-
حقيقة غزو العراق
حقيقة غزو العراق
مبضع الجرّاح ...
قولنا هذا رأي فمن جاءنا بأفضل منه تركناه !
**********************************
بقلم : رياض الحسيني / إعلامي عراقي مستقل / www.geocities.com/zaqorah
صحيفة الاهالي الصادرة في اربيل العراق ضمن العمود الاسبوعي للكاتب (مبضع الجرّاح) وذلك في 16/10/2002
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ
تساؤلات حول حقيقة ما يسمى بـ (غزو العراق) !
سقوط نظام .. وقيام دولة
ليست قليلة هي الاقلام العربية التي وصفت نفسها انها " محبة للسلام وكارهة للحرب " والتي ذرفت دموع الحسرة على مصير نظام صدام، وما سيئول اليه الوضع في المنطقة العربية على وجه التحديد في حال اذا ما هوجم هذا النظام. ويتوسع البعض منهم ليؤكد ان الحملة انما هي على العراق اولا ومن ثم على كل ما هو عربي واسلامي مؤكدين ان العراق هو البعد القومي العربي للامة العربية من المحيط الى الخليج، وان العراق هو البلد الوحيد القادر على الوقوف بوجه الاستعمار الجديد؟! اذا ما استوعبنا حقيقة الامر والوضع الذي تمر به السياسة العالمية في ظل غياب التوازن عموما والاميركية منها تحديدا خصوصا بعد احداث نيويورك، يمكننا حينئذ ازاحة الضبابية التي تخيم على تحليلاتنا ومن ثم قراراتنا والخروج بالاجابة الشافية لتكهنات كثيرة تبدو واقعية للبعض في بعض الاحيان ومنها:
1. 1. اميركا تعاني بعض المشكلات الداخلية وتحاول تصديرها تارة وشغل المواطن الاميركي عنها خارجيا تارة اخرى ؟!
ربما يصدّق المواطن العربي اكثر من غيره تلك المقولات خصوصا اولئك الذين يقطنون البلدان العربية ولكن ما ان تسكن احدى الولايات الاميركية او الدول الاوروبية حتى تتبدد هذه التخرصات وتكشف عن زيف الادعاء. فالعلاقة بين المواطن الاميركي وحكومته غير مبنية على اساس التضحية والجود بالقدر الذي دأبت فيه اصول التنافس الانتخابي الاميركي على المصلحة المتبادلة. فبالقدر الذي تخلى فيه المواطن الاميركي لحكومته عن الشئون الخارجية فانه قد حصل على اغلب ما يرجوه ان لم يكن كل الوعود فيما يخص المعاملات الداخلية. بيد ان المواطن الاميركي غير مستعد للتضحية ولو بجزء بسيط من رفاهيته للرئيس في حملاته الدعائية او التزامات حكومته الخارجية.
2. 2. اميركا تحاول من خلال الاطاحة بنظام صدام السيطرة على منابع النفط العراقي لتقوية الاقتصاد الاميركي ؟!
ونتسائل ببراءة .. اين هي اميركا من النفط العراقي منذ عام 1991، ان لم نقل منذ ان اكتشف الذهب الاسود هذا الذي لم نذق منه الا مر السلطة وهتك الاعراض وسلب الحريات ومصادرة الكرامات. هل اميركا بحاجة للاطاحة بصدام لمد انابيبها النفطية عبر العراق لتغذية اسرائيل ؟ بالطبع لا، فنظام صدام هو النظام العربي الوحيد الذي يقطع من قوت الشعب العراقي ليدفع تعويضات لاسرائيل جراء سياساته العنجهية وعنترياته الفارغة من قبيل انه (سيرمي اسرائيل في البحر)، (وسيمحيها من الوجود). كذلك فان النظام لم ولن يعترض على اعطاء اميركا بعض الامتيازات النفطية وهذا ما نصت عليه احدى فقرات خيمة صفوان السيئة الصيت. لذا فان هذا السبب لا يصمد امام الدليل وما هو الا ترويع وتشويش من قبل النظام العراقي في محاولة لتهييج الشارع العراقي اولا والعربي ثانيا فضلا عن ضرب المعارضة العراقية في الصميم خصوصا المتحاورة منها مع اميركا للاطاحة به.
