د: خلف المنشدي: مؤتمر إقليم الجنوب الأخير حدث تاريخي كبير في العراق
مؤتمر إقليم الجنوب الأخير
حدث تاريخي كبير في حياة العراق
د. خلف المنشدي
التقى في البصرة يوم الاحد الماضي جمع كبير يمثل وجوه المجتمع في كل من البصرة وميسان وذي قار لمتابعة البحث في موضوع ما اطلق عليه تسمية اقليم الجنوب والهادف اصلا الى اقامة نوع من الاتحاد الاداري والسياسي بين المحافظات الثلاثة لتوحيد جهودها من اجل الاعمار ومن اجل اقامة نظام اداري متطور يسمح لهذه المحافظات تدبير امورها دون ان تكون مضطرة في كل صغيرة وكبيرة من الناحية الادارية العودة الى بغداد وسؤال وزرائها ان كان هذا يصلح للجنوب ام لا .
نريد في افتتاحية اليوم توضيح الهدف من هذا المسعى الذي تحاول تيارات عدة في العراق وخارج العراق الصاق تهمة الانفصال به أو اتهام الساعين اليه بالعمالة وهي التهمة الجاهزة لدى بعض العراقيين حيث يطلقها بعضهم دون تردد ودون ان يرف له جفن ودون ان يدرك ان هذه التهمة هي التهمة القصوى أي تهمة الخيانة العضمى ، وعلى حد علمنا لا يستحقها أي من المشاركين أو المدافعين عن هذه الفكرة لمعرفتنا التامة بحسن مقصدهم وصدق مسعاهم .
دول العالم باسرها أو تكاد تكون كذلك تطبق ما يطلق عليها بعضنا نظام اللامركزية ، أو نظام الولايات ولو عددنا تلك الدول لما انتهينا من سرد اسمائها اليوم ولكن يمكن القول ان الولايات المتحدة الامريكية حبيبة بعض العراقيين هي ولايات متحدة كما يدل عليه اسمها ، لكل ولاية مجلس محلي ولكل ولاية رئيس أو حاكم لا تعينه اية وزارة في واشنطن ولا يعينه رئيس الولايات المتحدة وانما ينتخبه شعب الولاية ، في المانيا نجد نفس النظام مطبق منذ عشرات السنين وفي اسبانيا طبق هذا النظام بعد وفاة فرانكو وقسمت البلاد الى مجموعة مقاطعات ادارية تنتخب كل 4 سنوات مجلسا محليا ورئيسا للمقاطعة ، وقد نظمت العلاقة ما بين المقاطعات وبين السلطة المركزية بقانون صوت عليه مجلس النواب ولا تتعارض أي من فقراته مع الدستور أو مع القوانين المركزية ولم نسمع ان اية مقاطعة أو ولاية من الولايات المتحدة الامريكية أو المقاطعات الالمانية أو المقاطعات الاسبانية اعلنت انفصالها عن الدولة الام ، وهذا الامر ينطبق على عشرات الدول الاخرى التي تطبق نفس النظام ، وما يريدوه اهل الجنوب بالضبط هو اقامة نظام اللامكزية الادارية والسياسية أي اقامة نظام الولايات أو المقاطعات سموها كما شئتم، أي ان يكون بمقدور اهل الجنوب ان ينتخبوا مجالسهم بكل حرية وان ينتخبوا حكام الولايات بكل حرية ، وبالاضافة الى ذلك انهم فكروا ان يتحدوا ، أي ان تتحد ثلاثة محافظات جنوبية تتشابه من حيث البيئة الاجتماعية والاقتصادية ولها حدود مشتركة مع بعضها البعض ، ولم يخطر على بال احد من المؤتمرين ان يطالبوا باي انفصال قومي لان هذا الانفصال غير موجود وغير معقول وغير مبرر لان اهل الجنوب ليست لديهم مطالب قومية على الاطلاق لادراكهم انهم جزء متمم للعراق الكبير وان اخوتهم الذين يعيشون في الفرات الاوسط أو في وسط البلاد أو غربها ينتمون لهم كما ان اهل الجنوب ينتمون باصولهم وقبائلهم لاهل المناطق الاخرى ، لذلك نعيد ونكرر بان لامطالب قومية أو عنصرية وراء الدعوة الى اقليم الجنوب وانما مطالب ادارية ومطالب سياسية ، بمعنى يريد اهل الجنوب ان تحترم بغداد هذه الملايين العشرة وان لا تعتبرها كما مهملا كلما اتخذت قرار ما ، يريد اهل الجنوب ان تسمع بغداد وان تصغي لهم جيدا وان تكون لديهم امكانية اتخاذ القرار في شؤونهم الداخلية دون التسول على ابواب المسؤولين الذين حتى هذه الساعة دائما ما تعينهم بغداد منذ قيام دولة العراق الى اليوم .
