جارث ضاري يجتمع مع نغروبونتي في جامع أم المعاراك
نقلت الأنباء أن حارث ضاري إجتمع مع نغروبونتي بمعية 11 ضابطاَ أميركياً في جامع أم المعارك يوم أمس.
يبدو أن الطائفيين السنة بقيادة هيئة السفاحين المسلمين في العراق قد وصلوا إلى طريق حرج جداً بسبب إعلانهم رفضهم المشاركة في الإنتخابات التي ستجرى في نهاية الشهر الجاري. هذا الرفض الذي تلبس بلباس البطولة والوطنية ظاهرياً، والذي إحتوى عقلاً طائفياً إقصائياً إلى أبعد مايكون باطنياً، قد أوجد وضعاً للذين تبنوه لا يحسدون عليه.
فمع تفجير السيارات المفخخة والخطف والقتل على الهوية إضافة إلى التهديد بقتل الناخبين وحرق المراكز الإنتخابية وممارسة هذا التهديد على أرض الواقع، ومع تحرك إعلامي محموم وغير مسبق على مستوى إعلام عربي طائفي على كافة الأصعدة من فضائيات وجرائد وإنترنت، ومع تحرك سياسي نشط على مستوى إتصالات مع هذه الدولة أو تلك المؤسسة، مع التهديد بأن هذه الهيئة التي تستبطن فعلاً بعثياً وسلفياً أنها ستقف -طائفياً- ضد أي مشروع لإقامة دولة عراقية بعد الإنتخابات، وما أدى إليه هذا التحرك المحموم من إنتصار الدجاجات في الحزب الإسلامي على الديكة فيه، وتحول الياور بذاته وهو شيخ إحدى أكبر القبائل العراقية إلى أن يستجدي هذا وذاك كي تؤجل الإنتخابات التي صورت كأنها فلم رعب سيصيب من يشاهدونه بحالات من الصرع أو الإغماء. بل إننا وجدنا بن لادن والخلايلة وغيرهما من ملثمي الترويع والقتل الطائفي يدخلون على مسألة مقاطعة الإنتخابات . هذا السعار الطائفي في مواجهة الإنتخابات كان ربما يريد الضغط بإتجاه تأجيل أو إلغاء الإنتخابات كي تعتبر إنتصاراً لهذا العقل الطائفي المريض، وكان يعتقد أن هذا التحرك سيجر حلفاء الإرهاب الذين إفترضهم القواد حسب وصايا وإستشارات مستشاري وزارات الأمن والخارجية في سوريا ومصر والأردن والسودان إضافة إلى الماجدة نعنع والماجد بشور وغيرهم أن فرنسا وروسيا وألمانيا إضافة بعض الدول العربية ستدعم أي تحرك سني بإتجاه مقاطعة الإنتخابات. لكن الريح لا تجري بما تشتهيه الهيئة والتيار والبعث. فهنالك الكثير من الأحداث أدت إلى تغير في ميزان بعض القوى مما سيؤدي إلى أن من لا يشارك سيعتبر خاسراً سياسياً وسيفقد اي دعم إقليمي للإستمرار في أن يكون حجر عثرة في طريق بداية عملية سياسية على اساس الإنتخابات في العراق.
أولاً: تفكك حلقة جيران العراق في تعاطيهم مع الشأن العراقي، حيث بدت في الأفق خلافات بين الأردن وإيران، والأردن وسوريا، مما أدى إلى مشاركة إيرانية ضعيفة في المؤتمرالدوري الذي تعقده دول الجوار. وما الإعلان الذي أصدره مؤتمر دول الجوار-والذي يحوي حلفاء تقليديين للطائفيين- والذي أكد دعم العملية الإنتخابية إلا ضربة للذين كانوا يعولون على موقف مؤيد لهم في هذا الأمر.
ثانياً: تورط الطائفيين السنة والبعث في خطف الصحفيين الفرنسيين ألقى ربما بظلاله على تعاطي الفرنسيين من يسمون أنفسهم بالمقاومين. فقد قال وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنييه ان الانتخابات في العراق المزمع اجراؤها من 30 من يناير كانون الثاني ستكون صعبة لكنها يجب ان تجرى بوصفها خطوة مهمة نحو استعادة البلاد سيادتها الكاملة وقال بارنييه لمحطة تلفزيون ال.سي.اي "يجب أن تجرى ويمكن ان تجري". وهذا التصريح يعتبر صفعة قوية للتيار الطائفي الذي كان يروج أن باريس تمثل حركة دعم له في تحركه. كما لاحظنا موقفاً شبيهاً من الألمان حيث أنهم إضطروا أخيراً وبفعل ضغوط دولية إلى السماح بإجراء الإنتخابات في ألمانيا رغم تمنعهم عن السماح بإجرائها أول الأمر.
ثالثاً: ضعف الموقف السوري على مستوى دعمه لهؤلاء الطائفيين بسبب ضغوط متتالية من قبل الأميركان، إضافة إلى فتح الملف اللبناني الذي قد يكون هو المفتاح الذي ستتحكم به أميركا بالسوريين كما كان حدث في حرب الخليج الثانية في التسعينيات من القرن الماضي.وقد رأينا كيف تغير الموقف السوري بعد زيارة أرميتاج إلى دمشق.