3. 3. اميركا تحاول زيادة مبيعاتها من الاسلحة للمنطقة من جانب والتمهيد لضرب ايران لاحقا من جانب اخر ؟!
اذا ما اردنا سرد مشتريات العراق من الاسلحة والمعدات الاميركية خلال عقد الثمانينات فقط فانه ليس من المبالغة اذا ما قدر البعض ان تلك المشتريات قد فاقت مشتريات الدول الشرق اوسطية مجتمعة خلال فترة عشرين عاما. اضف الى ذلك ان زيادة مبيعات الاسلحة الاميركية للمنطقة العربية لم تزدهر الا بوجود نظام صدام حسين وتهديداته المستمرة للدول الخليجية.
اما عن تكهنات التمهيد لضرب ايران فان لم نقل انها ساذجة، فانها ليست مبنية على اساس متين من الاحاطة باصول اللعبة السياسية فضلا عن الضعف في ادراك لعبة التوازنات الدولية، وذلك لسبب بسيط وهو ان اميركا ليست بحاجة لدخول شمال العراق لضرب ايران خصوصا والكل يعلم ان القواعد الاميركية وحاملات الطائرات والغواصات تجوب الخليج العربي شرقا وغربا دون رقيب او حسيب ! كما ان تواجد الاميركان في قاعدة انجليك التركية يعطي القوات الاميركية دفعا اكبر على الانقضاض على ايران، والتواجد الجديد لتلك لقوات في افغانستان قد اعطاها دفعا اضخم لتطويق ايران وخنقها. فلو ارادت اميركا فعلا الدخول في حرب مع ايران يرى الكثير من المحللين فضلا عن الادارة الاميركية انها حربا خاسرة لاميركا وليست لايران (الصديق الجديد) فانها أي اميركا ليست بحاجة الى قاعدة اخرى اقرب مما هي عليه الان. بيد ان هذه العملية التشويشية باتت مكشوفة للايرانيين قبل غيرهم وهي محاولة جر ايران للانخراط في حرب مع صدام ضد اميركا.
4. 4. اميركا تجاهد من اجل المحافظة على التوازن الاقليمي مما يحفظ لاسرائيل الغلبة عسكريا وسياسيا واقتصاديا ؟!
هذه حقيقة يعرفها العالم اجمع، وليست بجديدة ولكنها ايضا ليست الموضوع في صلبه ولا الحقيقة في ذاتها من الاطاحة بنظام صدام. كما وليس الواحد منا بحاجة الى حنكة سياسية خارقة ليعي لعبة التوازنات وبروتوكولات التحالفات. وما تفسير ان اسرائيل هي حليف اميركا الاوحد في المنطقة الا هو من قبيل الضحك على ذقون الجماهير العربية والشبيبة الاسلامية فضلا عن خلق عدو يضمن للانظمة العربية البقاء ما دام العدو الذي يهدد الجماهير العربية والاسلامية خالقين منه بعبعا يريد التهام الارض العربية والمنابع النفطية واحتلال المنطقة العربية، في الوقت الذي تمارس فيه تلك الانظمة مع شعوبها سياسة لا تقل وحشية ان لم تكن اكثر في احايين كثيرة من وحشية المستوطن مع صاحب الارض الفلسطيني. كما ان الانظمة هذه لا تتورع عن التباهي بصداقتها للادارة الاميركية ان لم تكن عمالة في حقيقة الامر ضد شعوبها في مجالات عدة. لذا فمحاولة اظهار اسرائيل من انها الحليف الاوحد لاميركا في المنطقة العربية انما هو من قبيل حفظ عقد التلازم بين الحكومات العربية وشعوبها من الفرط اكثر مما هو حقيقة على ارض الواقع.
