إيران: محو إسرائيل عبر التطهير في الأحواز
GMT 11:15:00 2005 الثلائاء 1 نوفمبر
. صباح الموسوي
--------------------------------------------------------------------------------
إن موضوع الشعارات كما هو معروف يشكل جزءا أساسيا من البرامج السياسية للأنظمة الدكتاتورية في العالم الثالث وذلك لكون شعوب هذا العالم مهوسة إلى حد كبير بالشعارات. فهذه تحدد موقفها من هذا النظام او ذاك من خلال قوة ونوعية شعاراته التي يطرحها. فكلما لامست هذه الشعارات عواطفها كلما كان صاحبها موضع تأييد اكبر عندها. وهذا ما أدركه قادة النظام الإيراني الذين راحوا يتفنون بصياغة الشعارات وتعددها حتى استطاعوا من خلالها الاستحواذ على عواطف الكثير من الإيرانيين البسطاء .
لقد استطاع النظام الإيراني بهذه الشعارات ان يستخدم الكثير من أبناء البلدان العربية ودفعهم ليس إلى العمل ضد بلدانهم وحكوماتهم فحسب بل انه استخدم البعض منهم في تصفية خصومه و معارضيه من الإيرانيين في الخارج أيضاء ، مثلما حصل في عملية اغتيال شابور بختيار آخر رئيس وزراء في عهد الشاه الذي تم اغتياله منتصف الثمانينيات في باريس على يد اللبناني أنيس نقاش ومجموعته، وكذلك عملية اغتيال رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الدكتور شرفكندي الذي تمت في ألمانيا بداية التسعينيات والتي عرفت بعملية مطعم ميكونوس حيث شارك في تنفيذها تلك العملية اثنان من اللبنانيين مازالوا يقضون حكم المؤبد في السجون ألمانية وهؤلاء ارتكاب جريمة القتل تلبية لارضاء عواطفهم التي أثارتها شعارات النظام الإيراني . و مثلهم آخرون كثيرون سقطوا بين قتيل وسجين ومنهم من فقدت آثارهم في سبيل تحقيق مصلحة النظام الإيراني الذي عرف كيف يستخدم هؤلاء لتنفيذ مصالحه من خلال الشعارات التي تلامس العواطف دون العقول.
لقد استطاع النظام الإيراني من خلال مكانته الدعائية الكبيرة التي اعد لها من المال والشعارات بقدر ما اعد لقواته المسلحة و أجهزته المخابراتية من أموال، استطاع أن ينفذ اكبر خطة إجرامية عنصرية خلال العقدين الماضيين لا تقل بشاعة عن جرائم الصهاينة في فلسطين وغيرها من الجرائم العنصرية الأخرى التي شهدها العالم في القرن المنصرم ، مستهدف بذلك العرب الأحوازيين هؤلاء العرب أشقاء الفلسطينيين الذين يتباكى عليهم ويريد تحرير أراضيهم و مقدساتهم و محو إسرائيل (من خلال الشعارات) من أجلهم فيما هو يطبق قولا وفعلا محو العرب الأحوازيين عبر سياسة التمييز العنصري والتطهير العرقي من خلال هذه الخطة التي نحاول عرض بعض جوانبها و، وأولها سبيل المثال للحصر، مسألة التمييز في تقديم الخدمات بين المدن ذات الكثافة العربية والمناطق ذات الكثافة الفارسية، فالمتابع لأرقام الميزانيات المخصصة للمدن الأحوازية يرى شيء عجيب. فمثلا مدينة الخفاجية التي يزيد عدد سكانها على المائتين ألف و هي مركز قضاء دست ميسان الذي يضم مدن الحويزة و البسيتين ونواحي عديدة أخرى والتي كانت قد دمرت بنيتها الخدماتية أبان الحرب فان بلديتها مطلوبة بخمسة عشر مليار ريال إيراني حسب ما أكد ذلك السيد " عباس شريفي " رئيس بلدية المدينة في بداية شهر تشرين الأول الماضي والذي شكا من عدم وجود مشفى في هذا القضاء مما يعني أن هناك ما يقارب النصف مليون شخص في هذه المناطق محرومين من وجود مستشفى واحد. علما أن وزارة الصحة وضعت قبل اثني عشر عاما الأساس لبناء مستشفى في مدينة الخفاجية بسعة ۹۶ سرير إلا أن هذا المشفى على الرغم من كل هذه الفترة الزمنية لم يكتمل بنائه بعد. وان مدينة الخفاجية هي مثال واحد من بين أمثلة عديدة أخرى حيث هناك مدن مثل عبادان والمحمرة والفلاحية محرومة من المياه الصالحة للشرب ناهيك عن الانقطاع المزمن للتيار الكهربائي الذي يستمر لساعات طويلة يوميا.