رابعاً: تصاعد العنف الذي تمارسه القاعدة في السعودية، وفي الكويت، على شكل عمليات تذكرنا بالعمليات التي يمارسها أتباع القاعدة في العراق. حيث أن تصاعد هذه العمليات وكأنها إستنساخ للعمليات التي يمارسها هؤلاء القتلة في العراق يعطي مؤشرات أن العنف الطائفي السني المتطرف بدأ يعود إلى السعودية متخذاً العراق كقاعدة إنطلاق. العنف ربما أدى إلى شعور القيادة السعودية بالحرج الشديد، وبالتالي فإن دعماً كان الطائفيون يعولون عليه من السعودية قد حجم إلى حد كبير.
خامساً: الجانب المصري، حيث حاول البعثيون والهيئة التحرك وبكثافة على المصريين كي يحظوا بموقف داعم لهم فيما يتعلق بتأجيل أو إلغاء الإنتخابات في العراق. لكن يبدو أن المصريين لهم مصالحهم الخاصة التي لن يستفيدوا كثيراً في المحافظة عليها إذا ما دعموا مثل هذا الموقف.
سادساً: صرح حارث ضاري قبل ما يقارب الأسبوعين منتقداً دخول البعثيين على الخط الطائفي، وربما أشار هذا التصريح بوضوح هذه المرة إلى ما كنا أشرنا إليه سابقاً إلى أن أزمة القيادة في الواقع السني العراقي قد بلغت حداً لا يمكن التحكم به. فهنالك منافسة شديدة فيما يبدو بين الهيئة التي تحاول إدعاء تمثيل الطائفة السنية في العراق، وبين حزب البعث الذي يحظى قيما يبدو بحرية حركة بين ألوف من مفوضي الأمن والمخابرات وبعض الأكاديميين والضباط السابقين في مناطق الرمادي والفلوجة والموصل، وبين التيار السلفي المتطرف الذي يحاول كسب بعض أماكن التواجد في الواقع السني من خلال عقد تحالفات مع البعثيين من جهة ومع الهيئة من جهة أخرى. إنسحاب الحزب الإسلامي رغم إدعائه ايضاً تمثيل السنة العراقيين في اللحظة الأخيرة يعكس أيضاً الصراع على قيادة الواقع السني في العراق.
سابعاً: إكتساب الإلتزام بممارسة العملية الإنتخابية في العراق عنفواناً شعبياً، لم يتأثر برسائل التهديد والترهيب والقتل الجماعي، وهو عنفوان يؤكد ولربما لأول مرة في تاريخ العراق على راي شعبي واضح وموحد في مسألة ممارسة ديمقراطية، وتصميم على عدم العودة إلى الوراء، سواء على مستوى إعادة البعثيين أو تحكم العقل الطائفي في مسيرة العراق السياسية.
ثامناً: وجود مخاوف حقيقية في الواقع السني على المستوى الشعبي أن عدم المشاركة يعني فقدان فرصة تاريخية في المشاركة بصناعة القرار، خاصة أن الإنتخابات ستجري، كما أن الذين وقعوا على قانون إدارة الدولة هم السنة أنفسهم أمثال العلماني المخضرم السني باججي، أو الإسلامي الحزبي محسن عبدالحميد، أو شيخ العشيرة الياور. إذ أن الواقع السني العراقي لم يعد يثق بقيادات توقع على قانون ثم تتنصل منه، لتضع هذا الواقع بسبب ضغط إرهابي تحت طائلة فرض واقع يطيل أمد الإحتلال بما يعنيه هذا الإحتلال من تجارب شبيهة بتجربة الفلوجة.
تاسعاً: وجود مخاوف من تصاعد وضع شعبي شيعي قد يتجاوز دعوات التهدئة في ظل إستمرار أوضاع فوضى وإستهداف طائفي للشيعة، بما يعنيه هذا الوضع من عواقب لا تحمد عقباها.
عاشراً: الضربة الموجعة التي تلقتها المجاميع الإرهابية في الفلوجة، والدمار الذي أحدثته حركتهم في المدينة. أدى إلى سقوط إستراتيجية الإخلال الأمني في إيقاف عجلة الإنتخابات.
هذا كله أدى إلى أن حارث ضاري إضطر إلى أن يقابل نغروبونتي كي يطلب التفاوض فيما يخص الإنتخابات، والخروج بحل يحفظ ماء الوجه. وبعيداً عن أحاديث ضاري النارية المختصة بالمقاومة والصراع، والتخوين، فقد إضطر فيما يبدو أن يدنس جامع أم المعارك بقدمي نغروبونتي النجستين، كي يبحث عن حل يعطي الهيئة فتاتاً في العملية السياسية في العراق.
يبقى العقل الطائفي السني في العراق إذن براغماتياً رغم كل ما يلفظه من أقوال وشعارات، وتبقى هذه المقاومة التي يدعيها من يدعيها إلا حلقة صغيرة من حلقات محاولته السيطرة على مقاليد الأمور في العراق، من حكم، وإقتصاد، وإعلام، وتربية، وإعادة الأمور إلى الوراء، ومن يدري فلربما أفلح في ذلك.