-
شيئ من التاريخ
مذكرة جماعة العلماء الشيعة في بغداد والكاظمية إلى رئيس الجمهورية العراقية الأسبق عبد السلام عارف في 18 رمضان 1383
الموافق 2/2/1964
بسم الله الرحمن الرحيم
((وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين))
حضرة المشير الركن الحاج عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد : فإنكم تعلمون جيداً أن المستعمر الكافر منذ أن غزا بلادنا الإسلامية لقي المقاومة العنيفة من أمتنا المسلمة بقيادة علمائها
الأعلام . واستمرت هذه المقاومة حتى بعد أن أخضع البلاد عسكرياً لسلطانه الجائر ، مما اضطره أخيراً للتظاهر بالنزول عند
مطاليب الأمة في قيام حكومة للبلاد تتبنى الإسلام وتعمل بأحكامه فاعتبرتها الأمة نتيجة رائعة لجهادها الطويل الصابر ، وانجلت
الحقيقة المرة وأسفر الصبح لذي عينين وتكشفت الحكومة يومذاك عن واقعها المساير للإستعمار البغيض ومحققة لاهدافه في تفريق كلمة المسلمين ، وإثارة الخلافات والحزازات في صفوف الأمة وضرب بعضها ببعض، وإبعادها من مبادئها وعقيدتها ، وعزل الإسلام عن كل مجالات الحياة، وفرض القوانين المستوردة والتشريعات الوضعية الجائزة على شعب يدين بالإسلام عقيدة ونظاماً ولا يبغي به بديلاً وبذلك ضمن الكافر البقاء لنفسه وراء الحاكمين من عملائه .
وعادت الأمة إلى جهادها مرة أخرى ، وقاومت تلك الحكومات ، وتشريعاتها المخالفة للشريعة المقدسة ، وحدثت الهوة السحيقة التي فصلت الحكومة عن الرعية وتركتها بمعزل عنها ، مما أوجب لها الإضطراب الدائم والقلق المستمر .
وكانت الحكومة يومذاك ، متناسية ، مركز العراق القيادي للأمة الإسلامية والمرجعية العليا في الجامعة الكبرى في النجف الأشرف ، والتي يستمد منها العالم الإسلامي أحكامه ومعارفه ، وإرشاده وتوجيهه ، بواسطة علمائه الأعلام المتخرجين من تلك الجامعة الكبرى.
وتعاقبت الحكومات متتالية ، وكلها تتسم بطابع تقليدي واحد ، وهو الإستبداد الطاغي والإرهاب المريع ، والحكم بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) .
ولم يترك العلماء الأعلام ومن ورائهم الأمة مقاومتهم الصامدة للحكومات في مختلف العهود ، وفي شتى المناسبات مما سجله تاريخ الجهاد الإسلامي بأحرف من نور .
ثم جاء يوم الرابع عشر من تموز وظنت الأمة فيه تحقيقاً لأمالها العذاب على أولئك (الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربهم سوط عذاب ، إن ربك لبالمرصاد) .
ولكن سرعان ما بدت الحقيقة مريرة مؤلمة ، كالحة ، يوم استبد بالحكم طاغية تلاعب بشريعة الله سبحانه ، وأجهز على آخر ما تبقى للإسلام من أحكام في حياة المسلمين ، بتشريع قانون للأحوال الشخصية(1) ، الذي يخالف القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة وفسح المجال لشذاذ الأرض وزمر الضلال ، فمزقت كلمة الأمة ، وشتت جمعها ، وبعثرت طاقاتها ومرت الأيام عصيبة مروعة ، تحمل في طياتها المجازر الوحشية القاسية والإرهاب المدمر الدامي ، حتى إذا برح الخفاء ، وانقطع الرجاء ، دوت في مسمع الدهر فتوى الإمام الحكيم (الشيوعية كفر وإلحاد) فانهزم الجمع وولوا الدبر ، وتفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن وجهه ونطق زعيم الدين ، وخرست شقائق الشياطين وطاح وسيط النفاق ، وانحلت عقدة الكفر والشقاق .
فاستفاقت الأمة من سباتها ، لتستطلع إلى تباشير الخلاص ، تبدو في الأفق القريب مشيرة إلى نهاية الظلم ومصرع الطغيان .
ودقت ساعة الصفر ، وكان اليوم الرابع عشر من شهر رمضان ، فاستقبلته الأمة متسائلة عن المستقبل الغامض ، حتى إذا مرت أيام معدودة ، وإذا بالشيطان يطلع رأسه من مغرسه هاتفاً بأتباعه وأنصاره ، فألفاهم لدعوته مستجيبين وللغرة ملاحظين ، وليشهد العراق هدر الكرامات ، واستباحة المحرمات ، والتنكر لمبادئ الأمة الإسلامية ومقدساتها كل ذلك على أيدي الفئة الضالة المنحرفة .. وتلجأ الأمة إلى علمائها الذين أعلنوا بدورهم سخطهم وتنكرهم للوضع القائم ، وطالبوا بصراحة وشجاعة بالضرب على أيدي الطغاة الصغار .
