض ليجعلوا من بعض المناسبات (كعاشوراء) مسائل لإثارة النعرات المذهبية.
ولذلك حرمنا (من موقعنا الفقهي) على كل إنسان أن يرفع أي شعار يثير الحساسيات المذهبية، أو يتكلم بأية كلمة تصب في ذلك الإتجاه، مع المحافظة على أسلوب الحوار والجدال بالتي هي أحسن، لأننا نريد أن ننطلق جميعا من أجل قوة الإسلام، خصوصا في المراحل التي تمر بها أمتنا، والتي هي من أخطر المراحل على الإسلام والمسلمين في العالم أيا كانت مذاهبهم واتجاهاتهم.