ساطع الحصري وأثره في نظام التربية والتعليم في العراق - محمد فاضل
محمد فاضل
ساطع الحصري
وأثره في نظام التربية والتعليم في العراق(*)
اكد الحصري على وحدة اللغة والتاريخ والثقافة للعرب منحيا أي دور للدين في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية
مارس الحصري سياسة التمييز الطائفي في المدارس العراقية
بقي الحصري في منصبه الوظيفي في مديريةالتربية عشرين عاما حيث اعطيت له حصانة من تشكيل الحكومات واستقالتها
عندما وضع الحصري مناهج التاريخ للمدراس العراقية اغفل بشكل متعمد أي ذكر لثورة العشرين لان قيادتها كانت بيد علماء ومرجعية النجف وكربلاء
http://www.islamonline.net/Arabic/ka...ges/pic11f.jpg
مقدمة :
ساطع الحصري واحد من الشخصيات التي لعبت دورا كبيرا في حركة القومية العربية و احد المنظرين المهمين لها كما ترك بصمات اصابعه على النظام التعليمي في ثلاث دول عربية هي العراق ومصر وسوريا. ويحيط الغموض شخصية الحصري في الكثير من جوانبها وسوف نحاول في هذا البحث على اختصاره بيان بعض هذه الجوانب المهمة التي تتعلق خاصة بأثره في نظام التربية والتعليم في العراق.
نشأته
ولد ساطع الحصري عام 1880م في اليمن حيث كان والده (محمد بن هلال الحصري) رئيسا لمحكمة الاستئناف الجنائية هناك.
ورغم ولادة الحصري في اليمن الا ان عائلته سورية الاصل.
لم يكد يبلغ عمر ساطع ثلاث عشرة سنة حتى بعثه والده الى الاستانة للدراسة في المدرسة الملكية. وكانت المدرسة الملكية مؤسسة مدنية وعلمانية في جوهرها، ومخصصة للتدريب على الخدمة في الادارة العثمانية حيث كانت عاصمة الدولة العثمانية آنذاك تعج بالافكار العلمانية، بفعل النفوذ الغربي وتغلغل يهود الدونمة في مؤسسات الدولة، كما كانت التوجهات القومية آخذت بالإنتشار آنذاك.
وبعد تخرجه ارسل الحصري الى العمل كمدرس في الاقاليم الاوروبية للدولة العثمانية.
نشاطه السياسي
التحق ساطع بوزارة المعارف، حيث عين مدرسا للعلوم الطبيعية في مدرسة ثانوية في ولاية (يانيه) قرب الحدود القائمة الآن بين اليونان وألبانيا. ومكث في البلقان ثمان سنوات اثرت في فكره تأثيرا بالغا، ونمى وعيه السياسي والقومي. وبدأ هنا اول كتابته في التعليم وتطوير أساليبه، وانتقد الوسائل المعتمدة في النظام العثماني، واشار الى اهمية الاصلاحات التعليمية.
في عام 1905 ترك ساطع الحصري مهنة التعليم عندما تسلم منصب قائمقام في ولاية قوص اوه (كوسوفا). وهناك سعى من اجل الاصلاحات، لكن الوالي واجهه بالسكوت. وبعد سنة نقل ساطع الى قضاء فلورينا في ولاية المنستير. وهناك احتك بنشاط مجموعات المتمردين اليونانيين والبلغار القوميين، فتأثر بها، وتعلم اهمية اللغة القومية. وكانت هناك نشاطات ضباطجيش (تركيا الفتاة)، ولجنة الاتحاد والترقي الذين اتصل بهم وتعاطف معهم.
ولما نشبت الثورة وأعلن الدستور عام 1908 استدعته اللجنة الى المنستير مركز الولاية واناطت به مهة استقبال الوفود التي وفدت للإعراب عن تأييدها للدستور. وكان يخطب بهم مشيدا بقادة الجيش، مركزا على اهمية خدمة مصالح السلطنة العثمانية.
