رسائل موسى الحسيني ، صلاح المختار ، خير الدين حسيب
الاستاذ الفاضل صلاح المختار
الاستاذ الفاضل خير الدين حسيب
الاستاذة الافاضل قراء الرسالة ، والمناضلين العرب ، اصحاب المواقع الالكترونية ،والصحف والمجلات العربية .
تحية عربية طيبة
لا احد يستطيع ان ينكر الاسهام الفكري والثقافي الذي قدمه الاستاذ الفاضل خير الدين حسيب طيلة اكثر من ثلاثين عاما الماضية . كان عطاءً لاينضب في مجالات المعرفة المختلفة ذات المساس بالفكر القومي العربي . الا انه لايمتلك في الجانب الاخر العملي ما يؤشر الى أنه يمتلك ما يساويها من امكانات أو خبرات او قدرات عملية لترجمة هذه الافكار، والاسهام في تطبيقها على الواقع المعاش ، فظل المؤتمر القومي ورغم كل الجهود والاموال التي بذلت من اجل تحويله الى حركة سياسية فاعلة ، مجرد صرخات معزولة بين جدران القاعات والفنادق التي عقد فيها . حركة ترف فكري لم تصل الى الشارع العربي ولم تكسب عضوا واحد من خارج الاطار المرسوم لها . بل اصبح المؤتمر القومي احيانا ، والدكتور خير الدين حسيب ، قطبه الاساس ، مجرد جسرا لتبرئة عناصر مشبوهة ، وتحسين صورتها وتقديمها على اساس انها عناصر نظيفة ملتزمة بالخط القومي . والمؤتمر الحالي يقدم نموذجا اخر لذلك . فأضافة لسكرتير الجلبي الذي اشار له الاستاذ صلاح المختار ، الذي يعاني من العزلة ، والاحباط وخيبات الامل بعد عودته من العراق مرفوضا حتى من جماعات العملاء ، بسبب انتهازيته ، ولعبه على الحبال . الى الحد الذي غدا منبوذاً من كل الاطراف ، الوطنية والعملية . وجد على ما يبدو في طيبة الدكتور حسيب ضالته التي ستقدمه وتمنحه صك البراءة امام اصحاب رؤوس الاموال الخليجيين من مناصري الخط القومي العربي .
هناك ايضا ، من بين الحاضرين بعض من السماسرة والمحبطين المدفوعين اما بالرغبة في البحث عن دور ، او عدمبالطمع في عدم تمرير حالة المقاومة دون الاستفادة منها ، بعد ان اكتسبوا الخبرات في كيفية الاستفادة من المعارضة قبل احتلال العراق . بل هناك بين الحاضرين من يعمل لصالح اطراف صهيونية وغربية اخرى كسماسرة الشركات الاسرائيلية التي تريد ان تؤسس مطاراً بين تل ابيب والكفل ، يكون موقعه بين الكفل والنجف تحت عنوان مطار النجف لخدمة زوار العتبات المقدسة ، واخرين يغطون نشاطاتهم المشبوهة تحت اطار الحوار بين الاديان مع انهم ليسوا برجال دين ، ولا وقاعدة جماهيرية سياسية او دينية لديهم ، وهناك من المحبطين والسماسررة والمشبوهين ممن يريد ان يندس في المقاومة بطريق او اخرى لسبب او اخر ن فتظاهر او ركض وراء التيار الصدري ، ثم فجأة رغم تاريخه المحمل باوزار الخيانة والعمالة ، يعلن تاييده للمقاومة عامة ، وهو لايخفي علاقاته بالاوساط والاجهزة المخابراتية العالمية ، بحجة أنه يريد خدمة العراق وانقاذه من بحر الدماء والحفاظ على ارواح الابرياء .ولايدري الانسان هل ان اشتراكهم في مثل هذا المؤتمر هو لمجرد الحصول على البراءة وابعاد الشبهات عن نشاطاتهم هذه ام انها عملية منظمة لتسقط اخبار المقاومة . والاغرب من ذلك و كما عرفنا ان هؤلاء قاموا بتزكية اخرين لاشتراكهم في المؤتمر . لذلك ورغم كل ثقتنا بسلامة نوايا الدكتور حسيب ، فانه لم يكن دقيقا في استخدامه وتعميمه بوصف الحاضرين جميعا " شخصيات وطنية وسياسية " .
هل يمكن فعلا بناء جبهة تضم هكذا خلفيات مكشوفة ومعروفة ، لموازرة ودعم المقاومة . مع أن الجماعات والفصائل القومية المناصرة والمؤيدة للمقاومة في داخل العراق لم يتم دعوتها ، باستثناء بعض الوجوه التي تشكل جزء من التراث القومي لاتلك الفاعلة على الساحة فعليا .
نحن نهين المقاوم ، وهو مشروع شهادة ، بحسابات الفرق في توازنات الاسلحة ، ونبخس حق شهدائنا الابرار بمثل هكذا جبهات اسناد تضم كل هذا الخليط المحمل بالخيانة والتجسس .والموقف العقلاني والوطني يتطلب او يلزم المؤتمرون التخلي عن هذه اللعبة بالاصل فالمقاومة غير عاجزة عن التعبير عن نفسها .وهي بغنى عن مثل هؤلاء ممثلين ، هم بالواقع جزء من اعدائها المطلوبين لها .
ونحن نتعلم من الاستاذ خير الدين حسيب ، ولانريد ان نعلمه ان من اساسيات مفهوم الاستقلال ، ان الممثل الشرعي لاي دولة او بلد هو الجماعة الاكثر التصاقا بالمصلحة الوطنية والاسس المكونة للامن الوطني ، بما يتضمنه هذين المفهومين من عناصراساسية كالحفاظ على وحدة وسلامة اراضي البلد وسيادة ابنائه على اراضيه. ولا احد يستطيع ان ينكر او يتجاوز حقيقة ان المقاومة بفصائلها المختلفة ، هي الفصيل الاكثر التصاقا بهذين المفهومين – المصلحة الوطنية والامن الوطني - مهما اظهرنا نحن المتعاطفين معها من تمسك بهذين المبدئين ، لايمكن ان نساويها او نعادلها أو حتى نساموها . فهي بحكم كل الاعراف والقوانين الممثل الشرعي والوحيد للدولة العراقية ، ولانعتقد ان الانسان يستطيع ان يقدم اكثر من دمه وحياته دفاعا عن هذين المبدئين . واعتقد ان الدور المؤازر يجب ان يتمحور على العمل على ايضاح صورة المقاومة وتنقية سمعتها مما تحاول قوى الغدر والعدوان الصاقه بها من تشوهات . وانتظار ما تطلبه هي منا من دعم او دور ، اما المبادرة لتنصيب انفسنا ممثلين ( غير شرعين لها ) فتلك مسالة تثير التساؤلات . ولاتخدم العمل المقاوم ، والوطني عامة ، بل تمثل جزءً من المؤامرة عليها ..
