إلى القدس مرورا ببغداد-فهمي هويدي
إلى القدس مرورا ببغداد!
بقلم: فهمي هويدي
من مفارقات الأقدار وسخرياتها أن بغداد رفعت في حربها ضد إيران شعار «الطريق إلى القدس يمر بطهران«. ثم دارت دورة الزمن وإذا بنا نفاجأ بإسرائيل وقد رفعت شعار «الطريق إلى القدس يمر ببغداد«. وأخشى ما أخشاه أن يكون الفرق بين الحالتين بحجم المسافة بين الهزل والجد.
(1) لقد استأثرت مقاصد واشنطون من الحملة العسكرية الراهنة بمعظم الاهتمام. وذلك حقها لا ريب، لأن مختلف الشواهد تدل على أن ما يجري في العراق الآن من الجسامة وعمق التأثير، بحيث يشكل منعطفا مهما في تاريخ العالم. وليس العراق وحده، وليست منطقة الشرق الأوسط وحدها. إن شئت فقل: إنه باب للقرن الأمريكي على الأرجح. غير أن الدور الإسرائيلي في الحملة، في كل مراحلها، وأضع خطا تحت كلمة «كل« التي تشمل التفكير والتخطيط والتنفيذ، وهذا الدور لم ينل ما يستحقه من اهتمام، رغم أن المآلات المرجوة منه تمسنا جميعا وتتقاطع مع مصالح وأمن الأمة العربية، أو ما يتبقى منها بعد الحملة. ولعلي لا أبالغ إذا قلت: إن تلك المآلات يراد لها أن ترشح منطقتنا أيضا إلى الدخول فيما يمكن أن نسميه بالعصر الإسرائيلي. نعم يلاحظ الجميع أن قادة إسرائيل انتهزوا فرصة تعلق الأبصار والأفئدة بما يجري في العراق، ومضوا يسفحون الدم الفلسطيني ويبطشون ويفترسون ويهدمون ويتوسعون، غير مبالين بشيء. لكن ذلك كله على بشاعته يبدو نوعا من التمهيد لما هو آت. حتى أزعم بأنه من قبيل الدقات التي تسبق إزاحة الستار عن العصر الجديد، الذين يهيئون أنفسهم له. ربما يبدو مبكرا الآن الحديث عن «جوائز« ما بعد الحملة على العراق، وسيناريوهات ما بعد احتلاله، وخصوصا أن الحريق لايزال مستمرا، ولا أحد يعلم بالضبط متى ولا كيف سينتهي. ولكن ثمة جدلا في الولايات المتحدة لا يمكن تجاهله حول دور إسرائيل في إذكاء الحرب، وثمة معلومات جديرة بالرصد عن تنسيق أمريكي إسرائيلي في العمليات العسكرية، وثمة إشارات مهمة تنشرها الصحافة الإسرائيلية ترسم بعضا من قسمات المستقبل وخرائطه، التي من الواضح ان الحكومة الإسرائيلية تتوق إليها وتنتظرها بفارغ الصبر. ولأن هذا الطنين يمسنا ويخصنا، فيتعين علينا أن ندقق في عناوينه ومفرداته، ببساطة لأن ذلك قد يكون بمثابة قراءة أولية لبعض صفحات المستقبل المخبوء. لقد استخدم الملف الفلسطيني كمسكن أو كمخدر أريد لنا أن نبتلعه، لكي يساعدنا على استقبال الجريمة الأمريكية بحق العراق وتمريرها من دون ألم. ووجدنا الرئيس بوش وقد خرج علينا فجأة وسط هدير آلات الحرب على العراق، لكي يبشرنا بأنه لايزال عند وعده بخصوص «خريطة الطريق« وأمله في إقامة الدولة الفلسطينية عام 2005، إذا ما التزم الفلسطينيون بحدود «الامتثال والأدب«، وكفوا عن مقاومة الاحتلال. وعرفنا من الصحافة الأمريكية أن ذلك الخطاب المفاجىء روجع إسرائيليا فقرة فقرة، وان الإسرائيليين طلبوا أن تحذف منه كل إشارة إلى أن الدولة الفلسطينية الموعودة ستكون «مستقلة«، وهو ما قبله الرئيس الأمريكي، وباع لنا القرص المخدر مغشوشا!