ثم سافر الى اسطنبول، مغيرا وجهته نحو الصحافة، حيث اسس صحيفتين منحتاه المكانة الرفيعة في مجتمع اسطنبول السياسي والفكري طول السنوات 1908ـ1918. وقد تأثر ساطع بصديقه الحميم توفيق فكرت (1867ـ1915) الذي يعد نموذجا مثاليا لأنصار التغريب، والذي حمل على مفهوم الدولة الاسلامية، ودعا لقيم علمانية جديدة يغلب فيها العقل الفردي على آثار الدين ـ وعاصر الحصري افكار (ضيا غوكالب) الذي كان يؤمن بسيادة الاتراك والثقافة التركية في السلطة، والتركيز على القيم الثقافية التركية الصرفة، واحياء الاهتمام بالروابط اللغوية والتاريخية.
الانتماء العثماني
وفي عام 1913 اصبحت النزعة التركية هي السياسة الغالبة في الدولة العثمانية. ولحق ذلك استبعاد قطاع كبير من العناصر غير التركية. وسعت لجنة الاتحاد والترقي الى تنفيذ سياسة التتريك، بدلا من المساواة التي تضمنها الدستور المعلن.
لقد كان الحصري واضحا في موقفه وافكاره التي تمركزت على الانتماء العثماني، حتى سمي بأبي التربية التركية. من الواضح ان الحرص على وظيفته وموقعه الثقافي والفكري والاجتماعي، كان مرتبطا ببقاء السلطنة. ولذلك كان يتمثل اسس الدولة العثمانية، فيتكلم اللغة التركية، ويتبع الاسلام دينا، ويخدم الدولة العثمانية، ويعيش نمط الحياة التركية. ، وكان الحصري خلال تلك الفترة منقطعا عن جذوره العربية، لغة وثقافة، متمتعا بشهرة ومكانة مرموقتين، لا يمكن ان يتنازل عنها، اذ ان الارتباط بالفكرة القومية العربية لم يكن رائجا في اسطنبول، بل على العكس، هناك تضييق وحصار وكره تركي للمشاعر العربية. ولذلك ابتعد الحصري عن الاتصال بالزعامات العربية المناهضة للدولة العثمانية، مع انه مثقف عربي سوري.
وفي تلك الفترة تولى منصب مدير دار المعلمين في اسطنبول، بين 1909و 1912 حيث يلقن المعلمون مبادئ الفكرة العثمانية والاعتزاز بالعنصر التركي.
في عامي 1910و 1911 زار الحصري اوربا، لدراسة النظم التربوية الاوروبية. واعجب به الاوروبيون، بثقافته العلمانية، وافكاره التغريبية، فمنحوه عضوية مؤسسة روسو في جنيف.
الانتقال الى القومية العربية:
كانت مكانة الحصري كعربي موال للسلطنة، فريدة وخاصة في علو مرتبته التي كانت تشبه في الوظائف المدنية، ما كان لياسين الهاشمي من مرتبة في الجيش العثماني. لكن الحرب العالمية الاولى، وافول الدولة العثمانية، جعلت العرب الذين عملوا لها، يعيدون النظر في ولانهم السياسي والفكري، ولا يعرف موقفه من دخول جيش فيصل دمشق برعاية القوات الفرنسية. فسافر الى دمشق في تموز 1919 معتنقا عقيدة جديدة، هي القومية العربية، وليتولى منصب مدير عام للتعليم في سوريا، ثم وزيرا للتربية في الحكومتين اللتين شكلتا في سوريا المستقلة قبل معركة ميسلون. وهناك توطدت علاقته بفيصل، لكنه لم يهنأ بهذا المنصب، حيث تأزمت العلاقة بين فيصل وفرنسا، بعد اعلان الانتداب الفرنسي على سوريا في مؤتمر (سان ريمو) في نيسان 1920، مما ادى الى طرده على اثرها من سوريا. وكان ساطع على معرفة بتفكير البريطانيين في احتمال تنصيب فيصل ملكا على العراق، فاراد ان لا تفوته هذه الفرصة. فسافر الى ايطاليا ثم الى مصر. وهناك كان يتصل باستمرار بالمكتب العربي، وهو دائرة استخبارات بريطانية مسؤولة عن المنطقة العربية، وكان من رجال المكتب، لورنس وكورنواليس وستورز. وفي القاهرة، رفض الحصري دعوات المنفيين السوريين للانضمام اليهم. باعتباره سوريا مثلهم، والمشاركة في النشاط السياسي المعادي لاحتلال الدول الغربية للبلاد العربية.