نحن نتعلم من الاستاذ خير الدين حسيب ولانريد ان نعلمه ان الاحتلال جاء وفقا لاهداف محددة ، وبخطط جاهزة لخدمة المصالح الاميركية – الصهيونية ، لانهاك الدولة العراقية وتفتيت قواها وقدراتها واخراجها من من لعبة الصراع العربي – الصهيوني ، وليس هناك في سلوك الاحتلال ما يؤشر الى جهل في او نقص الخبرة ، كما يروج لذلك العملاء المكشوفين والمستورين للاحتلال ،( ومن المستورين من هو مشارك في المؤتمر) ، بل فوضى وتخريب منظم ومقصود ومخطط لها . وسوف لن تخرج قوات الاحتلال لا بجداول زمنية ، ولا مباشرة ، الا بحالتين :
الاولى : ان تكون انجزت مهماتها المباشرة واسست لمن يتولى انجاز البقية او يشرف على ضمان استمرار ما انجزت .
الثانية : تحت ضربات المقاومة ، عندما تصبح كلفة الاحتلال اكبر بكثير مما يعطيه من نتائج .فالاحتلال بالمفاهيم الاستعمارية ، هو عملية حسابية وتجارية ، لاتاخذ بنظر الاعتبار الا حسابات الربح والخسارة ، كاي عملية سطو او غزو لاي عصابة همجية طامعة بنهب خيرات الاخرين .
اية محاولة للترويج للجدولة او تبني مثل هذه الاطروحات التي يروجها عملاء الاحتلال ، والتي اندست بشكل او اخر في اطروحات بعض الفصائل الوطنية المناهضة للاحتلال ، ماهي في حقيقة امرها الاعملية غبية لتقديم تغطية وطنية لخدمة اهداف الاحتلال ، وامهاله واعطاءه الوقت الكافي لاكمال اهدافه . ولااحد يستطيع ان يتكلم نيابة عن المقاومة في صحة او عدم صحة قرار الجدولة ، فهي المتواجدة على ارض المعركة والاكثر قدرة على تقدير الموقف . والمواقف المؤيدة والمؤازرة للمقاومة لاتمتلك الا ان تعلن تاييدها لقرار المقاومة في هذا الشان قبولا او رفضا . وقد كفانا الاستاذ صلاح من مهمة ايضاح دور الامم المتحدة والجامعة العربية ، ان العراق بخير والمقاومة بما تمتلكه من وعي وايمان وقوة ليست بحاجة لوسطاء . وعلينا ان لانكون ضحايا بلهاء لاكذوبة الخوف من الفوضى او الحرب الاهلية عندما تنسحب قوات الاحتلال ، فالشعب العراقي يمتلك من الوعي ما يكفي لتجاوز لعبات الاحتلال وتوابعه المحليين .
والمؤتمر ، كما ذكرنا ملغوم بالسماسرة والمندسين ، نتمنى ان لايؤثروا على الدكتور حسيب وبقية الاعضاء ممن لايمكن لاحد ان يشكك بحسن وسلامة نواياهم . بتمرير ما مكلفين بتمريره . اقل ما سيترتب على مثل هكذا قرارات مشبوهة ، هو شق الصف الوطني المؤازر والمؤيد للمقاومة .
نذكر الاستاذ الدكتور خير الدين حسيب ، وهو ناصري أو قومي بخلفيات ناصرية ، بالحقيقة التالية : رغم كل الشعارات والاطر والتخريجات النظرية ، ان الحركة الناصرية في جوهرها لم تكن الا حركة تحرر وطني تهدف من خلال كل اطروحاتها الى ازالة الاحتلال ، والحد من النفوذ الاجنبي على الوطن العربي ، كاساس لتحقيق الاستقلال والتحرر، انطلاقا لتحقيق الديمقراطية ، وتاكيد ارادة الامة العربية . ونتمنى ان يتمسك بخلفياته ليظل رمزا وطنيا نعتز به ، ونشعر بالامتنان لما قدمه من خدمات للثقافة والفكر القومي العربي .
ليتقبل الجميع فائق الاحترام والتقدير
مع خالص تحيات
د . موسى الحسيني
-----Original Message-----
From: salah almukhtar [mailto:salahalmukhtar@hotmail.com]
Sent: 19 July 2005 23:32
To: albasrah2003@yahoo.com; editor@al-moharer.net; najihadithi@yahoo.com; kassim103@hotmail.com; ialkader@yahoo.com; albayaty_abdul@hotmail.com; jijafari@httsusa.com; karray81@topnet.tn; webmaster@aliraqnews.com; mzalhussaini@btinternet.com; teteguevara@hotmail.com; n-c-s-d@palnet.com; jenienyo@hotmail.com; info@almughtarib.com; imanalali@yahoo.com; j_alsalman@yahoo.com; achoutri@hotmail.com; ugtt.emigration@planet.tn; mouwatana2005@hotmail.com; m.al-obaidi@ntlworld.com; fas_f2004@yahoo.com; nidalkadri@yahoo.com; nezammahdawi@yahoo.com; anaarabi2005@yahoo.com
Cc: fsalman002@yahoo.com; mfjalloul@hotmail.com; hetieta@hotmail.com; N.W.A@gmx.at; shkh90@mail.dk; s-dori@scs-net.org; sameera@binrajab.com; office@safar.at; aqil2000@hotmail.com; ala3rabi@cyberia.net.lb; mail@kanaanonline.org; olatiff@link.net; drdurgham@yahoo.de; hassangharib@gawab.com; almajd@almajd.net; awniesk@yahoo.com; kmnajib2@yahoo.fr; wajdi.mardan@gmail.com; aljamil@netplus.ch; mohamedosman@bluewin.ch; iyadaflak@yahoo.com; hishamnajdawi@hotmail.com
Subject:
بالنظر لاهمية ما ورد في الرسالتين المتبادلتين بيني وبين الدكتور خيري الدين حسيب حول مؤتمر بيروت الذي تحيط به تساؤلات مشروعة ارجو تفضلكم بنشرهما باسرع وقت مع شكري
صلاح المختار
الرسالتان المتبادلتان بين صلاح المختار وخيري الدين حسيب حول مؤتمر بيروت
3199/2005
15/7/2005
مــــن: خيـر الديـن حسيـب
مدير عام مركز دراسات الوحدة العربية
الى: الأستاذ صلاح المختار
الأخ الأستاذ صلاح المختار المحترم
تحية عربية،
أود أن أعبر عن سروري لاهتمامك بفاعلية عقد ندوة (مستقبل العراق) وانشغالك بمتابعة وتحليل تطورات الأوضاع السياسية وتداعيات الاحتلال وآفاق المستقبل..
