-
اديب من مدينتي
أديب من مدينتي
جواد المنتفجي..
كتابات بانطلاقة الحزن .. ووجع الكلمة
الكاتب
الشاعر والباحث
حسن عبد الغني الحمادي
عضو اتحاد ا لأدباء والكتاب العراقيين
الناصرية ... حلم ونشيد .. وقيثارة وهبت أوتارها لتعزف ألحانا موسمه بالشجن والأنين.. وأنغاما تدلك على سحر الباسقات وزهو السنين قصائد تعمر القلوب وتسحرها بألق وتوقد.. قصص تمنحك المتعة والخيال ، ربما مزيجا من واقع وأساطير وأحاديث حاكها الأولون بنسيج من خيال وتقرب من الزمن ، فكانت ملاذا وبقيت تقرع في ناقوس الدنيا والذاكرة والزمن .. ومن ثم شغلت الآخرين بعبق من كتابة .. وسفر خالد متوج برايات الإبداع والق المبدعين ياله من ارث حضاري ونعيم من ماضيات .. انه لا اخفيك زهو نتباهى به .. ونعتلي به صوت المجد والتاريخ والزمن .. هي حقيقة في مدينة كان ولا يزال الإبداع وشاحها ، حيث وهبت للدنيا حروفا تعلمها الإنسان في خضم حياته الأولى نور متوهج ودليل رائع في انطلاقة حسنة وسط عالم مكتظ بالتناقضات والأوهام والحقائق .. تلك هي الناصرية .. دنيا من قصائد .. ووجع من شعر .. وعالم من قصص وحوارات ، وانين من سفر يقصد الشمس والإشراق والتألق والتوهج والإبداع ..
لقد أعطت هذه المدينة المتعاقبة الإبداع الكثير من الطاقات الأدبية والأقلام المطلقة لوجع الكلمة واليقين ، أجيال متعاقبة تلاحقها أجيال.. روافد من نبض الإبداع يوسم المدينة بثراء أدبي رائع يدخل سجلات الوثيقة والتاريخ بأمان وغبطة ، ووهج حقيقي ينطلق بصيحات الحروف وسحر الكلمات .... ويستمر الزمن .. فتنطلق رايات الإبداع .. عالية ، مسحورة تسحر الآخرين .. مشغولة تشغل الدنيا والزمن بذلك اثر الإبداعي ..
جواد المنتفجي ... أديب من مدينتي ( الناصرية ) .. فهو قاص .. وشاعر .. وباحث شغل نفسه بعالم الكتابة والمتابعة منذ السبعينيات وكانت أولى بداياته عندما كتب قصة قصيرة بعنوان ( التشتت ) ونشرت حينذاك في الصحف والمجلات .. ولم تخذله الكلمات ولم تعيقه تزاحمات الحروف ، كتب بنفس خاص من أعماقه .. كانت ولا زالت حواراته أنين من قلب .. وعصف من محبة ، وشذا من عطر المدينة الساحرة المتزاحمة القصائد والشجن ، والسحر والخيال .. والشعر .. و( الموال ) ويوم يغيب عنا ( جواد المنتفجي ) نحس بفراغ الدنيا فهو حضور طيب وصاحب نكتة وبديهية وصوت رائع يحسك بدفء الجنوب ...
نسج حروفه بانين أعماقه وحسرات من ذاته .. ووجع من كلمة لذة الجنوب ، ذلك الجنوب المشحون بالآهات والألم والحسرة والنشيد ..والمتاخمة مناخاته بأشكال من الطبيعة حيث الخضرة والبساتين والاهوار .. ( الناصرية ) عالم قائم بذاته خلقه العزيز الجليل لأهلها الأوفياء الطيبون .
كان ( جواد المنتفجي ) ولا يزال يكتب قصائده بحرقة .. وينزف حروفه المشحونة بذلك الوجع المتدفق من بين جنبات قلبه الواهن الذي آلم به الوهن منذ شهرين ، كان يعيش مع حروفه بمرارة وتلذذ وينطلق بشراع الحزن والألم والمكابدة كما قال في مدينته قبل أن يسقط الطاغية...
غيبوك يا مهجة الروح!!
يا وطن كان يلفنا،
في زمن بؤسنا
ليداوي تقيحات الجروح
يا لناصرية...
يا سليبة وطني
أيام كان ينوء من تراحه
يا مدينة إبراهيم الخليل
ومهبط أولى الرسالات،
يا وحي من أور،
و سحر جدائلها
من سعف نخيلها المبهور
كتب ذات مرة قصيدة جميلة لها وقع من أعماقه وأناشيده ، خاطب فيها الأيادي الآثمة التي مست ضفائر مدينته .. معشوقته ( الناصرية الفيحاء ) يوم فجر البغاة سيارة مفخخة في شارع ( الزيتون ) وهو من اجمل شوارع المدينة .. كان عنوانها .. ( سيلهمك الحطب ) ..
لما غدت ..
تصرخ فيه الدماء التقية
- ويحك أيها الممزق !!
هل صب الدم دفاه فيك
في فجيعة تلك الصبيحة الصاخبة ؟
هل يصار وصل الأفئدة
من هوى الأفئدة الحاقدة ؟
- وها أنت أيها الممزق
تقضي لحظات مسهدات اخيرة
تستطلع في سنا ورد شارع ( الزيتون )
دمدمة سقوط الشهب
لتصوغ قطاف ميراثك الحقيرة
من جمر نار ، ولهب
بعدما دكنة ظلامك انقشعت
فـ ( تبت يدا أبى لهب وتب )
سيؤكلك الحطب
كلما شمس الحرية
على نجيع مذابحك الهارية
ومقابرك الجماعية أشرقت
وراحت تسرح جدائلها
على قباب مآذن ( الناصرية )
الفيحاء الأبية
ومن قصيدة أخرى نشرت في جرائد عديدة كانت بعنوان ( حصار ) يخاطب فيها الطاغية ويسأله لماذا اعدم شقيقه ( عدنان ) وهو لم ينهي بعد ربيعه التاسع عشر ...
محاصر أنت ألان يا صدام ؟
آه يا مغفل
يا من تحسب خفق خطواتك
إلى الوراء أمام
في تيه حفر الأرض
وجلجلة العفاريت والجان
محاصر أنت ؟
يا من توارى خلف شواهد قتلانا
وغيض الأنس وهواجس الجان
محاصر أنت ؟
وأنا مثل الأطفال أتهجى
ميراثك من لظى الحسرة
كلما تلمست يباب حديقة الدار
التي كان يغرس في أجماتها
أصابع الورد ( عدنان )
وفي مناغاة لشقيقته الكبرى والتي دهسها ازلام الأمن الصدامي في محاولة لاغتيالها قبل أن يتوفاها الله تعالى ...
تأتيني من الذاكرة
خاطرة .. عاصفة..
غيمه ماطرة
تجيئيني ..
شوق قاتل ..
حبك ذلك الطفل العاقل
يسري .. يعبث في دقات قلبي
في أوردتي صاعد
نازل في شراييني
حبك ذلك الطفل
العابث العاقل
مع نبضات قلبي
كل يوم صاعد نازل
ليعيدني مرة أخرى
إلى الذاكرة
وتوالت الأقدار لتخطف من أديبنا شقيقه الثالث ( عادل ) الذي استشهد دفاعا عن حرية العراق العظيم عندما كان يواجه الإرهابيين في غرب البلاد بعد سقوط النظام حيث ناجاه بقصيدته التي لطالما استمعنا أليها عندما نتذكر كل من غاب عنا ولم يعود بقوله ...
حضنت قلبي .. بين كفي..
من ذكراك كي انسيه
حرصا عليه...
خوفا من طيوفك عليه..
يا عيني عليه
كان هذا نشيد أديبنا ( جواد المنتفجي ) نشيدا مفعما بالآه والأنين ولم يتوانى عن كتاباته ليرثي مراجعنا العظام الذين استشهدوا دفاعا عن المبادئ التي خطها لهم درب الإسلام والشهادة فهو يقول في ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة ( الحسين ) عليه الصلاة والسلام .
العراقيون...
أثر للشهادة بالأمس كانوا،
وما يزالون !
والقاصدون...
لمواساة أهل البيت
على جسر الأئمة اقسموا،
وفي الكاظمية ،
ما فتئوا يرددون...
الدم بسملة فاتحة
طوابير الشهداء،
والدم ...
منذ أن سال من نحر
الحسين عليه السلام...
هو وهج للدنيا
فوق رمال كر بلاء !
ينادينا الدم ...
حتى أمسى نشيدا
لمسيرة مواكب العزة والفداء!
الدم.. الدم.. ألد...........
يموج بنا الدم ،
حتى صار في عرفنا...
هو ماء للحياة
يسيل منا الدم
حتى من كثرة نزيف الدماء ،
أمسى هو في نهجنا...
- (( كل ارض كربلاء،
وكل يوم عاشوراء ))!
كما جاء في مرثية أخرى في ذكرى استشهاد آية الله العظمى الشهيد السيد (محمد باقر الصدر ) ( قدس سره الشريف ) اسماها ( نوح حمامة الدوح ) ...
وفجأة ، و في أحد الصباحات،
التي جاءت من العهود المظلمة...
مرت بنا سحابات موت
أمطرت الدنيا بالجماجم
وغطت الأرض بالجثث الهامدة
ولما صار الدفن جمعا
كضّمة باسطة كف
وهزت الربوع طوابير التوابيت
بمسيرات صامته
جاء في مخاوف الجرائد والصحف …
-أن الحمائم الهائمة في بحر( النجف )…
قد فرت مفزوعة
لتحط بين المنائر المذهبة
-أما الحمامة المنتوفة الجناح هذه
فقد هوت ترفرف مقتولة
مقطعة الأطراف
في أروقة الصحن
ولمن يغيب عن شعر الأديب ( جواد المنتفجي ) القادة العظام الذين استشهدوا بعد سقوط الطاغية ، فها هو يرثي شهيد الإسلام المجاهد آية الله العظمى السيد ( محمد باقر الحكيم ) ( قدس سره الشريف ) حيث سمى قصيدته تلك بـ ( شهيد الحراب ) جاء في مطلعها ...
بعد سهد الشوق،
بعد جدب الغياب...
جاء سليل آل البيت
معتليا نشيج الوحدة
مطلقا عنانه
لبلد الأحبة بلهفة
مبتهلا بشموس وجه
ولحيته الغرة البيضاء
ناثرا شفاعة ادعيته
على حجب الضباب
كم كان بوده...
لمّا شمر عن جلّ ساعديه
عند بوابات الحدود
أن يتيمم بغرس التراب
ويشتف بملء راحتيه
جذوة الدمعات الحزينة
من عتبة كل باب
ويمسح عنا بكفته الرحيمة
لظى ثياب الحداد
ويفطم وخز مآقينا
من نثار محيطات البكاء
لكمّ وددنا ، بعدما يزورنا
من بعاد المنفى...
أن يحصد الرثاءات المحمومة
التي نخرتها زنازين وقيود الحياة
ويزيح فائض الصبر عنا
ورميم مرارة الآهات
المتدلية منذ أزمنة
على شبابيك الأئمة
وال البيت الأطياب
ومن تجارب ( جواد المنتفجي ) القصصية ، وهي من عشرات القصص التي كتبها طيلة حياته الأدبية .. قصة حملت عنوان ( دوران في الدوائر ) .. وكانت جميعها بمثابة حكايات من ذلك الزمن الصعب ، ربما مثلت تجربته القصصية ذلك في لغتها وطرحها لأمور حياتية واجتماعية محتدمة في حوار و ألم .. حيث وضحت تجربته وأعلنت قدرته على لملمة الحزن والصعاب .. الموت والحرب .. والحب ربما !! هي حكايات اختصرت أوجاع الزمن ، وما تركته السنين الطويلة ... سنين الدمار والتدهور طيلة خمس وثلاثون عاما من الضيم والقهر ، وهذا ما نثره في سطور تنزف ما أعشناه من مرارة وخذلان وتجارب صعبة تهلك أصحابها كشفته هذه التجربة عن انطلاقة الحروف من بين يديه بمحيط خاص ربما يتمثل بالبيت والعائلة والزوجة والأولاد .. وبالتالي تصل بك إلى أشياء عامة يعيشها المجتمع والشارع والبيئة والزقاق .. هو دائم الاكتراث لعذابات جيله ، وهذا ما تلاحظه في مرثيات قصصه دونها بذاته وأعماقه ، ربما لأنها لخصت زمن العذاب والقهر ... وفي إحدى حكاياته المؤلمة التي ضمتها قصته المذكورة أعلاه .. تناشده زوجته ليلة العيد بخطاب سؤالي ...