الحصري في العراق:
بعد عودة فيصل وتنصيبه ملكا على العراق في آب 1921 قام باستدعاء طاقم الضباط العراقيين الذين كانوا معه في سوريا، كما دعا ساطع الحصري، ليصبح مديرا عاما للتربية.
وكانت له علاقات وطيدة برموز الادارة البريطانية في العراق، امثال كورنواليس وغاربيت والمس بيل التي قالت له: (ان الجرائد التابعة للانجليز اخذت تكتب عنك قبل وصولك الى العراق، وانا كلما كنت اقرأ في الجرائد ساطع بك، ساطع بك كنت اشتاق الى اللقاء بك). وكانت علاقاته جيدة مع الادارة البريطانية في العراق، وتعاون معها، ومع رموزها. وعمل الحصري في خدمة الانجليز طوال فترة عهد الملك فيصل (23/8/1921 الى 7/9/1933) وعهد الملك غازي (8/9/1933 الى 4/4/1939) وسنتين من وصاية الامير عبد الاله. وكان يشيد بالملك فيصل، وانجازاته الجليلة، رغم عقده معاهدات مذلة مع بريطانيا.
اللغة العربية هي اللغة الثالثة لساطع:
وبدأ نجم الحصري بالصعود، كمنظر للقومية العربية مع ان العربية كانت لغته الثالثة بعد التركية والفرنسية. وعلى الرغم من انه تعلم التعبير كتابة بوضوح واصبح محدثا قديرا، لكن لكنته التركية ظلت بينة الظهور. وبقي وفيا للعلمانية والتغريب، وقد وصفه امين الريحاني بقوله: (ماهو بسوري ولا بعراقي، وهو عربي، لا غبار على عربيته غير لهجتها. والاستاذ ابو خلدون من اولئك القلائل الذين حرروا انفسهم وبيوتهم من قيود التقاليد الاجتماعية. اظن، مجلسه هو الوحيد في بغداد الذي تستقبل فيه ربة البيت الزائرين سافرة وتشاركهم الاحاديث).
مميزات كتابات ساطع:
ومن اللافت للنظر ان كتابات الحصري، خلت من ذكر آية قرآنية واحدة، او حديث للرسول (ص)، او احد الخلفاء، او بيت للشعر العربي. ولم يتحدث في مذكراته عن ذكر نخلة او نهر او سجية من سجايا هذا الشعب الذي احتضنه عشرين عاما، لكنه تحدث كثيرا عن العجم والعداوات والمؤامرات ضده. ويعود ذلك الى مواجهاته الطائفية مع الشيعة في العراق، خاصة اذا علمنا ان وزارة المعارف، التي تشرف على ادارة التعليم التي يرأسها الحصري، كانت تناط عادة بوزير شيعي في اغلب الوزارات استرضاء للأكثرية الشيعية، اثناء تقسيم الحقائب الوزارية. وهي وزارة لا تصل الى اهمية وزارات الدفاع والداخلية والخارجية.
