حسين شبكشي: بيانات المقاولة

كلمات منصفة يقولها هذا الرجل، نحتاجها في فورة الطائفية التأريخية في زمن القنابل والصواريخ وأسلحة الدمار.


بيانات المقاولة

حسين شبكشي

كلمة شيخ في العالم العربي تحمل أكثر من معنى، وتستخدم في أكثر من موقع. فهي تارة تستخدم لتعريف رجل كبير في السن، ومرة أخرى تستخدم لوصف الوجهاء والأعيان وكبار رجال الأعمال، وطبعا تستخدم الكلمة لوصف رجل دين مسلم.
ونفس الشيء بالنسبة لكلمة عالم، فهي أيضا باتت شائعة الاستخدام وفي مجالات متعددة ومختلفة، كالمجالات الطبية والعلمية وبالطبع الدينية، ولذلك يلفت النظر صدور بيان يحمل فيه تعريف بأنه بيان لمشايخ وعلماء من السعودية. والبيان كان يوضح وجهة نظر في أمر القتال الحاصل اليوم في مدينة الفلوجة العراقية.
العراق حالة معقدة جدا. احتلال أميركي واضح، واقتتال ضد هذا الاحتلال غير واضح الملامح. هل كافة العراقيين راضون بالحكومة المؤقتة؟ هل كافة العراقيين يرحبون بإخوانهم المسلمين للدفاع عنهم من أقطار أخرى؟ أسئلة جميعها بحاجة لجواب. هل الحكومة العراقية الموجودة اليوم في الحكم، تعتبر لها الحد الأدنى من الولاية الشرعية؟
أيضا هناك انقسام عراقي في هذا الأمر. ولكن السؤال المحير فيما يخص البيان «السعودي» هذا، هو لماذا وقّت له الآن، إذا كان المعني به هو سفك دماء المسلمين؟ أم الأفضل القول بسفك دماء «بعض» المسلمين. فالنجف مدينة عراقية، وكانت محاصرة وتدك ودمرت، وقتل فيها مسلمون كثيرون، وكانت بها «مقاومة» هي الأخرى، ولكن لم يصدر «بيان» للدفاع عنها، وأين البيان عن مجزرة المسلمين التي تمت في تايلند، ومات بها ما يزيد عن المئة مسلم؟ لماذا يتم الدعاء في المساجد المحسوبة على أصحاب البيان وفكره لمدينة الفلوجة وحدها، وليس العراق ككل، أم أن هذا البيان لمقاومة فكرة عراق جديد «قد» يزال فيه التعصب وغلبة الدم وسفكه لصالح الحوار والنظام. والأهم من ذلك كله أين كان هذا البيان إبان «احتلال» العراق لأكثر من عشرين عاما من لدن صدام حسين وزمرته، وهو الذي ذبح بالآلاف من المسلمين.
انتقاء «المعارك» لتقديم البيانات وتأجيج المشاعر والزج بالأرواح لمعارك خاسرة هو تضليل عظيم، وهو تجسيد لفكر المقاولة من الباطن.. شعار يرفعه شخص ما، ويذهب ضحيته العشرات من الأبرياء، وتصبح تلك الفتاوى أسلحة دمار شامل.
جدال الجهاد وشروطه وأساليبه هو شأن طويل لن يحسمه بيان أو تقرره فتوى، ولكنه يكشف مدى اضمحلال بعض الفكر والفقه السياسي، وأن الحل الأسهل دوما هو «دعني أدق عنقه».
يجب أن تكون هناك قدرة على إفراز بيانات أعمق وأهم من الذي صدر، بيانات فيها روح الإسلام وليس الغضب وروح «الأنا» العالية. وختاما ليس أبلغ من كلمات الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، حين أدلى برأيه في أمر الفتنة وقال: «أعطني سيفا إن ضربت به المشرك قطع، وإن ضربت به المسلم رجع، وأنا أقاتل معك».
الشرق الأوسط