وقد اطلعت على مقالك (أسئلة وتساؤلات حول مؤتمر بيروت) وأقدر تثمينكم للنوايا الطيبة التي تقف وراء الدعوة لعقد الندوة والتي هي دون شك تقع ضمن أهداف كل العراقيين والعرب الخيرين الذين تداعوا لمواجهة الآثار المدمرة للاحتلال على قيم وبناء العراق، وعلى حاضره ومستقبله ودوره في النضال القومي التحرري..
وأرجو أن تطمئن إلى أن الهدف الأساسي في عقد هذه الندوة هو بناء أفكار وتصورات تقود إلى انطلاق جبهة وطنية عريضة لتدعيم وحماية وتعزيز جهاد المقاومة العراقية الباسلة، ووضع تصور لبرنامج وطني متكامل والذي سيساعد أية حكومة وطنية، بعد طرد الاحتلال وعملاءه، من إعادة بناء العراق واستعادة دوره القومي.
-2-
وتوضيحاً لما ورد من تساؤلات، وهي تساؤلات مشروعة وتعكس اهتماماً مشتركاً لكل العراقيين، أود أن أوضح ما يلي:
أولاً: إن واحداً من الأهداف الأساسية لهذه الندوة، هو دعوة كل العراقيين ممن لهم موقف موحد أو متقارب من رفض الاحتلال وكل إجراءاته وصيغه الميدانية، وقراراته وأطره وما فرضه من هياكل عميلة ومؤقتة، وقد وجهت الدعوات لأكثر من مائتي شخصية سياسية وطنية ومن جميع أطياف القوى المعارضة للاحتلال والمعترفة بشرعية المقاومة ودورها الكفاحي الوطني التحرري.
ثانياً: ولا شك أن هذا اللقاء الوطني سيمثل تظاهرة سياسية وطنية لدعم العمل السياسي والكفاحي للمقاومة العراقية، وتدعيم العمل من أجل الوصول إلى الهدف والغاية النهائية وهي إفشال المشروع الأمريكي وما زرعه من طائفية ومحاصصة وتدمير للاقتصاد الوطني وتعطيل لدور العراق اقليمياً ودولياً، لذا فإن مجرد لقاء أبناء العراق الشرفاء والمخلصين لوطنهم والمعادين للاحتلال وبرامجه.. سيكون عملاً إيجابياً بل ضرورياً في هذه المرحلة من أجل توحيد المواقف وتعزيز العمل المشترك.
ثالثاً: أما تساؤلاتك حول ما يمكن أن تقدمه الندوة من تصورات حول موضوع إقامة الحكومة الوطنية، وهل سيتم دعوة الأمم المتحدة والجامعة العربية للقيام بدور في هذا الإطار، فإني لا أود أن استبق ما سوف تتوصل له هذه الندوة من قناعات وآراء، ولكني على ثقة ان خيار الشعب الحقيقي والصادق هو الوصول إلى صيغة وطنية حقيقية يتم الاجماع عليها، وهذه الصيغة هي التي ستختار الطريق للوصول إلى تحقيق الهدف المشترك وهو طرد الاحتلال وقيام حكم وطني، وإعادة بناء الوطن وفق الصيغة التي سيعد لها، ويطبقها ابناؤه الأخيار وليس الذين تدافعوا للدخول إلى العراق تحت "سرف" الدبابات وتزاحموا عند بوابة "المنطقة الخضراء".
أنني على ثقة أن إجماع العراقيين سيكون هو الصواب في تقرير مصير وطنهم.
-3-
رابعاً: إن مناقشة موضوع (جدولة الانسحاب) وتقرير أسلوبه وآلياته ليس من أجندة المؤتمر، ولا شك أن الأزمة التي يواجهها المحتل وتصاعد المقاومة العراقية الباسلة، والتطورات في المحيط الاقليمي والدولي.. جميعها ستشكل عوامل ضاغطة لإجبار المحتل على الخروج من العراق، ولسنا هنا بصدد مناقشة آليات عملية الانسحاب، فهذا أمر يرتبط بعوامل داخلية وخارجية تحتاج إلى رؤية محددة، ولكنني على ثقة كاملة، أن خروج المحتل من العراق سيكون في إطار هزيمة المشروع الأمريكي العدواني، مهما كانت أساليب وأنماط إخراج عملية الانسحاب من قبل المحتل ووفق تصوراته التي يسوقها.
خامساً: أما بشأن من يرى أنه يمثل الشعب العراقي، فإنني ممن يؤمنون بأن تمثيل الشعب العراقي سيكون عبر بوابة موقف المقاومة للاحتلال دون شك، وهذه قضية تستحق أن تنال إجماعاً شعبياً من كل القوى التي وقفت ضد الاحتلال وفي المقدمة منهم من يبذلون الدماء في سبيل ذلك..
سادساً: وأخيراً فإن دعوات الحضور للندوة كانت وفق معيار أولي هو دعوة أصحاب موقف مناهضة الاحتلال ومقاومته والإيمان بوحدة العراق وحريته، ومن خلال لقاء الجمع الخير المؤمن بالثوابت الوطنية والقومية، تتعزز مسيرتنا للوصول إلى حالة النصر. وتعزيز الانتصار ببناء العراق المستقل الحر والديمقراطي.