لقد بلغ الإهمال المتعمد لتطوير الخدمات الأساسية في الأحواز حدا لم تشهد المنطقة مثيله له من قبل أبدا وقد اعترف بذلك حاكم الأحواز الجديد " الجنرال أمير حيات مقدم " خلال اجتماعه برؤساء البلديات في يوم الثاني والعشرين من الشهر المنصرم قال فيه، أن الأحواز في سنة ثمانية وسبعين ( أي قبل انتصار الثورة بعام) كانت تحتل المرتبة الثانية من حيث تطور الخدمات و إقامة مشاريع ألبنا التحتية ولكن هذه الخدمات تدنت اليوم إلى المترتبة السابعة عشر. ومن بين المحافظات الإيرانية الثمانية والعشرين فان الأحواز أصبحت تحتل المترتبة الثانية من حيث الفقر و البطالة في الوقت الذي هي في المترتبة الأولى في مجال توفير فرص العمل للإيرانيين معترفا بامتناع الشركات والمؤسسات الإيرانية عن استخدام العمالة المحلية .
وعلى الرغم من ان كلام المسئول الإيراني هذا جاء لامتصاص الغضب الأحوازي المتنامي إلا انه قد كشف عن جملة من الحقائق التي طالما شكا منها أهالي المنطقة ومن بينها التمييز العنصري في مجال استخدام اليد العربية العاملة.
وضمن هذا الاتجاه أيضا يمكن النظر إلى القرار الإداري العنصري الذي أصدره وزير النفط في عهد حكومة خاتمي السيد " بيجن زنكنة " في 3/6/2004م والذي أمر فيه شركات النفط والغاز العاملة في الأحواز بالتوقف عن ترقية الموظفين الحائزين على شهادة الثانوية إلى الرتبة الثالثة عشر. علما أن سبعين في مائة من الموظفين العرب العاملين في هذه الشركات، وعلى قلتهم طبعا، فأن اغلبهم من حملة شهادة الثانوية.
وليس بعيدا عن ذلك نجد أنه و في الوقت الذي يعلن فيه مسئول مديرية التربية والتعليم في الأحواز عن وجود نقص كبير في الكادر التعليمي يتجاوز سنويا الألفين معلم ومدرس وأخصائي فان المعلمين العرب ينقلون إلى مدن فارسية ويتم جلب معلمين و مدرسين فرس محلهم. وعلى الرغم من هذا النقص الكبير في الكادر التعليمي إلا ان السلطات الإيرانية ترفض تعين الآلاف من العرب حملة الشهادات العاطلين عن العمل لرفع هذا العجز.
أما الجانب الآخر من هذه السياسة فهو يتعلق بموضوع الاستيطان فالسلطات الإيرانية قد تنبت رسميا تشجيع المواطنين الفرس على الهجرة إلى الأحواز وتهجير العرب من مناطقهم و قد جاء هذا القرار بأمر من أعلى السلطات وهو مرشد الثورة علي خامنئي وذلك بحسب الكتاب الصادر عن مكتبه برقم وتاريخ (24194/1- 30/5/76 ش ) الموافق لـ : 21/8/ 1997م والذي أمر فيه الحكومة علانية بتشجيع الإيرانيين من مختلف المحافظات بالهجرة إلى الأحواز الأمر الذي جعل حكومة الرئيس محمد خاتمي تضع خطة شاملة لتنفيذ هذا القرار وهي الخطة المرقمة و المؤرخة بـ: 416-3- ب-2/971/5-7 تاریخ 14/4/1371 إيراني الموافق لـ 5/7/1998م و التي تم الكشف عنها فيما بعد وتم توزيعها في الأحواز مما أدى إلى قيام العرب باحتجاجات شعبية واسعة في نيسان الماضي أدت إلى مقتل العشرات وجرح المئات منهم على أيدي القوات الإيرانية. ولكن على الرغم من هذه الاحتجاجات إلا ان السلطات الإيرانية ما تزال مستمرة في مخططها وقد زادت عليه بإعطاء منح ومزايا إضافية لمن يرغب بالهجرة إلى الأحواز ومن بينها تقديم قرضا من دون فوائد و بالتقسيط المريح قدم من قبل بنك الإسكان بقيمته 18 مليون تومان لمن يريد ان يشتري بيتا أو أرضا في الأحواز بينما الأحوازي محروم من هذا الغرض. هذا ناهيك عن اخذ الأراضي الزراعية للفلاحين العرب بحجج بناء مشاريع اقتصادية تارة و أخرى بحجة بناء معسكرات للجيش والحرس الثوري ومجمعات سكنية وما شبه.