(2) تذكر مؤلفة كتاب «النبوءة والسياسة« الذي سلط الضوء على العلاقة الوثيقة بين الأصوليين الانجيليين في الولايات المتحدة وبين إسرائيل، أن سيدة بروتستانتية اشترت منزلا في واشنطون بمبلغ نصف مليون دولار، واختارت له أن يكون مقابلا للسفارة الإسرائيلية، وإلى هذا المنزل يتوجه العديد من الإنجيليين ــ بعضهم من ذوي المناصب الرفيعة في الحكومة الأمريكية ــ للصلاة من أجل إسرائيل على مدار الساعة. وهم في صلواتهم يتوجهون بأبصارهم وقبلتهم ناحية السفارة الإسرائيلية على الرصيف المقابل من الشارع، ويدعون الرب بأن يحفظ إسرائيل وينصرها، وأن يقرب اليوم الذي يختفي فيه كل أثر للفلسطينيين فوق «أرض الميعاد«! أضافت المؤلفة الأمريكية جريس هالسل أنها حين راجعت أسماء المسئولين الأمريكيين في سجل زيارات المنزل، فوجئت بأن الرئيس رونالد ريجان على رأسهم. كان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي (الكتاب ترجمه الأستاذ محمد السماك إلى العربية عام 89) ورغم أنه لم تحدث متابعة بعد ذلك لأسماء المسئولين الأمريكيين الذين يشاركون في تلك الصلاة، فإنني لا أشك في أن القائمة تضخمت بمضي الوقت، وان أسماء أهم المسئولين في الإدارة الأمريكية الحالية تحتل المقدمة منها. وفي مقدمة المقدمة الرئيس جورج دبليو بوش شخصيا! ليس في ذلك الاستنتاج مبالغة أو مغامرة، ذلك أن عدد 11 مارس الحالي من مجلة «نيوزويك« يسلحنا بقدر واف من المعلومات، التي تشجعنا على تبني ذلك الاستنتاج باطمئنان شديد. إذ بعد أن نشرت المجلة صورة للرئيس الأمريكي وهو في حالة تبتل واستغراق في الصلاة، وبعد أن وضعت على الصورة عنوانا كبيرا من كلمتين هو: بوش والرب. بعد هذا الإخراج فإن المجلة تضمنت تقريرا مطولا (في 8 صفحات)، اشترك في إعداده خمسة من المحررين، وصف الإدارة الحالية بأنها «الأشد رسوخا في الإيمان في العصور الحديثة«. رصد التقرير رحلة جورج بوش الابن من التطرف في التحلل من الدين، إلى التطرف في الإيمان البروتستانتي. وهي المرحلة التي لعب فيها القس الإنجيلي الشهير بيللي جراهام دورا أساسيا، الأمر الذي اعتبره بوش أعظم تغير في حياته. وللعلم فإن القس جراهام هو أحد أعمدة الحركة المسيحية الصهيونية، التي تشكل أقوى وأخطر سند لإسرائيل في الولايات المتحدة، وتروج لمقولة: إن محاربة إسرائيل هي إعلان للحرب على الرب. شيء طيب أن ينتقل جورج بوش الابن من عالم الرذيلة والعربدة إلى حظيرة الإيمان، ولا غضاضة في أن يلجأ إلى القساوسة لينال بركتهم قبل أن يتخذ قراراته المهمة، وإذا كان قد اعتبر نفسه «مبشرا«، وأبلغ من حوله قبل ترشحه إلى الرئاسة أنه «تمت دعوته لكي يتبوأ منصبا رفيعا« فهذا شأنه، وقناعاته هو حر فيها. لكن المشكلة، بل الخطير في الأمر أنه دخل إلى حظيرة الإيمان من الباب الخطأ، وان تحوله أوقعه في براثن فريق يتقرب إلى الله بنصرة إسرائيل ومساندة المشروع الصهيوني بكل السبل. حتى قال تقرير نيويورك:«إن معتقداته الدينية أعمته عن رؤية العالم المحيط به أو قراءة أحداثه بصورة متوازنة«.
