-
السفير في عنق من؟
السفير في عنق من؟
الأستاذ خالد النزر *
طالعتنا صحيفة الأسبوع المصرية أول أمس بمقال بعنوان «سفير مصر في عنق حكومة العراق» للكاتب خالد محمد علي, في هذه الوصلة, ونفس هذا المقال نقلته أيضاً صحيفة الحياة اليوم في «صحافة العالم» بعد حذفها للمقدمة.
لم يعد غريباً على مسامعنا أخبار الخطف والقتل في العراق بل لم تعد تؤثر في مشاعرنا بقدر ما تستحق, وذلك من كثرة تكرارها اليومي. لكن ما يلفت النظر فعلاً هو انخراط بعض الكتاب والصحف في عملية الشحن الطائفي وانحدارها إلى أدنى مستويات الجهل السياسي
ولم يعد غريباً على مسامعنا أخبار الخطف والقتل في العراق بل لم تعد تؤثر في مشاعرنا بقدر ما تستحق, وذلك من كثرة تكرارها اليومي. لكن ما يلفت النظر فعلاً هو انخراط بعض الكتاب والصحف في عملية الشحن الطائفي وانحدارها إلى أدنى مستويات الجهل السياسي, فعندما قرأت عنوان المقال اعتقدت للوهلة الأولى بأن الكاتب يريد تحميل الحكومة العراقية مسئولية الحادث من باب مسئوليتها الإدارية للدولة والحماية الأمنية فيها, وإذ بي أفاجأ بالفحوى والمضمون الذي يرمي إليه الكاتب.
فهو يستفتح في المقدمة بقوله أن خبر الحوار الأمريكي مع الإرهابيين الذين عبر عنهم بـ«المقاومة» إنما نزل كالصاعقة على حكام العراق الذين عبر عنهم بـ«الخونة» وكذلك فاجأ أبناء الشيعة وزعمائهم. ثم يتحدث عن السفير المصري ويقول «الحكومة العراقية وقيادات الشيعة المتطلعون لاختطاف العراق تحت الحراب الأمريكية تحركوا بسرعة فائقة ويبدو أنهم اختاروا البداية.... ضرب أكبر بلد سني فاعل في العراق بعد تحميله مسئولية فتح القنوات الأمريكية مع المقاومة العراقية»!!
إذن من المقدمة نفهم بأن الأخ يتهم الحكومة العراقية وقيادات الشيعة بأنهم وراء عملية اغتيال السفير المصري. كيف ذلك؟ يبدأ موضوعه بعبارة: «ويري فريق من المراقبين ان تنظيم القاعدة المزعوم لم ينفذ عملية الاختطاف أو القتل للأسباب التالية» ولا ندري عن أي مراقبين يتحدث أخينا في الله؟ كما أن تنظيم القاعدة بالنسبة له يعتبر مزعوم!!, ثم ما هي أسبابه العلمية التي سردها على شكل نقاط؟
«أولا: القاعدة تستهدف دائما عملاء ومتعاونين مع القوات الأمريكية ولم يسبق لها استهداف نشطاء في غير هذا المجال».
وهو هنا يعود للإقرار بوجود القاعدة بعد أن كان اعتبره تنظيم مزعوم, كما أنه في النقطة أو النكتة السابقة فهو إما أنه يؤيد جميع أعمال القاعدة ويعتبرأن كل من قتلته وذبحته إنما هو خائن يستحق القتل, أو أنه كان في غيبوبة طوال السنوات الماضية فلم يسمع عن عمليات خطف الصحفيين الأجانب والمراسلين العرب, بل لم يسمع بمحاولة اختطاف السفير البحريني حسن مال الله الأنصاري أو نقل أعمال السفارة الباكستانية إلى الأردن بسبب محاولة اغتيال السفير محمد يونس خان, والتعرض للسفارة الروسية بل وتفجير السفارة الأردنية, وغيرها من الأحداث التي يتغافلها الأستاذ.
الحقيقة أن هؤلاء المجرمين واللصوص كانوا يطيلون بقاء الرهائن لديهم لكي يتفاوضوا على المبالغ المالية التي سيحصلون عليها والتي هي الوقود الحقيقي لاستمرار هذه العمليات في العراق
«ثانيا: في جميع عمليات الاختطاف التي نسبت للمقاومة العراقية سواء كانت تنسب للجماعات الجهادية أو الوطنية أو حتي عصابات الاختطاف المسلح، كان الخاطفون يمنحون الضحية فرصة طويلة استمرت مع الصحفيين الفرنسيين أكثر من خمسة أشهر وهو ما يدل علي ثبات وثقة الخاطفين من انهم قادرون علي حماية الرهينة واخفائها أطول فترة ممكنة وانهم ايضا يسعون لاستثمار ذلك اعلاميا لتخويف الآخرين ولكن مع ايهاب الشريف لم يتجاوز الأمر أربعة أيام من الاختطاف إلي الاعلان عن القتل الذي ربما يكون قد وقع في نفس يوم الاختطاف، وهذا يدل علي أن الجهة التي اختطفته ليست القاعدة ولكنها جهة مرتعدة وخائفة وأرادت التخلص منه بسرعة لأنها تخشي انكشاف أمرها».
والحقيقة أن هؤلاء المجرمين واللصوص كانوا يطيلون بقاء الرهائن لديهم لكي يتفاوضوا على المبالغ المالية التي سيحصلون عليها والتي هي الوقود الحقيقي لاستمرار هذه العمليات في العراق فمثلاً الصحفية الفرنسية «فلورانس أوبينا» وسائقها العراقي «حسين حنون السعدي» دارت حولهما العديد من المفاوضات مع الحكومة الفرنسية, أسفرت عن حصول الخاطفين على مبلغ 15 مليون دولار كما صرح بذلك «روبير مينار» لوكالة فرانس بريس, وليعلم الأستاذ بأن خاطفي سفير بلاده كانوا يركبون سيارتان من نوع بي إم دبليو!! كما صرح دبلوماسي مصري لوكالة رويترز. فهل كانت الحكومة المصرية ستدفع لهؤلاء 15 مليون دولار لكي يحتفظوا به!؟
«ثالثا: جاءت المحاكمة المزعومة هزيلة ومقطوعة وغير مقنعة لأنها لم تتضمن أية تهم، علي عكس جميع عمليات المقاومة السابقة».
على عكس جميع علميات المقاومة السابقة!!!. سبحان الله! هذا الكاتب يعتقد بأن جميع عمليات الذبح السابقة تمت بشكل مقنع بالنسبة له! وكانت تتضمن تهم حقيقة! لا بل هي عمليات مقاومة!. وهنا فلنذكر ببيان جماعة «جند الصحابة» الذين قتلوا مراسل العربية «جواد كاظم» والذين يعتبرهم الأخ «مقاومة» فقد جاء في بيانهم «نعلن مسؤوليتنا عن محاولة اغتيال الرافضي «الشيعي» الخبيث جواد كاظم», هذا ولا ننسى تصريح الزرقاوي الأخير: «وأما القول بأن عوام الرافضة كعوام أهل السنة, فهذا والله من الظلم لعوام أهل السنة, أيستوي من الأصل فيهم التوحيد؟ وأضاف «أيستوي من الأصل فيهم الترضي على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, مع من الأصل فيهم بغض الصحابة; بل لعنهم وعلى رأسهم صاحباه: أبوبكر وعمر رضي الله عنهما. والله ما استويا ولن يتلاقيا حتى تشيب مفارق الغربان», هل هذا هو القتل المقنع بالنسبة لك وهل هذه هي التهم التي تريدها؟؟
«رابعا: جاءت ردود افعال الحكومة العراقية علي غير العادة ضعيفة وباهتة وبدت وكأنها غير مكترثة بما حدث والتعليق الوحيد لها انها غير مسئولة عمن يلعب ألعابا خطرة».