هناك غضب كبير في قلوب الناس على الاهمال الفضيع وغير المبرر للجنوب العراقي ، هناك يأس من ادخال أي تحسينات على العقلية المركزية في بغداد وبالتلي فان اهل الجنوب يريدون ان يتحدوا من اجل ان تسمع بغداد وغير بغداد حاجاتهم المعاشية والسياسية لكنهم ايضا متحدون للبقاء الى الابد ضمن جسم العراق الواحد الموحد ، وان فكرة الانفصال فكرة شريرة سيحاربها القائمون على هذه الدعوة ان تجرأ احد عن الافصاح عنها أو العمل من اجلها .
الغريب ان الذين ينتقدون هذه الدعوة ويتهمونها بالانفصالية لا يعرفون مكونات الشعب العراقي ، فكيف لقبيلة تميم التي تسكن البصرة ان تنفصل عن تميم بغداد وغير بغداد ، وكيف لقبيلة البومحمد التي تسكن البصرة وميسان وبغداد ومدن عراقية اخرى ان تنفصل عن نفسها وهذا ينطبق على بقية القبائل المنتشرة في جميع انحاء العراق ولها وجود قوي في مناطق اقليم الجنوب .
لا احد على الاطلاق من الذين شاركوا في مؤتمرات اقليم الجنوب ينادي أو يشجع أو حتى عبر في لحظة من اللحظات عن اية فكرة انفصالية على الاطلاق ، ثم ان هذه الفكرة وفي العام القادم سيتم عرضها على استفتاء شعبي في اقليم الجنوب فان وافقت عليها اغلبية الناس نرى ان كل الاتهامات الاخرى التي يحاول تسويقها البعض ستبقى بلا قيمة .
لن يفيد اتهام دول الجوار في هذه القضية ولن يفيد كيل الاتهامات الباطلة لهذه الجريدة ولن يفيد اتهام الداعين لهذه الفكرة بالعمالة ، لانه بكل بساطة لا احد من دول الجوار يقف خلف هذه الدعوة ولا احد من الداعين لها مرتبط بدولة اجنبية وليس لهذه الجريدة مصلحة خاصة في هذه الدعوة قدر معرفتها بان الناس يريدونها لانهم اكتووا بنار المركزية العقيمة ولانهم لا يستطيعون فعل شيء دون التسكع على ابواب وزارات بغداد ، تلك الوزرات المتخلفة منذ ان قامت الدولة العراقية الى اليوم .
الجنوبي يريد ان تكون لديه دوائر عندما يراجعها يجد انها صاحبة قرار وان معاملته يمكن انجازها دون التسكع على ابواب الوزارات المركزية ، يريد ان تكون للسلطة المركزية مساحة قانونية تتبع لها وان تكون للسلطات المحلية مساحة قانونية تتصرف من خلالها على ان لا يكون هناك تضارب بين المساحتين وبين السلطتين وبين القرارين .
لا انفصال في مؤتمرات اقليم الجنوب ، ولا دعوة لاقامة كيان منعزل مستقل ، انما لاقامة نظام ديمقراطي متطور يتشابه تماما مع الانظمة التي اقيمت في بلدان اوربية وغير اوربية ونجحت نجاحا باهرا ولم تؤد الى أي نوع من انواع الانفصال وكل اتهامات خارج هذا السياق ملفقة وكاذبة وشريرة يهدف اصحابها فقط للبحث ان كان الارنب يملك اكثر من اربعة اطراف كما يقول المثل الاسباني .
نرجو ان يكف اولئك الناس المتطيرين من هذه الفكرة بعضهم بحسن نية وبعضهم بحكم انفصالهم عن الواقع العراقي وبعضهم بسوء نية مع سبق الاصرار والترصد، من اتهام الفكرة بالانفصالية ومن اتهام القائمين عليها بالعمالة، وخصوصا وان بعض المنتقدين يعيشون في بلدان اوربية وفي مقاطعات اوربية تطبق هذا النوع من نظام الولايات وبالطبع لم يسمعوا ان اي منها طالب او يطالب بالانفصال، واذا كان التطير سببه ان غالبية سكان الجنوب من الشيعة فان الفكرة الطائفية مرفوضة تماما في المؤتمر وليس في وارد احد اقامة ولاية شيعية او لكي يصبح للشيعة ما يشبه الدولة المستقلة، لان هذا الرفض قطعي وجذري في العملية برمتها، وعلى المتطيرين ان يفهموا ان الامر لا يتعدى سوى اقامة نظام اداري وسياسي متطور يكون فعالا في كسر الحلقة المركزية في عملية تطوير البنى التحتية وتطوير الاقتصاد وتفعيل دور المؤسسات المحلية في اتخاذ القرار الذي يناسب السكان دون ان يكون ذلك متعارضا باي شكل من الاشكال مع سيادة العراق ووحدة اراضيه ودستوره المرتقب.