(3) في دراسة مهمة حول الاصولية البروتستانتية وتأثيراتها في السياسة الامريكية للباحث سمير مرقص تأصيل للعلاقة التاريخية الوثيقة بين البروتستانتية والصهيونية تسلط ضوءا قويا يفسر لنا الكثير من مواقف الرئيس الامريكي والفريق المحيط به الذي يتوزع اغلب اعضائه فيما بين الاصولية الانجيلية والانتماء اليهودي الصهيوني ذلك انه من المهم مثلا ان نعرف ان الكنيسة الانجيلية احتضنت الفكرة الصهيونية قبل هرتزل بقرون وان الفكرة كانت انشودة مسيحية قبل هرتزل بقرون وان الفكرة كانت انشودة مسيحية قبل ان تصبح حركة سياسية يهودية كما قال «كينين« احد ابرز القيادات الصهيونية الامريكية في كتابه «خط الدفاع الاسرائيلي«. مهم ايضا ان نعرف ان الدعوة الى توطين اليهود في فلسطين واعتبارها ارضا بلا شعب لشعب بلا ارض كانت ضمن مشروع قدمه اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا الاسبق الى مؤتمر عقد في لندن عام 1840 وكان بالمرستون احد الذين يعتقدون ان عودة اليهود الى فلسطين شرط لتحقيق المجيء الثاني للمسيح وان مساعدة اليهود لتحقيق تلك الغاية امر يريده الله لأنه يعجل بمجيء المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام وهو تصور استخلصه البروتستانت اعتمادا على بعض التفسيرات الحرفية لسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي وبمقتضاه اعتقدوا بان النصارى المخلصين سوف يعيشون مع المسيح في فلسطين ــ بعد مجيئه ــ مدة الف سنة. في رغد وسعادة قبل حلول يوم القيامة. مهم كذلك أن نعرف أن المهاجرين الأوائل إلى الولايات المتحدة كانت بينهم أعداد كبيرة من أولئك البروتستانت الذين عرفوا باسم المتطهرين أو «البيوريتانيين« الذين حملوا معهم التقاليد والقناعات التوراتية، وتفسيرات العهد القديم التي انتشرت في إنجلترا وأوروبا قبل ذلك. في هذا الصدد يرصد كثير من المؤرخين كيف أعطى المهاجرون الأوائل أبناءهم أسماء عبرانية «إبراهام، سارة، اليعازر..« كما أطلقوا على مستوطناتهم أسماء عبرانية (حبرون، وكنعان...) وفرضوا تعليم اللغة العبرية في مدارسهم وجامعاتهم، حتى أن أول دكتوراه منحتها جامعة هارفارد عام 1642م كانت بعنوان «العبرانية هي اللغة الأم« وأول كتاب صدر في أمريكا كان «سفر المزامير«، وأول مجلة كانت «اليهودي«. يضاف إلى ما سبق أنه سمح لليهود ببناء محافلهم الدينية في وقت مبكر إثر هجرتهم إلى العالم الجديد الأمريكي، وتم لهم ذلك قبل أن يسمح البروتستانت البيوريتانيون المسيطرون على معظم المستوطنات الجديدة لطائفة الكاثوليك ببناء كنائسها، وقد سموا أنفسهم «أطفال إسرائيل«، في طريقهم إلى الأرض الموعودة، واحتفلوا بيوم السبت كيوم راحة لهم.