ان سياسة التمييز العنصري لم تتوقف عند هذا الحد ب بل إنها أوسع من ذلك بكثير حتى إنها وصلت إلى حد التطهير العرقي ومثال على ذلك سياسة تحد النسل والحد من الإنجاب في المجتمع العربي حيث تقوم السلطات الإيرانية بين فترة وأخرى بإرسال بعثات طبية لأجراء عمليات جراحية مجانية لاستئصال الرحم عند النساء اللواتي انجب اكثر من طفل فيما هناك مرضى بحاجة إلى عمليات جراحية عاجلة ترفض الحكومة تحمل نفقاتهم. إضافة إلى ذلك ان هذه البعثات تقوم بتوزيع عقاقير توهم النساء إنها لمنع الحمل ولكنها في الواقع تؤدي إما إلى العقم و إما لإصابتهن بسرطان الرحم وإسقاط الأجنة .
والى جان هذه الخطة فقد سعت السلطات الإيرانية إلى تمزيق المجتمع الأحوازي وتفيت بناه الاجتماعية وذلك من خلال نشر المخدرات. فعل الرغم من ان اغلب تجار المخدرات و الموزعين الكبار في المنطقة معرفين بالأسماء إلا ان أحدا لم يصلهم ولم يسمهم بسوء وانهم محميين من قبل الأجهزة الأمنية والشخصيات المتنفذة في النظام وهؤلاء لا يختصر عملهم على توزيع المخدرات في الأحواز فقط بل انهم يقومون أيضا بتهريبها إلى العراق ودول الخليج العربي و من دون ان يعترضهم أحد. بينما تقوم السلطات القضائية بين فترة و أخرى وللتغطية على هذه الجريمة بإعدام بعض الأشخاص ممن ضبط بحوزته ثلاثين غرام من مادة الهروين مثلا وهؤلاء هم أغلبهم أشخاص مساكين دفعهم الفقر والحاجة الماسة للقمة العيش والدواء إلى ذلك العمل أما الذين يهربون الأطنان فهم محميون من أعلى مراكز السلطة. فلو أخذنا بالتقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة في شهر أيلول الماضي والذي أكد ان ايران الأولى عاليما في إدمان المخدرات بسبب البطالة والملل فانه سوف يتبين لنا كيف تدخل هذه الأطنان من المخدرات إلي البلاد. فهل يعقل ان عشرات الأطنان او ربما مئات الأطنان من المخدرات التي يتم تعاطيها في ايران يوميا يتم إدخالها إلى البلاد بالغرامات أو الكيلوات أم إنها تدخل بالأطنان؟. فأين الأجهزة الأمنية والجيش والحرس الثوري وقوات الباسيج وغيرها من القوات الحكومية الأخرى عن هذه الأطنان. ولا نعلم كيف تعجز كل هذه القوات قوات الأمنية والعسكرية عن التعرف على رؤساء مافيا المخدرات في البلاد فيما استطاعت حسب زعم المسؤولين الإيرانيين في غضون شهر من التعرف على ثلاثين شخص ممن وصفتهم بالمخربين الذين يقفون وراء الانفجارات التي حدثت في الأحواز مؤخرا واعتقالهم وكشفت ارتباطهم بالقوات البريطانية كما تدعي ولكنها عجزت طوال هذه السنين في التعرف على مهربي المخدرات التي تنهش في جسد المجتمع؟.
ما تقدم هو جزء لأمثلة كثيرة على سياسة التمييز العنصري والتطهير العرقي الذي يمارسه النظام الإيراني ضد العرب الأحوازيين وهذا كله يتم تحت غطاء شعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل التي مازال القادة الإيرانيون يرددونها على أسماع العالم والكثير من (البلهاء) العرب و المسلمين يرددونها خلفهم متناسين أن هؤلاء القادة قد عملوا و مازالوا يسعون بالقول والفعل على أماتة ومحو شعب عربي مسلم يبلغ تعداد نفوسه اكثر من أربعة ملايين نسمة فيما بقي عداء القادة الإيرانيون لأمريكا وإسرائيل محصورا في حدود الشعارات والضحك على الذقون.
كاتب المقال رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي