بدعة التقارب بين المذاهب على اختلاف الأصول
موسى عبدالله آل عبدالعزيز * - « صحيفة الوطن السعودية » - 14 / 2 / 2006م - 1:12 ص
تعدد المذاهب في الإسلام لم يكن مقبولا إلا في الفروع، خشية الفرقة المذمومة، فليس هناك في الإسلام الأول «الصحيح» مذهب بكري، أو عمري، أو عثماني، أو علوي، ومع ذلك فقد نشأت المذاهب وأحدثت نوعا من التعصب الذي ترك التمسك بالدليل الصحيح أينما وجد، فتسبب في الفرقة بين المسلمين مع أنها لم تختلف في الأصول وخصوصا في التوحيد ونبذ البدع، ومنها دعاء الأموات وجعل الأضرحة مساجد، فقد أجمع أئمة المذاهب بل المسلمون على تحريم اتخاذ القبور مساجد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «... فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة عند القبور منهي عنها، وأنه لعن من اتخذها مساجد، فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك: الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، وقد تواترت النصوص عن النبي عليه الصلاة والسلام، بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه».
فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها، متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة، وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك، وطائفة أطلقت الكراهة، والذي ينبغي أن تحمل على كراهة التحريم، إحسانا للظن بالعلماء، وألا يظن بهم أن يجوزوا فعل ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعن فاعله، والنهي عنه، ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبدالله البجلي قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» أ. هـ (نقلا عن ابن القيم في إغاثة اللهفان).
كما أن هذه المذاهب متفقة على عدالة الصحابة رضي الله عنهم كأسانيد لنصوص الإسلام كتابا وسنة وفقها، فسموا بأهل السنة والجماعة، لاتباعهم للسنة، وما كانت عليه الجماعة الأولى «الفريدة بين أجيال المسلمين».
ولم يبق منها سوى أربعة مذاهب هي: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، وهذه أشهر مذاهب أهل السنة والجماعة، ولكنها انتحلت وبدلت مع تغير الأجيال وتوسع البدع، من مذاهب تتفق في الأصول إلى مذاهب ذات أصول وفروع، ودخلت أمهات البدع العقدية إلى دواوين مذاهبها الفقهية، فأصبحت عقيدة أهل الكلام، وأصول الخوارج، مدرجة وامتزجت في أسفار تلكم المذاهب «السنية»، ومن ثوابت المبدلين لها، وذابت فيها كذوبان الملح في الماء إلا من - رحم ربك وقليل ما هم - فتعجب كل العجب إذا رأيت الكثير من أدعياء الشافعية أو المالكية أو الحنفية، أو حتى الحنبلية كيف تبدلت لديهم أصول اعتقاد أئمة السنة، وأصبحت المذاهب التي ينتمون إليها، قوالب لعقائد هم حاربوها ووقفوا ضدها وبدعوا أهلها وحذروا منهم، فقلبت السنة في المذاهب إلى بدعة والبدعة أصبحت سنة، وما كان مذموما عند الأئمة أصبح محمودا عند المبدلين.
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: «...المقصود التنبيه على ما وقع من ذلك في أخص الطوائف بالسنة، وأعظمهم انتحالا لها، كالمنتسبين إلى الحديث مثل مالك والشافعي وأحمد، فإنه لا ريب أن هؤلاء أعظم اتباعا للسنة وذما للبدعة من غيرهم، والأئمة كمالك وأحمد وابن المبارك وحماد بن زيد، والأوزاعي وغيرهم يذكرون من ذم المبتدعة وهجرانهم وعقوبتهم ما شاء الله تعالى، وهذه الأقوال سمعها طوائف ممن اتبعهم وقلدهم، ثم إنهم يخلطون في مواضع كثيرة السنة والبدعة، حتى قد يبدلون الأمر فيجعلون البدعة التي ذمها أولئك هي السنة، والسنة التي حمدها أولئك هي البدعة، ويحكمون بموجب ذلك حتى يقعوا في البدع، والمعاداة لطريق أئمتهم السنية، وفي الحب والموالاة لطريق المبتدعة، الذين أمر أئمتهم بعقوبتهم..» أ هـ (الاستقامة ج:1ص13-17).
فهل كان أبو حنيفة يدعي أن لله أقطاباً يساعدونه في إدارة الملك كالوزراء عند ملوك الدنيا، وأنهم وسطاء ويستحقون الاستغاثة والتقرب، وأنهم يجتمعون في غار حراء، وهل أقر منهج المتكلمة والفلاسفة... ووحدة الوجود!! ألم يناظر الدهريين... ويذم أهل الكلام، بل إن ابن عبدالبر شهد له برجوعه في مسائل الإيمان المختلف معه فيها... إلى عقيدة السلف، فالناظر إلى عقائد كثير من الأحناف.. يجد أنها ربت في أكناف أصحاب المقالات المنحرفة.
وهل كان مالكاً نافياً للصفات... أو صوفياً ودعا إلى طريقة صوفية، تيجانية أو غيرها، أو دعا إلى تعظيم ضريحه، أو أي ضريح وجعله في مسجد، أو قال إن الله في كل مكان وإن الاستواء على العرش استيلاء؟.
قال شيخ الإسلام «واعتبر ذلك بأمور: أحدها أن كلام مالك في ذم المبتدعة، وهجرهم وعقوبتهم كثير، ومن أعظمهم عنده الجهمية، الذين يقولون: إن الله ليس فوق العرش، وإن الله لم يتكلم بالقرآن كله، وإنه لا يرى كما وردت به السنة، وينفون نحو ذلك من الصفات، ثم إنه كثير في المتأخرين من أصحابه من ينكر هذه الأمور، كما ينكرها فروع الجهمية ويجعل ذلك هو السنة ويجعل القول الذي يخالفها وهو قول مالك وسائر أئمة السنة هو البدعة!، ثم إنه مع ذلك يعتقد في أهل البدعة، ما قاله مالك، فبدل هؤلاء الدين، فصاروا يطعنون في أهل السنة!» أ.هـ (نفس المصدر) «فهؤلاء لا يتبعون مذهب مالك في الأصول... ولسان حالهم أن مالكاً لا يصلح إلا في الفروع، وبدلوا أصول الاعتقاد في مذهب مالك... واتبعوا سبل المذاهب الهوالك. وهل كان الشافعي صاحب طريقة نقشبندية... أو سادن ضريح أو داعية للتوافق والتقارب وهو الذي أبطل مزاعمهم... حيث قال: إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي. » عن شرح قصيدة ابن القيم ج/1 ص:29.
وهل قدم الشافعي العقل على النقل، ورد حديث الآحاد في العقيدة، أو ورد عنه... قاعدة قطعي الدلالة وظني الدلالة، ولم يؤمن بعذاب القبر، أو قال حديث الآحاد لا تقم به حجة؟! قال شيخ الإسلام: الثاني: إن الشافعي من أعظم الناس ذماً لأهل الكلام ولأهل التغيير، ونهيا عن ذلك وجعلا له من البدعة الخارجة عن السنة، ثم إن كثيراً من أصحابه عكسوا الأمر، حتى جعلوا الكلام الذي ذمه الشافعي هو السنة، وأصول الدين الذي يجب اعتقاده وموالاة أهله وجعلوا موجب الكتاب والسنة الذي مدحه الشافعي هو البدعة التي يعاقب أهلها. أ.هـ «نفس المصدر» فهؤلاء - قطعاً - ليسوا على مذهب أئمة الشافعية، وإنما أفراخ للمذاهب البدعية انتحلوا الشافعية.