- كيف تتحمل رؤية أسمال أطفالك البالية ؟
وتلك هي معاناة لا اكثر .. ولما أدرك ورأى الناس والشارع ، فوجئ بان لا مظاهر للعيد في أول أيامه .. وكان الجميع بملابس بالية ، وحزن عارم دائم يطوقهم .. لكنه رغم هذا كله كانت التهاني والتحايا نشيد الناس وتلك رغبة مشروعة في أمل كان ينتظره الآخرون ..! وفي حكاية أخرى من حكاياته الهادفة .. هي انه مزق يوما ما أوراقا كانت تسمى بأوراق( اللوتو ) .. وأوراق ( امسح واربح ) والتي كان يتاجر بها أبناء الطاغية في خداع عامة طبقات المجتمع من اجل كسب المادة بصورة غير مشروعة .. ألا أن بطل القصة مزقها قبل أن يمزقها الزمن والتاريخ .. ذلك مثلما مزقت آمال أصحابها الخائبين .
ولا ننسى دوره في اطلاعنا على الكثير من دراساته وبحوثه التربوية والثقافية وخصوص تلك ا لبحوث التي أغنتنا بالكثير من المعلومات عن مناطق الاهوار نتيجة لتجاربه هناك بعد أن عايشها كباحث بحكم وظيفته التربوية مما إحدى بالكثير من المسؤولين بالاطلاع على مثل هذه التجارب وقد أنجزت الكثير من هذه المشاريع بعد أن كان أهالي تلك المناطق قد حرموا منها طيلة العقود الماضية ونذكر على سبيل المثال من هذه الدراسات
• التعلم حق من حقوق الإنسان/ الجزء الأول/ دراسة عن سير العملية التربوية في مناطق الاهوار
• التعلم حق من حقوق الإنسان/ الجزء الثاني
• الاهوار معزوفة نشيد موطني/ الجزء الثالث
• الرياضة الجماهيرية بين الواقع والطموح
• السياسية التعليمية وخطورة توجهاتها/ الجزء الأول
* السياسة التعليمية وآفاقها المستقبلية في فكر وآراء المرجع الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر(قدس سره الشريف)
• القيادة التربوية الناجحة بعد سقوط النظام/الجزء الثالث
• أوقات الفراغ في مناهج الدروس وخطة الدرس
• الرياضة الجماهيرية وسبل تطبيقها في العراق/ الجزء الثاني
• قراءات في مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام / دراسة تحليلية / الجزء الأول والثاني
الشهادات التقديرية
• شهادة تقديرية من وزارة الثقافة للدور المتميز في المهرجان الأدبي الأول الذي أقيم في ناحية الفهود هذا العام
• شهادة تقديرية من شركة الفرات للدعاية والأعلام التي تصدر في بغداد وفرنسا في أن واحد نتيجة لمشاركته الأدبية بشتى أنواعها .
• حائز على عدة شهادات تقديرية من وزارة التربية في مجال عمله وكتابة البحوث والدراسات التربوية .
• حائز على (168 ) شكر وتقدير خلال عمله الوظيفي
• حائز على تكريم ( المخلصون ) من أبناء محافظة ذي قار نتيجة لمتابعة سير العملية التربوية في اهوار محافظة ذي قار بعد سقوط النظام البائد واعتبارا من 14 /4 /2003
• ساهم في الكثير من الأعمال في مناطق الاهوار كإعادة الدوام وتعيين أبناء الاهوار الذين كانوا مغيبين كما ساعد المجلس البلدي حول فتح معهد للمعلمين المسائي في قضاء الجبايش وبتاريخ 20 / 10 / 2005
• حائز على شكر وتقدير أهالي الاهوار (الجبايش و الفهود و الحمار) وذلك لسعيه في تعيين أبنائهم الذين كانوا مبعدين عن المنطقة بسبب سياسة النظام البائد ضد أهالي الاهوار
• حائز على شكر وتقدير دورات ( رايز ) والتي أقيمت للمدرسين بعد سقوط النظام
• حائز على الجائزة الأولى من نقابة المعلمين للأدباء المعلمين جريدة صوت المعلم عن فوز قصته (الغريب )
جواد المنتفجي ... تجربة تعلن الحروف بانطلاق الحزن والمرارة والألم وصوت يرفع شراعه عاليا ليعلن الالتحاق بسفينة الإبداع والمبدعين تحت ظلال نخيل الناصرية الفيحاء الأبية سائلين الله أن ينهض من وعكته الصحية فقد طال فراقه كثيرا
ملاحظة ... نشر جزء من الموضوع في جريدة الفرات / العدد 187 / الاثنين 27 / أيلول / 209034م / السنة الأولى
-
-