فهم الحصري للتاريخ والدين:
يضع الحصري، تعريفا غريبا للتايخ حين يقول: (عندما اقول التاريخ، لا اقصد بذلك التاريخ المدون في الكتب والتاريخ المدفون بين صحائف المطبوعات والمخطوطات، بل اقصد بذلك، التاريخ الحي في النفوس، الشائع في الاذهان المستولى على التقاليد)، وهو هنا يخلط بهذا بين التراث والفولكلور والتاريخ والتقاليد. وميز الحصري كذلك بين التاريخ العربي والتاريخ الاسلامي، وامعن في الاشادة بالحضارة العربية الراقية في الجزيرة العربية قبل الاسلام. مستدلا على رقيها بلغتها.
(فالشعر العربي والقرآن الكريم عنده اشتملا على مفردات تفيد معاني مجردة، وتدل على تطور فكري رفيع المستوى في الجزيرة العربية قبل الاسلام). وعندما يتحدث الحصري عن العظمة العربية، لا يدافع عن الحضارة الاسلامية التي ازدهرت طوال ثمانية قرون، بل اعتبر اللغة هي الجامعة التي امدت الوحدة العربية بالاستمرار التاريخي.
وعلى الرغم من اعجاب الحصري بقوة الدين العاطفية الكبيرة، يرى فيه انقاصا من التناسق الذي تضمنته القومية. فالاديان العالمية كالاسلام والمسيحية مثلا، المتاح اعتناقها للجميع، والتي تضم بقاعا كثيرة وشعوبا عديدة، تناقض القومية.
ويرى الحصري (ان وصف القومية بأنها لا دينية، هو فهم خاطئ للقومية، بل الاصح وصفها بالعلمانية. فالعلماء وقادة الجند والساسة، يعملون ويدرسون كل في مجاله مستقلا عن الدين). ويشير ذلك الى ايمانه العميق بفصل الدين عن القومية، وتنحيته عن الحياة الثقافية والسياسية والفكرية.
وبقي يعارض فكرة الوحدة الاسلامية، رغم محاولته توظيف الوحدويين الاسلاميين الى خدمة الوحدة العربية.
وهلل الحصري لإلغاء أتاتورك الخلافة الاسلامية، واعتبره حافزا للعرب وخاصة المصريين كي ينظروا الى انفسهم نظرة قومية، لا دينية. ولم ينكر الحصري قدرة المرء على ان يكون مسلما او مسيحيا، وقوميا في آن واحد ولهذا رفع شعار (الدين لله والوطن للجميع).
ولم يناقش الحصري الافكار الاسلامية، ولم يدخل في مجادلات. كما امتنع عن أي ذكر للاسلام النقي اوقدرته على التكيف مع العصر. وفيما كان يعترف بغلبة الاسلام على المجتمع العربي كان يسعى الى وضع الاسلام في المرتبة الثانية بعد القومية.
ولما كان الاسلام يحتل موقعا في نفوس العرب اضطر الحصري الى اضفاء السمة الدينية على عروبته حين كتب: (ادين بدين العروبة بكل جوانحي). كما اغفل استخدام البسملة في عبارته الافتتاحية، حين بات يبدأ كلامه بعبارة مستحدثة هي (بسم الله وبسم العروبة).
حصانة وظيفية:
بقي الحصري في منصبه الوظيفي عشرين عاما حيث اعطيت له حصانة من تشكيل الحكومات واستقالتها وحفظ له مكانه الثابت في موقعه الحيوي كمدير عام للتربية، وعلى هذا الأساس تبدلت الوزارات عشرات المرات، وتناوب على وزارة التعليم العديد من الوزراء، لكن الحصري كان هو المهيمن الحقيقي على سياسة الوزارة. فرفض انشاء دار للمعلمين في الحلة، كما رفض انشاء مدارس خاصة للبدو. وجرد حملة عامة على المؤسسات والأساليب التربوية الشيعية ـ كما يذكر كليفلاند ـ. وكان يصدر تعليمات مفصلة بلا انقطاع، ويطلب من المديرين، رفع التقارير الى مكتبه. وكان يضع المناهج الدراسية للتعليم الابتدائي والثانوي. وكان يؤكد على وحدة اللغة والتاريخ والثقافة في عقيدة العروبة منحيا أي دورللدين والاسلام في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية.