وهل كان أحمد بن حنبل خارجيا، يكفر الحكام وعصاة الموحدين، أو كان يقرر التقارب مع أهل البدع، وهل دافع عن أصحاب المقالات المخالفة لمنهج السلف الصالح.. فإنك تعجب حينما تجد مثلا طائفة من المتحزبين، تنتسب إلى الحنابلة، نصبت نفسها مدافعة عن جماعات التكفير وأهل التصوف، فتجد منهم الإخواني والتبليغي، وأتباع حزب التحرير، والقطبي أو السروري..، يذبون عن أصحاب الطرق، الصوفية كحسن البنا صاحب الطريقة الحصفية وغيره.
بل يدافعون عن أصحاب المقالات الذين يقررون أن كلام الله مخلوق.. ويطعنون في كليم الله موسى - عليه الصلاة والسلام -، ويكفرون المجتمعات الإسلامية حاكما ومحكوما.. كما هي الحال في مقالات «سيد قطب!!» وعدوه مجددا، حتى أصبحت البدع التي تحاربها الحنابلة - قديما - هي السنة في ميزان ومعيار المتحزبين المنتسبين إليهم - حديثا -.. وتمادى كثير من أدعياء الحنبلية إلى الدفاع عن الجماعات الإسلامية البدعية.. ذات عناوين جديدة، وهذه الأسماء الحديثة للجماعات والأحزاب.. إنما هي قوالب عقدية لفرق - قديمة - فهي تمثل الخوارج والجهمية والمعتزلة، والطرق الصوفية.. فهل هؤلاء حنابلة - أو يمثلونهم..!!
قال - رحمه الله -: «.. الثالث: أن الإمام أحمد في أمره باتباع السنة، ومعرفته بها ولزومه لها، ونهيه عن البدع وذمه لها ولأهلها، وعقوبته لأهلها بالحال التي لا تخفى! ثم إن كثيرا مما نص هو على أنه من البدع التي يذم أهلها، صار بعض أتباعه يعتقد أن ذلك من السنة! وأن الذي يذم من خالف ذلك، مثل كلامه في مسألة القرآن، في مواضع منها: تبديعه لمن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق، وتجهيمه لمن قال مخلوق! ثم إن من أصحابه من جعل ما بدعه الإمام أحمد، هو السنة!، فتراهم يحكمون على ما هو من صفات العبد، كألفاظهم وأصواتهم، وغير ذلك بأنه غير مخلوق، بل يقولون هو قديم!، ثم إنهم يبدعون من لا يقول بذلك، ويحكمون في هؤلاء، بما قاله أحمد في المبتدعة وهو فيهم!، وكذلك ما أثبته أحمد من الصفات التي جاءت بها الآثار، واتفق عليها السلف، كالصفات الفعلية، من الاستواء والنزول والمجيء والتكلم، إذا شاء وغير ذلك.
فينكرون ذلك بزعم أن الحوادث لا تحل به، ويجعلون ذلك بدعة ويحكمون على أصحابه بما حكم به أحمد في أهل البدع، وهم من أهل البدعة، الذين ذمهم أحمد لا أولئك ونظائر هذا كثيرة!، وهؤلاء بالعكس يسبون المبتدعة يعنون غيرهم، ويكونون هم المبتدعة!!، كالذي يلعن الظالمين، ويكون هو الظالم، أو أحد الظالمين، وهذا كله من باب قوله - تعالى : ﴿ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون ﴾ 8 فاطر... أ.هـ (استقامة ج:1 ص:13-17)
لذلك نشأت دعوة التقارب المذهبي التي تتفق على الخلاف في الأصول وخصوصاً في التوحيد. ويتفقون على تنوع الفروع... فعذروا بعضهم على هذا الخلاف فدخلت جميع مذاهب أهل الكلام في هذه المعذرة ـ المذمومة ـ، وهذه دعوة الإخوان المسلمين التي لا تقيم للتوحيد وزناً... وحزبت أتباعها من المدرسين في الجامعات والمعاهد الشرعية على ذلك... فلا تجد لهم اتفاقاً في التوحيد بل يذمون أهله ومن يدعو إلى ذلك فهم يعذرون القبوري ولا يتفقون مع «السلفي»! بل يذمونه... ومن المتحزبين لهذه الدعوة... من يعرف الحق، ولا يذم الباطل، ولا يحذر منه، ويسكت عنه، ويتقرب إلى أصحابه... ولو نقض الإسلام عروة عروة!... ومنهم من يحب الحق والباطل... حتى آل أمرهم إلى ألا يستحسنوا حسنه، ولا يستقبحوا سيئه، لظنهم أن الله لا يحب مأموراً، ولا يبغض محظوراً... وأن الله لا يحب شيئاً، ولا يبغض شيئاً، كما هو قول الجهمية نفاة الصفات، ومنهم من يرد الحق والباطل، ويقرر عقيدة «عقلانية» يقدم فيها العقل على النقل، لتقرير المقاصد الدينية... وهذه عقائد طوائف وجماعات «الإخوان المسلمين!!» يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة!.
