-
مقعد أمام القضبان !.
ربما سيكون مفيدا لو نظرنا لقفص الاتهام الذي يقبع فيه صدام حسين من بعيد كما لو كنا في أيسلندا أو كما سيشاهد العرب نفس المشهد عام 3005 ،( وهو العام الذي سيسود فيه العرب الكرة الأرضية نظرا لهجرة البشرية إلى عوالم أخرى ، و بالطبع سيتركون العرب خلفهم حلا لمشكلة السيارات و الطائرات و حاضنات الأطفال المفخخة ) . إننا بهذا ربما يمكننا أن ننظر للمشهد بعقولنا و ليس بمشاعرنا الملتهبة ،وربما حتى سنكتشف عندئذ عبثية كل شيء و سخافته .
1- بداية لابد من فك الارتباط بين محاكمة صدام حسين و قضية العراق ، فهما قضيتان لا واحدة ،ومن الظلم للعراق أن نربطه بصدام إلى النهاية ، بينما العراقيون في أغلبيتهم يرفضونه كلية بما في ذلك السنة العراقيين ( دعم كثير من مناضلي الكي بورد له لا ينفي هذه الحقيقة ) . علينا أن نعي جيدا البديهة القائلة أن صدام حسين كان رئيسا عراقيا و أن الشعب العراقي لا نحن من يحكم عليه .
2- قرأت اليوم الخبر منشورا في صحيفة الأهرام الحكومية بعنوان رفض صدام الاعتراف بشرعية المحكمة ، هذا التعاطف الحكومي مع صدام حسين جعلني أعيد بعمق قراءة أن صدام هو أول أعضاء مجمع الحكام الآلهة في الشرق الأوسط الذين يقفون في قفص ما !.هذه الحقيقة تجعلنا نحن العبيد و الأسرى في معتقلات هؤلاء الآلهة الممسوخة معنيين مباشرة بما يحدث في العراق ، ليس تشفيا في صدام الذي لا نعرفه سوى خلال الإعلام المنحاز له أو ضده ،و لكن كأصحاب مصلحة أكيدة في تحطيم تلك الآلهة كلها .
3- عندما نستحضر شخصية صدام من التاريخ العراقي القريب ، سنجد أننا في مواجهة أغرب شخصية عربية معاصرة ، و سنجد أن أقرب وصف للمشهد هو أننا أمام الأب الروحي لأسرة من المافيا و ليس في مواجهة رئيس حتى بمعايير الشرق الأوسط التعسة . أصبح صدام المعدم من أغنى أثرياء العالم يمتلك حصصا كبيرة في أهم الشركات العالمية ، فهو أحد المالكين الأساسيين لشركة Daimler-Chrysler المصنعة لسيارات و شاحنات المرسيدس بينز، كما أن صدام أيضاً هو أحد المالكين الأساسيين لشركة (هاشيتي) الضخمة التي لها رصيد كبير من الممتلكات و تملك المجلات التي تصدر في الولايات المتحدة، و من ضمنهم مجموعة كارليل (Carlyle Group). و مجموعة كارليل ، كتنظيم عالمي يقوم على شركات إنتاج الحروب أو تجارة الحروب ، و يملك صدام شركة الأسلحة Fairchild Missiles في إيطاليا ، كما يملك Matra في باريس ، و هي شركة تحكم بالستلايت ، و من بين ممتلكات أخرى يملك أيضا نظام الـ "People Mover" المستخدم في مطار O'Hare الدولي في شيكاغو، و هو عبارة عن سكة تنقل الركاب و أمتعتهم من مداخل المطار إلى الطائرات.
4- كان صدام على علاقة وثيقة بأجهزة المخابرات الغربية ، و نشرت الصحف الأمريكية منذ عامين حقيقة الدور الذي لعبه صدام حسين مع الـ CIA لمدة 40 عاماً. و في افتتاحية مقالها عن الدور السري الذي لعبه صدام حسين مع الـ CIA ، تقول United Press International قبل أن تم اعتقال صدام: " الآن تسعى القوات الأمريكية جاهدة للبحث عن الدكتاتور العراقي في بغداد، و لكن في الماضي كانت المخابرات الأمريكية تعتبر صدام حسين بمثابة حصن ضد الشيوعية ، و استخدمته كأداة لها لأكثر من 40 عاماً ، حسب ما يقوله ضباط و دبلوماسيين سابقين في المخابرات" بل هناك تحليلات تصل إلى حد اعتبار صدام أداة صنعتها الـ CIA عندما كان شاباً و ذلك كأحد أعضاء فريق خاص بالاغتيالات عام 1959 حيث حاول صدام اغتيال الحاكم العراقي آنذاك و فشل في ذلك.
5- ارتبط اسم صدام حسين بسلسلة من جرائم القتل الجماعي ، هذه الجرائم التي اتسعت لتشمل عربا و اكرادا و حتى كبار أعضاء حزبه و بعض أصهاره و أقاربه . ومن يحاول أن يموه عن تلك الحقائق أحيله إلى ما كتبه أقرب معاونيه ، بل ما شاهدناه جميعا على شاشات التلفزيون من إعدامات جماعية ، أما من استمر يكذب بعد ذلك فهذا الحديث كله لا يعنيه في شيء ، فلن تقنع الكلمات من لا تقنعه الدماء .
6- هذا إذا حاكم لص و قاتل كما يدعون و سقط من عرشه و يحاكم أمام قضاة عراقيين . و لكن هذه عبارة ما زالت ناقصة فهناك ما يمكن أن يقال عن القضاة !. لست من الذين يشككون في آلية الانتخاب التي أفرزت النظام الحالي في العراق ،وهو النظام الذي تستمد المحاكمة عدالتها من شرعيته ،و لكنني لا أستطيع أن انظر بعيدا فلا أرى أن هذا النظام القائم هو نظام انتقالي مؤقت ، و أن الدولة العراقية ما زالت تفتقد جزءا هاما من سيادتها ، وهي السيادة الأمنية التي يوفرها السلاح الوطني الوحيد في فضاء حر . إن محاكمة صدام الآن داخل العراق ريما تكون شرعية و لكنها غير ملائمة سياسيا . إن محاكمة صدام في النهاية هي محاكمة رئيس عراقي سابق ،ولا بد أن تتم تحت أكثر المعايير صرامة حتى لا تتحول إلى مجرد ثأر سياسي . إن محاكمة مشكوك في بعض شرعيتها ستحيل صدام بطلا أو شهيدا ،وهو لا يستحق تلك البطولة أو الشهادة .
7- هناك دائما الحل الممكن وهو عقد محاكمة دولية خاصة لصدام و قيادات الدولة المتهمين بجرائم ضد البشرية ، هذه المحاكمة الدولية ستوفر له كل الضمانات ،و سيكون حكمها بعيدا عن الطعن بافتقاد العدالة . هذه المحاكمة من الممكن أن تتم بواسطة قضاة عراقيين أو قضاة مسلمين مشهود لهم بالعلم و العدل و ما أكثرهم . أما الحل الآخر فهو الانتظار حتى استكمال كل مقومات الدولة العراقية الحديثة قبل إجراء المحاكمة .
هذه مجرد تأملات لإنسان يعيش بعيدا في أيسلندا و في زمن قادم ، فلماذا لا نتركه في تلك الوحدة البعيدة و نتراشق بالاتهامات كما يليق بالمناضلين .
NADYELFIKR