(لقاء) الشهرستاني: المرجعية ليست غائبة ولا تعرض نفسها بديلا عن السلطة
الجزء الأول
(منقول - صحيفة الوسط البحرينية)
[align=center]روى قصة خلاصه من سجن صدام... الشهرستاني لـ "الوسط":
المرجعية ليست غائبة ولا تعرض نفسها بديلا عن السلطة [/align]
2004- 10 - 2
المنامة - خليل عبدالرسول
العالم النووي العراقي السيدحسين الشهرستاني، أحد الشخصيات التي اختارها ممثل الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي لرئاسة الحكومة العراقية المؤقتة الحالية لما يتمتع به من شعبية كبيرة ولقربه من المرجعية، إلا أنه رفض ذلك.
يعرف الشهرستاني بـ "مستشار السيدالسيستاني" ومع أنه لم ير نفسه في هذه التسمية نظرا إلى عدم وجود مسميات محددة للمواقع المؤسسية في هرم العمل المرجعي إلا أنه أكد لقاءه المستمر بالمرجع الأعلى وقربه من أجواء المرجعية في العراق، سجنه صدام 12 عاما، لكنه تخلص من السجن في حكاية دراماتيكية خيالية.
بشأن فترة سجنه وبعض الجوانب المثارة عن أداء المرجعية في العراق، تلتقي "الوسط" الشهرستاني في الحلقة الثانية من الحوار الذي نشرت حلقته الاولى بالأمس:
لماذا لجأ النظام السابق إلى سجن عالم نووي كالشهرستاني لمدة 12 عاما بدلا من الاستفادة منه؟
- لقد كنت المستشار العلمي الأول في منظمة الطاقة الذرية العراقية عندما عين صدام نفسه رئيسا للجمهورية في يوليو/ تموز ،1979 وكان يريد أن يغير استخدامات المنظمة السلمية إلى العسكرية، وحينها كانت فترة الثورة الإسلامية في إيران إذ شهدت حملة إعدامات واعتقالات واسعة في العراق، وكنت منتقدا لهذه السياسة الخرقاء.
وكنت رافضا العمل في البرنامج النووي العسكري لأنني كنت أعلم بأن أي سلاح نووي يقع في يد صدام سيستخدمه في الإبادة الجماعية ضد الشعب العراقي، كما أثبتت الحوادث ذلك بعدئذ، إذ استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد والشيعة إبان الانتفاضة الشعبانية "1991م".
وعلى إثر رفضي الدخول في هذا البرنامج تم اعتقالي وتعذيبي لمدة 22 يوما وليلة متواصلة، ومن ثم حكم علي بالسجن المؤبد في سجن أبوغريب، وقضيت فيه أكثر من 11 عاما "من 1979 إلى 1991" إذ استطعت الخروج من السجن بعملية شبه خيالية.
هكذا تخلصت من السجن
كيف كانت طريقة خروجك من السجن؟
- استطعت أن أحصل على ملابس ضابط المخابرات في السجن وعلى سيارته بمساعدة أحد الاخوة وكان يعمل في خدمة هذا الضابط، فخرجت بملابس ضابط السجن وظن الحراس أنني الضابط نفسه ففتحوا لي الأبواب، فيما كان المساعد هيأ لي السيارة فخرجنا في ليلة ظلماء، وكانت العائلة تنتظرني في بغداد فغادرناها إلى مدينة السلمانية في شمال العراق وبقيت فيها مختبئا إلى أن قامت الانتفاضة الشعبانية المباركة وساهمنا فيها.
وبعد أن سمح لصدام بقمع الانتفاضة وقتل الآلاف من العراقيين واقتحام قواته السلمانية خرجت مع أكثر من مليون عراقي عبر الجبال إلى إيران لاجئا، وآليت على نفسي خدمة الاخوة اللاجئين العراقيين، فأسست لجنة لإغاثتهم وبقيت أعمل في المجال الإنساني إضافة إلى إعطاء بعض الدروس ذات الاختصاص في الجامعات.
وبعد أن تنظم عمل اللجنة غادرت إيران في أواخر التسعينات إلى بريطانيا وعملت أستاذا في إحدى الجامعات، وكنت ناشطا في مجالات حقوق الإنسان وخصوصا فيما يخص اللاجئين العراقيين.
