في البدء كان العراق .. اذا ما استمر التهميش للبصرة فلا أقل من الفيدرالية!
في البدء كان العراق .. اذا ما استمر التهميش للبصرة فلا أقل من الفيدرالية!
أرض السواد : نجاح محمد علي
رغم مرور أكثر من اسبوعين على إجراء الإنتخابات البرلمانية في العراق،فان النتيجة النهائية لم تعلن بشكل رسمي وسط مؤشرات إلى تقدم واضح لقائمة "الإئتلاف العراقي الموحد".
مدينة البصرة ثاني أهم وأكبر المدن العراقية شهدت منافسة جدية بين القوائم الكبيرة الأساسية، ويتتوقع الأوساط المراقبة أن تأتي قائمة الائتلاف العراقي الموحد في الصدارة تليها القائمة الوطنية العراقية وجبهة التوافق ....بينما غابت أسماء لها تأريخ،وهزمت شخصيات قارعت النظام السابق.
كما هو حال الانتخابات في كل أنحاء العراق، فان الكبار أطاحوا بالصغار في الانتخابات النيابية التي جرت في البصرة ثاني أهم وأكبر المدن العراقية.
أكثر من مليون ناخب (حيث لم يسمح لعدد كبير من غير المسجلين، بالتوجه الى صناديق الاقتراع)، في انتخابات شهدت منافسة جدية بين القوائم الكبيرة الأساسية.
وبعيدا عن أي كلام بالتزوير ترفضه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فان انتخابات البصرة تُعد الأكثر حسما وتأثيرا على مستقبل العراق السياسي لجهة الشعارات التي رفعت فيها وجدية أصحابها، والقدرة على التنفيذ في بلاد ماتزال ترزح تحت نير الاحتلال.
72 كيانا سياسيا خاضت الانتخابات، ورفض الصغار الانسحاب لصالح الكبار على الرغم من بيانات نُسبت لبعضها. وقد رفع معظم الكيانات المتنافسة شعار الفدرالية وتوزيع عائدات النفط على المواطنين في مقابل دعاة إخراج قوات الاحتلال وشعارات متفرقة ركزت على الخدمات العامة، وعلى المرجعية الدينية.
خطة أمنية
قيادات السنة التي شجعت على الذهاب إلى صناديق الاقتراع في البصرة، لم تُظهر حماسة للظهور اعلاميا ربما خشية من تصفيات جسدية من جماعات "مجهولة".
في المقابل، أكد قائد شرطة البصرة اللواء حسن سوادي السعد أن الخطة الأمنية التي وضعت في غرفة عمليات مشتركة باشراف مباشر من قائد القوات البريطانية "حققت نجاحا باهرا، تأكد في اجراء انتخابات نظيفة" .
اعتمدت الخطة الأمنية على سد المنافذ من والى البصرة، وإحكام السيطرة على الحدود مع الدول المجاورة، ولم يسمح للاعلاميين الايرانيين بتغطية الانتخابات، بل لم يُسمح الا لقناة العربية الفضائية التي كانت حاضرة بقوة، وحظيت بدعم قوي من مختلف القيادات الرسمية خصوصا في غرفة العمليات.
أهالي البصرة - وبالرغم من فترة حظر التجوال التي استمرت ثلاثة أيام وهو جزء مهم من الخطة الأمنية - لم يلتزموا بها فيما غضت الأجهزة الأمنية الطرف في النهار، ولكنها شددت على منع أي مركبة من السير ليلا باستثناء المصرح لها.
الخارطة الإنتخابية
المعركة الانتخابية انحصرت بين الإسلاميين من جهة والعلمانيين والسنة من جهة أخرى وهذه أول مرة شارك فيها السنة العرب وأنزلوا قائمة موحدة من 15 مرشحا ضمت خمس نساء باسم جبهة التوافق العراقية، وقاد الحزب الإسلامي العراقي الحملة الانتخابية من أربعة مقرات في الزبير والفاو وأبي الخصيب والهارثة إضافة الى المقر العام في شارع الخورة.
الاسلاميون الشيعة دخلوا المعركة منقسمين الا أن قائمة الائتلاف العراقي الموحد التي تدثرت بعباءة المرجعية الدينية،ومارست خطابا دينيا يتناغم ومشاعر البصريين، ضمت غالبية الكيانات الاسلامية الشيعية منها حزب الدعوة الإسلامية-المقر العام، وحزب الدعوة - تنظيم العراق والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والمنظمات الرديفة لها وأبرزها منظمة بدر، وحزب الفضيلة الإسلامي والتيار الصدري، ومنظمات وشخصيات أخرى.
في المقابل، نزلت حركة الدعوة الإسلامية التي كان يتزعمها الراحل عز الدين سليم رئيس مجلس الحكم المنحل ونائبه طالب حجامي العامري، الى الانتخابات بقائمة ترأسها رئيس مجلس المحافظة محمد سعدون العبادي.
