زيجمونت باومان عالم إجتماع جدير بالقراءة من قبل العراقيين
يعتبر عالم الإجتماع من أهم علماء الإجتماع في الوقت الحاضر حسب التصنيف الأكاديمي الغربي بالطبع. إهتم زيجمونت باومان بدراسة إنعكاسات الهولوكوست على الأفراد والمجتمعات التي تعرضت لهذه الظاهرة، سواء من جانب التي مارستها النازية أو الذين تعرضوا لها، اليهود. يعتبر زيجمونت باومان مؤسس مفهوم ماوراء الحداثة Postmodernism
الظواهر الإجتماعية التي يدرسها في هذا الجانب هو تأثير ما سمي بالعقلانية على المجتمعات والأفراد، وكيف أن هذه العقلانية بتطرفها أنتجت أنظمة أصبحت تعمل كالآلة، حتى في ممارستها للإضطهاد والقتل والإبادة الجماعية. يدرس باومان في أحد كتبه الحداثة والهولوكوست ظاهرة تحول الإنسان إلى جزء من الآلة التي تقتل وتضطهد دون أن يصاب هذا الإنسان بصدمة تأنيب الضمير أو محاسبة النفس. وقد درس باومان في إحدى أمثلته على ضابط الأس أس النازي الذي كان يذهب إلى معسكر الإحتجاز الجماعي كي يقتل أ يعذب العشرات أو المئات من الناس، منفذاً عمله بإنضباط وحرفية شديدة، وبعدها يعود إلى بيته يمارس حياته كأب ورب اسرة وإنسان طبيعي خارج أجواء العمل. كما يدرس وضع الطيار الذي ينفذ عمله بحرفية شديدة وهو يرمي قنابله التي ربما تقتل الألوف من البشر ثم يعود إلى مزاولة حياته بشكل طبيعي بلا صعوبات تذكر.
باومان يحدد في نظريته أن العقلانية قد أخذت مأخذها في المجتمعات الحداثية، وأن الآلة الكبيرة التي أنشأتها هذه الحداثة العلمانية على شكل أنظمة ألغت الجانب الإنساني في تعامل الإنسان عندما يكون جزءً منها. يذكر باومان مثلاً أن الإنسان يشعر بتأنيب الضمير لأنه لم يؤد واجبه الوظيفي على أكمل وجه، أو بشكل اقل مهنية، بينما لا يعتريه اي تأنيب للضمير عندما يمارس سلباً لحرية إنسان بريئ أو أن يقتل إنسان لم يرتكب شيئاً تنفيذاً لأوامر السلطة.
يخلص باومان إلى أن المجتمعات ومع وجود ظروف النزوع إلى العقلانية والعلمانية ستستمر في إنتاج أنظمة ومؤسسات كأنظمة مؤسسات كالنازية والفاشية وهتلر وستالين. ويخلص إلى أن الديمقراطية بحد ذاتها لا تعتبر رادعاً كافياً لمنع وجود مثل هذه الأنظمة.
النتيجة التي يتوصل إليها باومان أن هنالك شيئاً ما في الدين يمكن الإستفادة منه. ربما تكون الوصايا العشرة، أو أي تعاليم دينية أخرى تمنع طغيان العقلانية التي تلغي الضمير البشري السليم أو تحرفه عن مساره. يتصور باومان أن تنشئة الضمير بشكله الحقيقي، بشكل يمنع القتل والإعتداء على الأبرياء مهما كان الباعث حتى لو كان ذلك سلطة الدولة وتحت معايير الوطنية أو أداء الواجب وما إلى ذلك.
قراءة أفكار باومان تجيب عن الكثير من الأسئلة المتعلقة بنظام البعث وتشابهه مع النظام النازي، وخلقه آلة موت وتعذيب كبيرة تعمل بشكل ذاتي في كثير من الأحيان معتمدة على موارد بشرية تحول فيها محور الضمير إلى تنفيذ الواجب وإطاعة الأوامر مهما كانت النتائج.
أفكار باومان في تصوري تستحق القراءة الجدية الواعية، وربما ساعدت أفكاره في التعرف أكثر على آليات التسلط والظلم في العراق، ومحاور تحول الدولة إلى أداة قمع وقتل وإرهاب.
للمزيد
Zygmunt Bauman
Modernity and the Holocaust 1989
Modernity and Ambivalence1991)
Postmodernity and its Discontents 1997
Globalization: The human consequences 1998
Liquid Modernity 2000