وعدت إلى العراق في يوم 7 ابريل/ نيسان أي قبل دخول القوات الأميركية بيومين إلى بغداد، ودخلت إلى البصرة بمساعدات إنسانية، كما حرصت على المشاركة في "مسيرة الأربعين" المليونية الشهيرة إلى كربلاء، وحينها أخذنا معنا قوافل من المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية لزوار كربلاء.
رفض الرئاسة
لماذا رفضت رئاسة الحكومة المؤقتة؟
- طلب مني ممثل الأمم المتحدة "الأخضر الإبراهيمي" أن أقبل بهذا التكليف، وبعد مشاورات مع الاخوة العاملين في العراق استقر الرأي على أنه لا توجد أرضية كافية لضمان تعاون جميع الفعاليات السياسية وخصوصا الأحزاب الرئيسية لإنجاح المشروع "القبول بالرئاسة".
وكان واضحا من دون تعاون الجميع أنه لا يمكن النهوض بهذه المسئولية في ظل ما يمر به البلد من أوضاع أمنية بالغة التعقيد، فلو لم تتكاتف كل الفعاليات السياسية والجهود الوطنية في إنجاح مهمة الحكومة كان في تقديري من الصعب أن تنجح الحكومة في هذه المهمة.
ذكرت أنك تشاورت... هل تقصد أنك تشاورت مع المرجع السيدعلي السيستاني أيضا؟
- نعم، ففي كل الأمور الفرد يستنير بتوجيهات المراجع وعلى رأسهم السيدالسيستاني، إلا أن السيستاني لا يتدخل في الجزئيات وشئون الإدارة اليومية وتفاصيل المسائل السياسية بل يصدر توجيهات عامة.
المرجعية ورد الفعل
كونك قريبا من المرجعية، هناك رأي يرى أن المرجعية تعتمد على رد الفعل في حل الأزمات وتفتقد التخطيط المسبق لمواجهتها، ومنها أزمة النجف الأخيرة ومسألة تسلم مفاتيح المرقد العلوي، ما رأيك؟
- لا، أنا لا أشارك أصحاب هذا الرأي رأيهم، بل على العكس من ذلك، فأنا قريب من أجواء المرجعية وأرى أنها معنية ومهتمة بشكل يومي بشئون الناس ومصالح المسلمين، وتبدي إرشاداتها الدينية العامة بخصوص ما يصلح شأن الناس وأمر الأمة.
المرجعية ليست غائبة، بل انها وفي الأسابيع الأولى من سقوط النظام كانت أول من بادر إلى التنبيه بضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة في أسرع وقت ممكن لتمكين الشعب العراقي من اختيار ممثليه ومن يدير شئونه.
وفي تلك المرحلة أخذ الناس بتوجيهات المرجعية وأسسوا مجلسا للمحافظة في كربلاء وغيرها، وأداروا شئونهم على أفضل ما يكون، ولعل زيارة الأربعين في وقت كانت فيه كربلاء تفتقد أبسط مقومات الضيافة دليل على ذلك، فلم تحدث حتى حادثة أمنية واحدة، واستطاع الناس توفير احتياجاتهم بأنفسهم، فالأمة قادرة على تدبير شئونها والمرجعية واعية لأهمية هذا الأمر وبادرت إلى توجيه الناس لضرورة اختيار ممثليهم في المجالس البلدية.
المرجعية و"المؤسساتية"
ألا تفتقد توجيهات المرجعية هذه إلى "المؤسساتية"، فالمرجعية لا تملك المؤسسات لتستطيع من خلالها العمل على تنفيذ هذه التوجيهات؟
- يجب أن نفهم دور المرجعية، فالمرجعية - وخصوصا بالنسبة إلى السيدالسيستاني - ترى في نفسها المرشدة والموجهة والمبينة لأحكام الدين وما يجب على الناس وما هو في مصلحتهم، فليس من واجب المرجعية تشكيل مؤسسات لإدارة شئون الناس.
بل على العكس من ذلك، لقد وجه السيدالسيستاني العلماء وطلبة العلوم الدينية لعدم زج أنفسهم في أية مسئولية إدارية أو سياسية أو مالية، وإنما ذلك من شأن الناس الذين عليهم أن يختاروا الأصلح الذي يقدم إليهم الخدمات الأفضل.
