شيعة العراق يرفضون الغزو ولكن ما هو دورهم في المستقبل ؟ - سالم مشكور
شيعة العراق يرفضون الغزو
ولكن ما هو دورهم في المستقبل ؟
كتب سالم مشكور:
جملة المواقف التي صدرت اخيرا عن رموز شيعية عراقية اعطت انطباعا جديدا عن الوضع الشيعي العراقي من حيث موقفه من الاحتلال الاميركي للعراق، وما سيكون هذا الموقف، عمليا، خلال مرحلة ما بعد الرئيس العراقي صدام حسين. والانطباع الجديد يناقض تماما الصورة التي سادت على الساحة الشيعية العراقية، وخصوصا جناحها الموجود قسرا خارج العراق، من انها متماهية مع الحرب والاحتلال الاميركي للعراق، باعتبار الشيعة يعيشون معاناة طويلة على يد النظام الحالي الذي ترفع الادارة الاميركية شعار اطاحته.
فرئيس "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" السيد محمد باقر الحكيم اعلن اول من امس ان قواته "فيلق بدر" ستتصدى للغزو الاميركي، وان الحرب الدائرة حاليا "عدوانية"، لكنه قال ان التصدي للغزو سيكون "بعد التخلص من نظام صدام".
و"المجلس الاعلى" الذي يرأسه الحكيم، يشكل احد فصيلين رئيسيين في الساحة الشيعية العراقية، فيما الثاني هو حزب الدعوة، الاعرق تاريخا والاكثر تنظيما. وهو اتخذ مسافة بعيدة عن المشروع الاميركي الذي التقى معه عدد من تنظيمات المعارضة ورموزها على قاعدة الالتقاء على اطاحة النظام. وفضّل هذا الحزب تحاشي حتى الحوار مع الجانب الاميركي على رغم محاولات اميركية عدة لفتح قناة مع رموزه المقيمين في لندن، وهو ما لم يتحقق على رغم لقاءات عدة عقدت بين الجانبين، فيما انضم "المجلس الاعلى" الى حركات أخرى في اللقاء مع الاميركيين على قاعدة ان مجرد الحوار لا يمس بسلامة النهج، وان العلاقة المفتوحة يمكن ان تغيّر بعض اقتناعات الاميركيين.
وامس، صدر بيان عن المراجع الكبار للشيعة المقيمين في النجف، حيث مركز الحوزة الدينية منذ قرون عدة وفي مقدمهم آية الله العظمى علي السيستاني. واذا تجاوزنا حقيقة وجود هؤلاء داخل العراق وتأثرهم بالضغط الرسمي، فإن ما جاء في نص البيان الذي تلاه الشيخ محمد الخاقاني لا يتعدى الموقف المبدئي وهو تحديداً رفض الغزو الاجنبي ودعوة العراقيين الى الدفاع عن وطنهم وعرضهم ودينهم ومقدساتهم لطرد الغزاة الكافرين عن ارض الاسلام"، والى "توحيد كلمتهم في وجه العدوان الاميركي البريطاني السافر" والى "ان يكونوا صفاً واحداً في وجه الغزاة المجرمين". وهذا يستند الى مبدأ عام يعتمده مراجع الدين الشيعة، وكان قاعدة لفتاوى لهم خلال عقود خلت، وعلى اساسه تصدى العراقيون للقوات البريطانية عامي 1918 و.1920 واللافت ان ما صدر عنهم هو "بيان" وليس "فتوى" والفرق بين الاثنين، من وجهة نظر دينية، كبير. فالفتوى تلزم المقلدين (المتبعين لرأي المرجع) العمل بها، فيما البيان هو ابداء موقف. على ان مضمون هذا البيان صدر في قالب فتاوى سابقاً عن المراجع انفسهم.
وما يستوقف في البيان هذا، انه تضمن دعوة للعراقيين الى عدم اللجوء الى عمليات ثأر شخصي في هذا الظرف والى "التحلي بالحلم والصبر وان لا يستجيبوا لهتاف الشيطان القوي باندفاع عدواني من اجل اشباع احقاد شخصية وان يحافظوا على الاموال العامة ولا يتعرضوا لها، فإنها ملك لهم جميعاً يضر بهم اتلافها".
هذا يعني بوضوح ان هؤلاء المراجع يتحسبون لاحداث شبيهة بما جرى في اكثر مدن العراق بعد هزيمة القوات العراقية في الكويت عام ،1991 عندما انتفض العراقيون وسيطروا على المدن، وحدث ما حدث خلال ذلك من عمليات ثأر من رموز النظام واتلاف للمؤسسات الحكومية والمرافق، تحت وطأة الفلتان اللامحدود. ومن مجمل مواقف مراجع الشيعة ورموزهم سواء في النجف او خارج العراق، يجمع العثور على قاسم مشترك هو رفض اية هيمنة اميركية على مقدرات العراق، على رغم ان هؤلاء لا يضيرهم، بل ربما يسرهم، ان يروا النظام يتداعى، فيما هم على الحياد لا يتحركون، فيصب تحركهم في خانة الاميركيين، ولا يتصدون للاميركيين، فيصيرون في خانة النظام وربما يضيعون فرصة للتخلص منه.
وعلى رغم ان هذا الحياد لا يبدو طوعيا، فرئيس "المجلس الاعلى" قال بالامس ان الاميركيين طلبوا من مقاتلي المعارضة الشيعية عدم المشاركة في العمليات العسكرية الحالية. وايران قالت مرارا انها لن تسمح لهؤلاء بالانطلاق من اراضيها للمشاركة في الحرب.
لماذا هذا الطلب؟ وماذا سيكون دور هذه المعارضة الشيعية في المرحلة المقبلة؟ وهل ستشارك في حكومة مشكلة اميركياً، ام ستعمد الى العمل في الشارع العراقي اذا ما توافرت لها حرية العمل؟ كلها اسئلة تبدو متروكة للمستقبل.