أرجو أن تنال هذه التوضيحات فهمك، وأن العمل من أجل تحرير العراق يحتاج دون شك لكل عراقي مؤمن بوطنه وبالمستقبل .
مع التقدير.
من : صلاح المختار
الى : د. خيري الدين حسيب المحترم
تحية طيبة
اشكركم على التفضل ببعث رسالتكم ،المؤرخة في 15 -7 – 2005والتي علقت على مقالي الموسوم ب(اسئلة وتساؤلات حول مؤتمر بيروت لدعم المقاومة ) المنشور في عدد كبير من مواقع الانترنيت ، ،وقرات بتمعن ودقة ما ورد فيها من اراء قيمة تستحق النقاش الموضوعي . وانني اذ اؤكد اتفاقي معكم على قسم مما ورد في الرسالة الا ان لدي بعض الملاحظات الجوهرية حول القسم الاخر، لذا ارجو ان يتسع صدركم لمناقشتها بصراحة وعلى نحو يخدم نضال شعبنا .
اولا : وردت في مقدمة الرسالة الفقرة التالية :( أن الهدف الأساسي في عقد هذه الندوة هو بناء أفكار وتصورات تقود إلى انطلاق جبهة وطنية عريضة لتدعيم وحماية وتعزيز جهاد المقاومة العراقية الباسلة، ووضع تصور لبرنامج وطني متكامل والذي سيساعد أية حكومة وطنية، بعد طرد الاحتلال وعملاءه، من إعادة بناء العراق واستعادة دوره القومي.)، ان هذه الفقرة تشكل بداية جيدة للحوار الاخوي ، لانني اريد ان اعبر عن اتفاقي التام معكم حول اهمية ان تبادر كل قوة ، او جماعة او شخصية وطنية وثقافية، بطرح تصوراتها وملاحظاتها ومقترحاتها وقناعاتها ، بخصوص المقاومة العراقية ، لانها ملك كل العراقيين وليست حكرا على فرد او جماعة بغض النظر عن ادوار الجميع ، فالمطلوب هو اغناء الفكر وتشجيع التفكير حول مستقبل العراق وكيفية تحريره وطبيعة مراحل ما بعد التحرير . لكن ثمة فرق بين حق ابداء الراي وبين طرح برنامج متكامل وشامل للعمل بموجبه من قبل انصار المقاومة من غير المقاتلين ، فلئن كان طبيعيا ، بل وضروريا ، فتح حوار حول سبل التحرير المختلفة فان اولئك الذين يطرحون انفسهم كعاملين في اطار (جبهة وطنية عريضة لتدعيم وحماية وتعزيز جهاد المقاومة العراقية الباسلة)،كما ورد في رسالتكم، ملزمين بقاعدة جوهرية لا يمكن تجاوزها ، وهي ان الجبهة المقترحة يجب ان تكون امتدادا سياسيا للمقاومة ، يعبر عن برنامجها هي بالذات في المجالات السياسية والاعلامية والثقافية والاجتماعية . ان الجهاز العسكري للثورة المسلحة منغمس في عمل جهادي خطر ومعقد ، خصوصا وان العدو شرس جدا ويتبنى سياسة اجتثاث تنظيمات الثورة المسلحة ورموزها ، بما في ذلك الاعلامية ، جسديا ، لذلك تبرز الحاجة القصوى لانشاء جهاز سياسي لا صلة له بالعمل المسلح، يتولى مسؤولية نشر ثقافة الثورة وبرامجها واهدافها ، ويؤطر الدعم الجماهيري لها ويوسعه ، ويزيل الدعايات المضادة للثورة ...الخ ، وهذا الجهاز يفضل ان يعمل بالطرق العلنية ، وربما القانونية .ان الثورة العراقية المسلحة بأمس الحاجة لهكذا جهاز، خصوصا وانها تدق ابواب النصر الحاسم بعد ان اخذ العدو يترنح ويقترب من لحظة الانهيار الحاسم ، وصار يلجأ الى وسائل الخديعة والتضليل لشق تنظيمات الثورة او اختراقها ، عبر مجموعة من الاساليب ، من بينها ادعاء انه يفاوض فصائل من الثورة ، وانها اقتنعت بالاندماج بالعملية السياسية وتخلت عن الكفاح المسلح بصفته الاداة الرئيسية للتحرر الوطني ، الامر الذي يتطلب تصدي الجهاز السياسي ، اي الجبهة المقترحة ، لدحر ودحض هذه الطروحات وردها الى جذورها الاحتلالية، وتاكيد الموقف الثابت للثورة من مسالتي كيفية التحرير، ومستقبل وصورة النظام الوطني البديل كما اقرته المقاومة .
ان هذا المنطلق الجوهري والاساس هو الذي يمنح اي جبهة مشروعيتها وتمثيلها للثورة كواجهة سياسية لها ، اما اذا اختلف الهدف الجوهري وتبنت الجبهة منهاجا وحلولا للازمة الثورية المتنامية في العراق ، يقوم على القبول بولاية طرف او اطراف اخرى غير المقاومة المسلحة والاندماج في اي ضرب من ضروب العمل السياسي للوصول الى حل مع الاحتلال ، فان هذا التوجه يبرء الثورة من جبهة كهذه ، ويجعلها مجرد تنظيم اخر ينضم الى اكثر من مائتي تنظيم نشأت في ظل الاحتلال دون ان تخدم بجدية اهداف الثورة . واذا كانت الجبهة المقترحة يراد لها ان تكون هكذا فاننا بصفتنا انصار الثورة المسلحة حتى التحرير والنصر لامكان لنا على الاطلاق في جبهة كهذه ، وسنتعامل معها على انها افراز من افرازات الاحتلال وليس ردا على الاحتلال ، مع تاكيدنا ان افرازات الاحتلال بعضها وطني لاغبار على وطنيته ، وبعضها الاخر عميل ومشبوه .
ثانيا : بعد هذه المقدمة الجوهرية ، لابد من تناول مسائل اخرى مهمة جدا ، فلقد ورد في الفقرة ثالثا ما يلي :
(ثالثاً: أما تساؤلاتك حول ما يمكن أن تقدمه الندوة من تصورات حول موضوع إقامة الحكومة الوطنية، وهل سيتم دعوة الأمم المتحدة والجامعة العربية للقيام بدور في هذا الإطار، فإني لا أود أن استبق ما سوف تتوصل له هذه الندوة من قناعات وآراء، ولكني على ثقة ان خيار الشعب الحقيقي والصادق هو الوصول إلى صيغة وطنية حقيقية يتم الاجماع عليها، وهذه الصيغة هي التي ستختار الطريق للوصول إلى تحقيق الهدف المشترك وهو طرد الاحتلال وقيام حكم وطني، وإعادة بناء الوطن وفق الصيغة التي سيعد لها، ويطبقها ابناؤه الأخيار وليس الذين تدافعوا للدخول إلى العراق تحت "سرف" الدبابات وتزاحموا عند بوابة "المنطقة الخضراء".)
ان هذه الفقرة هي ما كان ومازال يلفت نظرنا في مواقف تنظيمات عديدة منها المؤتمر القومي ، وفي تحليلات ومواقف شخصيات وطنية ومنها شخصكم الكريم ، حيث ترتكز الرؤية الخاصة بانهاء الاحتلال على موقف يتناقض كليا مع موقف الثورة ، ففي حين انكم تطلبون في الحل النهائي ، ان تخرج قوات الاحتلال وتحل محلها قوات تابعة للامم المتحدة ، وربما الجامعة العربية ، وان تكلف الامم المتحدة باجراء اتصالات من اجل تشكيل حكومة مؤقتة لادارة العراق في الفترة الانتقالية تعد خلالها لاجراء انتخابات حرة ، فان المقاومة تبنت خيار دحر الاحتلال او اجباره على التفاوض وفق شروط المقاومة ، بعد ان يصل نزيفه الى حد بطحه ارضا، ووضعه على حافة الهزيمة المذلة والمهينة لاعظم قوة في التاريخ . وفي اطار الموقف المعلن للمقاومة فان الامم المتحدة والجامعة العربية غير مسموح لهما على الاطلاق ان يلعبا اي دور يتجاوز حدود دعم خطط المقاومة وهي تستلم السلطة وتشكل الحكومة الثورية المؤقتة ، وحضور الانتخابات, وليس الاشراف عليها ، التي ستجري لتقرير من سيحكم العراق بعد التحرير. لماذا ترفض الثورة اي دور تشكيلي للمنظمتين الدولية والعربية في بناء جمهورية العراق الثانية ؟ ببساطة لان الدور التشكيلي هو احتكار مطلق لمن حرر العراق ولمن دعم التحرير كجهاز سياسي ممتد ، من جهة ولان هاتين المنظمتين كان لهما دور اجرامي شنيع في تدمير العراق والغاء استقلاله ، ابتداءأ من فرض العدوان الثلاثيني في عام 1991 ، بقرار من الجامعة العربية التي افشلت عمدا الحل السياسي لازمة الكويت ، فاستغلت امريكا والغرب الاستعماري معها ذلك، وبنت عليه قرارا صدر من مجلس الامن يبيح استخدام القوة ضد العراق ، وفرض اجراءات تدميرية قضت على مليوني عراقي ماتوا بسبب الحصار الاجرامي ، وانتهاءأ بتوفير كل المستلزمات لغزو العراق في عام 2003 وتأمين عملية تطبيع العلاقات مع النظام العميل الذي فرضه الاحتلال .
من الغريب ، بل الغريب جدا ان نسمع اي وطني يطالب بتسليم العراق للامم المتحدة والجامعة العربية ، وامامنا مشهد الخراب والموت الذي ما كان له ان يتم بالصورة التي حصلت لولا استخدام الامم المتحدة والجامعة العربية ، ولذلك من حقنا ان نسأل ، وبجدية لن تزول : ترى هل تبدلت الامم المتحدة والجامعة العربية كي نقدم لهما العراق على طبق من ذهب لتقرير مصيره ؟ لو ان الوضع الدولي والاقليمي قد تبدل وتغيرت الموازين الستراتيجية لصالح الشعوب الحرة وحركاتها التحررية ، ولو نسبيا ، لكان بالامكان افتراض ان الامم المتحدة والجامعة العربية ربما تحررتا من الهيمنة الامريكية عليها ، ومن ثم يصبح بالامكان لعب ورقة الامم المتحدة والجامعة العربية لتقييد امريكا . ولكن الذي حصل كان العكس تماما ، فالوضع الدولي والاقليمي ازدادا خضوعا لامريكا ، وهو امر عزز قبضة امريكا على الامم المتحدة والجامعة العربية ، لدرجة ان فرنسا والمانيا وروسيا والصين ، التي عارضت الحرب واكدت عدم شرعيتها ، اخذت تتماهى في مواقفها من احتلال العراق مع الموقف الامريكي لدرجة محاولتها منح النظام العميل الشرعية التي يحتاجها الرئيس الامريكي، امام شعبه لمواصلة الغزو والخراب في العراق ! ان الاتحاد الاوربي ، وليس امريكا فقط ، يعمل الان بجدية لتثبيت الامر الواقع في العراق، ويصف الثورة الوطنية التحررية ب( الارهاب ) ، وتلك حقيقة عيانية ثابتة ، جعلت الامم المتحدة والجامعة العربية مجرد ورق تواليت يمسح قاذورات الاحتلال ويجمل وجهه القبيح .
اذن كيف يمكن لاي وطني ان يسلم العراق ومستقبله وحقوقه المغتصبة لجهازين تمسك بهما امريكا بحزم وقوة ، من ذيله حتى راسه ، وتسخرهما غطاء لجرائمها ضد الانسانية في العراق وغيره ؟ ان هذا السؤال ، الذي يطرق في راس كل عراقي كما تضرب مطرقة ضخمة جدار نحاس فتتشقق طبلات الاذان ، يستولد سؤالا هو الاهم وهو : لماذا يطالب وطني عراقي ، ايا كانت هويته السياسية ، بتسليم العراق للامم المتحدة مع علمه بانها جهاز تستخدمه امريكا مطية مطيعة تماما كما تستخدم العملاء الذين ادخلتهم العراق مختبئين باحذية جنود الاحتلال ؟ هنا ، اسمح لي اخي الفاضل ، ان اكون صريحا حد الجرح ، لان المطروح على بساط البحث هو مستقبل العراق وحياة شعبه وهويته الوطنية المهددة بالتذويب ، وليس من يستلم السلطة قبل غيره ، انني اعتقد ، ويشاركني الاعتقاد كل من تدهشه مواقف المطالبين بولاية الامم المتحدة على العراق ، بان زج الامم المتحدة في تقرير مصير العراق سيقود الى نتيجة حتمية : ابعاد المقاومة المسلحة عن حق تقرير مصير العراق بعد التحرير ، وتنصيب حكومة لا ساقين لها لتقف عليهما ، اي انه مدعومة بجهد شخصيات وتنظيمات ثانوية اثبتت كل احداث العراق المحتل انها فشلت في اخراج حتى مظاهرة تضم 500 شخص ضد الاحتلال ! فكيف يمكن لحكومة غير مسنودة شعبيا ان تفاوض الاحتلال من موقع قوة ؟ ومن اين ستكتسب القوة اذا اصطفت مع الاحتلال في استبعاد المقاومة ، والتي تعد بلا اي نقاش القوة الاساسية في الساحة العراقية وليس مجرد قوة اساسية ؟ ان هذا الموقف سيجر الى عدة نتائج سلبية ، من بينها احداث انشقاق في الصف الوطني لان المقاومة ترفض ، وبشدة واصرار لا رجعة عنهما، التخلي عن مسؤليتها التاريخية في اكمال مسيرة تحرير العراق باقامة حكومة مؤقتة قوية وفعالة، مدعومة بنفس البندقية التي قهرت الاحتلال واذلت اعظم واقوى استعمار في التاريخ ، لضمان الابعاد التام للاحتلال عن العراق، وغلق منافذ الضعف التي قد يتسلل منها ويعود ، او يبقى ويرفض الخروج، اذا انقسم الصف الوطني ، وهذا هو احد اهم الاهداف الحبيبة على قلب الاحتلال منذ ادرك انه وقع في فخ العراق المميت . فهل يخدم ذلك مصلحة تحرير العراق ام انه يخدم من لهم مطامح سلطوية، كانت من اهم اسباب كارثة الاحتراب الوطني الذي ابتدأ حينما ارادت شخصيات (المرحوم عبدالكريم قاسم مثلا ) الانفراد بالسلطة وابعاد الشركاء الاساسيين في ثورة تموز العظيمة ، ودعمته في منحاه التدميري ذاك اطراف وطنية ! ثم تكررت المأساة في عام 1963 حينما اشتبك القوميون العرب في صراع داخلي ، بين البعثيين الذين اسقطوا قاسم والناصريين الذين اشركهم البعث في السلطة ، لكنهم ارادوا (اجتثاث البعث) والانفراد بالسلطة ، فكانت ردة تشرين( 1963 ) عاملا حاسما في شق الصف القومي بطريقة مدمرة لكل القوميين العرب ! وتواصلت المأساة باستبعاد التحالف مع البعث لمواجهة الحملة الصهيونية الامريكية على العراق والتي اتخذت بعدا خطيرا بفرض الحصار ، وتوضحت تماما بتبني ما سمي ب ( قانون تحرير العراق ) ، في عام 1998من قبل الكونغرس الامريكي ، وهو ما جعل المستهدف مستقبل العراق ووحدته وهويته العربية وليس النظام الوطني فقط . كل ذلك لم يقنع من كان يصر على تقاسم السلطة كشرط مسبق لدخول تحالف مع البعث للدفاع عن الوطن وليس مجرد الاشتراك فيها !!!
هل يستمر تكرار المشهد اللاعقلاني الان ، والعراق يذبح امام نواظرنا ، فنجد من يطالب بالسلطة ، وهو بلا ساقين ، مضطرا لطلب ولاية الامم المتحدة على العراق بدل ولاية المقاومة ، مع ان ذلك يعني وبحتمية لا مفر منها ، القبول بصيغة معدلة للاحتلال وبفتح صراع دموي مع المقاومة المسلحة؟ نعم اخي الفاضل ان من يريد تسليم العراق للامم المتحدة يغلب الخاص على العام ، ويواصل ذبح الموقف العقلاني الذي يقول بضرورة تحرير العراق، والتقيد بالمتطلبات العملية لذلك وفي مقدمتها عدم مزاحمة قيادة الثورة المسلحة او محاولة ارباكها ، وقبول الحل الستراتيجي الذي تبنته المقاومة وهو استلام السلطة من قبلها، اما نتيجة لدحر الاحتلال بلا تفاوض او التفاوض معه اذا قبل شروط المقاومة وفي مقدمتها الانسحاب التام وغير المشروط .
ثالثا : تقول في الفقرة خامسا من الرسالة ما يلي :
(خامساً: أما بشأن من يرى أنه يمثل الشعب العراقي، فإنني ممن يؤمنون بأن تمثيل الشعب العراقي سيكون عبر بوابة موقف المقاومة للاحتلال دون شك، وهذه قضية تستحق أن تنال إجماعاً شعبياً من كل القوى التي وقفت ضد الاحتلال وفي المقدمة منهم من يبذلون الدماء في سبيل ذلك.). ان هذه الفقرة جيدة بشكل عام ، الا انها تنطوي على لغم التعميم وعدم التشخيص . ما المقصود بذلك ؟ هل النص يعني انكم تعترفون بان المقاومة المسلحة ، وليس المقاومة السلمية ، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي ، وان التشكيلات السياسية الوطنية الداعمة للمقاومة تستمد شرعيتها من المقاومة ؟ ام انكم تعتقدون بامكانية بروز اكثر من قوة وطنية تتمتع بالشرعية التمثيلية للشعب العراقي عند بدء تقرير مصيره ؟ اذا كان الجواب هو القبول التام وغير المشروط لوحدانية تمثيل المقاومة للشعب العراق ، في لحظة تقرير مصير الاحتلال ، واثناء وضع الترتيبات الانتقالية ، فاننا نقف على قاعدة واحدة ونشكل خطا واحدا لا خطين في مسائل الثورة والتحرير . اما اذا كان الجواب هو ان مشروعية المقاومة لا تلغي مشروعية غيرها ، عندها سنواجه مشاكل مركبة ، منها كيف تثبت هذه الجهة او تلك انها تمثل جزء من الشعب قبل اجراء انتخابات حرة ؟ ولماذا لم تستطع تجاوز حدود العمل السياسي الرافض للاحتلال وتنخرط في صفوف المقاومة المسلحة ؟ اليس لانها لا تملك القدرة الجماهيرية ؟ ان الشرعية تضفى على اي طرف بطريقتين ، في الحالة العراقية ، فاما ان تمنحها ذلك انتخابات حرة في ظل الاستقلال الحقيقي وهو ما لم يحصل بعد ، او انها تملك خزينا شعبيا ضخما يمكنها من فرض نفسها على الاحداث ، سواء بصيغة العمل المسلح كما فعلت المقاومة ، او باللجوء للعصيان المدني باستخدام القواعد الجماهيرية لعزل الاحتلال وجعل استمراره مستحيلا . هذه الحقيقة تفرض طرح سؤال اخر مهم : لماذا لم تلجأ الكتل والتنظيمات ، التي ربما تعتقد انها تمثل الشعب العراقي، الى استخدام مخزونها الجماهيري لفرض عصيان مدني اذا كانت حقا تمثل جماهير واسعة ؟ اين جماهيرها ومتى ستستخدمها اذا كان الاحتلال لا يحركها لفعل ذلك ؟ انني اعتقد بيقين تام منشأه الوضع الميداني العراقي ، بان لا قوة ثالثة بين المقاومة والاحتلال ، بل ثمة تجمعات هامشية او ثانوية ، بدليل ان اكبر الاحزاب العميلة وهي التجمعات الصفوية الايرانية، التي نصبها الاحتلال حكومة للعراق المحتل، لا تستطيع حماية نفسها وتطلب بتوسل علني عدم سحب القوات الامريكية . اما على المستوى الوطني فيجب ان نعترف بشجاعة بان القوة الوطنية الام والرئيسية هي المقاومة المسلحة لا غير . نعم هناك شخصيات وطنية وتجمعات وطنية، لكنها لا تشكل قوة جماهيرية منظمة وكبيرة ، تستطيع التأثير بفعالية في الاحتلال ، وانما هي ظاهرة يطلق عليها في الغرب اسم احزاب الرجل الواحد ( one man party). فهل نبقى اسرى الطموح باستلام السلطة حتى ونحن لا نملك ساقين لنقف عليهما وفي ظل احتلال ذكي، ولا حدود لشراسته وشراهته للقتل والنهب ، والوطن يغتصب ويعذب، وتجري محاولات محو هويته بكل الطرق، بما في ذلك استيراد اكراد من خارج العراق وايرانيين بالملايين ، ومنحهم الجنسية العراقية ؟
رابعا : وعند التطرق لمسالة جدولة الانسحاب الامريكي من العراق ، والتي اصبحت احدى الالغاز المثيرة للانتباه والشكوك ، فمن المؤسف القول ان ما ورد في الرسالة بخصوصها ، كان عائما ويحتمل كل تفسير ، تقول :( ولسنا هنا بصدد مناقشة آليات عملية الانسحاب، فهذا أمر يرتبط بعوامل داخلية وخارجية تحتاج إلى رؤية محددة، ولكنني على ثقة كاملة، أن خروج المحتل من العراق سيكون في إطار هزيمة المشروع الأمريكي العدواني، مهما كانت أساليب وأنماط إخراج عملية الانسحاب من قبل المحتل ووفق تصوراته التي يسوقها.)
ان جدولة الانسحاب عملية خطيرة وتقع ضمن اهم تكتيكات الاحتلال المستخدمة للمخادعة والتضليل ، فهي فرضت نفسها بقوة ، لان العالم ، بما في ذلك الامم المتحدة على ضعفها ، نظر الى ما جرى في العراق على انه احتلال ، وبما انه كذلك فان اول دفاع متوقع استخدمته امريكا هو تاكيد انها ستنسحب في يوم ما من العراق ، وتركت الباب مفتوحا للاجتهاد للجميع . وحينما فرضت المقاومة المسلحة نفسها واصبحت القوة الاساسية التي وضعت الاحتلال في زاوية حرجة ، اخذ الاحتلال يتحدث عن زمن محدد ، مرة قيل انه سيبقى سنة ومرة سنتين وثالثة ثلاثة سنوات ، بعد ان كان المسؤولون الامريكيون منقسمون بين فريقين في بدء الغزو ، فريق يقول ان القوات الامريكية ستبقى ربع قرن واخر يقول ربما اكثر . ورغم الرفض الرسمي لوضع جدول للانسحاب الا ان العملاء الذين لا ينطقون الا باوامر امريكية ، مثل اياد علاوي ، اخذوا يتحدثون عن الانسحاب بعد اكمال عملية بناء قوات امنية كافية وانجاح عملية سياسية تضم تيارات رئيسية ، وهذ المنطق ايضا استخدمه بوش.
اذن الجدولة دخلت في صلب النقاشات والتطورات ، واشترط الاحتلال لحسمها ما سبق ذكره ، وبطريقة زئبقية مخادعة اراد بها اقناع معارضين له بالانخراط في العملية السياسية ، لتسهيل وضع جدول للانسحاب قريب ، وكانت زيارة كونداليزا رايس للعراق وامرها للجعفري وللبارزاني والطالباني بضرورة اشراك من اسمتهم ( العرب السنة ) في العملية السياسية، بصفته احد اهم متطلبات اكمال ترتيب الوضع وتقريب الانسحاب . والان يقوم التكتيك الاساس لعملاء الاحتلال ، مثل السيستاني ورهطة من حملة الجنسية الايرانية وعلى راسهم الايراني الهوية والهوى ابراهيم الجعفري اضافة للجلبي وعلاوي غيرهما ، على وعد السذج بان جدولا زمنيا للانسحاب سيوضع لتامين الانسحاب وربط ذلك باستتباب الامن ، وهو شرط شيطاني يتستر بغطاء رحماني مهلهل ، لانه بعموميته ورفض تحديده يقدم لامريكا المسوغ للمماطلة ورفض وضع جدول واضح ومحدد للانسحاب .
اننا لذلك نقلق من ربط جدولة الانسحاب بمسبقين مشبوهين ، المسبق الاول النجاح في اكمال بناء قوات امنية تستطيع القضاء على (التمرد ) ، كما تصف امريكا المقاومة الوطنية ،والمسبق الثاني نجاح العملية السياسية ، وهذا يعني توريط وطنيين، او من يضع رجلا مع المقاومة واخرى مع الاحتلال ، في صلب عملية دعم الاحتلال . لو نظرنا الان لما يجري سنجد ان بوادر توريط وطنيين في هذا الفخ القاتل قد ظهرت ، فالمؤتمرالتاسيسي وهيئة علماء المسلمين وشخصيات وطنية اخرى ، اخذت تضع شروطا للانخراط في العملية السياسية ! بل ان قسما من اعضاء هاتين المنظمتين اخذ يطالب باكمال بناء قوات امنية تستطيع ضبط الامن قبل الانسحاب ! والسؤال الحيوي هنا هو التالي : من اقترب من الاخر الاحتلال ام وطنيين اضناهم الليل الطويل فقبلوا بتجرع سم التعامل الطبيعي مع الاحتلال ، بافتراض ان منطقه مقبول بخصوص توفير اجواء مناسبة للانسحاب ؟ دون ادنى شك بعض الوطنيين تمت عملية تقريبهم التدريجي من موقع الاحتلال وليس العكس ، وتلك حقيقة مؤسفة تظهر مخاطر التعامل مع الاحتلال الاستعماري بفرضيات ذاتية ومتخلفة وقاصرة تعجز عن رؤية ما يخطط له الاحتلال وما يضمره ، مع ان قيادة الثورة تعرفه تماما وتتحوط له كليا ، لانها تملك ليس البصر والبصيرة الثاقبة فقط ، بل تملك ايضا القدرة على الردع العسكري لقوات الاحتلا ل . في ضوء ما تقدم اجدني متوقفا امام العبارة الغامضة الاتية التي وردت في رسالتك : (ولسنا هنا بصدد مناقشة آليات عملية الانسحاب، فهذا أمر يرتبط بعوامل داخلية وخارجية تحتاج إلى رؤية محددة ) ! لماذا لسنا بصدد مناقشة اليات عمليات الانسحاب وهي جوهر واساس عملية عض الاصابع بين المقاومة والاحتلال ؟ هل نسيت اخي الفاضل ان المقاومة قد حددت هذه المسالة ولم تتركها ل( عوامل داخلية وخارجية ) كما تفضلت ، لان المقاومة ليست سوق بورصة تتقاذفها الانواء الداخلية والخارجية بل هي ارادة شعب قرر تحرير ارضه ، وهي لذلك تضع شروط الانسحاب بما في ذلك الزمن المطلوب لاكماله ؟ ان بيانات المقاومة كلها حينما تتحدث عن الانسحاب منذ بداية الغزو كانت تؤكد على الانسحاب الفوري وغير المشروط ، وان المدة اللازمة للانسحاب تتقرر في ضوء الحاجة العملية الصرفة لسحب الدروع وغيرها ، ورفضت بشدة اي زمن تقرره اهداف سياسية للاحتلال ، تسمح ببقائه سنة او سنتين او اكثر . من هنا اسمح لي ان اقول بان هذه الفقرة غير موفقة وتنطوي على عامل يستفز التساؤل حول ما تخبئه في احشاءها . ان تمييز المقاومة بين الجدولة العملية ( اي منح الاحتلال زمنا يكفي لسحب القوات لا اكثر ) والجدولة السياسية ( اي منح الاحتلال زمنا يصل لسنوات ربما يقترن بمنحه قواعد مؤقتة ) هو تطبيق خلاق لفكرة عدم السماح للاحتلال بالتاثير على عراق ما بعد التحرير، باي شكل، ومنعه من تحقيق مكاسب على حساب التحرر والسيادة ورفض المساومات .
خامسا : تقول الفقرة خامسا من الرسالة ما يلي: (خامساً: أما بشأن من يرى أنه يمثل الشعب العراقي، فإنني ممن يؤمنون بأن تمثيل الشعب العراقي سيكون عبر بوابة موقف المقاومة للاحتلال دون شك، وهذه قضية تستحق أن تنال إجماعاً شعبياً من كل القوى التي وقفت ضد الاحتلال وفي المقدمة منهم من يبذلون الدماء في سبيل ذلك.) ، هذه الفقرة ممتازة لكنها تحتاج للترجمة العملية الوحيدة الممكنة لها منطقيا وواقعيا ، وهي ان يتبنى المؤتمر في ختام اجتماعاته قرارا صريحا، لا لبس فيه ولا تعميم او غموض، يقول ان المقاومة المسلحة هي الحاضنة الوحيدة لكل اشكال المقاومة الاخرى المساندة لها، وانها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي ، والذي يمنح الشرعية للاخرين ، طبعا في المرحلة الانتقالية التي ستعقب التحرير وقبل اجراء الانتخابات ، والتي ستصبح هي منبع الشرعية الدستورية .
في كل ثورات التحرير، المعروفة والمعترف بها، تم الاعتراف الصريح والمباشر من قبل كل القوى الاخرى بان قيادة الثورة المسلحة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الثائر ، وان كل التشكيلات الاخرى تستمد شرعيتها من درجة اقترابها من موقف وستراتيجية الثورة ، وهذا ما شاهدناه في الثورات الفرنسية والروسية والصينية والكوبية والجزائرية والفلسطينية وغيرها . لذلك لا مفر لاي وطني من القبول بقاعدة البداهة هذه ، حسب تعبيرات الفيلسوف ديكارت ، وسيكون امرا مفرحا لي ولملايين العراقيين والعرب ان يعلن تشكيل جبهة مساندة للمقاومة المسلحة تعمل كجهاز سياسي واعلامي لها ، يوضح مواقفها ويشرح اهدافها ، ويبدد الغيوم التي تصطنع في سماءها .
وهذا المطلب ليس فبركة حزبية او عاطفية بل هو اعتراف بامر واقع وهو ان من يمسك بارض العراق ، ويجبر الاحتلال على النزف حتى الاعياء ، هو البندقية وليس الورق او الصوت ، ومن ثم فان الورق او الصوت ، ومهما كانا فاعلين لا يستطيعان الحلول محل البندقية ، لا في تشكيل العراق الذي يتحرر ولا في تقرير ما يجب وما لايجب ، فتلك حصرا امكانات وصلاحيات الثورة والثورة فقط . واخيرا اود التاكيد على ان العراق هو لمن قدم مهر الدم والروح من اجل الحفاظ على الزواج الكاثوليكي به ، واستعادة استقلاله بدحر الاحتلال وليس لاي طرف اخر ، مهما كان .