(4) تنسب إلى هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مقولة: ان الطريق إلى القدس يمر ببغداد، التي عبرت عن تصور أن إسرائيل لن يهدأ لها بال ولن تستقر في مدينة القدس التي يعتبرها الحلم الصهيوني عاصمة لأرض الميعاد، إلا إذا انكسرت بغداد بما تمثله من رمز وقوة للعرب، وربما كان الدافع إلى ذلك هو اقتناع كيسنجر ومن لف لفه بأن القوة العراقية تؤرق إسرائيل، وخصوصا بما استصحبته من تطلعات نووية أو تمكن من الأسلحة غير التقليدية الأخرى. وفي رأي باتريك سيل الكاتب البريطاني المختص بالشرق الأوسط ان موقع العراق كمهدد استراتيجي لإسرائيل استقر وأصبح أمرا مسلما به منذ أن جرؤت القيادة العراقية وهاجمت إسرائيل عام 1991م أثناء حرب تحرير الكويت، لذا أصبح أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الإسرائيلية ولمؤيديها و«رجالها« في واشنطون أن تضرب العراق، بحيث يجرى اضعافه إلى الأبد، وان ينزع سلاحه، بحيث يتم تغيير الأفق الاستراتيجي للمنطقة، وتظل حيازة أسلحة الدمار الشامل حكرا على إسرائيل، ومن ثم يتم اضعاف النظام العربي وهزيمة الفلسطينيين، عبر فرض الشروط الإسرائيلية عليهم. وأضاف باتريك سيل في شهادته ان الرئيس بوش ابتلع حزمة الأكاذيب التي عرضت عليه في إطار ملف الحرب (ساعدته على ذلك معتقداته الدينية). وهي الأكاذيب التي صاغتها عصبة الصهاينة المتطرفين القابعين في قلب مركز القرار الأمريكي. وهم الذين وضعوا أمريكا على درب الحرب، والذين في سعيهم إلى تدمير أعداء إسرائيل، غلفوا خططهم الحربية بثرثرة وطنية عن مهمة أمريكا العالمية (ودورها الرسالي). وزعيم هذه العصبة ومفكرها هو بول وولفويتز نائب وزير الدفاع (يهودي) الذي يسعى دون كلل منذ أكثر من خمس سنوات إلى إعلان الحرب على العراق، حتى نجح هو ومجموعة الغلاة المحيطين بالرئيس الأمريكي في تمرير تلك «الرؤية المسمومة«، التي تمثل أملا عزيزا على قلب ارييل شارون رئيس وزراء إسرائيل، حتى أصبح مستشاروه يرددون أن كل شيء سيكون مختلفا بعد الحرب، وان الطريق إلى القدس سيمر ببغداد، أما «خريطة الطريق« فستغيب في التاريخ، كما غابت قبلها خطة ميتشيل وخطة تينيت (الحياة اللندنية - 31/1/2003). الطريف في هذا الصدد أن النائب الديمقراطي عن فرجينيا جيمس موران حين واتته الجرأة في الشهر الماضي، وقال: إن الولايات المتحدة خططت لغزو العراق بسبب تحريض وضغط العناصر اليهودية النافذة، فإن الدنيا انقلبت عليه، وتعرض لعاصفة من الانتقادات التي وصفت تصريحات الرجل بأنها «مروعة«، ورغم أن جيمس موران اعتذر عما بدر منه، وتراجع علنا عن موقفه حرصا على مستقبله السياسي في الأغلب، فإن القوى الصهيونية المفترسة لم ترحمه، فلم تقبل اعتذاره، وأصرت على مطالبته بالاستقالة. حدث ذلك في حين يعرف الجميع أن الحرب الراهنة أمريكية إسرائيلية وليست أمريكية فحسب. لكن من الواضح ان الإشارة إلى تأثير العناصر الصهيونية في السياسة الأمريكية تعد من المحرمات، لأنها تكشف المستور وتفضح ما يجري في داخل المطبخ السياسي الأمريكي. فحين أعلن كولن باول على الملأ أن الحرب لها ثلاثة أهداف هي: إسقاط النظام العراقي، وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وإغلاق ملف القضية الفلسطينية، فإنه ترجم بطريقة دبلوماسية شعار الطريق إلى القدس يمر ببغداد! هذا المعنى تردد في برقية بثتها وكالة «رويترز« في لندن في 14/3 قالت فيها صراحة: إن مسئولين بارزين من الصف الثاني في إدارة بوش يهودا من المحافظين الجدد يدعون إلى إطاحة صدام لدعم أمن إسرائيل. ومن هؤلاء نائب وزير الدفاع بول وولفويتز ووكيل وزارة الدفاع دوجلاس فيث، ومستشار وزارة الدفاع ريتشارد بيرل، ومسئول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي اليوت ابرامز، بالإضافة إلى لويس ليبي رئيس هيئة الموظفين في مكتب الرئيس ديك تشيني. أضافت الوكالة انه في الشهر الماضي قال فيث في اجتماع لإحدى لجان مجلس الشيوخ: إن إقامة ديمقراطية في العراق ربما تساعد على تولي زعماء فلسطينيين قد ترغب إسرائيل في الحديث معهم. ونقل عنه قوله:« إن للولايات المتحدة وإسرائيل مصالح مشتركة، فيما يتعلق بالعراق.. وهذا لا يعني أن طابورا خامسا صهيونيا خطف عقل الرئيس، بل تصادف ان كان القضاء على الإرهاب وإصلاح المنطقة أمرا يلائم إسرائيل أيضا«.