5. 5. حقيقة ان اسرائيل هي وراء حملة ضرب العراق ؟
يحاول النظام العراقي ان يوهم العالم العربي من ان الهدف من الحرب هو العراق وليس النظام، وكأن اميركا ليس لديها اية تصفية حسابات مع النظام، وان النظام انما هو نظام وطني مخلص للشعب والوطن ويجب الدفاع عنه وان اسرائيل وراء تلك الحرب ؟! بطبيعة الحال فان اعداء صدام ومناوئيه ليسوا بحاجة لتبني اسرائيل حملة التخلص من صدام. وان اعمال صدام الوحشية ضد شعبه وجيرانه طيلة ما يربو على عقود ثلاثة كافية لتحشيد الحشود الجماهيرية ضده هذا من جهة، ومن جهة اخرى فان بقاء نظام صدام هو بحد ذاته خدمة للمصالح الاسرائيلية في المنطقة وخدمة لكل ما يمت بصلة لليهود. وبعملية حسابية بسيطة نرى اليهود في كل يوم وهم يرفعون علم المظلومية والتطبيل لتصريحات النظام العراقي من انه سيمحي اسرائيل عن الوجود .. وليته يفعل. هذا بحد ذاته كاف لتعاطف العالم اجمع مع الاسرائيليين ضد العرب والمسلمين رغم ان صدام لا يعرف معنى الانتماء الى أي من الطرفين.
من ذلك نستخلص الى ان الحقيقة هي ان اميركا تجني عوائد وامتيازات مادية في ظل وجود نظام صدام حسين حاليا اكثر مما تجنيه في حال غيابه ؟ اذن ما الذي يدعوها للاطاحة به لو كان هذا صحيحا ؟!
لا شك ان اميركا قد اصيبت بمقتل حينما لم تفكر يوما او ولو للحظة واحدة من ان الهجوم سيكون من الاصدقاء، وان الضرب سيكون في عقر الدار وليس كما هو مؤمل ومعهود سابقا وذلك من خلال ارسال رسائل (جر اذن) عبر السفارات والمصالح الاميركية والثكنات العسكرية. لذا فهي تحاول جاهدة اعادة ترتيب البيت الخليجي لما فيه من تصدعات تضر بالمصالح الاميركية حاضرا ومستقبلا ؟! وما افرزته تلك التصدعات من حركات ارهابية ولدت من رحم الحركة الوهابية التي طالما حظيت بالتبجيل والتكريم من قبل الادارات الاميركية المتعاقبة. كما ان وقوف اميركا مع صدام في حربه ضد ايران ان لم يكن بوحي منها، ومن قبلها تسليمه رئاسة الجمهورية كان كافيا للادارة الاميركية من انها قد استحكمت امرها لضمان عدم تمرد الموظف على ادارته. فيما ظهر لاحقا ان تواجد الموارد المادية وصرفها دون رقيب وحسيب من قبل نظام صدام على حركات تجاهد من اجل الاضرار بالمصالح الاميركية هو السبب الرئيس وراء احداث سبتمبر. اضف الى ذلك ان الادارة الاميركية قد ادركت قبل فوات الاوان من ان الحل الامثل لحفظ مصالحها واستمرار احكام سيطرتها على العالم بلا منازع هو اتباع اسس ديمقراطية والتعامل مع الاخرين تبعا لاعمالهم وردود افعالهم السياسية لا حسب عقائدهم الدينية وتصنيفاتهم الاثنية، خصوصا في الوقت الذي انقلبت فيه موازين وحسابات كثيرة وذلك بعد قبول ايران دخول اللعبة السياسية وحصولها على مقعد بارز في محاربة الارهاب. لذا فان المستقبل يبدو واضحا للانظمة العربية وينذر بسياسة عقاب اميركية صارمة ضد من تسول له نفسه في الوقوف بوجه التغيير الديمقراطي الجديد. وباختصار شديد فان الانظمة العربية وتحديدا منها المملكة السعودية قد ادركت المخطط، وهو ان اميركا تحاول من خلال التخلص من صدام ونظامه على البحث عن تحالفات مع الاعداء القدماء (الاصدقاء الجدد) وضبط ايقاع الاصدقاء القدماء (الاعداء الجدد) ؟! فطالما انه ليس في السياسة من ثوابت، فلا صداقة تدوم ولا عداء.
(: