يوم القدس: شهداء القطيف لا بواكي لهم
يوم القدس: شهداء القطيف لا بواكي لهم
حسين العلق * - 30 / 10 / 2005م - 3:41 ص
هناك اعتقاد سائد عند الكثيرين من أن قطاعا واسعا من العرب مصاب بما يسمى عقدة « الفرنجة» تارة باتجاه الانبهار بالأجنبي، أو العداء الأرعن معه تارة أخرى، وقليل من عبادي الشكور، الذين ربما وزنوا الأمور ووضعوها في مواضعها الصحيحة. وفي حين يتبنى الخيار الثاني عتاة المتطرفين عادة، يميل هوى بعض الليبراليين إلى الخيار الأول.. ما علينا، فهذه ليست قصتنا الرئيسية.
الملفت في ساحتنا المحلية أن هناك انبهارا من نوع آخر، ويتجه على قاعدة «زمار الحي لا يطرب» بحماس مبالغ صوب القضايا البعيدة والشعارات البراقة والأسماء اللامعة التي أكثر ما تكون خارج الحدود.. على حساب قضايانا المحلية والهموم اليومية.
فقد أحيت بعض المناطق في بلادنا خلال اليومين الماضين يوم القدس العالمي الذي دعا له الإمام الخميني رحمه الله، وبالرغم من ان القدس وفلسطين كانت ولا زالت تمثل ولو اعلاميا على الأقل قضية العرب والمسلمين الأولى، إلا ان الحقيقة هي أن جميع شعوب المنطقة في حقيقة الأمر غارقة في قضاياها المحلية وهمومها اليومية، ولا تمثل لهم القدس وفلسطين أكثر من همٍّ عاطفي سرعان ما يبدو هامشيا عند محك القضايا المحلية.. فهم في نهاية الأمر ليسوا أكثر كاثوليكية من البابا.
ضحايا المنطقة لا بواكي لهملدينا هنا نحن الشيعة في هذا الجزء من العالم من الهموم والقضايا ما يضاهي ربما شيعة العالم أجمع، حيث التهميش المتواصل والتكفير الممنهج وشبه الرسمي، والتمييز والاقصاء المتعمد.. فضلا عن أن هناك من بيننا من ذهبوا ضحايا في طريق المطالبة بالحقوق المسلوبة منذ عام 1400هـ - 1979م سواء في شوارع القطيف ابان انتفاضة ذلك العام أو من قضوا خلف القضبان أو المنافي، دون أن يذكرهم أحد سوى في مناسبات محدودة هنا وهناك، لكنا في المقابل منغمسون حتى النخاع في الاحتفال بيوم القدس أو احياء ذكرى شهداء فلسطين او لبنان، بل أكاد أجزم أن من بيننا من يعرف أسماء الكثير من الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين والايرانيين ويجهل في المقابل أسماء بعض الشهداء من ذات المدينة أو الحي الذي يقطنه هذا «الأممي» النبيل.
لا أدري هل يعرف الأخوات اللاتي أقمن احتفال القدس العالمي في بلدة سنابس ان شهيدا من ذات البلدة سقط ذات يوم في شوارع المنطقة في تضاهرة تطالب بالحقوق المسلوبة واسمه الشهيد حسين علي صليل؟ وهو ان لم يكن أولى بإحياء ذكراه من غيره من الأشخاص أو المناسبات، فليكن على الأقل على قدم المساواة معهم، فهو راح ضحية من أجلنا ودماءه اختلطت بأرضنا، بل ان جسده الشريف مدفون في مقبرتنا.
الشهيد أحمد الملبلبوفي الوقت الذي أسمع أن اخواننا في بلدتي الخرس والمنيزلة في الأحساء يحتفلون بيوم القدس العالمي أيضا، تبادر في ذهني أن أسألهم أليس في احياء ذكرى شهيد لا اله إلا الله الراحل أحمد الملبلب ما هو أهم من حيث احياء مظلومية هذا الشهيد وتذكير العالم بظلامة أمة كاملة تعيش على هذا التراب.
وهكذا الحال بالنسبة لشهدائنا الأبرار حسين العلقم وصادق مال الله وميثم البحر من القطيف أو حسين منصور القلاف من سيهات أو أحمد الخميس من الحلة أو سعود الحماد من العوامية، وصولا إلى محمد الحايك من القلعة أو جعفر الشويخات من سيهات أيضا وغيرهم الكثير..
لماذا لا يكون لدينا يوم الشهيد نحي فيه ذكرى جميع شهدائنا الأبرار وليكن في الأيام الأولى من عاشوراء ذكرى إنتفاضة محرم الدامية من كل عام، وما الضير في أن نجعل من يوم شهادة الراحل الحاج الملبلب يوما للحريات الدينية، أم أن شهدءنا لا بواكي لهم، وأن الشهيد الملبلب لم تخرج صورته يوما على شاشة ثورية صديقة ولم يذكره احد هناك لا بخير ولا شر.. وبالتالي فليمت موتته الأخرى عبر تجاهلنا.
أمام عظمة الشهداء وألم وقسوة الجراح التي نتقاسمها جميعا، يجب أن نكون صفا واحدا وقلبا ، فلا دم أغلى من دم، ولا تضحية أرخص من تضحية أخرى، وليست هذه الدماء الزكية محلا للمزايدات الحزبية والفئوية، والقول هذا منا وذاك منكم، فتلك والله هي سبب عجزنا وتفرقنا، فإن فرقتنا الخطوط فلتجمعنا دماء الشهداء من تحت قبورهم.
الشهيد ميثم البحرويحضرني هنا قول أحد السادة المراجع الأجلاء.. أن أمة لا تحيي ذكرى شهداءها، هي أمة لا تستحق الحياة.
لا تعدم أمة من أمم الأرض أن تصنع لنفسها من المناسبات ما يربطها بقضاياها المصيرية أو يخلد شخصياتها وشهدائها وأكابر علمائها وكفائاتها، حتى يجعل من تلك الشخوص رموزا يباهي بها الأمم، بينما يؤسفني القول أننا لن نعدم من يخرج من بيننا من ينبري للتشكيك حتى في مدى شهادة الشهداء أو علم العلماء او قدرة الكفاءات.. المحليين، بينما لا توجد لديه ادنى مشكلة في أن يفاخر برموز الآخرين من هم خارج الوطن، ألم أقل انها عقدة الفرنجة.. ولكن بثوب آخر مختلف هذه المرة.
أتمنى أن لا يخرج عليّ بعض من قصّر العقول ويتهمني بأني أعادي هذا الطرف أو أتحامل على تلك الجهة، وأنا أقول على قاعدة «برّز الدوا قبل الفلعة» أن لا مشكلة لدي في أن يتفاعل بعض احباءنا هنا مع قضايا الأمة في أي بقعة من بقاع الأرض، ولكن جلّ اعتراضي فقط هو أن ذلك لا يجب أن يكون على حساب قضايانا المتجاهلة والمنسية والأجدر بالإحياء والذكرى.
المضحك المبكي أنه في الوقت الذي تحتفل بعض حسينياتنا في المنطقة بذكرى يوم القدس العالمي وتخرج المظاهرات الكبيرة في مناطق شيعية كثيرة عبر العالم، لم اسمع شخصا أن حفلا أو تظاهرة أقيمت بهذه المناسبة في غزة أو الضفة!!
للمزيد من صور شهداء المنطقة «أضغط هنا»
كاتب وباحث سعودي.