ولكن يبقى علماء الدين من الناس أيضا.
- بلى، ولكن السيستاني كان يرى قيدا على العلماء، فلم يكن يجيز لهم المشاركة والإدارة بهذا الشكل بل ان عليهم التوجيه، فالمرجعية لا ترى من واجباتها تشكيل مؤسسات لإدارة شئون المجتمع، وهي لا تعرض نفسها بديلا عن السلطة ولا ترغب في تولي مسئولية الحكم في البلد.
فإذا كان المقصود بتشكيل المؤسسات من أجل إدارة شئون الناس وخصوصا في الجانب السياسي والتعامل مع الملف السياسي بهذه الطريقة، فالمرجعية ليست مختصة بذلك.
وأما إذا كان المقصود هو تشكيل مؤسسات لإدارة شئون المرجعية وتواصلها مع الأمة، فهذا موضوع آخر قد تدرس المرجعية سبله ووضع المرجع في علاقته مع الأمة لأداء دوره كمرجع وليس كسياسي أو من مشارك في عملية الحكم، وإنما يتم ذلك عبر تشكيل مؤسسات خدمية ومالية لضبط الموارد والحقوق ونشر الوعي الديني والكتب، ونسمع من السيستاني أحيانا أنه يفكر في تطوير واستحداث آليات ومؤسسات للنهوض بمشروع المرجعية كمرجعية.
السيستاني والظهور الإعلامي
في هذا الإطار الثاني، الإنسان العادي يتساءل لماذا لا يرى المرجع وخصوصا السيستاني في صلاة الجمعة؟ ولماذا هذا الغياب الإعلامي للمرجعية في ظل تأثير الفضائيات وغيرها؟ فهل عدم ظهور المرجعية مع الناس وإعلاميا لأسباب أمنية وصحية أم بسبب رؤية ونهج المرجعية وزهدها في ذلك؟
- قبل سقوط النظام كانت المرجعية محاصرة وتعيش ظروفا صعبة وفرضت عليها الإقامة الجبرية، ولم تستطع التواصل مع الناس حتى عبر الوسائل التقليدية، فضلا عن توجيه الناس من خلال صلاة الجمعة، كما أن السيستاني لم يكن يخرج لزيارة حرم الإمام علي "ع" مع ما لها من أهمية.
فلم يكن بالإمكان إقامة صلاة الجمعة، وإن كانت تقام "بعد سقوط النظام" في حرم أمير المؤمنين، فقد كان السيد الشهيد محمدباقر الحكيم يقيمها.
أما بشأن الظهور الإعلامي واللقاءات الصحافية ومقابلات الفضائيات، فمعروف عن السيد السيستاني أن هذا ليس هو نهجه فهو ممتنع عن هذه اللقاءات، وتوجيهاته في مختلف الأمور عادة ما تكون عن طريق أجوبته على الاستفتاءات، وحتى في المواقف التي يراد منها رأي المرجعية يستفتى فيها ويتم تعميم إجابته في خطب الجمعة والمحافظات، كما أن الفضائيات تقوم بنقل بياناته.
وعندما تصل الحوادث إلى مراحل خطرة كما حدث في النجف، فإن السيد لم يكتف بإصدار البيانات، بل اتخذ موقفا عمليا، إذ دخل النجف على رأس جموع غفيرة من مئات الآلاف، وكانت مسيرة احتجاجية واضحة.
ولكن قيل إن السيدالسيستاني لم يدع الناس إلى الخروج معه؟
- في الحقيقة ان السيدالسيستاني، قال: "أنا ذاهب إلى النجف لزيارة أمير المؤمنين ومن يرغب أن يشاركني في هذه الزيارة فليتفضل"، والناس كانوا يتشرفون بمرافقته وهذا ما حدث.
صحيح أن السيد لم يلزم أحدا بالذهاب معه ولم يفت بوجوب ذلك، وإنما أبدى رغبته في مشاركة الناس له في زيارة الحرم.