وعندما وضع الحصري مناهج التاريخ للمدارس العراقية، اغفل بشكل متعمد، أي ذكر لثورة العشرين التي حدثت في الخامس عشر من شعبان عام 1340 هـ التي يعود الفضل لها في تأسيس الدولة العراقية، لأن قيادتها كانت بيد علماء الدين، ومرجعية النجف الاشرف، وكربلاء. ومقابل اهماله لصفحات ناصعة من تاريخ العراق، سعى الحصري لتدوين التاريخ الاوربي في الصفوف المنتهية من الدراسات الابتدائية والمتوسطة والاعدادية. واصبح الطالب ملزما بحفظ اكثر من مائتي صفحة من التاريخ الاوربي الحديث بينما لا يعرف الطالب الكثير عن الحضارة العربية والاسلامية وتاريخ شعوب الشرق.
والامر ينطبق في تعليم الجغرافية، حيث يدرس الطالب تفاصيل جغرافية اوربا واقطارها ورسم خرائطها، بشكل تفصيلي مع عدم حاجته لذلك. اما اللغة العربية فمن الملاحظ ان الطلاب العراقيين ومن ثم المتعلمين العراقيين ضعفاء في اللغة العربية مقارنة مع عرب آخرين حيث لا يستطيع اكثرهم الحديث باللغة الفصحى بسهولة ويسر.
النظام التربوي الذي تبناه ساطع في العراق
ونفذ الحصري سياسة الادارة البريطانية التي رأت استخدام العنف ضد الطلبة، فأباحوا استخدام الضرب والاهانة الشخصية، وطرد الطالب من صفه او مدرسته. واضافوا الى ذلك اسلوب العقاب بالجلد الذي اقرّ بمرسوم حكومي ردا على خروج مظاهرات شعبية ساهم فيها الطلبة احتجاجا على زيارة الصهيوني البريطاني الفريد موند في 8 شباط 1928.
ولم يحتج الحصري على هذا المرسوم الذي يبيح جلد الطالب الشاب دون الثامنة عشرة 25 جلدة، على خشبة تشبه الصليب، امام زملائه. ونفذ المربي العربي الكبير، عقوبة جلد الطلاب رغم حملة الاحتجاجات الوطنية من الاحزاب السياسية والصحافة. وكان وزير المعارف توفيق السويدي يؤيد الجلد ويعتبره مسألة انضباطية.
واراد الحصري اشغال الطلاب عن التوجهات السياسية فقام بإثقال الطلاب في المرحلة الابتدائية بـ 36 ساعة اسبوعيا. وباتت الامتحانات كابوسا تثير الرعب والخوف في نفوس الطلاب ولكن نتيجة غير محسوبة ظهرت باتجاه معاكس لأهداف السياسة المطلوبة التي تبنت مبدأ ترسيب الطلبة. اذ اصبح هؤلاء الطلبة الراسبون مادة اسياسة للأحزاب والحركات السرية.
الممارسات الطائفية لساطع:
مارس الحصري سياسة تمييز طائفي في المدارس العراقية، فكان يعتبر الشيعة، بأنهم ليسوا عربا، بل فرسا وعجما. وكان يفتش في ملفات الموظفين، لعله يعثر على ما يفيد باتهام احدهم، بأن اصله فارسي او ايراني لفصله.
وقام الحصري بفصل الشاعر محمد مهدي الجواهري، من التعليم لأنه وصف في قصيدة له احد مصايف ايران عام 1927. كما عارض بشدة ارسال الطلاب الشيعة، في البعثات الحكومية الى الخارج، بل كان عدد الطلاب اليهود في البعثة اكثر من الشيعة. ولم يهتم كثيرا لحادثة التحاق احد الطلاب اليهود بمنظمة صهيونية، حين ارسلهم الى مدينة صفد في فلسطين، لتعلم الانجليزية.
اما بصدد سياسته في انشاء المدارس، فقد مارس الحصري تمييزا طائفيا، حين كانت المحافظات الجنوبية الشيعية، تضم اقل عدد من المدارس. ففي احصائية عام 1933 كان في الموصل 30 طالبا، عن كل ألف من السكان. وفي بغداد 27 طالبا، وفي البصرة 25 طالبا وفي العمارة 9 طلاب، وفي الناصرية 6 طلاب، وفي الكوت 6 طلاب وفي الديوانية 8 طلاب فقط.
ومن الغريب ان عداء الحصري، لا يشمل الايرانيين الحقيقيين والدولة الايرانية، مما يعني ان التركيز على الصراع القومي، بين العرب والفرس، كان تعبيرا عن سياسة داخلية، انتهجها الانجليز ونفذها الحصري والهاشمي وحاشية السلطة القومية لتفتيت الوحدة الوطنية، والتشهير بالاغلبية الشيعية، ومحاولة طعن اصولها، لتبرير اقصائها عن ممارسة حقوقها الاساسية. وقد احدث سلوكه الاداري نقمة حادّة وشكل موقفه من غير العرب عقيدة تقسيمية ضارة.
ثم ان عداء الحصري للإيرانيين لا ينطلق من منطلق قومي، لانه لم يحمل نفس العداء تجاه الهنود، او الافغان، او الاتراك الذين كانوا يجاهرون بالعداء للعرب والثقافة العربية، ويشنون حملة لاستئصال التأثير العربي، من الثقافة التركية، مثل استبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني، واجراءات أتاتورك ضد المواطنين العرب في تركيا.
وعلى كل فان السياسة الطائفية التي انتهجها الحصري تناقض كل الطروحات القومية والوطنية التي تعتبر المواطنة حقا لكل ساكني هذا الوطن، وكان يفترض بالحصري العلماني، ان لا يعطي اهمية لقضايا التمييز المذهبي، لانه بالاصل، لا يؤمن بالدين وسيلة لوجود تمايز بين العرق والقومية الواحدة.
ويحاول الكاتب الامريكي وليم كليفلاند تحليل مبالغة الحصري في قضية العروبة، فيقول: (يحملنا على الاعتقاد ان الحصري، بعد ان اختار العروبة، انساق بطبيعة الحال الى بذل جهد فكري لتسويغ اختياره. وان التزاما مستمرا ومعلنا حيال القضية التي اختارها، بدا ضروريا. والواقع ان العراقيين المعاصرين للحصري ولياسين الهاشمي، لم يتهموا بالمغالاة في القومية للتعويض عن امتناعهما عن الاسهام في القضية العربية قبل انتهاء الحرب العالمية الاولى). <<
المصادر:
(*) (استفدنا في هذا البحث من بحث ساطع الحصري والتحول القومي للاستاذ جعفر عبد الرزاق مجلة التوحيد العدد 108)
1 ـ ساطع الحصري: (العروبة بين دعاتها ومعارضيها)، الطبعة الثانية ـ بيروت 1985.
2 ـ ساطع الحصري: (آراء وأحاديث في القومية العربية)، بيروت: 1985.
3 ـ وليم كليفلاند: (ساطع الحصري ؛ من الفكرة العثمانية الى العروبة)، الطبعة الاولى، بيروت 1983.
4 ـ نجاح عطا الطائي: (الفكر القومي ؛ اسلاميا وتاريخيا)، طهران، 1986.
5 ـ حسن العلوي: (الشيعة والدولة القومية في العراق)، ط 2 لندن، 1990.
6 ـ حسن السعيد: (نواطير الغرب ؛ صفحات من ملف علاقة اللعبة الدولية مع البعث العراقي)، بيروت، 1992.