أما العلمانيون فقد قادتهم قوائم سياسية أهمها القائمة العراقية الوطنية بزعامة أياد علاوي رئيس الحكومة السابقة، والمؤتمر الوطني العراقي بزعامة احمد الجلبي وهذه أنزلت قائمة ضمت سلامة الخفاجي عضو مجلس الحكم المنحل وجاءت الى البصرة برفقة الجلبي الذي وعد بمواصلة سياسة اجتثاث البعث، وتوزيع الثروة النفطية على سكان البصرة وباقي المدن العراقية، واجتمع الى زعماء العشائر في المركز الثقافي لشركة النفط، لخطب ودهم خصوصا وأن قائمته ضمت أول محافظ للبصرة بعد سقوط نظام صدام حسين، مزاحم كنعان التميمي شيخ عشيرة بني تميم العريقة.
حركة ثوار الانتفاضة وقائمة ماجد الساري مستشار وزير الدفاع، وقائمة الائتلاف الوطني الموحد برقم 521 وعدد من القوائم شاركت في الانتخابات التي شهدت اقبالا منقطع النظير ولم تشهد خروقات أمنية أو تزوير .
أماني للمستقبل
الفيدرالية للجنوب كانت مطلبا أساسيا لقائمة الائتلاف.وعُلم أن محافظ النجف الأشرف دعا مطلع ديسمبر (أي قبل إجراء الانتخابات) لاجتماع بحضور تسعة محافظين لتنسيق اعلان اقليم يضم تسع محافظات، لكن محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي رفض المشاركة مصرا على أن استطلاعات الرأي في البصرة أكدت أن نحو من 87 % من أهالي المحافظة يريدون أن تكون البصرة مركزا للاقليم الموعود بدلا من النجف، أي خلافا لما يخطط له الآخرون.
معظم السكان أكدوا أنهم مع الفيدرالية للجنوب والعديد من الفاعليات السياسية يخطط لفيدرالية البصرة بوجه خاص، وهذا الأمر شكل دافعا قويا للناخب البصري ليتوجه بكثافة الى صناديق الاقتراع.
السنة أعلنوا أنهم يرفضون الفيدرالية، وقال الشيخ يوسف الحسان في تصريح خاص إن إخراج المحتل يظل هدفا مهما قبل الحديث عن الفيدرالية وموضوعات أخرى. الحسان قال أيضا إن السُنّة في البصرة يريدون مجلس نواب يبتعد عن الطائفية، وينتج حكومة تعمل للجميع وهو ما شدد عليه لنا الشيخ نجرس المالكي خطيب الجمعة من جماعة الفضلاء التابعة في ولاء المرجعيات للشيخ محمد اليعقوبي.
تحالفات مرشحة للتغيير
المفوضية العليا المستفلة للانتخابات، أدارت الانتخابات وشهدت بنزاهتها ،والعديد من الناخبين توجهوا الى صناديق الاقتراع على شكل مظاهرات استجابة لنداء من المرجع آية الله العظمى محمد اليعقوبي، واحتفالات النصر بدأت مبكرة جدا في الساعات الأولى بعد اغلاق مراكز الاقتراع وعددها 392 مركزا، وقبل وقت طويل من إكمال فرز الأصوات.
فقد انطلقت في البصرة أناشيد كانت معدة سلفا عبر مكبرات الصوت، وكانت صلاة الجمعة مناسبة لاعلان هذا الفرح إذ تحدى الأهالى قانون حظر التجوال، وعادت الحياة الطبيعية الى المدينة خلافا لما هو مطبق في المدن العراقية الأخرى.
تملك التيارات الاسلامية نفوذا قويا في البصرة، وبعضها قلد ايران في طريقة إنزال الأنصار الى الشوارع لاستعراض القوة، مرتدين القمصان السوداء، وممتطين الدرجات النارية، وقد كان للخطاب الديني أثره الواضح في هذه الانتخابات، ومورس من الجانبين: الشيعة والسنة كل على شاكلته.
من الملفت أن أسماء لها وقع في تأريخ مقارعة النظام السابق، فشلت في الانضمام الى قافلة الذاهبين إلى مجلس النواب القادم، وتعتبر حركة الدعوة الاسلامية أكبر الخاسرين، فقد انقسمت وتحالف أحد قادتها وهو هادي العبادي (شقيق عز الدين سليم ) مع قائمة أحمد الجلبي، وسط مساع قد لاتنجح، لاعادة الحياة لها بعد أن فقدت قادتها التاريخيين في انفجار تبناه تنظيم الأردني أبو مصعب الزرقاوي قبل اكثر من عام.
وبحسب قراءة أولية، فان التحالفات ستتغير كثيرا بعد إعلان النتائج النهائية، إلا أن المهم في انتخابات البصرة، أنها أكدت مجددا أن هذه المحافظة العائمة على بحر من النفط ، قررت حسبما يبدو أنها لن ترضى بأقل من الفيدرالية إذا استمر تهميشها في العهد القادم.
http://www.iraqsawad.net/a4162.htm