علي بن أبي طالب لن يٌقتل ثانية
علي بن أبي طالب لن يٌقتل ثانية
الى الدكتور احمد النعمان مع التحية
كتابات - د.حسين أبو سعود
الإمام علي وما أدراك ماالامام علي، وقد نقل الدكتور احمد النعمان في مقال له قولا لأحد فلاسفة الانجليز جاء فيه :( لو كان علي معاصرنا الان لامتلأت الكوفة بأصحاب القبعات منا نحن الانجليز) . وأنا أقول وبغض النظر عن روعة هذا الكلام ، إن ذلك لن يكون لسببين احدهما واقعي وهو إن الأمام لن يأتي ثانية ، والسبب الآخر خيالي وهو انه لو قٌدّر للإمام أن يأتي مرة أخرى فلن يختار الكوفة مقرا له ، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وقد لٌدغ الحسن هناك ولدغ الحسين ولدغ هناك الصدر( محمد باقر) والحكيم (محمد باقر) والخوئي (عبد المجيد) والقائمة مازالت مفتوحة .
والحق ان الدكتور النعمان قد أنصف الإمام عليا مع كونه علمانيا ، وما أبلغ ما قال الإمام الحسين (ع) في واقعة كربلاء عندما رأى القوم قد تكالبوا على قتل البررة حبا في الدنيا : ( أيها الناس إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم )، وقد مارس النعمان حريته الفكرية باسلوب راقي في مقاله الموسوم "من الذي قتل عليا ابن أبي طالب " وقد جرى مناقشة المقال وسط مجموعة من الكتاب والأدباء العراقيين فأنصف الجميع هذه الشخصية العظمى إلا واحدا وصف الإمام بأنه شخصية خلافية ، ومن تلهفه على حمل السيف عاب على دور الإمام بأنه لم يحدث خلاله أية فتوحات كما شكك في صحة نسبة نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام .
وأما كون الإمام علي شخصية خلافية فهو ادعاء مرفوض بالجملة والتفصيل وان كان هناك خلاف فانه في جلال قدره وعظمته وسمو مقامه فالإمام علي ابن أبي طالب عند الشيعة هو الإمام الأول وعند السنة الخليفة الراشد الرابع وعند النصيرية الإله الذي لا اله غيره وعند الباطنية وزير الرب وصنوه وعند أرباب الفكر من أتباع الديانات الأخرى الشخصية الفذة الرائعة الراقية وعند الصوفية الملهم الأكبر وشيخ مشايخ الطريقة ، ولم يجتمع على خليفة احد أكثر مما اجتمع علي علي بن ابي طالب ، وانتخابه بالإجماع هو حجة بالغة ، ولكن ماذا نفعل مع أناس نكثوا البيعة وخرجوا على إمام زمانهم وماذا نفعل مع أناس يريدون معاوية ولا يريدون عليا ويريدون يزيدا ولا يريدون الحسين .
وفيما يخص الفتوحات أقول : ان اللوم في هذا يتوجه بالكامل على من اشغل عليا عن الفتوحات وعلى الناكثين الذين اشغلوه في الجمل وصفين والنهروان ، وان كان الخليفة عمر بن الخطاب قد ساد العالم لان في رعيته من هو مثل علي ، ولكن من كان في رعية علي بن أبي طالب غير أناس أوغلوا في التآمر مثل سمرة بن جندب المقطوع يده من سرقة جمل بالمدينة والذي يقول : والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا. وكان معاوية قد بذل أربعمائة ألف درهم ليروي ان قوله تعالى :( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)، انزل في المجرم عبد الرحمن ابن ملجم وقوله تعالى :( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام )، نزل في أمير المؤمنين علي (ع) ، وفي رعاياه ايضا من هو مثل زياد ابن أبيه وابنه عبيد الله بن زياد الذي وصفه عبد الله بن عباس في رسالته إلى معاوية : فلست انس الدعي ابن الدعي وابن العاهرة ابن الفاجرة .
وأما كتاب نهج البلاغة لجامعه الشريف الرضي فهو كتاب شريف بليغ فصيح فريد في بابه ، والتشكيك في نسبته للإمام علي ليس جديدا فقد شكك أناس بكلام من هو أفصح وابلغ وأفضل منه اعني الحديث الشريف ، وشككوا في القران وهو المنزل من رب اللغة والبلاغة والفصاحة غير إني أقف إجلالا لمن رفض نسبة ماورد في نهج البلاغة الى الإمام علي ولكنه أذعن أمام فصاحة النهج وبلاغته ، والكتاب سواء كان للإمام علي أو لم يكن له فان محتوياته آيات بينات من الفصاحة والبلاغة .
وأقول للدكتور النعمان : نعم انه يتخفى فينا ألف ابن ملجم وملجم ، وابن ملجم ليس اسم لشقي ولكنه ترجمان لحركة تعادي كل جميل وتبقر بطون الحبالى وتسمل العيون وتنحر الفلاسفة والمفكرين وتكمم الأفواه وتقتل الاطفال و الصالحين والمصلحين ، هو خط من يستفتي في قتل بعوضة حال الاحرام ولا يستفتي في نحر طفل عطشان بسهم مثلث في رمضاء كربلاء ، لا ليكوي كبد والديه بل ليكوي مشاعر البشرية كلها .
والذي مات في الكوفة لم يكن عليا بل أن ابن ملجم هو الذي مات وسيموت جميع الخارجين على الصدق والنقاء والاستقامة.
فيا أيها الأمة التي ضحكت من جهلها الأمم أنصفوا عليا لتنصفكم الأمم ولا تتطاولوا هكذا على القمم.
فهذا علي ، الذي لعن على المنابر ولم يخبو صوته والذي كتمت فضائله ولم تتاثر صورته مازال شامخا ، فهذا علي فأين معاوية وأين ذكره وخبره وأين قبره ؟
لقد كتم أعداء علي فضائله حقدا وحسدا وكتم أنصاره فضائله خوفا ورهبة ومع ذلك ملئت فضائله ما بين الخافقين ، وكم كانت حكمة الله بالغة أن جعل ضربة علي في المسجد وهو بيته وفي شهر رمضان وهو شهره حتى يتذكره المسلمون كل عام وأنا شخصيا لا ابكي اذا بكيت على الامام علي عندما أتذكره فهو في أعلى عليين وهو القائل : فزت ورب الكعبة ، ولكني ابكي على امة تنتقد أعاظمها وتنتقص من شانهم ولا تتوانى في قتلهم غدرا ولو في المحراب .
ولو أتانا اليوم علي عليه السلام فلن يغتاله الداعون إليه هذه المرة ولن يسموه شيوعيا بالاعتذار من الشاعر مظفر النواب لأنه سيتمتع هذه المرة بحماية دولية وهناك من الأمم من تعرف للكفاءات الحقيقية قدرها وتصونها وتتعهدها.
aabbcde@msn.com