والآن وبعد اليوم الثامن من تشرين ، وقد شرعت الحكومة في وضع دستور للبلاد ، فإن الأمة جاءت تطالبكم أن تحققوا آمالها التي بذلت في سبيلها الكثير من جهودها وجهادها ، وأن تعيدوا لها مجدها وعزتها ، باستئناف الحياة الإسلامية الكريمة في ضل راية القرآن الكريم ، وأحكام الشريعة المقدسة وإشاعة العدل في ربوعها ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وذلك بتحقيق المطالب التالية :
1 – إلغاء قانون الأحوال الشخصية ، وإعادة المحاكم الشرعية ، ليتاح للمسلمين مزاولة أحكامهم الشرعية وفق مذاهبهم ، هذا مع العلم إننا ما سمعنا بمثل هذا الإجراء مع الطوائف الأخرى غير الإسلامية ، في مجالسها الروحانية .
2 – مراعاة شعور الأمة في وضع الدستور والعمل على إخراجه بصورة لا يتنافى مع أحكام القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، التي لا يدين المسلمون بغيرها ولا يرتضون بها بديلا ، وتشريع مادة في الدستور تنص على عدم جواز وضع أي قانون يخالف الأحكام الإسلامية ، وبذلك تزيلون الفجوة السحيقة التي سببت فصل الأمة عن حكامها السابقين الذين فرضوا على الأمة قوانين لا تؤمن بها ولا تلتزم بشرعيتها (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) .
3 – إشاعة العدل والمساواة بين أبناء الأمة ، وعدم التمييز بينهم في مختلف المجالات لتمحوا آثار الكافر الغازي ، ولتضمنوا بذلك وحدة الكلمة وإشاعة الأمن والإستقرار في بلادنا الحبيبة .
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ، ولا يجر منكم شنآن قوم أن لا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى) .
4 – مكافحة التفسخ الخلقي الذي عمل المستعمر الكافر على إيجاده وتوسيعه في مناهج الإذاعة والتلفزيون والخمور واشباهها لتقظوا بذلك على وسائل هدم كيان الأمة الإجتماعي (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
5 – تعديل مناهج التعليم ، ووسائل التربية والتوجيه بشتى أنواعها ، ومختلف مجالاتها ، وتوجيهها توجيهاً سليماً لتكون أدوات فعالة لنشر المعارف الحقة في المجتمع ، والحث على التحلي بالخلق الإسلامي الكريم والعمل لإنشاء جيل مسلم صالح في البلاد ، (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) .
هذه هي مطاليب أمتنا الإسلامية التي اقتضت الحاجة عرضها وهي مثبتة من صميم عقيدتها وإيمانها ، والتي فرض الله تعالى عليكم السعي في تحقيقها والعمل على إنجازها ، (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) .
(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) .
وختاماً نرفع أكف الضراعة إلى الله سبحانه مبتهلين إليه بقولنا :
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله ، وتذل بها النفاق وأهله , وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك ، والقادة إلى سبيلك ، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
(الموقعون)
السيد أحمد الموسوي الهندي ، السيد إسماعيل الصدر ، الشيخ جعفر الساعدي ، السيد جعفر شبر ، السيد حسن الحيدري ، السيد حسين العلاق ، السيد صادق السيد جواد الموسوي ، السيد صادق الموسوي الهندي ، السيد عباس الحيدري ، الشيخ عبد الحسين الخالصي ، السيد عبد المطلب الحيدري ، السيد علي الحيدري ، الشيخ علي الصغير ، السيد محسن الموسوي ، السيد محمد الحيدري ، الشيخ محمد حسن آل ياسين ، الشيخ محمد حيدر ، الشيخ محمد الشيخ صادق الخالصي ، السيد محمد طاهر الموسوي ، السيد محمد علي الأعرجي ، السيد محمد مهدي الحكيم ، السيد مرتضى العسكري ، الشيخ موسى السوداني ، السيد مهدي الصدر، الشيخ مهدي النمدي الكاظمي ، الشيخ نجم الدين العسكري ، السيد هاشم الحيدري ، السيد هادي الحكيم .
[line]
عرف عن رئيس الجمهورية العراقية عبد السلام عارف الذي استلم زمام السلطة بعد انقلابه الثاني على البعثيين في 18 تشرين الثاني عام 1963 ، احد اكبر رموز الطائفية في العراق الجمهوري وكان يمارس طائفيته بشكل علني وصارخ دون يابه لمشاعر الملايين من ابناء الشيعة ، وبرز عبد السلام كحاكم طائفي لا ينازعه احد من قبل ، ففي احدى الاجتماعات لما يسمى بمجلس قيادة الثورة وكان جميع اعضائه قد حضروا مكان الاجتماع في القصر الجمهوري الا محسن الشيخ راضي وهو شيعي من النجف حيث كان الجميع ينتظرون قدومه لبدء الاجتماع ، فما كان من عارف الا ان بادر الحاضرين قائلا :"لماذا ننتظر هذا العجمي ؟ دعونا نبدا الاجتماع". وفي حادثة اخرى مشابهة يذكر هاني الفكيكي عن عبد السلام :"ونظرة عبد السلام الى الاكراد لم تكن افضل حالا من نظرته الى المسلمين الشيعة ، اذ كان يردد باستمرار كلمة الشعوبية بالمعنى والقصد اللذين كان يستعملهما بعض الطائفيين في محاربتهم لعرب العراق الشيعة ، واذكر اننا ، محسن الشيخ راضي وانا ، وصلنا مرة متاخرين الى جلسات مجلس قيادة الثورة فقال عبد السلام : جاء الروافض ، وكان يقصد بذلك اننا شيعيان ".
المصدر عوني الداودي.