ضحايا ام ماذا؟! فتيات يعشن خارج حدود المألوف والمعلوم
من يتابع نشاط الفاتيكان يكتشف أن هذه المؤسسة التبشيرية الضخمة وغيرها من مؤسسات تبشيرية كنسية أخرى تعمل على تأسيس مراكز وملاجئ في الكثير من البلدان، تديرها على الأغلب راهبات تشع عيونهن بالبراءة والشفقة والتفاني في تقديم الخدمات للمحتاجين. الكثير من هذه المراكز تعمل في مناطق الإنحراف، والضياع والتعاسة البشرية، توفر ما تستطيع توفيره من ماعون يسد رمق جائع، ومركز تدريب يتعلم منه الإنسان التائه مهنة يعتاش منها، وملجأً يلتجئ إليه من ساقه الضياع إلى أوحال الإستغلال الغير شريف. في ظروف تنعدم فيها سلطة الدولة ومؤسساتها، وفي ظروف يسيطر الفساد والسرقة على هذه المؤسسات، تتجه العيون إلى السلطة الموازية التي قد تتمكن من العمل، سلطة ما يسمى بمرجعيات التقليد.
مرجعياتنا تتوفر على ألوف الملايين من التي تضيع هدراً على أمور أقل ما يقال عنها أنها تافهة، وفي خضم واقع أليم وماساوي، لا أتصور أن هذه المرجعيات والوكلائيات لا تتوفر على إمكانيات مالية أو لوجستية، أو على مستوى الكادر كي تنشأ ملاجئ من هذا النوع، تساعد من ساقته تعاسته إلى مواطن الإنحراف والجوع والرذيلة إلى أن يعود إلى مواطن الإستقامة. وعلى أقل تقدير، مساعدة من في طريقه إلى أن يفقد إنسانيته أن يعود إلى إنسانيته.
أظن أننا ننفخ في قربة مثقوبة، وتتوالى الأموال، والخبرات تتراكم وتنهب في مواقع التجهيل والتكفير والإستعراض. هل ستنتقل هذه المرجعيات إلى مستوى إنسجام العقل والضمير، وتبدأ تتفاعل مع قضايا المجتمع الذي يحتضنها ؟؟؟ إقرأ هذا التقرير المؤلم.
--------------------------------------------
ضحايا ام ماذا؟! فتيات يعشن خارج حدود المألوف والمعلوم
محمد درويش علي
فتيات صغيرات بعمر الورود، يتنقلن من مكان لاخر، وسط الاسواق العامة، والمناطق المشبوهة، يترنحن تحت وطأة الحبوب المخدرة، ورائحة السيكوتين، والمشروبات . ترأف لحالهن عندما ترى واحدة منهن، وقد هدها الخدر وهي تتمدد في اقرب ساحة او حديقة عامة، وكثيراً ماترى احد الشباب المنحرفين يداعبها بشكل يثير القرف والغثيان.
انهن فتيات يعشن خارج حدود المألفوف والمعقول، بعيداً عن الالفة والعائلة، قريباً من الهاوية والانحدار النهائي نحو مسالك الردى، المتمثل بالدعارة والبغاء.
سالت امراة تبيع الشاي في عربة متنقلة في البتاوين: ماقصة هؤلاء الفتيات؟
نظرت الي باستغراب واجابت: بنات شوارع.
وسألتها ثانية: ليس لهن احد يردعهن؟
اجابت: اعرف احداهن، لها اب يستعطي قرب الاضوية المرورية، ياتي في المساء يبحث عنها، وعندما يعثر عليها، يوجعها ضرباً ثم ياخذها الى البيت، وعرفت انه تقصد بالبيت غرفة في احدى الدور، تدخل احد الواقفين واضاف: هذا الرجل الذي تقصده المراة، كان رجلاً محترماً في وقت من الاوقات، الا ان زوجته كانت خارجة عن الطريق، فقتلها اخوتها، وتركوه رأفه به، فاختل توازنه النفسي ومارس الاستجداء وترك منطقته واهله ومعه ابنته!
سألته عن البقية، فاجاب: بان لكل واحدة منهن قصة تحتلف عن الاخرى، منهن لقطيات، ومنهن ابنة لامراة منحرفة وهكذا.
تحتفظ ذاكرتي بصورة لفتاة صغيرة تتبع امها التي كانت تستجدي في دروب بغداد، وفي ليلة من الليالي، وانا اروم دخول مطعم في البتاوين، وكان هذا في تسعينيات القرن الماضي، فاذا بي اليوم ارى صبية في عمر الورود بيدها سيكارة تطلب مني مبلغاً ما، لشراء وجبة اكل لها، حسب ادعائها، فاستعدت صورة تلك الفتاة الصغيرة، وسالتها:اين ذهبت امك التي كنت معها في سنوات ماضية؟
قالت دون ان تسالني من اين عرفت ذلك: انها ليست امي، وتركتني جوعانه طوال الوقت، لذلك هربت منها.
سالتها ثانية: الا تخافين منها اذا ما استدلت عليك؟
اخرجت سكينا من جيبها وقالت: فلتأتي وعندها تعرف من انا!
هؤلاء الفتيات يغضبن يومهن بين ازقة البتاوين والباب الشرقي وتحديداً في الازقة الموازية لسينما غرناطة، وسينما بابل أما في الليل فينمن تحت الطاولات الخارجية للمقاهي، او يرتمين في احضان باردة لاحد المنحرفين كبرودة الحياة التي يعشنها.
ياترى من يتحمل المسؤولية في منع هؤلاء الصبايا من الانحراف النهائي واعادتهن الى الحياة الصحيحة فهل يحق لام منحرفة ان تجرف معها ابنتها، او اب مدمن على الانحراف، ان يجرف معه ابنته الى شاطئه العفن؟!
المدى