شورى المراجع
تشكيل مجلس شورى للمراجع في العراق، هل هو فكرة موجودة لدى المرجعية أم هي بعيدة المنال؟
- بقدر إلمامي بالأمور فهناك تشاور شبه كامل بين المراجع، فكما هو معروف الآن هناك أربعة مراجع في النجف، فإضافة إلى السيستاني هناك كل من الشيخ بشير النجفي، والشيخ إسحاق الفياض، والسيدمحمدسعيد الحكيم، وهناك تشاور بينهم في كل المسائل المهمة، وأنا أعرف أن السيدالسيستاني في القضايا المهمة التي تخص الأمة يستشيرهم ويستشير غيرهم من أصحاب الخبرة والوجهاء وأصحاب الرأي قبل أن يتخذ موقفا ويصدر أي بيان، ولاحظت ذلك في أكثر من موقف، ومعروف عن السيستاني أنه كثير الاستشارة.
وطبعا المسائل الفقهية الخاضعة للاجتهاد غير خاضعة للتشاور بل ان كل مرجع يفتي برأيه، وإنما الكلام في اتخاذ موقف إزاء القضايا السياسية والعامة قبل أن يتخذ أي موقف فيها.
الموقف من الدستور المؤقت
اعترضت المرجعية على الدستور المؤقت وخصوصا ما يتعلق بإمكان نقض ثلاث محافظات لرأي الغالبية، فكيف تتصور موقف المرجعية إذا استمر هذا الدستور؟
- في الواقع أن السيدالسيستاني وبقية المراجع كانت لديهم تحفظات كثيرة على الدستور المؤقت، وكان الجانب الأهم هو أنه لا يحق لجماعة غير منتخبة ومعينة من قبل الاحتلال أن تضع دستورا للبلاد ولو كان مؤقتا، فهذا ليس من حقها وليس من شأنها بل هو تجاوز لحق الأمة، فهناك رفض مبدئي لحق هؤلاء في وضع دستور.
وكان ممكنا وضع لائحة لتنظيم الفترة الانتقالية، إلا أنهم وضعوا شبه دستور كامل وهذا لم يكن من حقهم، ولم تكن الأمة موافقة على التنازل عن حقها وليس المراجع فقط.
كما أن المراجع اعترضوا على فقرات متعددة وليس الفقرة التي ذكرتها فقط بشأن حق نقض ثلاث محافظات لرأي الغالبية مع أنها فقرة خطيرة، فإذا حدثت انتخابات في العراق وفي الافتراض أنها انتخابات حرة ونزيــهة تمثل إرادة الشعب العراقي ووضع ممثلو الشعب دستورا فإن ثلاث محافظات بإمكانها نقض الدستور، ما يعني إجراء انتخابات أخرى ووضع دستور آخر، وعلى فرض انتخابات حرة ونزيهة سندخل في دوامة لا نهاية لها، فهي آلية غير عملية وغير منطقية وغير مجدية، إلا أن هذا البند "نقض ثلاث محافظات لرأي الغالبية" ليس هو الوحيد المعترض عليه بل هناك بنود كثيرة لسنا بصدد مناقشتها.
إن المرجعية نبهت لخطورة هذا الدستور، وحينها وقعته قوات الاحتلال ومجلس الحكم، وبقيت المرجعية ترى أن هذا الدستور لا قيمة له ولا يمكن أن يلزم العراق بشيء، والمجلس الوطني الذي سينتخب في يناير/ كانون الثاني 2005 ليس ملزما بهذا الدستور، بل هو حر في وضع أية مسودة لدستور العراق بعد ذلك يعرض للاستفتاء ويكون ملزما.
لقد حاولت أميركا وبعض الأوساط العراقية أن تعطي الشرعية لهذا الدستور بإدراجه في قرار مجلس الأمن الذي أنهى حال الاحتلال وعين الحكومة الانتقالية، ومع ذلك بعث السيد السيستاني برسالة واضحة إلى مجلس الأمن تفيد بأنه إذا أقر هذا الدستور المؤقت من قبل مجلس الأمن فسيعتبر تجاوزا لحقوق العراقيين وستتخذ المرجعية موقفا من هذا الأمر، وفعلا أخذ مجلس الأمن في الاعتبار رسالة السيد ورفض إصرار بعض الدول على رغم المحاولات المستميتة من بعض الأطراف العراقية لإدراج هذا البند... وبذلك يعتبر الدستور المؤقت الآن من الناحية العملية غير ملزم إلا إلى أصحابه ولا يلزم غير هذه الفترة الانتقالية وأما المجلس الوطني المنتخب فيجب ألا يلتزم بهذا الدستور جملة وتفصيلا