مشعان جبوري ينأى بنفسه عن البعثيين ؟
هذه مقالة نشرها مشعان جبوري في صحيفته الإتجاه الآخر العدد الأخير.
المقالة تنأى بشكل واضح عن البعثيين، ولكنها في نفس الوقت تعطي نصائح وإرشادات كي يعاد تأهيلهم من جديد. السؤال ماهي المؤشرات التي تعطيها هذه المقالة في هذا الوقت على وجه التحديد؟
البعثيون والوقفة النقدية....
عندما بدأ الاتحاد السوفيتي يتفكك، لم يكن غورباتشوف هو المسؤول عن هذا التفكك، فكل ما فعله غورباتشوف هو رفع الغطاء عن القدر الذي كان يغلي، لأن عوامل النخر كانت تنخر جسم الاتحاد السوفيتي نخرا، وقد شاهدت بعد أكثر من 60 سنة من تطبيق الشيوعية التي لم تجلب للروس الرخاء والرفاهية الموعودة بل الشقاء والبؤس، فقد كان الروسي وبعد أن ينتهي من عمله المضني، يبدأ رحلة البحث المضني عن شراء المواد الغذائية والحاجات الضرورية التي يحتاجها في المحلات والدكاكين شبه الفارغة وكان يقف في طابور طويل قد يقضي ساعات فيه من أجل الحصول على كيلوغرام من الطماطم أو كيلوغرام من البرتقال أو التفاح، وشاهدت في أحد المرات طابورا كان الواقف فيه لا يأتيه الدور إلا بعد ثلاثة أيام من أجل الحصول على بنطلون (جينز)!!
وعندما سقط الاتحاد السوفيتي وتفكك، أصيبت الأحزاب الشيوعية التي كانت تحكم في الكتلة الاشتراكية بالصدمة وسرعان ما سقطت هي الأخرى لأن بقاءها كان يعتمد على دعم الحليف الأكبر وهو الاتحاد السوفيتي، لكن هذه الأحزاب سرعان ما استفادت من الدرس، فبدأت في مراجعة ذاتها ومارست عملية نقد ذاتي قاسٍ اعترفت فيها بأخطائها، وتراجعت عن الكثير من مقومات تفكيرها واستراتيجيتها والذي كان يقع في صلب نظريتها السياسية، فنبذت مبدأ الصراع الطبقي وديكتاتورية البروليتاريا وآمنت بالطريق السلمي للوصول إلى السلطة عن طريق المشاركة في الانتخابات استنادا إلى اللعبة الديمقراطية فتنافست مع الأحزاب الأخرى للدخول إلى البرلمان استنادا إلى برامجها الجديدة وبذلك أعادت جسورها المقطوعة سابقا مع الشعب واستطاعت بعض هذه الأحزاب الشيوعية والتي غيرت من اسمها أن تصل إلى السلطة وتحكم مرة أخرى ولكن بمفهوم عصري ديمقراطي جديد..
غاية قولنا هو أن ما حدث في العراق بعد الغزو والاحتلال الأجنبي كان أشبه بالكارثة أو الزلزال المدمر، لكن بعض العقول البعثية المتحجرة ما زالت ترفض أن ترى الحقيقة المرة وما نتج عن السياسات الكارثية التي قام بها صدام حسين وقيادته والتي قادت إلى هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه العراق حاليا وهذا ما يتضح من البيانات التي يصدرها حزب البعث والتي يبدو أن القيادات الصدامية الفاشلة ما زالت تمسك بزمام الأمور فيه، وكأن شيئا لم يكن ولم يجر! فهي ما زالت أسيرة الخطاب السياسي المتهرئ الناري الإنشائي المجتر الذي عودتنا عليه سابقا في مخاطبتها للشعب ولقواعد الحزب والذي لم يكن مقبولاً من لدى معظم البعثيين، فكيف بالشعب! فبدلا من أن تقوم قيادة الحزب بنقد ذاتي جريء وقاسٍ ومحاسبة شديدة للنفس على الأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة السابقة والنتائج الكارثية التي سببتها سياسة وقيادة صدام حسين للحزب وللعراق وللأمة العربية ومغامراته وحروبه الطائشة والتي أوصلتنا إلى هذه الحالة المأساوية، نراها ما زالت تتحدث عن (القائد) الأمين العام للحزب القابع في عرين الأسر!
بمثل هذه الخطابات السياسية التي عفا عليها الزمن لا يمكن ترميم الجسور مع الشعب.. فالمطلوب وقفة نقدية ذاتية صارمة مع النفس ومع الجماهير لتبيين مواطن الخلل وتمديد أفق مسيرة المستقبل وفق المستجدات السياسية لكي يساهم الجميع في بناء العراق الجديد والبعثيون من ضمنهم..