فهم إما مرجئة وإما متفقهة، وإما متصوفة ومتفلسفة وأهل كلام وأهواء، فهم لا يقرون أن بينهم باطلاً، بل يقرون أن من بينهم «تكفيريين!!» ولا يذمونهم لأن دعوتهم قامت على قاعدة فاسدة ـ أن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه ـ ولو كان في التوحيد أو حتى في الطعن في القرآن. والرسل والصحابة، تأويلاً منهم أن ذلك محل اجتهاد فيسوغ الاختلاف... فهم لا يفرقون بقاعدتهم تلك بين ما يقره العلماء الراسخون في مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع، وبين ما يقوله أهل البدعة والفرقة، ودلت على ذمه الأدلة من الكتاب والسنة... فيكتمونه... ويذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذماً مطلقاً!، ومع ذلك تجدهم ينسبون أنفسهم إلى المذاهب الأربعة... ويتعصبون إلى أئمة المذاهب في الفروع، ويخطئونهم في أصول الاعتقاد... من أجل محبتهم الحزبية المشتركة... فأضعف درجات الإنكار لا تلمسها عند القوم لأنها مخفية في القلب... ولكن قرائنها عند الكثير منهم بلا ريب معدومة تماماً، فهم كالكوز المنكوس«مجخياً!» أسود... لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً عقدياً... والدليل أنهم يكرهون من ينكر على طريقتهم... سراً أو علانية!!
فشابه بعضهم النصارى من جهة في محبة الحق والباطل، وبعضهم اليهود من جهة أخرى، في تكذيب الحق والباطل... وخالفوا السلف الصالح من الصحابة وأئمة المذاهب المنتسبين للحديث... الذين نهجوا على محبة الحق وذم الباطل وهذه عين العدالة التي يعرف بها أهل الصدق والإيمان... من المصلحين أتباع الرسل أصحاب الصراط المستقيم... قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى ج: 8 ص: 367): فأضعف الإيمان الإنكار بالقلب، فمن لم يكن في قلبه بغض المنكر الذي يبغضه الله ورسوله، لم يكن معه من الإيمان شيء، ولهذا يوجد المبتدعون الذين يدعون المحبة المجملة «المشتركة!» التي تضاهي محبة «المشركين!» يكرهون من ينكر عليهم شيئاً من أحوالهم... وقد يبتلون كثيراً بمن ينكر ما معهم من حق وباطل، فيصير هذا يشبه النصراني الذي يصدق بالحق والباطل، ويحب الحق والباطل كالمشرك الذي يحب الله، ويحب الأنداد وهذا كاليهودي الذي يكذب بالحق والباطل، ويبغض الحق والباطل، فلا يحب الله، ولا يحب الأنداد، بل يستكبر عن عبادة الله كما استكبر فرعون وأمثاله.