ولا أدري ما ذا يريد الأخ أكثر من اتصال الجعفري بالرئيس المصري مبارك؟ بل وماذا تتوقع من أناس قتل أعداد من ذويهم على أيدي هؤلاء أو على أيدي النظام السابق, ثم نرجوا أن تكون ردة فعل الحكومة المصرية مناسبة بالنسبة للأستاذ.
مرة أخرى لا أدري باسم من يتحدث ومن هم أصحاب هذا الرأي؟ ولا أرى والله سوى أنه يتحدث باسم المجرمين أنفسهم الذين قتلوا سفير بلاده
ثم وبعد هذه النقاط يقول: «ويقول أصحاب هذا الرأي: إن الحكومة العراقية والأغلبية الشيعية بها اصابها ذعر انتصار المقاومة وعودة ابناء السنة للحكم وقد طالبت مصر مرارا بعدم اغفال دور السنة أو استبعادهم من اللعبة السياسية وأمام الانتصارات المتلاحقة للمقاومة لم يكن أمام هؤلاء الخونة إلا قتل واغتيال من تعتقد أنهم يساندون المقاومة أو يدافعون عن حقوق السنة، والقاهرة هي صاحبة الكلمة المسموعة في هذا الشأن.»
ومرة أخرى لا أدري باسم من يتحدث ومن هم أصحاب هذا الرأي؟ ولا أرى والله سوى أنه يتحدث باسم المجرمين أنفسهم الذين قتلوا سفير بلاده. ثم عن أي خيانة وخونة يتحدث؟ ومن الذي يتحدث عن الخيانة؟ لعل علينا تذكير الأستاذ بأن السفير المصري المغتال على أيدي أحبابه «المقاومين» إنما كان سفيراً في إسرائيل يوما من الأيام!, كما أن رئيس المخابرات المصري ما زال يزور اسرائيل عدة مرات في السنة الواحدة وأحياناً في الشهر الواحد, وبالرغم من ذلك لم يقل أحد بأن مصر أو الحكومة المصرية خائنة, فبأي حق تأتي حضرتك لتخوّن الحكومة العراقية والشيعة في العراق؟؟
وأخيراً يختتم الأستاذ مقالته الفذة بهذه العبارة: «وقد كان واضحا لكل المراقبين التقدير الخاص الذي تحمله المقاومة العراقية لأبناء الشعب المصري عندما اختطفت قبل عام الدبلوماسي المصري محمد محمود قطب وافرجت عنه في سيمفونية حب تخللتها الدموع والتعاهد علي العمل لصالح الوطن الواحد علي الرغم من صدور تصريحات في هذا الوقت قبل الاختطاف عن اعتزام مصر ارسال قوات إلي العراق وهو ما يبطل الحجة القائلة إن عملية خطف وقتل الشريف جاءت عقب تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط حول اعتزام القاهرة رفع درجة ممثلها إلي درجة سفير، فالمعتاد ان يبدأ الاختطاف للضغط ثم التراجع كما حدث في واقعة قطب»
وهنا نقول نعم لقد كان واضحاً بالفعل لكل المراقبين, النائمين ربما!, أما المراقبين الحقيقيين فلن ينسوا اختطاف 12 مصرياً خلال السنوات الماضية منهم مهندسين في شركة اتصالات «أوراسكوم», نعم أفرج عن أغلبهم لكن قتل منهم إثنين ولا ننسى الثالث وهو السفير. كما أنه وإن كان بالفعل هناك تعاطف بين المختطفين المصريين وهؤلاء المجرمين فهذا ليس أمراً إيجابياً كما تعتقد, فسيمفونية الحب التي تتغنى بها صدقني لن تطربك طويلاً فهؤلاء لا يعرفون حرمة لأحد وإذا أعطوا الفرصة فالدور قادم على الجميع بما فيهم المسلم وغير المسلم والشيعي والسني وأنا وأنت, فالسفير ليس سوى في أعناق هؤلاء, وكل من يؤيد أعمالهم الإجرامية, فلا تجعله في عنقك أنت أيضاً.. تحياتي،،
*كاتب وباحث سعودي
http://rasid.no-ip.org/artc.php?id=6745