(5) في 1/10/2002 نشرت صحيفة «هاآرتس« الإسرائيلية تقريرا عن ترتيبات إعداد صورة الشرق الأوسط الجديد، ذكرت فيه أن اثنين من اليهود اشتركا في رسم معالم تلك الصورة، والاثنان هما ريتشارد بيرل ودوجلاس فيث، اللذان سبقت الإشارة إليهما، ولهما الآن موقعهما المرموق في وزارة الدفاع (البنتاجون) ومعروفان بأنهما من متعصبي الصهاينة، وقد كانا ضمن الفريق الذي كلف بمساعدة بنيامين نتنياهو حين تولى رئاسة الحكومة في إسرائيل لأول مرة عام 1996، وقبل أيام قليلة من بدء الحرب في 15/3 وصل إلى تل أبيب عسكري أمريكي رفيع المستوى، هو الجنرال تشارلز سمبسون لكي يكون ضابط الاتصال والتنسيق بين القيادة العسكرية الأمريكية ورئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي في صدد الحملة على العراق، التي لم يعلن بعد شيء عن كيفية وطبيعة المساهمة الإسرائيلية فيها. أما موعد بدء العمليات العسكرية فقد أعلن أن إسرائيل أخطرت به قبل ساعات قليلة من إطلاق الصواريخ الأمريكية، وفي ذلك كله دلالة على الحضور الإسرائيلي في مختلف مراحل الغزو. في خطاب ألقاه شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي في القدس أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية، قال: «إن لنا مصلحة كبرى في إعادة تشكيل الشرق الأوسط في اليوم التالي لانتهاء الحرب«، وتبعه رئيس جهاز الموساد السابق افرايم هاليفي الذي يعمل الآن مستشارا للأمن القومي لدى شارون ليشير في خطاب ألقاه أخيرا في ميونيخ، إلى المكاسب التي تأمل إسرائيل في الحصول عليها. إذ قال: «إن آثار الصدمة التي ستهز عراق ما بعد صدام ستكون واسعة الشمول بحيث تصيب طهران ودمشق ورام الله«، وكما قالت صحيفة «نيويورك تايمز« نقلا عن مراسلها في إسرائيل هذا الأسبوع: «ما ان يتم التخلص من صدام حتى تنهار أحجار الدومينو!«. إن الصحف الإسرائيلية تحفل بالسيناريوهات والاستنتاجات التي ترسم معالم العصر الإسرائيلي الذي يتطلعون إلى انبلاج فجره بعد انتهاء الحرب، وبدء انهيار أحجار الدومينو في العالم العربي، وهم يتحدثون عن حلمهم الوردي في إقامة «إسرائيل الكبرى« انطلاقا من محور تل أبيب ــ عمان ــ بغداد، ويتصورون المنطقة كأنها صارت حطاما أو فراغا، أو قرصا من العجين قابلا للتشكيل على كل هيئة. وذلك خطؤهم الجسيم، الذي أعماهم عن إدراكه غرور القوة، وضيق الأفق الذي يتسم به تفكير الأصوليين والغلاة في كل بلد وملة. إنهم ينسون أنهم لم ينجحوا في هزيمة الفلسطينيين ولا كسر إرادتهم، فكيف لهم أن يتصوروا إمكانية تركيع العالم العربي بأسره، وفيه من الاستشهاديين المقبلين على الموت دفاعا عن كبريائهم وأوطانهم أضعاف أضعاف ما في فلسطين؟ «ويمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين«.