وهذا موجود كثيراً في أهل «البدع!!» من أهل الإرادة والبدع من أهل الكلام، هؤلاء يقرون بالحق والباطل مضاهاة للنصارى، وهؤلاء يكذبون بالحق والباطل مضاهاة لليهود، وإنما دين الإسلام وطريق أهل القرآن والإيمان، إنكار ما يبغضه الله ورسوله، ومحبة ما يحبه الله ورسوله، والتصديق بالحق، والتكذيب بالباطل! فهم في تصديقهم ومحبتهم معتدلون، يصدقون بالحق، ويكذبون بالباطل، ويحبون الحق ويبغضون الباطل، يصدقون بالحق الموجود، ويكذبون بالباطل المفقود، ويحبون الحق الذي يحبه الله ورسوله، وهو المعروف الذي أمر الله ورسوله به، ويبغضون المنكر، الذي نهى الله ورسوله عنه!
وهذا هو الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين والشهداء والصالحين، لا طريق المغضوب عليهم، الذين يعرفون الحق فلا يصدقون به، ولا يحبونه، ولا الضالين الذين يعتقدون، ويحبون ما لم ينزل به سلطاناً.. أ. هـ.
لذلك نقول:
إن هذه الدعوة ـ التقارب المذهبي ـ التي هي من قواعد حزب الإخوان المسلمين، بدعية لأنها:
1- التوحيد ليس له وزن بين المتقاربين فهم لا ينكرون على بعضهم، في التعلق بالأموات واتخاذ الأضرحة مساجد.
2- لا تحفظ للإسلام أصولاً، تمشياً مع قاعدتهم ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه... علماً بأن تباعد مذاهب أهل السنة لم يكن يوماً ـ في القرون المتقدمة ـ إلا في الفروع، وهؤلاء يقررون أن أهل السنة ليس لهم أصول تجمعهم، فزعموا أن اختلاف المذاهب في الأصول والفروع.
3- هناك فرق بين التشيع والرفض. فعقائد الشيعة معروفة في أول الأمر، وهم مسلمون... فمن قال: أنا شيعي، فيعد إلى ما كان عليه الشيعة الأول في عقيدتهم، التي لم تتعد محبة آل البيت وموالاتهم، دون الطعن في القرآن والسنة وأسانيد الإسلام... وأما عقيدة «الرفض!!» لم يقر لهم بذلك أحد من الأئمة على مدار القرون.
4- إن أسباب نسخ الأمم هو تبديل التوحيد... وإذا كان الإسلام هو دين الله في الأرض إلى يوم القيامة... فإن البأس الذي يقع بين الأمة... ونزع الأمن منها وعدم الوحدة، كل ذلك بسبب عدم قيام التوحيد في النفوس وإن كان مسطوراً ومحفوظاً في النصوص... فواقع الأمة وما يشهده من تسلط الأعداء عليها ومن فرقة بينها.. هو العقاب البديل عن نسخها...فالمذاهب وتحديداً أدعياء العلم فيها الذين انحرفوا عن التوحيد هم أهم عوامل الفرقة... وأن التفلت من قبل المسلم المدني عن قوالب المذهبية وقبول المدنية... هو عقاب من جنس العمل، فلا وحدة بدون توحيد ولا طاعة بدونه!
الخلاصة كأن المذاهب وصلت إلى الطور الذي حذر منه الأئمة أنفسهم، وأصبح الطريق مسدوداً أمام معرفة الحق من الباطل، والتوحيد من الشرك، والسنة من البدعة، فاختلطت أصول الاعتقاد الذي جاء به الإسلام، مع أصول الفساد الذي وقعت فيه غابرات الأمم... فمن كان يتبع مالكاً أو أحمد أو الشافعي... أو آل البيت فعليه الأخذ بما أوصوا به وهو صحيح الدليل الذي ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وثبت من أهل الأثر في الأصول أو في الفرع ـ كما يدندنون عليه اليوم ـ ولم يبق أمام المسلمين إلا العودة إلى ما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، وهي ثوابت الدعوة السلفية المباركة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بالذي صلح به أولها كما قال مالك وغيره.
داعية ورئيس تحرير المجلة السلفية
http://rasid.com/artc.php?id=9875